الأحد , مايو 5 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / حزب البعث العربي الاشتراكي "الأصل" / المسلم التقليدي…. المتهم الضحية


المسلم التقليدي…. المتهم الضحية
إياد شربجي
الجزء الثاني

بعد هذا السرد السريع الذي يلخّص آلاف المآسي وعشرات الفرق والمذاهب، وملايين الجثث من المسلمين الذين قتلوا تحت راية لا إله إلا الله، سيكون من السذاجة أن نعتبر أن المسلمين أخذوا فرصتهم لينتجوا حضارة حقيقية، و يأسسوا لنهضة فكرية وإنسانية…!!
2-  
غزارة وفوضى المعلومات:
فهم الدين معضلة شبه مستحيلة الحل، وذلك لكثرة ما أغرقه رجالاته عبر العصور بالمرويات واللسانيات، وكتبوا ألوف العناوين وملايين الصفحات، ووقعوا في التهافت والسيلان، حتى أصبح البحث عن اليقين فيها عملية شبه مستحيلة.

المسلم التقليدي…. المتهم الضحية


المسلم التقليدي…. المتهم الضحية
إياد شربجي
الجزء الثاني

بعد هذا السرد السريع الذي يلخّص آلاف المآسي وعشرات الفرق والمذاهب، وملايين الجثث من المسلمين الذين قتلوا تحت راية لا إله إلا الله، سيكون من السذاجة أن نعتبر أن المسلمين أخذوا فرصتهم لينتجوا حضارة حقيقية، و يأسسوا لنهضة فكرية وإنسانية…!!
2-  
غزارة وفوضى المعلومات:
فهم الدين معضلة شبه مستحيلة الحل، وذلك لكثرة ما أغرقه رجالاته عبر العصور بالمرويات واللسانيات، وكتبوا ألوف العناوين وملايين الصفحات، ووقعوا في التهافت والسيلان، حتى أصبح البحث عن اليقين فيها عملية شبه مستحيلة.

لنأخذ مثالاً على ذلك  تفسير القرآن الكريم. فقد أحصى الشيخ عبد الرحمن السديس للقرآن وحده  133 تفسيراً نشر أسماءها بقائمة واحدة، علماً أنها لم تشمل سوى التفاسير المعتمدة في مذهب أهل السنة والجماعة فقط.

في عناوين هذه القائمة يمكن ملاحظة التهافت بكل وضوح، فمثلاً  لتفسير ابن كثير لوحده هناك 9 كتب مختلفة ولكتّاب مختلفين حملت عنوان (مختصر تفسير ابن كثير)، وهكذا تقف مشدوهاً، فلا تفهم لماذا يوجد 9 مختصرات مختلفة لذات المصدر، ولا تفهم معنى أن يكون المختصر الواحد يقع في مئات وآلاف الصفحات، ولا تفهم لماذا يحتاج التفسير إلى تفسير، ولا تفهم لماذا يوجد بالأصل تفسير للقرآن الذي من المفترض أنه نزل عربياً بيناً واضحاً غير معوج، ونزل لكل الناس على اختلاف مستويات ثقافتهم …؟!

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) النور 34

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) الكهف 1

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف 2

 
هذا بالنسبة للقرآن فقط، ولك أن تتخيل المشهد عندما تضيف إليها عشرات الألوف من كتب الحديث والسيرة والفقه والعقيدة والدراسات؛ و ملايين من العناوين والصفحات التي تنضح باللغو واللسانيات والحشو والذاتية والتبارز اللغوي، والتي ما زالت تنتَج حتى  اللحظة ولمّا تنتهي بعد، فعدا عن رجال الدين التقليديين المتسابقين للتأليف والتأويل والافتاء، تخرّج المعاهد و الجامعات الإسلامية حول العالم كل عام ألوفاً من الأئمة وطلبة الشريعة من مختلف التخصصات الدينية، وينتمون  لشتى المذاهب الدينية والتيارات الفكرية، و يقوم هؤلاء بالضرورة بضخ مزيد ومزيد من الدراسات ورسائل التخرج والكتب ليضيفوا إلى الفوضى مزيداً ومزيداً منها، وليجد المسلم التقليدي نفسه تائهاً خاضعاً  لتفاسير وارهاصات فكرية ومذهبية وسياسية، ولأمزجة أشخاص وثقافتهم و أفكارهم وتصوراتهم الشخصية و تهيؤاتهم، وربما مشاكلهم النفسية والجنسية، كما تشير الكثير من الكتب التي تتحدث عن ثقافة النكاح.

لقد أنفق من يطيب لنا تسميتهم بـ (علماء المسلمين) على مدى تاريخهم جلّ وقتهم في إنتاج كلام ومزيد ومزيد من الكلام، وأدخلوا الناس في تفاصيل لا طائل منها،  وأقحموا أنفسهم وأقحموا المسلمين في كل شيء وجعلوه ديناً، حتى صار هناك فقه للعمارة، وفقه لركوب الطائرة، وفقه للهواتف الذكية يخبرك كيف تتعامل مع الموبايل وما يجوز وما لا يجوز فيه، وفقه للمعاملات المالية كتبها مشايخ لا علاقة لهم بعلوم الاقتصاد وفروعه، وأصبحوا يناقشون الاقصاد الحديث القائم على البورصات  والائتمانات البنكية والتجارة الالكترونية بعبارات مثل (الربا والشفعة والوقف واللقطة).

هذه بعض أمثلة للكتب التي تنتج على صعيد الفقه فقط، وتضخ في الأسواق وتتحول إلى دروس وبرامج تلفزونية وإذاعية ومحتوى الكتروني يحاصر المسلم أينما أدار وجهه .

3-  سيطرة طبقة رجال الدين

هذه الفوضى الهائلة بالمعلومات جعلت المسلم تائهاً ضائعاً يبحث عن طريقه بين غابة من القصب،  وهو ما أتاح لرجال الدين (العلماء) فرصة تسيّد الناس وقيادة عقولهم والسيطرة عليهم،  فأصبحوا هم السادة وهم العارفون بكل شيء، ولا بأس هنا من الاستقواء بالنصوص لتكريس هذه المكانة  ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) ،(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)، و هكذا تحول رجال الدين إلى منظومة سيطرة أصبحت آلية اكتساب لا يتخلون عنها، وهذا الاكتساب ليس مالياً فقط (رواتب من الحكومة، عوائد طباعة كتب، أجور ظهور في برامج واستكتابات من الصحافة، مؤتمرات وندوات- سفر وتجوال- تبرعات) بل إنه يأخذ وجوهاً كثيرة (المكانة الاجتماعية والوجاهة – أتباع ومريدون…)،  وعليه بات هؤلاء يدافعون عن هذه المكتسبات بأسنانهم، ويستخدمون الدين وآيات القرآن وأحاديث النبي لتعزيز مكانتهم وترسيخها في عقول البسطاء، مستقوين بذلك ببراعة الخطابة، و حسن الكلم، كما يقومون بحماية بعضهم البعض عبر العصور كي لا يتمكن أي من المسلمين من خرق هذا الحلف المقدس ( البخاري معصوم و مقدس ولا يخطئ عند أئمة المسلمين – اضغط)

 
وقد رضي عموم المسلمين بهذه المقايضة المدمّرة، أولاً تسليماً بما يظنونه أوامر إلهية ونبوية باتباع العلماء (الذين يخشون الله) والامتثال لهم، وثانياً لأنهم بحاجة فعلية لمن يخرجهم من غابة القصب، ويلخّص لهم فوضى الدين بعبارات بسيطة وقصيرة، وأوامر وفتاوي واضحة،  فعموم المسلمين هم أناس عاديون يعملون ويعيلون عائلاتهم ولهم مشاغلهم الحياتية، و لا يملكون ترف الوقت ليدخلوا في هذه المعمعة ويغرقوا فيها، لا بأس إذاً من الذهاب إلى المساجد وحضور الدروس الدينية أو الانصات عبر المذياع، أو مشاهدة برامج المشايخ الذين تولوا هذه المهمة، ومنحهم صدور المجالس، ومنابر الاحتفالات والمناسبات.

 
هذا ناهيك عن الأسباب السياسية المعروفة التي  أنشأت وساهمت في تكريس  طبقة رجال الدين، والتي يلخصها صاحب الربيعي في كتابه  (السلطة الدينية والسلطة السياسية في الوطن العربي)  كما يلي:

” إن أهم خدمة تقدِّمها السلطةُ الدينية للسلطة السياسية هي إضفاء الشرعية الدينية على أعمال الأخيرة. والدلائل على ذلك كثيرة: فقد اختلفت الفتاوى الدينية باختلاف المواقف السياسية. ففي الستينات من القرن الماضي، أفتى محمد شلتوت، الإمام الأكبر للجامع الأزهر، بحرمة الصلح مع إسرائيل، لتُغَيَّر الفتوى في السبعينات من القرن نفسه، فتحلِّل الصلح مع إسرائيل، على لسان محمد متولي الشعراوي، وزير الأوقاف، وعبد الحليم محمود، شيخ الأزهر، وذلك بعد اتفاقيات كامب ديفيد. وهذا يعكس تناغمًا بين الدين والسياسية في الوطن العربي، بما يخدم السياسيين ومشايخهم. وتعدَّى الأمر ذلك إلى أن أضحت هذه الجهات الدينية منخرطةً في مؤسَّسات رسمية، كجزء من السلطة السياسية. وهذا ينطبق أيضًا على الأحزاب السياسية، وخاصة منها ذات التوجُّهات الدينية، فتحاكم مَن يعارضها بناءً على الدين – فالحكم إما حلالاً أو حرامًا – وتسيِّرُ أمورَها ونشاطاتِها بناءً على المنطق السياسي. فالموقف إما متوافق مع مصالح الحزب أو متعارض معها، دون أن يخضع هذا الموقف أو النشاط للتشريح الفقهي، كما يتم التعامل مع الآخر”

4-  تسطيح العقل:

 إن قلة ثقافة المسلم التقليدي للأسباب المبيّنة أعلاه، واعتماده في معرفته بدينه على رجال الدين الذين امتهنوا عقله، وسطّحوا تفكيره إما بسوء نية (دور يلعبونه لمصالح سياسة أو لمكاسب شخصية) أو بحسن نية (بسبب جهلهم وسهولة تحول أي فاشل وجاهل إلى شيخ)، وأيضاً لبراعة الأخيرين بالوصول إليه بكل الوسائل، واستخدام التكنولوجيا الحديثة (النت- الفضائيات) لمحاصرته في كل مكان، وهو ما حول المسلم التقليدي إلى وعاء يسهل ملؤه بأي أفكار.

 لقد بلغ الأمر من تسطيح واستسخاف عقل المسلم التقليدي أن استسهل رجال الدين قول أي شيء في أي شيء، طالما الناس مستعدون للتصديق والاتعاظ وأخذ الدروس من الكلِم، فمن الحكايا والقصص المفبركة، إلى قصص الإعجاز العلمي، إلى…إلى..، لا يهم رجال الدين النزاهة العملية والأخلاقية، والأثر السلبي لقول أفكار ومعلومات مغلوطة ولصقها بالدين في زمن بات كل شيء فيه يوثق ويترجم ويصل لأصقاع المعمورة، ويمكن تفنيده بكبسة زر.

وتسابقت الأقنية والإذاعات لملاحقة الجمهور المتعطّش للخديعة على مبدأ (الجمهور عايز كدة)، وفي عصر الفضاء والتكنولوجيا والطب الحديث لن تجد قناة فضائية يشاهدها الملايين مانعاً من أن تبث قناة تقريراً عن الاستطباب ببول البعير، طالما ذلك وارد في كتاب البخاري، أصحّ الكتب بعد القرآن ..!! ( تقرير تلفزيوني عن فوائد بول البعير الصحية – اضغط)

ولا مانع أيضاً أن تجري قناة LBC اللبنانية لقاءً مع سيّاف قاطع للرؤوس يطبق الحدود في السعودية، وأن تتغنى بقطفه للرؤوس اليانعة تطبيقاً للشريعة (تقرير عن السياف البيشي قاطف الرؤوس- اضغط)

وشيخ كبير كنبيل العوضي له ملايين المتابعين يخرج على الفضائيات ليتحدث عن مخاطر سبونج بوب (اضغط)

 
و هاكم الشيخ د.راتب النابلسي الذي قضى عمراً وهو يشرح في كل مناسبة نظرية الإعجاز العلمي في البعوضة انطلاقاً من قوله تعالى ” إن الله لايستحي ان يضرب مثلآ ما بعوضة فما فوقها ” متحدياً الغرب أن يأتوا بشيء من مثله، وفي كل مرة ينبهر الناس ويسبحون ويثنون على كلام الشيخ وعلمه، دون أن يدركوا أنه لولا علوم الغرب لما عرف الشيخ بالأصل هذه المعلومات غير الموجودة في متن الآية، هذا بغض النظر عن الأخطاء العلمية الفادحة التي يقع فيها الشيخ في كل مرة.

 
و زغلول النجار يتحدث عن الفالق الذي يشقّ القمر انطلاقاً من حديث معجزة النبي محمد بين كفار مكة، ويستدل بدراسات مكذوبة لوكالة ناسا، ورغم ذلك الناس يكبرون ويهللون ويسبّحون ويتناقلون الموضوع كحقيقة ثابتة، وكدليل على إعجاز الدين.

 
وذلكم منصور الكيالي يتحدث عن اختراع الدفع النفاس قبل 1400 سنة من حديث عن (الضراط) في صحيح مسلم، فيحول علمه الفيزيائي إلى سخافة مريرة تجد من يصدقها ويعجب لها.

وعمر عبد الكافي ينقل بإعجاب عن هتلر افتتاحه خطبة عصماء بقوله تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر)، خطبة سمعها عبد الكافي ولم يعلم بها الألمان أنفسهم، ناهيكم عن سوء وخطورة تنسيب كلام الله إلى مجرم قتل الملايين كأدولف هتلر، وإبداء الاعجاب الإسلامي  به لمجرد أنه قتل يهوداً.

وبدل أن يسموا رجال الدين بعقل المسلم وفكره، ويفتحوا آفاق تفكيره نحو الحياة والتعايش وخدمة الإنسانية، انحدروا بعقل امسلم إلى الحضيض الفكري والأخلاقي،  فأصبح الأخير ذلك الإنسان المسلوب المستعد لتصديق أي ترهات بمجرد أنه يسوقها شيخ يبرع بربطها باسم بالله أو النبي، واستحضار نص مناسب للحالة.

وهكذا انتشرت دروس الافتاء على الهاتف والنت والفضائيات، وصار المسلم التقليدي يستفتي رجال الدين بكل شؤون حياته، بدءأً من الوضوء وانتهاء بفراش الزوجية.

 
ومن الحوادث الطريفة هنا اتصال أحد المشاهدين على برنامج للشيخ (محمود المصري) على قناة الناس يسأله التالي:

سمعت ان ماليزيا تزمع إطلاق رائدة فضاء محجبة في رحلة على مكوك أمريكي، فهل يجوز يا شيخ أن تختلي المسلمة برجال كفار في الفضاء؟

الأغرب من السؤال كان رد الشيخ المصري: بالطبع لا يجوز… هداها الله.

لم يلفت نظر السائل والمسؤول أهمية هذا الانجاز العلمي للبشرية، وللمسلمين تحديداً، ما لفت نظرهما من الموضوع هو شرعية هذه المسألة…!!

 
5- مفهوم الخضوع والعبودية:

هناك فهم مغلوط لدى عموم المسلمين حول دينهم، فهم تائهون حتى اللحظة بين مفهومين:

– هل هو دين جاء بالقداسة، وبهدف تكليف البشر بأداء مراسم العبودية لله

– أم رسالة فكرية وإنسانية إلى البشرية، نزلت من خالق يريد صلاحهم وسعادتهم؟

 
إن إدراك الفرق بين الاثنين هو إدراك لروح الإسلام ومقاصده، في كونه رسالة تحرر، أم حكم عبودية.

الذي حصل أن الإسلام وقع في فخ القداسة لدى أتباعه، وكأن نزول هذا الدين جاء فقط  لتحويل الناس من عبادة اصنام حول الكعبة، إلى عبادة الكعبة ذاتها، ولقد كرّس رجال الدين فكرة العبودية في الإسلام نتيجة فهمهم القاصر لماهية هذا الإله العظيم وقدرته، فتم تصوير خالق الأكوان الشاسعة التي لا تشكل فيه الكرة الارضية بكل من عليها من كائنات نقطة في محيط، وكأنه متفرع لمتابعة ماذا يفعل هؤلاء  (النقطة) لأجله ولإشعاره بعظمته.

يقول الشيخ راتب النابلسي رداً على سؤال (لماذا خلق الله الإنسان؟)

“هذا الكون دليل على وجود خالق عظيم له أسماء حسنى فما يليق بجلال الله أن يتركنا من دون هدف من وجودنا, فما هو الهدف ؟ الهدف هو العبادة أن تعرفه فتطيعه, فتسعد بقربه, العبادة هي الهدف من خلق الكون أو من خلق الإنسان والجن. ربنا عز وجل نفى أن يخلق السموات والأرض إلا بالحق، وأن يخلقها عبثاً، وأن يكون بخلقها لاعباً، وأن يخلقها سدىً، و أن يهمل الإنسان، هذا كله نفاه الله عز وجل وأثبت قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) “

 
ورغم أن جموع المسلمين يتآلفون مع فكرة أنهم خلقوا للعبادة فقط، وأن الحياة الدنيا هي دار فناء وامتحان أعدّت فقط لاختبار قدرتهم على تحمّل الألم والصعاب لإثبات محبتهم وعبوديتهم لله.

إلا أن أي شخص طبيعي وسويّ ستبدوا له الفكرة عبثية وتتسم بكثير من الساديّة، وسينطلق السؤال في رأسه :

“ما هذا الإله الذي خلق الناس ورماهم في أتون أرض تعجّ بالحروب والدماء والآلام فقط لكي يعبدوه، ألم يكن يستطيع أن يخلق كائنات باردة لا تتمتع بالمشاعر والأحاسيس ليؤدوا لك تلك المهمة، بدل أن يوضع الإنسان وسط هكذا شرور وعذابات وآلام تمزّقه، ثم يطلب منه تحمّلها فوق كل ذلك..؟”

لن يقول ذلك الملحد فقط، بل سيقوله أتباع الأديان الابراهيمة السابقة (اليهودية والمسيحية) ففكرة الإله في عقائدهم مختلفة تماماً عن مفهوم العبودية الجبرية في الإسلام، فهو هناك يُعبد طوعاً وتقرباً لمن يريد منه المساعدة والخلاص من شرور البشر، وهو ليس ذلك الإله الإسلامي الذي ينهك عباده بأداء طقوس العبودية من مناسك وعبادات وغيرها كي ينالوا رضاه.

 
لقد أصبح مفهوم العبادة وقدسيتها عند المسلم التقليدي مشوهاً للغاية، وأصبح التزاماً جبرياً يعاقب من لا ينفّذه، أكثر منه سمواً روحياً واخلاقياً وسلوكياً، و صار هدف أقامة الشريعة، أهم من فكرة اختيار ما هو صالح للناس في حال تصادمت مصالحهم مع الشريعة. هذا التفاني في تقديم التنازلات حولت المسلم إلى متلبّس بالدين، والذي صار بالنسبة له أمراً شخصياً،  كالعرض والشرف، فإن تكلم عنه أحد بنقد أو بسوء، يشعر بأنه من الطبيعي والواجب أن يستفزّ كل جوارحه وطاقته وعنفه لإيقافه، حتى دون أن يكلفه أحد بهذه المهمة، معتقداً أن ذلك سيكون (في ميزان حسناته). غير آبه بمدى تأثير ذلك سلباً عليه وعلى الدين نفسه، وإمكانية أن يتحول ذلك إلى استعداء جسدي، كما حدث مع فرج فودة ونجيب محفوظ.

والملاحظ هنا أن الدين ليس القرآن والحديث بالضرورة، بل هو البخاري وابن تيمية والعريفي وسواهم، فالاقتراب من أي من هذه الأقانيم هو اعتداء على الإسلام، وهنا تكمن خطورة المسألة… حين يتطوع المسلم التقليدي لحماية للكهنوت، رغم أنه (لا رهبانية في الاسلام).

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

وجدي صالح في حوار لـ”مداميك”:

Share this on WhatsAppوجدي صالح في حوار لـ”مداميك”: ليست هناك تسوية.. ما يجري هو محاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.