الأربعاء , مايو 15 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / حزب المؤتمر السوداني / مقال عضو المجموعة بصحيفة اليوم التالي

مقال عضو المجموعة بصحيفة اليوم التالي

مقال عضو المجموعة بصحيفة اليوم التالي 
الطاهر إسحق الدومة
بالطبع الجماهير التي نعنيها تلك الموجودة في الرقعة الجغرافية للدولة السودانية بحدودها الحالية ـــ بتكويناتهم الاجتماعية والفكرية والعقائدية المتنوعة.
وعندما نقول هذا عصر الجماهير بالطبع صار المغزى السياسي أوضح بحثاً في استحقاقات طبيعية فطرية لإنسان سوداني عادي، وعندما نقول التطلع مشروع بات التوصيف عمليا أكثر من رؤية أو فكرة في طي الخيال أو التنبؤ.
وحينما نكتب عن الدولة والحقوق والواجبات، يعني ذلك الجمهور الذي يخرج من بين ثناياه حكامه بإرادة الجماهير أو بغير ذلك، تتولى أمره وتوجهه وفقاً للأفكار الإنسانية أو الدينية أو الإغواءات الذاتية في التسلط والاستبداد والخ ــــ ربما هذه هي الأبجديات في سنن الحكم على مدى التاريخ الإنساني في عالمنا حتى اليوم يمضي بهذه الوتيرة ـــ حاكما خلف حاكم.
ولكن عندما نشير إلى عصر الجماهير ذلك أنه بات في طي أبجديات الممارسة من الماضي أن تفرض نخبة إثنية أو مذهبية أو سياسية نفسها على الغالب الأعم من الجماهير.
باعتبار أن هذه الجماهير وهي الحاضن الاجتماعي لهذه النخب التي تحكمه، إن لم تجسد أحلامه وأشواقه، فعليها أن تغادره غير مأسوف عليها، لتأتي نخبة أخرى من الجماهير لبلورة أهداف تنتج رفاهية وتقدما وسلما.
هذا العصر ما عادت فيه التلقائية أو القوة تفضي إلى استخراج نخبة حاكمة بقدر ما صارت وسائل تمخضت من خلال مسيرة الإنسانية المعرفية، لتصل إلى منهج يؤدي إلى الحكم الراشد بكل سلاسة وتسامح وسلم، فلم يعد فرض الرأي القسري إلا محطة مؤقتة لتخلفها إرادة محضة من الجماهير لتسيير شؤونها وفقاً لرؤية تطرحها من خلال دستور متفق عليه، نابع من إرادة الجماهير الحرة في توصيف وتوضيح أهدافها من أجل الحكم.
وعليه، تبقى مخلفات الماضي القسرية أو المقدسة غير مواكبة، وهي خارج إطار النسق الحضاري الإنساني والجمهور نفسه يتخلق ويتشكل ثقافيا أو معرفيا من خلال تجاربه وتجارب المحيط الإنساني الذي يعاصره.
إنه عصر الجماهير المكتنزة بالتعدد والتنوع الفكري والثقافي والاجتماعي، الجماهير التي يطلق عليها كوادر الأحزاب وفقا لتصنيفاتهم إما جماهير متفاعلة وإما خاملة، أو يميزونها وفقا للتميز الاجتماعي أو الثقافي، وغير ذلك من القوالب الوصفية الموروثة في قاموس السياسيين اليوم، ومن ثم يلجأون إليها استعطافا لبرامجهم السلطوية أو استرهابا ووعيدا حال جنحوا إلى موقع آخر.
لقد فات على كثير من النخب السياسية الحاكمة والمعارضة أن الجماهير في عصرنا الحالي تختلف بمئات السنين الضوئية عن الجماهير في تسعينيات، وما قبله في القرن الماضي، فما عاد التفكير الجماعي تحت أجندة الإثنية أو المذهبية الدينية والعقائد الفكرية الجامدة يجدي، فالكثير من التنظيمات الفكرية والسياسية حتما سيتجاوزها سوق السياسة، وإذا أمعنت النظر في ذاتها ستجد من تبقى لها فئات عمرية متقدمة أولاً، وأصحاب مصالح وانتهازيين مستفيدين من وجودهم ثانياً مع قابضين على جمر قضية  استغفالا وتجهيلا، انطلى عليهم كفكر ورؤية سياسية، ثالثا ليبقى الغالب الأعظم من الجماهير الذي يتشكل من الشباب نصف حاضره وكل المستقبل خارج هذه القوالب النمطية المتوارثة، جيل جديد من الجماهير لا يركن إلى العاطفة والتقديس بقدر ما ينظر ويتطلع أعمالا في نتائج الأفكار السابقة على أرض الواقع اولاً، وما فعلته الشعوب المتحضرة حتى تقدمت إلى أسمى مراقي التقدم العلمي والحضاري، والنماذج على قفا من يشيل، سواء كان دول شرق آسيا أو أمريكا اللاتينية التي معظمها نال استقلاله بعد السودان، ولكن بكل أسف مازلنا نرزح تحت أبجديات الحقوق والممارسة السياسية، حقيقة تتعمد هذه النخب السياسية التي تم وصفها من بعض المراقبين بالنادي السياسي القديم على الظهور، وهي تتجمل اهتماما بالجماهير، ولكن تفضحها الممارسة في التشبث بالمقاعد بالسبل القديمة وفرض الذات على الجماهير، بتدابير لا تمت بصلة للحداثة ـــ فيكفي الإصرار على الجلوس في دفة القيادة بعيدا عن تجديد الدماء في شرايين المنظومة، اللهم إلا بعد الممات أولاً أو الانشقاقات والانسلاخات التي تحدث من سوء الممارسة أو التطلع في استباق أمر ما، فتطفو على السطح السياسي بعض القيادات النمطية الجديدة، وهذا الأمر ينطبق على الطاقم السياسي الذي يتربع المشهد السياسي في سودان اليوم من أحزاب حاكمة ومعارضة، اللهم استثناءً في تجربة المؤتمر السوداني إلى حد ما، وبعض التكوينات الحديثة التي لم تظهر حتى يتم الحكم عليها.
إذن هل يستطيع جيل قادم أن يقلب الطاولة على المشهد المتوارث منذ الاستقلال؟
لن ينكر أحد التلقائية الوجدانية النابعة بصدق من عمق التاريخ الحضاري للإنسان السوداني في ميلاد الأمة السودانية في العصر الحديث ـــ فبالرغم من مساوئ حكم محمد علي باشا المتمثلة في تجارة الرقيق والضرائب والذلة التي ذاقها الشعب السوداني من مستعمر مسلم، إلا أن الوحدة القسرية المركزية التي فرضها بقوة السلطان لتحقيق أهدافه باتت في حكم المؤكد، الأمر المفقود للشعوب السودانية ــــ فحينما قامت الثورة المهدية وجد السودانيون أنفسهم على قلب رجل واحد، محاربة للمستعمر، وأمنوا على الوحدة القسرية، فلم يشأ أن تطلب الممالك القديمة بمسمياتها استقلالاً من المركز ــــ وعندما هزمت الدولة المهدية كانت الجماهير لها صوتها الأعلى، وعندما جاء المستعمر الإنجليزي أمن على الدولة وترسخت فكرة الوجدان السوداني الجمعي ــــ توجت بالاستقلال ولم يفكر أحد بالاستقلال من الدولة الحديثة ــــ حتى رجوع دولة الفور في عهد الحكم الثنائي كان استثناء تاريخيا له ظروفه المعروفة آنذاك، حيث لم ير سكان دارفور أنفسهم بعيدا عن هذا المولود.
إذن الشعب السوداني على مختلف أفكاره دائما مع فكرة السودان الموحد ــــ فبالرغم من أن إدارته السياسية بعد الاستقلال لم تجسد أشواقه، ولكن ظل الوجدان الجمعي الجماهيري في حده الأدنى ملجما لكل تمزق وتشتت، إلى أن جاءت الإنقاذ وذهب الجنوب بإنسانه وجغرافيته، وشيء من حتى في النفوس عالق لم يشأ أن يهضم هذا البتر ولكنه مضى لظروفه.
إذن غياب الجماهير القسري في عدم انتخاب نخبة تجسد أحلامه نتجع عنه استقلال جنوب السودان.
إذن أين يمضي الوطن والأزمات تحيط به من كل حدب وصوب؟ أين الطريق الأمثل لإدارة الأزمة في مرحلتها الحالية؟ ماذا تفضي الأزمة في حالة استمرارها بنفس الوتيرة الحالية! وأين الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في كل ما يمكن أن يحدد، ولكن السؤال الأخير أين الجماهير صاحبة المصلحة مما يجري، هو الأمر المؤرق وفي نفس الوقت الأمل المرتجى الذي يمكنه أن يصوب كل القوى التي تتنازع حقا ـــ كذبا في أمره السابق ــــ فمنذ عصيان 27 نوفمبر ألقت الحكومة بكامل ثقلها توددا نحو الجماهير بغض النظر عن الفهم والقراءة لكل مراقب أو محلل، ولكن كان واضحا استنجاد الحزب الحاكم بالجماهير بالأدوات التي يفهمها. أما الشق المعارض ايضاً عندما جاءت فكرة العصيان من عمق الجماهير ومن طلائعها الشبابية غير المحزبة، ايضاً تسارعت اعترافا  وتوددا لهذه القوى وتناست كافة القوى المعارضة خلافاتها وطفقت ترنو تأييدا لهذه الجماهير.
إذن الفئة التي قادت أو ابتدرت فكرة العصيان بغض النظر عن نجاح أو فشل العصيان، أحدثت حراكا لأصحاب المصلحة ــــ في توحد الوجدان الجمعي لصالح السودان، الأزمة، القضية، سبل التوصل للحلول، إرادة الجماهير هي التي حركت هذا التفاعل بمنهجها وليس فرضا عليها من أي جهة، فصارت أحد أضلع مربع التغيير في المستقبل إذا قلنا الأول الحكومة القائمة والضلع الثاني المعارضة المسلحة والسلمية، والضلع الثالث الفئويون ومنظمات المجتمع المدني، ليظهر الضلع الرابع هذا الحراك الجماهيري الذي أفزع الكل كونه الحاضن للثلاثة أضلاع أعلاه، ولم ينتج له إنتاجاً يزيح عن كاهله أضغاث السنين ــــ فتحرك من الخلف والأمام واضعاً الأزمة طي التشريح بغية الحل الناجعف

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

تحالف الصّمت مع الرُّصاص و قنابل الغاز !!

Share this on WhatsApp============= عمر الدقير في سياق التبرير لتوقيع اتفاق ٢١ نوفمبر، كان الزعم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.