الإثنين , أبريل 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / مكتبة غالب طيفور / البحر وطنا”… (5)

البحر وطنا”… (5)

البحر وطنا“…
(5)

       كانت السباحة سهلة نوعا ما لكن الخوف ، والجوع والهلع ، وصراخ الأشخاص حولي، واختفاء شخص بين الفينة والفينة في عمق المحيط كفيل بادخال الرعب والخوف ، نقاتل بكل ما اوتينا من اجل البقاء ، تبلدت كل احاسيسنا ، حتي صرنا لا نعرف الوقت والزمن ، وكلما نشعر بالارهاق والتعب ، نتمسك بخيط الأمل .
       لا ندري كم سبحنا في هذه المياه التي لايوجد لها نهاية ، ولا نعلم اي من الاسماك المفترسة التي من الممكن ان نكون وجبتها القادمة ، وعندما يراودنا هذا الاحساس تسري في جسدنا الرعشة ، أحساس غريب يحمل مجموعة

مشاعر المختلطة ، الخوف والضعف ، والامل ، والترقب ، ويبقي هنالك امل طالما  هنالك رب يحميني ، ويبقي الاستغفار ،  والدعوات الصادقة مربوطة بالتذلل للواحد القهار الأحد الصمد ، هي الملاذ والمرتضي .
       لا ادري كم سبحنا ، وكم من السنوات الطوال قبعنا ، في هذا البحر الخضم ، ولكني شعرت بالجميع يصرخ ويهتف وكان هنالك شيئا بعيدايدنو انه قارب ، يظهر كبقعة او سراب ، ربما يكون مجرد شيئا يداعب عيوني من أثر الارهاق والتعب ، لا انه قارب ، وبدا الجميع يصرخ ويلوح ، حتي اصبحنا نشاهده عيانا بيانا ، يلوح في مرمي عيناي ، ولا ولكنه فجاءة غير اتجاهه وغير مساره ، وبدأ يعود من حيث أتى ، فصار  الجميع يصرخون ويبكون ، بحرقة ، حتي  إختفي من الأفق ، وحدثت نفسي : لابد انه لم يشاهدنا ، أو خاف من الشرطة المصرية ، حتى لايتهم أنه من المهربين ، ففضل عدم اقحام نفسه في مشكلة ، لم يبقى لي شئ سوي انا أقول اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله لمرات ومرات وأغمضت عيني ، مستسلما لمصيري المحتوم.
      لقد توسطت الشمس كبد السماء ، وهذا يدل ان الساعة تجاوزت الثانية عشر ، او انني أهذي ، حاولت أن أشغل نفسي بمن حولي واتابعهم لعل وعسي ان يظهر شيئا جديدا، ولكنهم اصبحوا قلة ، وسبحان الله ذاك هو الشاب الذي أنقذ المرأة السودانية ، يسبح جوارها لم ييأس ، وهي ترتدي السترة ومجموعة من المصريين ، يسبحون بالجانب الآخر ، وهنالك نسوة ثلاثة متمسكات  ببقاياخشاب السفينة ، وفي الجانب الآخر سودانيين ايضا يسبحون بعيداعن الجميع ، والكل متمسك بالحياة ، ولا أمل ، في شئ  يظهر ،كان الأخوة المصريين يكبرون ، ويهللون ، والسودانيين صامتين ، كل يعبد ويدعو ربه علي هواه وفطرته ، في تلك اللجظات العصيبة .
        رقدت علي ظهري مواصلا السباحة متمسكا بعدم الابتعاد منهم ، الا بقدر كافي ، يجعلني ، اشاهدهم ويشاهدوني ، حتي شعرت بصرخات من جديد ، وايقنت بغرق مجموعة تعبت من السباحة ، ولكني تبينت صوت ماكينة ضخمة ، نعم أنه صوت ماكينة ، حتي أن  جسمي بدأ يرتجف ، أنه قارب صيد ضخم ، وصرخ الجميع الله اكبر ، الله اكبر الله اكبر .
     وبرزت وجوه أشخاص، كانت تقف علي جوانب القارب لتقذف  لنا الحبال ، وتدافع الجميع نحو القارب ، ولم أشعر بنفسي الا وانا اسقط داخل القارب ، وكنت محتاجابشدة أن أبكي ، بكل ما أوتيت من قوة ، فرفضت دموعي أن تنزل، وكأن قلبي تحجر من هول ما رأيت .
      فرفعت رأسي لأشاهد البقية الباقية ، وهم يصعدون الواحد تلو الاخر ، ولم أجد فيهم الستة الذين كانوا معي في المخزن وفي الزورق ، ولم اجد سوي ذلك الشاب الذي أنقذ الفتاة ، التي عرفتها بعد ذلك انها محامية تجاوز عمرها العقد الرابع  ، والشاب الذي انقذها من منطقة أمدرمان ، وانا اتابع الجميع بعيوني ، ولا استطيع حراكا” .
        تم انتشالنا من البحر في الساعة (12:30) ظهرا ، سبحنا سبعة ساعات متواصلة ، لم نعلم بالزمن ولو كنا نعلم لغرقنا جميعا ، وانقذتنا مراكب الصيادين،  قالوا انهم أرسلوا ثلاثة اشارات انقاذ للبحرية المصرية ولم تستجيب .
تحركنا عائدين في اتجاه نقطة انطلاقنا ،ونحن لا ندري أنفرح بنجاتنا ، أم نحزن علي الذين ضاعت امانيهم امامنا ، والتهمهم البحر ولكنها تبقي ارادة المولي ، فكان مصيرهم وسط الأمواج غرقى .
        تم تسليمنا للبحرية المصرية مباشرة ، التي سلمتنا بدورها لقسم الرشيد بالاسكندرية .
كانت محصلتنا النهائية (154) ناجي من اكثر من (500) شخص ، اربعة نساء ، من ضمنهم المحامية السودانية ، واثنان من الارتريات ، وصومالية ، و(110) من الاخوة المصرية ، و(26) شخصا من السودانيين ، (14) شخصا من الجنسيات الأخري.
       وانا  الآن (بسجن الرشيد) وجميع من حولي نيام ، يغطون في النوم ، بينما لايلامس النعاس جفوني ، والحقيقة تقال حتي الآن يبدو لي أن  ما حدث لنا هو مجرد حلم ، أم هو حقيقة ؟؟؟لا ادري ،
     وحتي المنظمات التي حضرت كان معها اطباء نفسيين للكشف علينا ، فهنالك دائما ، قوة تحمل لكل انسان ، ويبدوا اننا كنا علي حافة الانهيار النفسي ، طالبت المنظمات بعدم عودة اللاجيئين الناجيين ، ولكن هنالك قوانين مقيدة .
  واخيرا”  أحمد الله واشكره واتوب اليه ، وأحمد الله انني كنت لوحدي ، فهذا السوداني الذي انقذ المحامية فقد خاله ، وابن خاله في هذه السفينة ، وهو ممدد بجواري ، يئن كما تئن الشاة المذبوحة .
     اسأل الله للذين استشهدوا  أن يتقبلهم الله من بحره الي جناته …
واشكرك جزيلا اخي (غالب ) للاصغاء لي صديقك
(محمد عزالدين ) …

( هذه هي جزء من تفاصيل السفينة الاخيرة التي غرقت في منطقة العريش علي الشواطئ المصريه )
نسال الله لشهدائها جنة عرضها السموات والارض …

النهاية …
Ghalib Tayfour

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.