الجمعة , مايو 24 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
winter.jpg

فرن الذهب

   فرن الذهبwinter.jpg
   
================
// محمد همت//

قصة قصيرة

في احدي الليالي الشتوية التي صادفت موجة برد عاتية لم يسبق لها مثيل ، حيث وصلت درجة الحرارة أدني مستوياتها ، و كان البرد لايحتمل علي الإطلاق ، ذلك البرد القارس الذي يصحب معه زمهريرا” يبدو كأنه معزوفة” موسيقية نادرة تهدأ لها نفوس المرضي النفسيين ، و يظهر صوت المزمار الحزين كتغريدة عصفور حبيس يتوق لنيل الحرية من ذلك القفص الحديدي الضيق ، فصوته كان كصافرة القطار العاليه التي تبشر أهل المدن البعيده بعودة الغائبين ، رغم كل هذا إلا أنني كنت ارتدي ملابس صيفية خفيفه مليئة بالثقوب ، و ارتجف من البرد القاتل ، والذي وجد مدخلا إلي جسدي عبر ثقوب قميصي الممزق ، كأنه أذن له له بالدخول في حاله اشبهه بالتآمر للقضاء علي غير مهتم بلسعات ذلك البرد الهائج و تبدو كأنها لسعات ثعبان ضخم ، يلتف في بقوة_ شديدة  و بضغط هائل محطما” عظامي سامعا’ أصواتها و هي تتحطم ، كاتما” أنفاسي ،غارزا” انيابة الطويلة في جسدي مفرغا” كل سممه في لحمي كأنه يريد الانتقام و بغبن- شديد ، قوته المفرطة كانت كانت كالمفرمه لسعاته كانت أشبه بهذا البرد العجيب ، أحسست و كأنني أتجمد !! أنفي و يداي اصبحتا كالزجاج قابلتين للكسر من درجة الحرارة المنخفضة ، رجلاي لم أعد أشعر بهما ، أسير و كأن الأرض قد حجبت عني جاذبيتها مودعة” إياي إلي الأبد ، و بدون سابق انزار و في ظاهرة لم تسمع بها البشريه من قبل ،بدافإذا بي أحس بسخونه في الجو!! بدا البرد في الانخفاض و بشكل تدريجي ، اختفى ارتجافي و أحسست بالدفء عدت إلي الاعتدال و بدأت أشعر باطرافي الخدرة لكني تساءلت عما يجري في داخلي؟؟بدأت قواي العقلية بالتركيز و الضغط الهائل علي مخيلتي  و بدأت في البحث في كل مناهج التحليل العلمية، استجمعت معظم أقوال علماء الطبيعه لكني لم أصل إلي شيئ البته !! اندهشت لهذا الانقلاب المفاجئ في الطقس !! سألت نفسي في تلك اللحظة ، هل اختلت موازين كوكبنا ؟؟ هل هذه نهاية العالم ؟؟ هل هذه بداية حرب بيولوجية لعينه كغموض الايبولا ؟؟ هل هناك قوي خفيه تريد ابادتنا و الاستيلاء علي بلادنا الغنية؟ أم ماذا ..؟؟ ماذا يجري..؟؟ عم صمت… صمت مطبق… لا حراك .. الأرض ساكنه تماما” !! ثم بدأ الجو بالاعتدال كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة …كانت حبيبتي تجلس بالقرب مني ، غير مباليه بذلك البرد القارس و لا حتي بعد الاعتدال ..كأنني الوحيد الذي شعر بتقلبات الطقس الغربيه..كنا نتسامر ..  نتجاذب أطراف الحديث في المعقول و اللامعقول ، نتحاور ، نتجادل أحيانا كأننا في مناظرة سياسيه لا تعرف الرمادية ، نحلم ، نتفائل بالمستقبل في ذات مرة رسلمت لها لوحة” ملائكية نادرة في ذهني لم يرسمها فنان من قبل ، ادمت النظر إلي السماء متخيلا” صورتها و هي تتزين بالحلي الذهبيه و ترتدي الثوب السوداني الجميل مخضبة”  يديها و رجليها بالحناء و الرسومات الجميلة ، معها  ثلاثة صغيرات جميلات للغاية فجأة قالت لي :  ألا تبدو مواودتنا الجديدة جميلة مثل أختها الكبرى التي تشبهك ..؟؟ لبرهة علمت أنهن بناتي ، فغمرتني سعادة لا توصف ، فكم تمنيت أن يكون لي بنات جميلات يحملن صفاتي ، الكبرى لا تفارقني البته ، كأنه عشق خرافي أو صداقه ابديه ، الوسطي سمراء لم ار جمالا” مثله في الوجود .. جاده عندما تتحدث ، صداقه،،  لا تكذب ابدا ، تشبهني لدرجة المطابقة ، أما الصغرى فتعشق أمها أكثر و لا تبارحها ،انها اسرتي الصغيرة السعيدة ، نعيش في انسجام تام ، يحبونني حد الجنون ،رغم حبي للسفر ألا أنني لم أعد أسافر ، تركته ، فأنا لا أقوي علي فراقهن و لو لساعات فكيف أغيب عنهم اياما” ..؟ لا أقدر .. لا أقدر .. لا أستطيع ..افتقدهن حتي في الساعات الثمانية التي اداوم  فيها تلك الوظيفه الحكوميه الممله ، و تمنيت أن يكن دائما بجواري افتقدهن دائما ، زوجتي تكاد تكون متطابقة معي في المزاج و التفكير ، أنها نسخة” مني ، لم أرها غاضبة من قبل ، لم تكشر في وجهي ابدا” ، و لم تطلب مني ابدا لا أقوي علي فعله ، تودعني صباحا” عندما اذهب إلي عملي  بدموع الفراق الحزين كأنها لن تراني مجددا” ،و عندما أعود تستقبلني بدموع الفرح ،،تقيم الاحتفالات ،، تنشد و تغني ،،تضرب الطبول الإفريقية الصاخبة التي تهتز لها الأرض تعبيرا و فرحا بعودتي ،، تزين البيت ،، تعطر الجو بالكامل ، لها عطور لا أعرف من أين تأتي بها !! كأنها سحرية لم اشتمها في أى مكان آخر ولا بالصدفه ، يا لها من زوجة رائعه ،أنها تكملني ،أنها نصفي الحقيقي،لا أحد حظي بزوجة كزوجتي الجميلة و المدهشة في وفاءها ، رغم السنين ما تغيرت قط ،في مرة عدت من عملي فلم أجدها عند الباب ، علمت أن هناك شيئ ما ،،شيئ غير طبيعي ،،اندفعت إلي الداخل محطما” الباب ورائي فإذا بي أجد المرأة التي أحببتها و أم طفلاتي ملقاة علي الأرض فاقدة الحياة ،،ميته ،،انهرت تماما” و لم أتمالك نفسي صائحا” بنبرة هستيرية مجنونه ،ماذا بك ..؟؟ اجيبي ..؟؟ هيا افيقي ..؟ حدثيني هيا توقفي عن المزاج ،،كفي ،،قلت كفي !! لحظتئذ علمت أنها قد فارقت الحياة و لن تعود مرة” أخري ،،فاحتضنتها و بدأت أصرخ ،،و أصرخ ،،و أصرخ حتي فقدت الوعي ،،دخلت في غيبوبة مميتة كأنها أرادت اخذي معها ،،فأنا أعلم أنها لا تقوي علي فراقي و لو لساعه واحده و استمريت هكذا فاقدا” للوعي واضعا”  رأسي علي صدرها و لا أحس بشيء فقط سكون..سكون الموت الذي عم المكان  و بعد فترة من الزمن أحسست أن أحدا يربت علي كتفي و يقول :  بابا ،، بابا نحن جينا ،، بدأت أصحو من الغيبوبة ، كان الصوت لصغيراتي عندها استفقت من تلك الغيبوبة المميتة و رأيت بناتي الثلاثة و امهن الميتة الملقاة علي الأرض ،ملأت الدموع المكان  ، كان منظرا” محزنا” للغاية ، بل أكثر ، فالحزن أحيانا يصبح صغيرا جدا أمام الحدث ، لكنه دفع بالبقية من عمري إلي الكآبة العميقة و التي لا أعتقد إني سأشفي منها يوم ما ،  فجأة استيقظت من هذا الحلم الكريه و تذكرت أنني لم أتزوج حبيبتي بعد ، أنه مجرد حلم سخيف ،، رغم الأحلام الجميلة و القبيحة التي تراودني بين الحين و الآخر إلا  أنها كانت مختلفه  كثيرا عن مثيلاتها ، مثقغه .. قنوعة  بعض الشيئ ، فعندما نلتقي يسود المرح و الضحك و القهقه بالصوت العالي حتي كان المارة يلتفتون إلينا و يبدو الاستغراب علي نظراتهم لكننا كأننا نعش في عوالم أخري نائية ، خاليه من الناس في مرة امسكت يدها   ونظرت الي عينيها الواسعتين ، نظراتها كانت عميقة جدا لكن بها شيئ من الريبه كأنها تتردد في فعل شيئ ما ،،تلك النظرات لم تكن عادية” البته ،،كانت قاتلة فقلت في نفسي أن كل الناس تحظي بفرصة موت مرة” واحده فقط ،، فالموت مؤلم ،،أما أنا سيغيبني الموت ثلاثا”  ، مت حين وجدتها ملقاة علي الأرض فاقدة الحياة في ذلك الحلم السخيف ، و تقتلني الآن بهذه النظرات الغريبة ، و سأموت مرة” أخري عندما  أتقدم في السن أو في شبابي إن نبتت الأرض بذرة حرية .. الأرض تبدو مظلمة تماما و شعرت بوحدة” مميتة .. لا ألوان .. فقط سواد دامغ ،،و عتمة لا أري من خلالها يداي ،، الأشجار منتصبة عارية تماما” ركلت أوراقها كأنها لا تستحي ،،امتلأت الأزقة بالأوساخ الشوارع خلت من المارة ،، المباني مدمرة ،، عمت الفوضي ،، الغلبة للاشرار الذين يملئون المكان ،،قاومت بشدة لاتجاهل هذا الإحساس الغريب و أن اتحاشاه ،، فهو اشبهه بالجنون الذي يجعلك تسافر عبر خيالات بعيدة لا فائدة منها ،،  و بلا مقدمات طالبتها بجرعة ماء فقالت : حسنا” حبيبي أفتح فمك …  فتحته بلا مبالاة بلا هوادة ،فإذا بها تسكب ذهبا”  من فرن شديد الحرارة  ..طاوعتها .. فنزلت حمم الذهب المصهور إلي جوفي ..إلي أعماقي ..لحظتها كنت أري الضوء ثم بدأ يتلاشى إلي أن صار نقطة” صغيرا” جدا ثم اختفي إلي الأبد ..و واصلت الحمم في النزول إلي داخلي لتملأ كل فراغ في احشائي ..كان ذلك في سرعة فائقه حتي انها لم تمهلني زمنا” لاصرخ ، فاحرقتني سريعا” .. احرقتني كليا”  و من شدة اللهب الحارق اسود جسدي و تفحم حتي بدأ يتساقط و يتساقط و يتآكل وقتها جاءت رياح عاتية تحمل معها اعصار ضخما !! يدمر كل شيئ امامه  ثم تناثرت و أصبحت ذرات صغيرة لا يمكن رؤيتها ..أخذني ذلك الإعصار بعيدا جدا إلي اللامكان ..إلي الزمان الميت ..إلي الفراغ حيث العتمه الدائمة و السكون   لكن يبقي الذهب اصفرا” شديد اللمعان جميلا” بهار 
هكذا هو  الشعب السوداني  رغم معاناته لكنة جميلا” بهار
انتهت

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.