الجمعة , أبريل 26 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / الاحزاب الاتحادية  / التغيير سيأتي كما تحدث الولادة، بعد حمل طويل

التغيير سيأتي كما تحدث الولادة، بعد حمل طويل

حوار يستحق القراءة بدون تحيز مسبق وبعقل نقدي ..
******
الباحث والكاتب الدكتور مجدي الجزولي لـالتيار:” :
البديل ليس مأزقاً على الإطلاق
التغيير سيأتي كما تحدث الولادة، بعد حمل طويل
“”””””””””””””””””””””””””””
مقولة المركز والهامش وصراع الهوية صحيحة لكن لا تصف العلة
“””””””””””””””””””””””””””
السلطة اجتهدت لتفكيك قاعدة القوى الاجتماعية التي يمكن أن تشكل تهديداً لها
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””
بتحليل ماركسي عميق وضع السياسي الشاب والكاتب الصحفي الدكتور مجدي الجزولي الديالكتيك أو المادية العلمية كالمبضع في جسد البلاد الواهن ، فلم يستقرئ الأوضاع الآنية فحسب بل استعان بالمادية التاريخية وبداية الأزمة التي تتغلغل في البلاد لتشريح الواقع وقراءته إستقراءً للمستقبل التي جزم فيها أن التغيير سيأتي كما تحدث الولادة، بعد حمل طويل، وأعتبر الجزولي أن الذين يخوِّفون الناس من التغيير المنشود ويدعون بأنه يجر البلاد إلى مصير سوريا واليمن وليبيا، الجزولي الذي سلخ سنوات عديدة من عمره داخل الحزب الشيوعي قبل مغادرته مغاضباً قبل أشهر ضمن قائمة الأطباء الشيوعيين الشهيرة في واحدة من تجليات الأزمة التي استفحلت قبل وبعد وبين يدي المؤتمر العام السادس يشير إلى إن هذا إدعاء القصد منه بث الذعر في النفوس وتعميق الهوة بين حضر البلاد الذي لم تغشاه الآثار المباشرة للصراع المسلح والمجتمعات التي ظلت ترزح تحت نيران القتال منذ عقود وأوضاعها لا تختلف نوعياً عن أمثلة ليبيا واليمن.. إلى التفاصيل:

أجراه : محمد إبراهيم الخليفة

بدءاً كيف تقيم الأوضاع التي آلت إليها البلاد بعد وأد الديمقراطية الثالثة؟

سؤالك يتضمن الاعتقاد أن انقلاب الجبهة الإسلامية في ١٩٨٩ مثَّل انقطاعاً مع النظام السياسي البرلماني الذي نجم عن الانتفاضة ضد حكم جعفر نميري، وهو افتراض يصح لدرجة التحول من حكم برلماني إلى حكم سلطوي عسكري. لكن إن نظرت أبعد من ذلك قليلاً، وهو زعم قد يستغربه الكثيرون، ستجد أن الانقلاب يفقد دلالة الانقطاع هذه عند اختبار محتواه الطبقي والاجتماعي.

في السياسات التي انتهجتها حكومة الإنقاذ منذ 27 عاماً هي العمل على تفكيك وضعضعة القوى الاجتماعية، هل هنالك قوة إجتماعية معينة يمكنها أن تحدث التغيير الآن بعد هذه التطورات؟

عملت السلطة على تفكيك القاعدة المادية للقوى الاجتماعية التي يمكن أن تشكل تهديداً لها، بعض ذلك ما كان سياسات منهجية وفق خطة التمكين وبعضه كان ارتجالاً فرضته موجبات البقاء السياسي، منتهى هذه التحولات كان ضعضعة الأساس المادي وكذلك الآيديولوجي الذي كان يسند نفوذ القيادات الطائفية. في هذا الخصوص التزم الإسلاميون بالمادية التاريخية أكثر من خصومهم الشيوعيين بمراحل ونفعتهم. لم تبدأ هذه التحولات عام ١٩٨٩ بطبيعة الحال.. لكن تسارعت بشدة حين أصبحت الدولة بيد الإسلاميين أداة للهندسة الاجتماعية.

إذا لم تبدأ هذه التحولات في عام 89 فمتى بدأت؟

أرَّخ الأستاذ كمال الجزولي لها بتاريخ إنشاء بنك فيصل عام ١٩٧٧. تصديقاً لذلك، تحدث حسن الترابي في نادي مكة في نوفمبر ١٩٨٤ بمناسبة مرور عام على تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان فكان تركيزه بالدرجة الأولى على أسلمة البنوك. عبرة ذلك ليس في المقام الأول في منع الربا، فقد وجد الفقهاء الإسلاميون عبر العصور تخريجات مبدعة لتجاوز هذه التفصيلة الشرعية بما يراعي مصالح كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال. قدم مكسيم رودنسون في كتابه “الإسلام والرأسمالية” حججاً كافية في هذا الصدد وانتهى إلى أن المبادئ الإسلامية لم تمنع التطور الرأسمالي للعالم الإسلامي وليس فيها ما يتعارض مع التحول نحو الاشتراكية، فالإسلام كدين لم يصدر عنه نظام اقتصادي بعينه. قضية الربا قضية دعائية بالأساس لجذب المدخرات نحو القطاع البنكي الإسلامي ووضعه في موقع تحل فيه محل البنوك التقليدية، هي دعاية مثل قولهم “شيخ المصارف”.. المهم أن الفئات الرأسمالية الصاعدة وجدت في رأس المال الخليجي مصدراً جديداً للتمويل جعلها في موقع المنافس الشرس للبرجوازية التجارية والزراعية المرتبطة بالقيادات الطائفية والتي كان لها الموقع المتقدم في السوق حتى أزاحتها بالكلية. كما ترى اليوم، أبناء الصادق المهدي يستثمرون في سوق الليموزين وبعض آل المهدي الأقل حظاً استأجروا أجزاء من حيشانهم الواسعة في الملازمين مطاعم، أي هبطوا في السلم الطبقي من مواقعهم الأولى في صدر البرجوازية السودانية إلى التواضع الحالي، بينما اختار التاجر الشاطر بينهم، مبارك الفاضل المهدي، منذ فترة طويلة البحث عن حل ما مع الإنقاذ يتيح له وموالوه العودة إلى السوق فتَكَّس ورجع. لم يتأخر تجار الاتحادي ورجال أعماله عن ذات السنة.. عبروا من مواقع المعارضة إلى حلف البشير فصيلاً تلو الآخر حتى “الأصل” بقيادة الميرغنية.

هل يعني هذا أن المؤتمر الوطني قد نجح في قيادة البرجوازية؟

عبرت قيادة المؤتمر الوطني عن طموحاتها في هذا الصدد بوضوح شديد حين اقترح قبل عامين اندماج حزبي الأمة والاتحادي مع المؤتمر الوطني في حزب واحد تحت مسمى “مؤتمر الأمة الاتحادي”. المعنى هنا، أن المؤتمر الوطني تحققت له بدرجة كبيرة قيادة البرجوازية السودانية ويسعى لتكتمل له قيادتها السياسية بضم الفئات التي ما زالت تحتفظ بصوت سياسي مستقل عنه. تتكرر هذه المساعي بصيغ عديدة، كتحالف أهل القبلة وكذلك حوار الوثبة وحديث رجالات المؤتمر الوطني المتكرر عن ضرورة التوافق على ثوابت “وطنية” تصون الدولة مهما تغيرت الحكومات، مما سبق يبدو واضحاً ما هي القوى ذات المصلحة الموضوعية في تحول ثوري، وليس انتقال ديمقراطي وكفى الله المؤمنين شر القتال. في الواقع، يسعى حتى الإسلاميين، وطني وشعبي وسلام عادل والإصلاح الآن، إلى صيغة من التحول الديمقراطي مأمون العواقب يحفظ المصالح طويلة المدى للقوى الاجتماعية التي تحقق لها التمكين منذ إنشاء بنك فيصل في ١٩٧٧.

هل تبخِّس التحول الديمقراطي؟

لا أقصد بهذا التمييز تبخيس التحول الديمقراطي كهدف مباشر لكن تكررت علينا التجربة في ١٩٦٤ وفي ١٩٨٥ بهزيمة الديكتاتورية ثم عودتها دون نظر في القوى الاجتماعية التي تفرِّخ هذه الديكتاتوريات كقانون للثورة المضادة إذا جاز التعبير. عبر مسطول عن علاقات القوى السائدة بأمنية معقدة، قال يريد أن يعيش في “عالم زين”، هذا العالم الجميل زاهي الألوان الذي يطل عليه عبر الدعاية من خلال شاشة التلفزيون لكن لا يجد إليه سبيلاً. هذا في رأيي خط الصراع الاجتماعي في بلادنا، بين ساكني عالم زين وبين الذين انسدت أبوابه أمامهم. هؤلاء هم أصحاب المصلحة الأولى في الإطاحة بعلاقات السيطرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإعادة تركيبها بما يجعل للتحول الديمقراطي محتوى يتجاوز انتقال السلطة بين فئات متنافسة تشترك في الواقع في مصالحها الطبقية وليس في إمكانها حتى تخيل مناهج لإدارة موارد البلاد وتوزيع ثرواتها وإنتاجها خارج الصندوق الرأسمالي.

لماذا لم تستطع المعارضة طوال الـ27 سنة الماضية من إحداث التغيير ؟

القوى المعارضة للإنقاذ متعددة اللافتات لكنها بالقياس السابق قوى تمثل فئات من البرجوازية السودانية فقدت موقع القيادة الطبقية بتدهور الأساس المادي لسيطرتها، أي القيادات الطائفية، وهذه أصبح من الصعب جداً أن تستعيد هذا الموقع ، ثم قوى المقاومة المسلحة في الريف، وهذه على عدالة قضيتها عاجزة حتى الآن أيديولوجيا أن تكتشف قانوناً داخلياً يوحد خط الصراع الاجتماعي كما نصح المسطول كما أن منظور قياداتها محدود بقضايا الاضطهاد القومي في كل إقليم حربي، دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، بما لا يتجاوز مطلوبات التجنيد للقتال. الأهم أن هذه القوى مثلها والجيش الشعبي لتحرير السودان غلب عليها منطق العسكرة دون السياسة فنجحت في تجنيد المقاتلين لكن فشلت أيما فشل في فض علاقات الاضطهاد في المجتمعات التي تنشط وسطها فلم تقدم محتوى تقدمياً للتحرير المنشود.

تعني أن الحركة نجحت عسكرياً نسبياً لكنها فشلت في بقية الجوانب الأخرى للمناطق المحررة؟

مثلها والجيش الشعبي في جنوب السودان كان جل اهتمام الحركات المسلحة تجنيد المقاتلين، طوعاً وقسراً ولم تهتم إلا هامشياً بموارد الثورة سوى القتال في مجتمعاتها. في هذا الخصوص، تساءل المرحوم محمد إبراهيم نقد في كلمة بمناسبة الميلاد الثاني لاتحاد الكتاب السودانيين عن الموقع الذي تحتله قضية اللغات المحلية عند الفصائل المسلحة، هل اجتهدت بأي قدر في رعايتها وتطويرها أو التوسل بها للتعليم مثلاً. في جبال النوبة، فضلت الحركة الشعبية أن تستبدل العربية باللغة الإنجليزية كلغة تعليم مدرسي ولم تشغل نفسها كثيراً بتحرير لغات النوبة، فما التحرر القومي إذاً؟ بالرغم من كل ذلك تظل مساهمة الحركات المسلحة الأولى أنها فرضت أسئلة جديدة على الطبقة السياسية لا يمكن بأي حال تجاوزها، أسئلة العلاقة بين مركز السلطة والأقاليم وقضايا القوميات وتوزيع الثروة القومية، وجميعها كانت غائبة عن النخب الحاكمة حتى عهد قريب، النخب التي صرخ في وجهها المرحوم حسن الطاهر زروق في برلمان الاستقلال بقضايا العدالة الاجتماعية فردت عليه بنقطة نظام. بهذا المعنى، لم يعد من الممكن تصور تحول سياسي يكنس هذه القضايا بعيداً عن الأنظار كما حدث بعد ثورة أكتوبر وانتفاضة مارس/أبريل ولا يمكن تصور عقد سياسي جديد يعيد تكوين مركز السلطة دون أن يفرد موقعاً للقوى الإقليمية. بل إن أحد أسرار نجاح المؤتمر الوطني في البقاء هو ما حققه من توسع في الطبقة الحاكمة بإدراج الطامحين من الأقاليم المهمشة في هياكله وفي تركيب السلطة متى ضمن ولاءهم، قال الطيب حسن بدوي، وزير الثقافة الاتحادي وابن جبال النوبة، في لقاء إعلامي بعد تعيينه أنه لو ظل على ولاء أهله لحزب الأمة لما أدرك شيئاً فالنفوذ في حزب الأمة يحسب بالنطفة والعلقة بينما أتاح له المؤتمر الوطني الصعود السياسي.

كيف تنظر لدعوات الشباب مؤخراً للعصيان المدني ومامدى فاعليته وإسهامه في التغيير؟

بتشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة. بطبيعة الحال يصعب الحديث عن الشباب ككتلة سياسية واحدة فهم فئة عمرية تتوزع ولاءاتهم كغيرهم من الفئات العمرية. لا تنس أن الشباب هم أيضاً من يقاتل على الجبهات في كل جانب، في قوات الدعم السريع وفي الجيش الشعبي (شمال). بالتالي لا تستقيم هذه المناقشة بغير ضبط المقصود، في هذه الحالة فئات واسعة من الشباب الحضري التواقين إلى نظام سياسي يعبر عن طموحاتهم، وقد ابتكروا بوسائل التوصل الاجتماعي أنماطاً من الدعاية وأساليب الحشد جربوا فاعليتها بدعوتي العصيان في نوفمبر وديسمبر من العام الماضي. بذلك أضافوا إلى علبة أدوات الاحتجاج وسيلة جديدة. المهم أنهم بذلك جذبوا إلى ساحة العمل السياسي فئات كانت غائبة عنها، بل عفت سياسة الأحزاب المستقرة بالمرة وفضلت عليها مشاغل مستقلة كمثل ما فعل “الحواتة” وشباب شارع الحوادث. العبرة أن الشغف بالعمل العام والخدمة الاجتماعية ما زال حياً لم تكتمه المحاولات المستمرة للتدجين في قوالب ثابتة ولن يعدم كل من حدثته نفسه بالنضال وسيلة إلى ذلك.

هؤلاء الشباب خارج الأطر التنظيمية هل هذا يعني أن القوى السياسية عجزت عن احتواء هذه الطاقات؟

نعم، لم تعجز فقط، بل تتخوف من هذه الطاقات وترتعد مما يمكن أن تحدثه في البنى الحزبية من تغييرات. تريد الأحزاب أن يأتيها المنتسبون خاضعين موالين لا مبتكرين مجددين. تريد منهم الرضا بالقسمة إذا جازت العبارة، وحتى هذه تتناقص كما تشهد بذلك مصاعب الحزب الشيوعي مع المناضلين الشباب الذين تجذبهم شعاراته ويلهمهم تاريخه ومتى ما اجتهدوا في اجتراح ما يتلاءم مع تجربتهم السياسية صدهم بحملات التأديب ولفظهم بدعوى الحفاظ على جسد الحزب، أي تمائم المحفوظات الحزبية كأن الحزب أيقونه لا يلحقها الزمان والمكان. قارن ذلك بفورة النشاط في حزب المؤتمر السوداني الذي أتاح للراغبين من شبابه فرص التجريب والخطأ والصواب فنهض ليصير حزباً حياً يمشي بين الناس وليس فقط مكتباً سياسياً يصدر البيانات عند اللزوم. في هذا الخصوص يجب الانتباه إلى مسارعة الأحزاب والحركات المسلحة لحصاد فوائد النشاط المدني على مصاعبه. أصدر ياسر عرمان سيلاً من الرسائل التعليمية إلى أصحاب دعوة العصيان المدني أياً كانوا في استعجال مقلق خوفاً من أن يفوته إسقاط النظام أيَّان ميقاته فدعا إلى خلق مركز موحد للمعارضة، وهي دعوة ملتبسة لحركة سياسية ترى النشاط المدني حلقة ثانوية لعملها العسكري. فوق ذلك، أخذ ياسر يوجه رسائل أكثر خطورة إلى ضباط الجيش يطلب منهم بلفظ مستتر إهتبال الفرصة والانقلاب على النظام فعاد من سكة ثورة أبطالها مظلومون مهمشون إلى سكة الانقلاب البرجوازي الصغير كأن لم يك شيئاً، وهزم بذلك العصيان المدني قبل أن ينجح حتى. الحقيقة، حتى ياسر ربما يخشى الثورة التي يدعو لها فقد تأتي بقوى يجهلها وقيادات لا يعرف لها اسماً وميزة كأصحاب دعوة العصيان المدني وأبطال سبتمبر ٢٠١٣ تسحب من تحت أرجله البساط وقد استقر له بالحرب والتفاوض موقع في الطبقة السياسية السائدة. صوَّب الواثق كمير زميله ياسر في رسالة قصيرة يطلب فيها من قيادة الحركة الشعبية شمال أن تعمل بما تنصح به وتوجه قدراتها إلى النشاط المدني بين الجماهير بدلاً عن انتظار معادلة مفاوضات حربية ترسم حدودها في المقام الأول التوازنات الإقليمية ومصالح القوى العظمى مع حكومة السودان. ختم الواثق رسالته القصيرة ببلاغة موحية فكتب لقرائه“والله أعلم”. أليس هذا هو الإرهاق الخلاق الذي نصح عبد الله علي إبراهيم بالاعتراف به؟

يقارن منتسبو النظام الحاكم الدعوة للتغيير بالأوضاع التي آلت إليها بعض بلدان المنطقة كسوريا واليمن وليبيا هل تعتقد في حال حدوث تغيير يمكن أن تتحول أوضاع البلاد لهذا النموذج؟ولماذا؟

هذا ادعاء القصد منه بث الذعر في النفوس وتعميق الهوة بين حضر البلاد الذي لم تغشاه الآثار المباشرة للصراع المسلح والمجتمعات التي ظلت تزرح تحت نيران القتال منذ عقود وأوضاعها لا تختلف نوعياً عن أمثلة ليبيا واليمن. فعالية هذا الادعاء إنه يعكس في جانب منه الانقسام الطبقي في البلاد كما شرحه المسطول بين “عالم زين” والعوالم غير الزين خارجه فالنظام يقول بذلك أن حشوداً فوضوية ستطيح بهذا العالم الجميل ومصالح قاطنيه متى انفتحت أبواب التغيير السياسي. الرد على ذلك اللهم آمين. النظام يسوق نفسه كمدافع عن مصالح الطبقات الاجتماعية العليا في وجه الذين لا يملكون ما يخسرونه، ويجتهد في ابتكار التكتيكات لتعميق الانقسامات العرقية والقبلية التي تحول دون توحد قوى مضادة له من جمهور الخاسرين خارج عالم زين وبالمقابل توحيد وتوسيع قاعدته الاجتماعية بالدعاية القومية.

كيف يمكن أن يحدث التغيير؟

كما تحدث الولادة، بعد حمل طويل.

بات الكثير من الشباب يضع الحكومة والمعارضة في خانة واحدة في رأيك لماذا هذا الادعاء وهل له مبرراته؟

نعم، له مبرراته فالمعارضة في غالبها تدعو الشباب إلى الماضي، تدعوهم إلى “زمن جميل” قبل ١٩٨٩ لم يشهدوه، وتكرر على أسماعهم صباح مساء ما هم فيه من بلاء، فتعليمهم عند المعارضة أي كلام ووعيهم ملتبس ونواياهم غير مضمونة بما إنهم جيل المشروع الحضاري. إذا كان للمعارضة الرسمية من رسالة فلا يمكن لوم مستقبلي الرسالة على عدم وصولها أو فشلها. لا يستقيم أن تصد الأحزاب قنواتها أمام المناضلين الشباب وتنتظر منهم في ذات الوقت أن يتقدموا للفداء من أجل استعادة ماض لم يعرفوه. تكرر المعارضة منذ انقلاب ١٩٨٩ حرفياً عبارة “استعادة الديمقراطية” كأن الديمقراطية القادمة هي ما عهدت القيادات الحزبية في ماضي سيرتها وليس ديمقراطية جديدة يشق طريقها مناضلو اليوم ويضعون لها اللبنات كما يناسب تغيير الحوادث. نظر المعارضة مشدود إلى الخلف ونظر القوى الصاعدة مشدود إلى الأمام وبين الإثنين ما قال غرامشي أنه الأزمة الثورية، ماضٍ لا يقوى على الموت ومستقبل لم يولد بعد وفيها ترون الفظائع أو كما قال.

كيف تشخص أزمة البلاد الحالية؟

عند تشخيص أزمة بلادنا المركبة تتردد مقولات المركز والهامش وصراع الهوية وهي صحيحة لا شك لكنها لا تصف العلة، فتاريخ بلادنا الحديث هو في صورة من الصور قصة الاختراق الرأسمالي لمجتمعات انخرطت تدريجياً في السوق الرأسمالي العالمي.

– كيف تنظر للذين يطرحون الاشتراكية في خضم واقع عالمي واقليمي رأسمالي؟

ما لم تقله في سؤالك أنه واقع عالمي وإقليمي متأزم. أثبتت الرأسمالية قدرتها على التوسع والتجدد بينما انهارت التجارب الاشتراكية على النمط السوفييتي. هذه حقائق التاريخ. من ناحية أخرى ثبت أن علاقات الإنتاج الرأسمالية على نجاعتها تتفجر بالتناقضات. طرح المفكر السلوفييني سلافو جيجيك كأمثلة على ذلك ثلاث قضايا حاسمة لا يمكن حلها ضمن سياق الملكية الفردية وعلاقات الإنتاج الرأسمالية وتتطلب في واقع الأمر حلاً شيوعياً أممياً إذا جازت العبارة. الأولى قضية التدهور البيئي التي تهدد الكوكب بأجمله. في بلادنا كانت إحدى انعكاسات هذه القضية تزايد حدة الجفاف والتصحر في حزام السافنا ما أفضى إلى سلسلة الصراعات المميتة حول الأرض بين المزارعين والرعاة. هذه قضية لا يمكن حلها بأي حال وفق علاقات الملكية الفردية للأرض وتتطلب كما ذكرت حلاً اشتراكياً. الثانية قضية الملكية الفكرية بما في ذلك للمكتشفات الطبية والأدوية المستحدثة، وهي مكتسبات بشرية إن تركت نهباً للاستثمار الرأسمالي كانت نتيجة الانتشار غير المسبوق للأوبئة.

وماهي الثالثة؟

الثالثة الثورة العلمية في مجال البيولوجيا الحيوية، حيث تنشد شركات ومؤسسات أميركية وأوروبية فرض الملكية الفردية على المكتشفات الجينية بينما المادة الوراثية للبشرية ملك للبشرية كلها ولا يعقل على الإطلاق تصور أن تملك شركة في كاليفورنيا حقوق الطبع لجينات يحملها كل البشر، عضو الكونغرس الأميركي والطفل الذي يدفع ترتارا” غرب الحارات سيان.

أضف إلى هذه القضايا على سبيل المثال قضية الهجرة التي تؤرق اليوم الحكومات الأوروبية وهي في جانب منها نتيجة للموجة المعاصرة من الاختراق الرأسمالي وشهرتها الليبرالية الجديدة. فرض التطور التكنولوجي في ظل علاقات الإنتاج الرأسمالية تمركز شديد للنشاط الإنتاجي ليترسخ الانقسام بين القوى الثمانية الكبرى التي اجتمعت فيها منجزات الثورة العلمية التكنولوجية وقوى العمل والإنتاج والخدمات المتصلة بها وبين بقية العالم. صارت وفق هذا الانقسام الكتلة البشرية خارج هذه الدول الثماني وكذلك من لفظتهم علاقات الإنتاج في داخلها فائض من الحياة لا ضرورة اقتصادية لوجوده. بذلك صار إنسان طويلة أو الرقة أو بور أو كابول خارج دائرة الاستغلال المباشر إذا لا جدوى اقتصادية من عمله ولا ضرورة للاستثمار في حياته أقصى ما يمكن أن يبلغه أن يتحول إلى رقم في سجلات اللاجئين والنازحين التي ترعاها الأمم المتحدة نيابة عن العالم “الحر”. بعبارة روزا لوكسمبرغ العالم بين خيارين إما الاشتراكية أو البربرية، نحن في البربرية.

هنالك مأزق حقيقي في حال ذهاب الحكومة الحالية، فكيف يتم التعامل معها. هل يتم عن طريق التسامح كنموذج الجنوب أفريقي أم عن طريق المحاسبة العادلة؟

ليس هنالك مأزق على الإطلاق.. الطريقة التي ستذهب بها الحكومة ستجيب على سؤالك. لم يتنظر من قاتلوا القذافي أن يصلوا به قاعة المحكمة واقتصوا منه على طريقتهم. عامل الجيش المصري حسني مبارك كبطل مظلوم حبسه في سرير مستشفى حتى اكتملت الثورة المضادة، وعاد علي عبد الله صالح إلى واجهة الأحداث بفضل الحرب السعودية على اليمن.

كيف يعود الجيش إلى ثكناته مرة أخرى في ظل الواقع السياسي المتخلف الآن نتيجة لكثرة المليشيات المسلحة في الحكم والمعارضة والتدفق الهائل للسلاح لدى المواطنين في مناطق الهامش؟

الجيش هو المسؤول الأول عن هذا الواقع المتخلف بعبارتك منذ أن اتبع سنة الحرب بالوكالة، وهو اليوم صاحب القدرة القتالية الأعلى صحيح لكنه غير قادر على بسط سيطرته على السلاح وربما إيضاً غير راغب. حجة التهديد الأمني هي عين حجة الجيش في مد نفوذه السياسي وقد جاء الوقت بعد عقود من الحرب الأهلية في بلادنا لطرح الأسئلة الصحيحة عن الجيش وموقعه من السياسة. الطريف أن معارضين عظاماً يظلون رغم هذه التجربة الطويلة على عقيدتهم في طريق الجيش القصير فتراهم يرددون في كل واقعة احتجاج اللهم انقلاب اللهم انقلاب.. كأن انقلاب أحمد الذي ينتظرون سيأتي بالرايحه على عكس انقلاب حاج أحمد الذي يمقتون، وكما قال الواثق “الله أعلم”.

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

*أوسع مقاومة لإسقاط الانقلاب* *جبهة واسعة لحماية حقوق الانسان*

Share this on WhatsApp*بيان من الحزب الشيوعي السوداني* سكرتارية اللجنة المركزية *أوسع مقاومة لإسقاط الانقلاب* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.