الإثنين , مايو 6 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / لم أكن مخيرا” !! (6) …

لم أكن مخيرا” !! (6) …


كانت المسافة ما بين قسم الشرطة والسجن ، دقائق معدودات ولكنها تساوي سنين ، ونحن وسط القتلة والسارقين والنشالين ، فسيارة السجن تدور في بقية اقسام الشرطة ، وتوزع المتهمين  علي حسب قرار النيابة ، و(عبدالله الكامل) يجلس بقربي مطمئنا فقد علم مخبري ، حتي توقفت السيارة امام بوابة السجن ، وسمعنا صوت شرطة السجن بنبرتهم الحادة ومعاملتهم الرديئة ، يحيطون بالسيارة احاطة السوار بالمعصم ؛ خوفا من هروب متهم وهم متراصين بحملون الخراطيش السود يصرخون ويهددون : اجلس إيأك والحركة للنازلين من السيارة ، وحقيقة لم أري مذلة في حياتي مثلما رأيتها في تلك اللحظة ، والعساكر يبدأون العد كاننا خراف ، وكل من يقف او يتحرك تناله سياط السجانين ، حتي وجدنا انفسنا في باحة السجن الضخمة وكان توزيعنا من ضمن المنتظرين ، وهم الذين لم يحكم عليهم بعد ، ادخلونا في مساحة كبيرة تحيط بها اسوار عالية من الحجارة الضخمة ، لذلك سمي بسجن الحجر ، وهنالك عريشة طويلة انزلقنا تحتها وكانت تمتلئ عن اخرها ومعظم المتواجدين  ، اصحاب الشيكات والجرائم الغير محكومة توارينا فيها من هجير الشمس ، واخترنا موقعا في ركن صغير افترشنا احذيتنا لحافا ،  وجواري كما هو معتاد (عبدالله الكامل)  الذي أحضر لي قارورة ماء وطمأنني ان بعض المساجين بحوزتهم هواتف ، فقلت له : دعنا نختار صحبتنا في هذا السجن فهو عالم يختلف من الخارج ، فضحك وقال لي :
معظهم يا صديقي ضحايا مثلي ومثلك ، فأصحاب الإمكانيات والنفوذ في هذه البلد تساعدهم العدالة ، ويحميهم القانون ، وتساعدهم القوات النظامية ، كان يتحدث بمرارة ، فتركته ليفرغ ما في جعبته فهو يبدو عليه يتألم  ،ولكنه يتظاهر بالصبر والقوة ، فواصل حديثه  يسرد لي :
لقد كان وضعي المالي جيد ، وامتلك منزلاكبيرافي الموردة بعد وفاة والدي ووالدتي ، ولم يبق لي في الحياة سوي أختي ، وأعمل في شركة حفريات بمرتب يكفيني شر الفاقة ، في يوم عطلة ، كنت متواجدابالمنزل ، وحضرت أحدى جاراتنا وهي قارئة  للفنجان ، ودون قصد سمعتها تخبر أختي بأن منزلنا به كنز مدفون تحت الأرض ، ولم اهتم بهذا الحديث ، ألا ان أختي طلبت مني احضار أحد الشيوخ لإستخراجه ، فسخرت منها وزجرتها ، حتي جاورنا أحد الشيوخ ، فذهبت له سرافانا لا اؤمن بهذه الخزعبلات ، ولكنه كشف لي حياتي امامي عملي ، مرتبي ، نشاطاتي ، واخبرني بان في منزلنا كنز ضخم ويمتلكه جن ، ويجب اخراجه او عدم التحدث عنه ، طلبت منه مساعدتي في إستخراجه فقد رسم هذا الشيخ لي مستقبلاكحياة الملوك والتنقل بالطائرة الخاصة ، انا واختي حول العالم ،أصدقك القول  ثلاثة أيام قضيتها بلا نوم ، حتي احضر معه شيخ نيجيري يتحدث باللغة العربية الفصحى ، ووافق بعد معاناة في استخراج الكنز ، واعطيناه غرفة في آخر المنزل ، ولكنه كان يحتاج ثلاثة انواع من الإعشاب تخلط مع بعضها وتسمي المجاوزة ، احضرنا منها اثنين من العطارين ، والثالثة كان بسعر يفوق المئتا مليون ، وكنا لا نملك المبلغ ، ولكنه حاول ان يجاوز بعضامن الاعشاب المختلفة ليصنع خلطة ، وبعد ثلاثة ايام من التعبد والتسبيح ، ايقظني انا واختي ليلا ، وشاهدنا سبائك من الذهب المرصوصة موضوعة بحفرة في ركن المنزل ، وقام بدفنها ، وطالبنا بالنوم وعدم التحدث في هذا الأمر ، استيقظنا الصباح كانت الحفرة خالية وقال لنا :
إن الجن سحب الذهب لعدم احضارنا الدواء الأصلي ، رؤية السبائك جعلتني اوقن بأن الكنز حقيقة ، وذهبت لأحد التجار طالبا منه رهن المنزل ، فوافق علي الفور ،  واعطاني المبلغ مقابل المنزل بشيكات بمبلغ مئتان الف جنيه ، وذهبت مع  الشيخ وانا في قمة الحماس ، وكلمت شاهدت منزل جميل او سيارة فخمة اضعها في مخيلتي ، وافكر في شراءه بعد حصولي علي الكنز ، واشترينا الاعشاب المطلوبة من منزل في نهاية سوق ليبيا يعرفه الشيخ النيجيري ، وعدنا ليدخل الشيخ لغرفته التي يتعبد فيها ليخضع الجن ، ويقنعه باعطائنا الكنز مقابل الأعشاب وهذا يحتاج ثلاثة أيام ، وانا واختي نحتفل ، ونستعد لعالم المال والجاه ، ثلاثة ايام ننتظر خروج الشيخ وهو داخل الغرفة ، حتي ساورنا القلق ، ففتحنا الغرفة في اليوم الرابع ، لم يكن هنالك شيخ ، ولم تكن هنالك اعشاب سوي غرفة خالية ، وذهبنا لمنزل جارنا الذي أتي به فوجدناه غادر ، وذهبت للمكان الذي اشترينا منه الدواء ، فوجدناه خاليا، وعدنا للشرطة لنشرح لهم الأمر ولكننا تفاجأنا بانه نوع من الاحتيال الجديد ، والقانون لا يحمي المغفلين ، وهذه عصابة جميعهم يعملون مع بعض ويقتسمون الأموال التي تم الإحتيال عليها !
عدنا لنفكر في السداد للتاجر ، ولكن المبلغ كبير والتاجر يطالب بسداد الشيكات ، او تنازل عن منزلنا الذي ليس لنا سواه مأوى ، كان (عبدالله) يحكي ودموعه تتدفق ، ووجدت نفسي احتضنه وأواسيه ، وهو يقول :
لقد تركت اختي وحيدة ، بلا عائل ، وحاليا تسكن مع جيراننا في الحي ، كان الساعة الخامسة قد حانت وسمعنا الجميع يصرخ انه التمام ، واجلسونا في شكل مجموعات ، وقاموا باحصاء المساجين ، لقد تغيرت نظرتي لصديقي عبدالله ، فقد ظلم نفسه وطارد المستحيل ، ذهب عبدالله وعاد يحمل بعضا من الطعام ، فالسجن به بقالة كبيرة ، تبيع للمساجين باسعار مهلكة ، ونمنا بعد عناء ، لم نشعر الا بدفئ الصباح وصراخ العساكر المتكرر ، ليبدأ معنا برنامج التمام واحصاء المساجين ، ويطالبوا الجميع بالنظافة ، وهم يحملون الخراطيش السوداء ، ويضربون كل من يرفض او يتقاعس ، واصبحنا نتداخل فيمن حولنا ، رغم خوفنا من الصراعات والمشاكل ، حتي سمعنا المنادي ينادي اسمي ذاك العسكري الذي يحمل ورقة ، فسالته :
ماذا تريد ، فقال لي : لديك زيارة ، وانطلقت حتي وجدت نفسي اقف في ذاك الشباك الطويل ، ليبرز من خلاله (المعلم عبدو) ، فقلت له :
ماذا تريد بعد اوصلتنا لهذا المكان ، ضحك وقال لي : اعجبتني شجاعتك ، واريد منك خدمة وانت موجود في السجن ، فقلت له:
انت معتوه ماذا تريد من مسجون داخل هذه الاسوار ، فدنا مني ببطء وقال لي :
هنالك عسكري سيقوم بإعطاءك هدية ، ارسلتها لك واريدك ان توزعها داخل حرم السجن ، وهذا العمل لفائدتك صدقني فيما اقوله لك ، ضحكت وقلت له : اتمني ان لا تكون هديتك مخدرات ، فقال لي :
لذلك اخترتك ، اتري كم أنت ذكي ، في لحظة فهمت ماذا اريد ؟
تقدمت نحو الشباك فرجع للخلف ، وصرخ : (هيام) فبرزت ابنته التي تشابه القمر في ليلة (14) وقال له :
اشرحي لهذا المعتوه ، لأن يده اسرع من لسانه ، وخرج وتركها ، تنظر لي ودموعها تتدفق كما تركتها آخر مرة ، قلت لها : سمعتي ماذا يريد ابوك؟ ، صمتت برهة ، وقالت لي :
والدتك تحتاج عملية بقيمة (25) ألف جنيه ، طلبت من والدي مساعدتي فرفض ، حاولت أن أبيع بعض مقتنياتي من ذهب ولكنها لا تكفي يا مجدي ، كان حديثها كصاعقة ، وخرجت تجري باكية ، ووقفت انا ممسك بتلك القضبان أكاد أنزعها ، حتي ابعدوني عنه العساكر ، وانا اقول :
ما أقساك ايتها الحياة! ، ماذا تريدين مني ؟! وشعرت بصوت يناديني ، فرفعت رأسي لاجد (آمال) امامي ، لم استطع ان اتحدث ، فقالت لي:
مجدي ما الذي احضرك هنا ؟
فقلت لها ودموعي تجري : قدر يا آمال  قدري ، ولكن من أخبرك باني هنا حتي تاتي لزيارتي ، قبل أن ترد ، حتي سمعت صوت خلفي يقول :
انها اختي الوحيدة يا مجدي ، فالتفت نحوه ، وقلت مندهشاهذه اختك يا (عبدالله الكامل)؟
فرد :نعم هي أختي الوحيدة …

(يتبع)

Ghalib Tayfour

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.