السبت , مايو 18 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / وثائقيات سودانية / المسلم التقليدي…. المتهم الضحية

نشرت في .April 07, 2016
المسلم التقليدي…. المتهم الضحية
إياد شربجي
واشنطن- الولايات المتحدة
facebooksemailMore info 
توقعت أن تثير المقالة التي عنونتها بـ (كيف يتحول المسلم إلى ارهابي) لغطاً كبيراً، و أن تستجلب الكثير من الردود والرفض كعادة ما يحصل عند الاقتراب من النقد الديني، وبالفعل أحصيت أكثر من 600 ردّ بين تعليقات على موقع السوري الجديد وعلى صفحتي الشخصية، ومشاركات و منشورات وفيديوهات على صفحات الآخرين، ونقاشات دارت في مجموعات اسلامية وغير اسلامية.
وكنا قد نشرنا 6 ردود رسمية وصلت إلى موقع السوري الجديد هذه روابطها لمن يرغب:  (  د.وائل حبنكة الميداني - د. نبيل طرابيشي-  د. علاء الدين آل رشي- غزوان الميداني-

المسلم التقليدي…. المتهم الضحية

نشرت في .April 07, 2016
المسلم التقليدي…. المتهم الضحية
إياد شربجي
واشنطن- الولايات المتحدة
facebooksemailMore info 
توقعت أن تثير المقالة التي عنونتها بـ (كيف يتحول المسلم إلى ارهابي) لغطاً كبيراً، و أن تستجلب الكثير من الردود والرفض كعادة ما يحصل عند الاقتراب من النقد الديني، وبالفعل أحصيت أكثر من 600 ردّ بين تعليقات على موقع السوري الجديد وعلى صفحتي الشخصية، ومشاركات و منشورات وفيديوهات على صفحات الآخرين، ونقاشات دارت في مجموعات اسلامية وغير اسلامية.
وكنا قد نشرنا 6 ردود رسمية وصلت إلى موقع السوري الجديد هذه روابطها لمن يرغب:  (  د.وائل حبنكة الميداني – د. نبيل طرابيشي-  د. علاء الدين آل رشي- غزوان الميداني-

عبد المجيد عقيل- معتز شكري فيصل)

رغم ذلك لم أكن أتخيل أن يبلغ الاهتمام بالمادة هذا الحد، فقد دعيت إلى جلسة حوارية في العاصمة واشنطن مع عدد الاسلاميين والمثقفين لنقاش المادة بتاريخ 2 نيسان الجاري 2016، كذلك تلقيت دعوة لمناظرة على النت مع إحدى التنظيمات الشبابية الإسلامية في مصر اعتذرت عنها لاشتراط منظميها أن يكون الحوار مقتصراً على الأدلة الدينية فقط ورفضهم الاستدلال بالأدلة العقلية، كذلك تلقيت دعوة أخرى من منظمة هولندية للمشاركة بمؤتمر شبابي حول الارهاب يعقد منتصف العام، وقد اعتذرت عنها أيضاً لأنني شعرت أنه ستتم استضافتي على مبدأ (شهد شاهد من أهله)، وبالطبع لا أريد أن أكون في هكذا مكان، وليس هذا هدف ما أكتب.

 

أشكر كل من تكرّم بالرد بشكل محترم، سواء مؤيداً موافقاً، أو رافضاً منتقداً مفنداً، و أرأف لحال وعقول الذين انشغلوا بالسباب والتخوين والشخصنة، فأضاعوا وقتهم ووقتنا، و خسروا فرصة المشاركة بنقاش مسألة مهمة جداً تشكل محور حياة المسلمين اليوم.

سأعقب على التعليقات في نهاية المادة كونها الجزء الأصغر من المسألة ككل، و سأستبق ذلك بطرق مواضيع أكثر أهمية وشمولية، في محاولة استقراء منظومة تفكير المسلم التقليدي اليوم، والآليات التي تقوده إلى استنتاجاته وتكوين تصوراته حول دينه.

إن فهم هذه الآلية أمر رئيسي و مهم جداً، ويضعنا أمام حالة مشخّصة نستطيع ان نعرف كيف تفكر، ونتوقع ماذا ستفعل.

المقال هنا تفصيلي، لذلك سأقسّمه إلى محاور :

أ- مدخل

ب- أنواع المسلمين اليوم

ت- كيف يكوّن المسلم التقليدي فكره وتصوّراته عن دينه؟

ث- آليات الدفاع عند المسلم التقليدي

ج- تعليق على الردود التي وردت مقالة (كيف يتحول المسلم إلى إرهابي)

ح – خاتمة

 

أ- مدخل

بداية أعتقد أن تداعيات المادة لم تنجم عن أهميتها بحد ذاتها، بقدر ما لأنها خرقت المحظور واقتربت من النص القرآني الذي يقرّ به عموم المسلمين كمصدر أول للشريعة في الإسلام، و يعتبرونه كتاباً محكماً مطلقاً صالحاً لكل زمان ومكان، وهو ما أسقط سقف النقاش الديني الذي ما يزال يحوم في أجرأ أوجهه حول التساؤل عن متن الحديث الشريف، حيث إن  كثيرين استخدموا هذا الشك  للهروب نحو نفي بعض النصوص التي تربط العنف بالتشريع الإسلامي، وكانوا يجدون في ذلك مخرجاً لقطع تلك الصلة المفترضة، لكن أمام آيات قرآنية محكمة صعبُ عليهم أن يفعلوا ذلك، سيما وأنهم لم يتوقعوا أن يجرؤ أحدهم على فتح هذا الموضوع، فكيف إذا كان من يفعل مسلماً من طينتهم، , من المفترض أنه محكوم وواقع تحت الضوابط المعتادة..؟!

وهنا كان هؤلاء أمام موقفين، إما أن يقبلوا بالأمر الواقع و يناقشوا الموضوع بنوع من التقبّل ويعملوا عقولهم فيه، ويحاولوا أن يجدوا مخرجاً و حلاً له (وهؤلاء هم القلة)، و إما يعمدوا إلى التجريح بالكاتب وشتمه والطعن بكلامه بدليل وبغير دليل بقصد التأثير على مصداقية ما قال والتقليل من أهميته، (و هم للأسف الغالبية الغالبة).

 

لا أنكر أنني في المقالة إياها تبنيت وجهة نظر الإرهابي من المسألة، واستدللت بالآيات القرآنية التي تحرّضه على العنف والقتال، وتجاهلت الآيات الأخرى التي تؤدي عكس المعنى، ورغم ذلك لا أعتقد أنني أخطأت عندما فعلت ذلك، فقد أعلنت بداية أنني سأتقمّص دوراً، وسأطرح قضية ومسألة واضحة تطمح لتفسير ظاهرة الإرهابي المسلم، ولماذا يمكن أن ينتج الدين الذي جاء لخير البشرية أمثال هؤلاء، وهنا يكون دوري كمحامي الحق العام في المحكمة وليس القاضي، دون أن أنفي أن لدي وجهة نظر شخصية كشاب مسلم يعنيه ما يجري، وما يرتكب باسم دينه وينعكس عليه. مع الاعتذار طبعاً من كل من فهم من المقالة أنني أتهم جميع المسلمين بالارهاب، فأنا لم أقصد ذلك بالتأكيد، على الأقل لأنني مسلم ايضاَ ولا أعتبر نفسي ارهابياً…!!

 

سأخرج من نطاق تقييم الردود على المادة، لأنتقل إلى تحليلها كظاهرة، فهي على تنوعها كعينة إحصائية هامة شملت المسلم التقليدي، والمتدين، والفقية، والليبرالي، و العلماني وحتى الملحد، تقدم نموذجاً معقولاً يستحق الدراسة، وصورة عن حال المسلمين وكيفية تشكيل رأيهم العام حول الدين عموماً، و موضوعة العنف والإرهاب خصوصاً.

وسأقوم بقراءة المسألة بقدر معرفتي المتواضعة، أولاً كصحفي درس أساليب رصد وقياس الرأي العام، وثانياً كمسلم تقليدي يعلم تماماً البيئة التي يتحدث عنها، كما سأدلف إلى تسليط الضوء على الماكينة  والمنظومة التي تبني شخصية المسلم التقليدي انطلاقاً مما تخبرته شخصياً خلال قرابة 10 سنوات قضيتها في معاهد تحفيظ القرآن، قارئاً وحافظاً.

 

ب- أنواع المسلمين اليوم

 

دعونا نميّز بين 5 أنواع رئيسة من المسلمين اليوم في ضوء ما نعرفه و نخبره من حياتنا اليومية، وسأضع رقماً افتراضياً  يمثّل نسبة تقريبية لكل منهم من مجموع عموم المسلمين

1-  مسلم متشدد (2%):

– الدين هو محور حياته وغايته ويرى كل شيء من خلاله

– مسكون بنظرية المؤامرة على الإسلام

– يؤدي الفرائض والسنن والنوافل، ويكثر من التعبّد

– يلتزم التزاماً كاملاً بالمظاهر العامة للدين، (اللحية، الخمار….)

– لديه تصورات إلغائية عن الأديان والأقوام الأخرى، وينظر لهم على أنهم كافرون وفاسدون ومنحلّون أخلاقياً، ويتمنى لهم السوء والخراب.

– يعبد النصوص، ويقتطعها من سياقها، ويعتبرها أوامر تنفيذية مطالب كمسلم بتنفيذها

– يستسلم استسلاماً كلياً لرجال الدين وينفذ ما يطلبونه منه.

– يؤمن بالدعوة للدين، وبفرضها إجبارياً بكل الوسائل الممكنة بما فيها العنف

– يؤمن بأن الاسلام منتصر، وأنه سيسود الأمم ويكون ملكاً جبرياً، وأن دولة الخلافة قادمة لا محالة.

– لا يقرأ بشكل عام، أو أنه يقرأ من مصادر أحادية الثقافة (السلفية- الجهادية…)

– من السهل جداً خداعه وتحويله إلى قنبلة.

 

2-  مسلم تقليدي (65%):

– يؤدي الفرائض والسنن الأساسية في الدين، ويحافظ على مظاهر الدين العامة في حياته

– لديه تصورات فضائلية عن الدين، ويؤمن بأن الاسلام دين رحمة ومحبة وسلام، لكن له أسنان عند الحاجة، و يبرر له بعض العنف والانتهاكات في سبيل ذلك.

– يقدّس النصوص ويقدم النقل على العقل، ويعتبر تفسيرها على غير ما وردت في التراث الإسلامي عبثاً بالدين والرسالة.

– يقدس أو يحترم رجال الدين أو بعضهم، ويظن نفسه أقل أهلية وأدنى مرتبة منهم.

– يؤمن أن المسلمين -دون غيرهم من البشر- هم فقط من سينجون في نهاية المطاف، ويدخلون الجنة على درجات ومراتب.

– لديه تصورات دونية عن الأديان والأقوام الأخرى، وينظر لهم على أنهم كافرون وفاسدون ومنحلّون أخلاقياً،  لكن لا يعمل على تغييرهم،أو أنه يعمل على ذلك بأسلوب ناعم..

– لا يقرأ إلا نادراً، أو أنه يقصر قراءته على المصادر الرئيسية (القرآن، بعض كتب الأحاديث)، ويستقي معظم عرفته بالدين من المشائخ من خلال الخطب والدروس الدينية

– لا مانع لديه من العيش في دولة ديموقراطية، لكنه يحلم بدولة الخلافة الاسلامية، ويؤمن بصوابيتها وبأن الوعد بقيامها نافذ.

– مسالم بطبعه، لكن إذا تعرض أحد لدينه او معتقداته  قد يلجأ للعنف.

– قد يسهل خداعه، ويمكن تحويله إلى قنبلة في ظروف معينة.

 

3- مسلم متحرر (15%):

– يؤمن بالله ونبيه

– يؤدي بعض الفرائض والطقوس دون التزام، وكنوع من محاكاة للمجتمع.

– لا يلتزم بالحفاظ على المظاهر العامة للدين، (الحجاب….)

– لديه شكوك حول بعض النصوص، ولا يقدس النص بشكل اعتباطي.

– لا يؤمن بتفّرد رجال الدين، ويعتقد أنه مؤهل ليفكّر ويستنتج مثلهم أو أكثر منهم.

– يؤمن بأن الإسلام مثله مثل كل الأديان، نزلت لصالح الإنسان لكن أتباعها لا يقدمون صورة صحيحة عنها.

– ليس لديه نتيجة حاسمة لموضوع الثواب والعقاب والجنة والنار.

– يؤمن بدولة ديموقراطية غير دينية

– مهتم بحياته وثقافته، لكنه لا يقرأ كثيراً عن الدين.

– يصعب خداعه

 

4- مسلم غير مهتم (10%):

– غير ديني، قد يؤمن بالله ونبيه كفكرة عامة دون أن يعطي بالاً للموضوع

– ولد مسلماً وهويته مسلم وليس لديه مشكلة مع ذلك، لكنه غير مهتم بتقديم نفسه كمسلم.

– يندمج سريعاً بمحيطه، ولا يؤدي الفرائض والطقوس إلا إذا كان من حوله يفعل.

– ليس لديه موقف من رجال الدين، ولم يفكّر بالأمر.

– لا يلتزم بالحفاظ على المظاهر العامة للدين

– منشغل كلية بحياته الشخصية، و لا يهتم بالحياة العامة.

– لا يهتم بشكل ونوع نظام الحكم، المهم أن يحافظ على خصوصيته ومصالحه.

– غير مثقف

 

5- مسلم ناكر (8%):

– لا يؤمن بالله ونبيه، ويعتبر الأمر مجرد كذبة

– لا يؤدي أياً من الفرائض، و يرفض الالتزام بأي من مظاهر الدين، ويسخر ممن يؤديها

– معجب بالغرب وتجربته، ويتمنى لو أنه ولد هناك

– يعتقد ان الاسلام دين عنف وارهاب، ويحاول الابتعاد عن المسلمين وبيئتهم

– يؤمن بدولة علمانية قاسية، تضع أسساً وقوانين حديّة ضد الدين وتدخله بالحياة العامة.

– مهتم بحياته الشخصية، ولا يقرأ كثيراً عن الدين، بل بكل ما ينتقده

 

هذا تقسيم افتراضي غير مبني على أساس علمي، إنما هو قراءة عمومية للمشهد  فقط بقصد إعطاء صورة عن الموضوع، وعرض النموذج الذي تتحدث عنه المقالة،  وبالتأكيد هناك درجات متفاوتة بين الأنواع الخمسة، وهناك أناس يتنقلون من نوع إلى آخر بحسب الظروف، كما يحدث مؤخراً حيث انتقل كثير من المسلمين التقليديين إلى صف المنكرين للإسلام، أو بالعكس باتجاه التشدد.

 

 

ت- كيف يكوّن المسلم التقليدي فكره وتصوّراته عن دينه؟

 

في كل ما سأتناوله أدناه سأركّز على نموذج المسلم التقليدي كحامل أساسي للدين الإسلامي، وصاحب النسبة الأعلى من عديد أتباعه.

 

باستثناء قلة من الناس لا تشكّل نسبة معلومة، فإن معرفة معظم المسلمين التقليديين بدينهم هي بالغالب مجرد انطباعات وأفكار عامة وتصوّرات فضائلية ومسلّمات، اكتسبوها نتيجة تأثير مجتمع من حولهم يربط كل مفاصل حياتهم بالدين، ويجعله الفضيلة الوحيدة، والقيمة العليا، ويحوّله إلى انتماء أول وأخير للإنسان، فتحولت تلك الانطباعات إلى قناعات راسخة، و لم تنشأ  بالضرورة عن آليات تفكير أو إدراك، ولم تأت كنتيجة  تحصيل معرفي حقيقي يلمس جوهر الرسالة ومقاصد الشريعة، وفهم دورالإنسان في الأرض

 

إجمالاً يكتسب المسلم التقليدي معرفته بالدين من ثلاثة مصادر رئيسية

– المجتمع: العرف والتقاليد والنقل والمشافهة
– رجال الدين: خطب، ودروس
– اطلاع: قراءة بسيطة تقتصر على بعض الكتب الرئيسية في الدين والتي تدخل تحت إطار (المعلوم من الدين بالضرورة) 

إن المصادر الثلاثة هذه، غير معرفية في علوم اليوم، ولا يمكن اعتبارها تنتج علماً حقيقياً.

أما نسبة المسلمين الذين يحصّلون معرفتهم بالدين عن طريق القراءة والاكتساب الذاتي فقليلة جداً، ومن هذه النسبة القليلة نسبة أقل بكثير من تقرأ عن الدين من مصادر متعددة وتقاطع ذلك مع المعارف والعلوم الإنسانية والطبيعية، بينما النسبة الباقية تقرأ عن الدين وعن كل علوم الحياة  بشكل أحادي المصدر، أي من كتب الدين نفسها، وهي التي تكّون معارفهم وقناعاتهم العامة في معظم مسائل الحياة، حتى التي لا تتعلق بالدين نفسه.

 

سيكون من الظلم و الإجحاف تحميل المسلم التقليدي اليوم تبعات أزمة التطرف والعنف التي ترتكب باسم الدين، لا أقصد المسلم المسالم فقط، بل حتى من كان أحد أدوات التطرف والإرهاب ومنفذيه، فالمسلم كائن طبيعي ككل البشر له طموحاتهم وأحلامهم في العيش بأمان وسلام وتحقيق نجاحات شخصية وتكوين عائلة وأسرة وما إلى هنالك، ولم يخلقه الله بطريقة خاصة و زرع فيه خريطة جينية مختلفة عن بقية البشر، وخصص منها كروموزمات خاصة بالتطرف والإرهاب.

المختلف في حالة المسلم أنه  وقع ضحية سلسلة من الظروف  تحالفت جميعها ضده على مدى قرون لتصنعه على هذه الشاكلة، فكوّن عن نفسه وعن دينه مجموعة قناعات يظنّها -هو فقط- فرادة وتميزاً وسمواً عن غيره من البشر، بينما هي في حقيقة الأمر ليست سوى خليط معقد من نتائج ظروف قهرية، وإشكاليات ذهنية وأزمات نفسية وحضارية وإنسانية.

 

يمكن تلخيص الظروف التي ساهمت في تشكيل قناعات وأفكار المسلم التقليدي كما يلي:

 

1-  ماضي عنفي للإسلام:

منذ وفاة النبي محمد، لم يهنئ المسلمون بأي فترة استقرار معتبرة  تتيح لهم إنتاج فعل وفكر وثقافة حضارية، والمعلوم أن الاستقرار لازمة لأي انتاج حضاري.

الذي حصل أن المسلمين ومنذ فجر الدعوة وحتى اللحظة قضوا جلّ تاريخهم في تحديات وجودية، بين اقتتال داخلي، أو قتال خارجي، وتبعثروا في جماعات وفرق وطوائف كيّفت كل منها فهماً خاصاً للدين يلائم مصالحها، حتى أصبح من الصعب اليوم أن تجد مسلمين اثنين لديهما فهم وتصور واحد للدين، فكيف بأمة من مليار ونصف.؟.

بالنتيجة لعب ذلك دوراً رئيسياً في تشكيل التراث الاسلامي الذي ننهل منه اليوم، وبات إيجاد الرسالة الحقيقية أشبه بالبحث عن نقطة إبرة في كومة قش.

 

لنتجاوز فترة دولة النبي محمد كي لا ندخل في إطار الأخذ والرد وتناول المقدّس، ولنسلط الضوء على ما حدث بعد وفاته عام 11 للهجرة

– دخل خليفته ابو بكر مبكراً في اقتتال مع القبائل العربية فيما سُمي (حروب الردّة)، ثم افتتح سلسلة حروب خارجية تحت ما نسميه (الفتوحات الإسلامية) فأرسل خالد بن الوليد إلى الكوفة بالعراق، و أبو عبيدة بن الجراح إلى حمص، و يزيد بن أبي سفيان إلى دمشق، و شرحبيل بن حسنة إلى الأردن، وعمرو بن العاص إلى القدس.

– مات أبو بكر عام 13 للهجرة، والدولة الإسلامية خلال أقل من سنتين من عهده صارت أضعاف أضعاف دولة محمد، فامتلكت مساحات شاسعة من الأرض في بلاد الشام والعراق، لم تستطع أن تديرها إلا بالسيف نظراً للعمر القصير للدعوة التي لم تنتج إدارة دولة حقيقية سوى تشريعات عامة استخلصها المسلمون من القرآن ومن سيرة النبي الذي عاش في مناخ وظروف جغرافية وديموغرافية وسياسية مختلفة. ومع إضافة البعد الإنساني والفهم الذاتي للدين لدى الصحابة، استفرد (الفاتحون) بشؤون المناطق التي استولوا عليها، واعتمدوا بشكل رئيسي منهج (الإسلام أو السيف أو الجزية) فتحول كثير من سكّان هذه المناطق إلى الدين الجديد، ليس إيماناً بل خشية وخوفاً، وهو ما لا يحب التاريخ الإسلامي أن يقوله، ويفضل أن يصدّق أن عشرات ومئات الألوف من البشر هبط عليهم وحي الإسلام بين ليلة وضحاها عندما رؤوا لمعان سيوف جيوش المسلمين وهي تدخل مناطقهم.

– بعد ذلك جاء عمر بن الخطاب الذي تابع (الفتوحات) في الشام و أطلق فتوحات جديدة في مصر وفارس وأرمينية، ثم قُتل عمر عام 23  للهجرة طعناً وهو يؤدي صلاة الفجر على ايدي أبو لؤلؤة فيروز الفارسي، ومنهم من قال أنه كان يؤدي مناسك الحج على صعيد عرفة.

– ثم جاء عثمان واستمر بالفتوحات باتجاه الدولة الساسانية وقبرص، ثم قُتل عثمان عام 35 للهجرة خلال ما يسمى (الفتنة الكبرى) والتي نشأت على إثر خلافات بينه وبين الولاة الفاتحين كان محورها أحقية السيطرة على مناطق الثروات والغنائم في البلاد الجديدة.

– ثم جاء علي بن أبي طالب، وبعد استلامه الخلافة ببضعة اشهر فقط وقعت معركة الجمل عام 36  للهجرة بسبب خصومة بينه وبين طلحة والزبير ومعهما عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي محمد، ثم بعد أقل من عام  وقع خلاف آخر بينه وبين معاوية فدار قتال بين جيشيهما في موقعة صفين رفعت فيها المصاحف على أسنّة الرماح، وقتل عدد فيها من صحابة الرسول على رأسهم عمار بن ياسر، قبل أن يلجأ المتقاتلون للتحكيم، وينشقّ 1200 من مقاتلي عليّ عنه رافضين التحكيم مع معاوية الذي وصفوه بالكافر، وقد شكل هؤلاء ما يعرف بفئة (الخوارج) التي تعدّ أول انشقاق رئيسي وعميق في الإسلام، والغريب أنه حدث بين الصحابة أنفسهم، والنبي لم يمض على وفاته ألا بضع سنين، ثم قتل علي عام 40 للهجرة وهو يؤدي صلاة الفجر في الكوفة على ايدي ابن ملجم.

 

بالمحصلة، وفي صراعات داخلية محضة قضى ثلاثة من أصل أربعة خلفاء قتلاً وهم بين أيدي ربهم خلال أقل من 30 سنة من وفاة النبي، وقضي قرابة 400 من صحابة الرسول اقتتالاً بين بعضهم، ولم يستثن ذلك حتى المبشرين منهم بالجنة، وحصل أكبر شرخ في تاريخ الإسلام بين سنة وشيعة ما نزال ندفع ثمنه حتى اليوم.

لقد حدث كل ذلك قبل أن تُخلق الصهيونية والماسونية وأمريكا (التي تتآمر على الاسلام) بأكثر من 1400 سنة..!! لكن رغم ذلك كانت نظرية المؤامرة حاضرة حتى منذ ذلك التاريخ، و لا بأس في هذا السياق أن يتهم المؤرخون المسلمون الفرس وبني اسرائيل بأنهم وراء مصائب الإسلام من حينه…!!

– لم تنته القصة هنا، عام 41 للهجرة تأسست الدولة الأموية في دمشق على أنقاض دولة الخلافة الراشدة وبدمائها، واستمر بنو أمية بالغزو تحت اسم (الفتوحات الإسلامية) حتى وصلوا اسبانيا، ويسجّل التاريخ هنا أن الدولة الأموية شهدت بروز بوادر حضارية حقيقية، لكن ما لا يحب المؤرخون المسلمون ذكره هنا، أن ذلك حصل تحديداً في أكثر فترات الدولة الأموية تفلتاً وتحرراً من الدين، حيث افتتن الفاتحون القادمون من صحراء الجزيرة العربية بالمدنية والحضارة والتحرر في بلاد الشام واسبانيا، فاعجبهم الأمر، وأطلقوا بعض الحريات، وازدهر العمران و الفنون والعلوم، وشاع انتشار الخمور والمغاني حتى في مجالس الخليفة، مع حفاظ الأخيرين على المظاهر الطقوسية للإسلام، كما أنشئ الخلفاء من حولهم طبقة من رجال الدين تبرر وتهوّن عليهم ما يفعلون، وتعمل على تسليم المبايعين (الشعب) لولي أمرهم وأميرهم، وتحرّم عليهم الخروج عليه، وقد ترك أولئك موروثاً دينياً كبيراً في هذا الإطار ما يزال كثير من المسلمين يأخذون به حتى اليوم.

– لكن الدولة الأموية لم تدم أكثر من 90 سنة، فقد أنهكتها حروبها مع الخوارج والشيعة، فقد تقاتل يزيد بن معاوية والحسين بن علي في كربلاء، وقُطع رأس حفيد النبي ووضع على رمح.

– ثم حصل خلاف دامٍ على السلطة بين هشام بن عبد الملك الذي كان يريد تعيين ابنه مسلمة بدلاً من الوليد، وانقلب الوليد وأخذ الخلافة، وبدأ بملاحقة وقتل كل من أيّد هشام ومسلمة، وقد أدَّت انتقامات الوليد هذه إلى ثوران بعض القبائل التي انتمى إليها ضحاياه، فاجتمع عدد كبيرٌ منها، واستمالوا إلى صفهم ابنه يزيد  فقادهم وجمعَ 1000 رجل منهم وذهبوا إلى قصر الخليفة وقتلوه، وفتحَ مقتله الوليد حروباً لم تنته بين المتنازعين على الحكم.

– استغل العباسيون الذين بدؤوا يتوسعون في خراسان والعراق ضعف الأمويين وواقعوهم في معركة الزاب الكبير سنة 132  للهجرة، وكانت هذه المعركة هي نهاية الدولة الأموية وسُقوطها.

– بعد أن تمكّن لهم الأمر، ونتيجة تحكم الشيعة الحاقدين على بني أمية بهم، قضى العباسيون على سلالة الأمويين عن بكرة أبيها، وأخرجوا عظام من من كان ميتاً من قبل وجلدوها، وقتلوا معظم رجالات الدولة والموظفين الذين عملوا تحت أيديهم، ولم ينج منهم إلا من لجأ إلى الأندلس وهم قلة قليلة.

– رغم بروز فترة ذهبية ازدهرت فيها العلوم والفنون في الدولة العباسية كسابقتها الأموية، إلا أن الاقتتال الداخلي والحروب الخارجية لم تهدأ، بل كانت الأسوأ في تاريخ الإسلام، ونتيجة الكراهية بين السنة والشيعة، وترامي أطراف الدولة، واستفراد الولاة في الولايات بالسلطة، ازدهرت صناعة الفرق والطوائف، حتى بلغ عددها ما يقارب 160 فرقة ومذهباً، وكان لكل منها معتقداتها الدينية الخاصة وشعاراتها وطريقتها في الدعوة لتحقيق أهدافها في إقامة الحكم الذي تريد، ونشأت دول داخل الدولة العباسية وعلى أطرافها، فمن الدولة العقيلية إلى الدولة المروانية اللتين ورثتا الدولة الحمدانية، إلى الدولة البويهية، إلى السلاجقة  في بغداد، إلى الفاطيين في مصر، إلى الأيوبيين والمماليك في الشام، وتزامن كل ذلك مع الحملات الصليبية على بلاد الشام، قبل أن يغزوا المغول بغداد في نهاية المطاف، ويسقطوا الدولة العباسية عام  656 للهجرة عن عمر ناهز 524 سنة جلّها الحروب والفتن والاقتتال الداخلي.

من المفيد التذكير هنا أن أغلب التراث الإسلامي الذي نعتمد عليه اليوم  من تفاسير للقرآن وتوثيق للحديث خرج من أتون التمذهب والتشتت الديني وظهور رجال دين السلاطين في الدولة العباسية، وكان على رأس هؤلاء  البخاري ومسلم في مجال الحديث، وفي مجال التفسير الطبري (صاحب تفسير الطبري)  والقرطبي صاحب (الجامع لأحكام القرآن) وجميعهم من أهم المراجع المعتمدة في الإسلام حتى اليوم، إن لم يكونوا هم الأهم.

 

– بعد ذلك نشأت ممالك كثيرة وقصيرة العمر في الشام ومصروالعراق  كانت تقوم على آثار بعضها وبعد أن تدمرها، قبل أن يدخل العثمانيون  فيحتلوا البلاد العربية ويغرقوها قرابة 500 سنة في الظلام والجوع والكثير من الطقوسية الدينية، واقتادوا شبابها إلى معاركهم في أوربا والبحر الأسود بدعوى (الفتوحات الإسلامية).

– تحرر العرب من العثمانيين بداية القرن العشرين، ولم يتمتعوا إلا بفترات هدوء بسيطة قبل أن يبدأ عصر الانتداب الأوربي الذي ألقى العرب والمسلمين في حالة خضوع وقتال مستمر، ولينتهي عصر الانتداب أواسط القرن العشرين وتظهر معه الأمم المتحدة كمنظمة عالمية أنهت عهود الاحتلال القديم وفتحت صفحة جديدة في تاريخ البشرية، وبينما كان المفترض أن يكون ذلك إشارة إلى أن  فترة الاستقرار ستأتي أخيراً إلى الأمة العربية والإسلامية لتبدأ بناء مستقبلها، وإذ بإسرائيل تظهر – وبقرار من الأمم المتحدة ذاتها- كعدو جديد في المنطقة يحتل الأراضي العربية والإسلامية، وهو ما أعاد استفاقة الصراع المحمدي-اليهودي في جزيرة العرب، وأعاد وصل ما قطعته كل هذه السنين، وأبقى المسلمين في دائرة القتال العقائدي.

– بعد ذلك بدأ في العالم العربي والاسلامي عصر الديكتاتوريات العسكرية  بما تحمله من خراب ودمار وقهر وظلم، ثم لتظهر في إيران (الثورة الإسلامية) وتطلق شعاراتها التوسعية والثأرية، ولتعيد إلى الواجهة أيضاً مشروع الاقتتال السني-الشيعي المستمر منذ القرن الأول للهجرة


Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.