*قصاصات*
أوراق مبعثرة …(4)
بدأت عصافير الغروب العائدة الى أوكارها تؤرق مضجعي ، وترانيم الصباح تسعدني ،هل هو تأثير الحب؟؟
كنت عندما أعود لمنزلي أتهرب من (تيسير) بقدر المستطاع حتي إستشعرت تصرفاتي ، وعندما يطل الصباح أكون كالعصفور الغريد احادث (اسماء) لساعات بالهاتف ، او استقطع زمني فأذهب لهم في مكتبهم ليسعد قلبي بحضورها البهي ، فأنهل من محياها ، وأتجول في معالم غدي المشرق .
ثلاثة شهور انقضت ، تتطابق معي في الاشياء ، فقبل أن اطلب شيئا ، أو أفعل شيئا اجدها فعلته ، وانا بنفس الشكلية أنفذ ما تفكر فيه ، انه توارد خواطر ، نلتقي في كل شئ حتي الكلمات ، والأغاني والمأكولات .
وعندما يحضر المساء أعاني واتألم (فتيسير) تنتظر سماع صوتي ، وتسمع صوت المفتاح وهو يدور في قفل الباب ، فتسرع لأجدها أمامي لترمقني بنظرة شوقها التي تضيع شجون النهار ، الذي قضيته بصحبة اسماء واتعذر حتي يخجل مني الإعتذار ، وهي تتأملني وعيونها تبرق بالرجاء ؛ لأسمعها كلمة تثلج صدرها الصبور ، وتعود مقطبة الجبين ، خائبة الرجاء.
وادخل وانا ازجر نفسي ما أقساني !! وما أسوء مشاعري!! .
كانت ( اسماء) في قمة سعادة تتمايل باشواق طرزتها بخيوط الذهب ، وها هي (تيسير ) في قمة تعاستها ، وانا مخلوط بأنين الليل ، وتباشير الصباح .
مضت ثلاثة اشهر حتي توثقت علاقتي بالعسجد المسكوب علي رمال الأمال ، تلك الفراشة المزركشة ، التي نسجت في حياتي خيوط البنفسح الوردي ، واماني الغد الوضاح .
كانت ا(سماء ) يتيمة الأب ولها اربعة اخوة جميعم متزوجين ، وليس لها سوي والدتها التي تمني نفسها بتزوجيها قبل أن تموت ، وكانت تحب امها حبا” شديدا” .
قضيت معها يومي ، وعدت في اليوم الثاني تسوقني خطواتي ، لسماع صوتها فإتصلت عليها كالعادة ، فردت صديقتها التي تعلم زمن اتصالي ، وتعرف مايجمعنا ، فاخبرتني بانها لم تحضر اليوم ، وجلست أنتظر ، وأعيد الاتصال فترد صديقتها او زميلتها التي تسمي ايضا (اسماء ) ولكنها الصدف ، وحقيقة لم اهتم ، وهذا من اسباب محبتهم لبعضهم .
انتهي اليوم ولم اسمع صوتها وعدت مكدر الوجه ، احمل هموم الدنيا علي كاهلي وقابلت (تيسير) كالعادة ، ويا ليتني لم اقابلها ولكني لاول مرة ، اطلب منها ان تتركني ، وتعود لمنزلها ، وعادت وهي تبكي ، ربما تفهم ، وارتميت على الفراش وخناجر تأنيب الضمير تقطعني قطعا قطعا حتي رحت في سبات عميق.
والشمس لا تزال في مخباءها وجدت نفسي امام مكتب (اسماء) فالقلق يكاد يقتلني ، وحتي (ست الشاي) بدأت لي واجمة فأسماء الآخري قد اذاعت خبر غياب صديقتها ، وخبر اتصالاتي التي لم تتوقف ، ولم اطلب شيئا ، ولكن (ست الشاي) بدون مقدمات بدات تسكب لي الشاي فأرتشفه فتسحب الكباية ، وتضع القهوة فأرتشفها ، حتي حضر جميع الموظفين ، ولم تحضر هي ، وزميلتها تنظرني من بعيد وكأنها تخبرني بانها لم تحضر ، وانا لا احتاج فلو حضرت ، سأشعر بها من آلاف الأميال ، واحس بانفاسها ، وتلك سيدة (ست الشاي )المتطفلة تدخل لتساءل اسماء عن اسماء وتعود تهز راسها شاحبة ، والغيظ يملأني من تدخلها في الأمر، حتي بلغت الشمس كبد السماء ، دخلت علي زميلتها بجراءة دون اشعر بنفسي حتي وطلبت منها ان تتصل بخال (اسماء) لتستفسر منه ؟ فرفعت السماعة وهي خائفة ، واتصلت حتي سمعت انه يتحدث معها ، وسالته بهدوء عن سبب غياب (اسماء) ورد عليها بانها مريضة وستحضر غدا” فطلبت منها ان يصف لها مكان المنزل ، وقبل ان تضع السماعة في مكانها كنا جوار منزل اسماء داخل التاكسي ، وجلست وزميلتها تطرق الباب ، حتي فتحوا لها ودخلت ولم تتاخر كثيرا ، حتي عادت ومعها قلبي ونفسي ، وروحي وهي تتوشح ملابس المنزل المخملية وهي تغطي وجها بطرحة بيضاء وتقف ويظهر نصف وجهها ، كانت شاحبة ، فطلبت منها تحضر لاراها فحضرت سريعا وركبت في التكسي من الخلف ، ومعها زميلتها ، وطلبت من سائق التحرك لنتجول قريبا من منزلها ، اخترنا كفتريا صغيرة جوار منزلهم جلست اسالها ، قالت لي :لا تسالني انا الحمدالله بخير فحلفتها بالذي بيني وبينها أن تصدقني القول ، نزلت دموعها بهدوء علي خدودها وسحبت طرف قميصها الشمال لاشاهد اسمي عليه ويدها متورمة بصورة فظيعة ، لقد استعملت سلك وشكلته علي اسمي ووضعته في نار حتي أحمر ، ونسخته في يدها ولكنه كان ساخنا جدا ، فلم تستطيع سحبه حتي قارب من العظم ، فسكبت فيه مياه فتورمت يدها ، ولم تخبر أحد ، فلم اشعر بنفسي إلا وانا أبكي واحتضنها .
عدت لمنزلي وانا أتقافز من الفرح لأنها تحبني ، وتعيسا لانها مريضة ، أدرت قفل الباب بهدوء ، ولم تظهر (تيسير ) يبدو انها فهمت ، ووجدت المنزل خاليا ، فالجميع اما نائم او هنالك مناسبة ، وانا دائما مصدر تقصير وملامة ، وجدت علي المنضدة ورقة صغيرة مكتوبا عليها، نحن جميعا في المستشفي (تيسير ) نقلوها بالاسعاف .
اختك ناهد …
Ghalib Tayfour