الأربعاء , مايو 15 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / حزب البعث العربي الاشتراكي "الأصل" / *بهنس* *لله والتاريخ…. هذا ماحدث* *إليك في جنات البرد*

*بهنس* *لله والتاريخ…. هذا ماحدث* *إليك في جنات البرد*

#الهدف 

#الهدف_فن_وثقافة 

*بهنس*
*لله والتاريخ…. هذا ماحدث*
*إليك في جنات البرد* 

وعن رحيل الدفء اكتب ؛
في وطن ما تلقي السلطات القبض على الوحي ؛ فتموت القصائد في حلوق المغنين ؛ تنتحب الارض فتلفظ ابناءها الى جحيم النزوح ؛ حيث الفنان مطارد ومقيد ومقهور ؛ 
هكذا حين جلس ابليس على  
سدة الحكم ؛ كان من الطبيعي أن ينزح الأنبياء ؛
بهنس نموذجاً ؛ وعن الفاجعة نكتب ؛ حيث تساوت الأشياء 
النظام ؛ المثقفين ؛ الأدباء ؛ كلهم في الصمت سيان ؛ ومبدع من البرد والجوع والإحباط يموت .
صديق لا أذكر من هو 
راسلني يسأل هل صحيح مات بهنس؟ أخرجت هاتفي لأتأكد ؛  فتجئ الإجابات على شاكلة ” كدي نشوف الصباح
دا برد ننزل نفتش فيهو؟
كان مات يكون ارتاح 
أخرج نحو قسم الموسكي  فعابدين ثم قسم الازبكية
ولا جواب. بهنس لايفارق وسط المدينة ؛ إذن لماذا لا أجد جواباً؟
اعاود الاتصال بأحدهم ؛ تطوع في النزول ليبحث عنه معي لكن هاتفه مغلق ؛
ذات الصديق يراسلني:
يقال أنه بمشرحة زينهم!!!
يتوقف يشير إلى الظلام 
تلك هى مشرحة زينهم
يقول سائق التاكسي!
وقدمي اليمنى على الأرض ؛اتساءل:” مش شايف حد مفيش حركة يا اسطى
انت متأكد دي المشرحة؟
اه بتفتح تسعة الصبح” ؛ يجيبني السائق ؛
فيستدير ويرحل.
كل شي يوحي بالموت الظلام ؛ الصمت والمطر. 
اجلس على الارض وكأنما تبكي كل مقهور ؛
تمطر سماء القاهرة ؛
تمطر كما لو أن ثقباً في السماء قد حدث …
ارتجف من البرد
الساعة تشير الى الرابعة والنصف صباحاً ؛
اغمض عيني والمطر مستمر، البرد وثلج يتساقط ؛
من خلفي تفوح رائحة الموت وأكاد من الصمت اسمع ثرثرة الموتى. 
عند الثامنة والنصف
توقفت أمامي سيارة وأطلقت بوقها ليفتح الباب ؛
عرفت أنه أحد العاملين بالمشرحة ؛ فوقفت مبللاً بالكامل ومازالت سماء القاهره تبكي؛
نظر الى الرجل المهذب بأستغراب من داخل السيارة ؛ وحين علم بانتظاري لساعات اصطحبني الى الداخل قبل موعد العمل….
لاتوجد جثث لسودانيين لكن يمكن ان تلقي نظرة فثمة جثامين مجهولة ربما أحدها من تبحث عنه” قال الطبيب ذلك وبينما اتمتم بالفاتحة ، فتح الباب لأشاهد فوضي الجثامين ، أخذنا نمشي من جثمان لآخر وبعضهم على الأرض ، وقد امتلأ المكان بالموتى الغير منظمين في مواتهم ، 
كانت رهبة الموت حاضرة ؛ لاسيما وبعضهم قد تشوه وبدأ في التعفن ؛ غير أن طمأنينة غريبة غمرتني كأني بحديقة وهاذي الجثامين ورود ؛ انظر هنا وهناك وحين وقعت عيني علي أحدهم علي بعد عشرين ميت عرفت أنه هو ؛ هذا الشعر المجعد أعرفه كجزيرة توتي حيث ملتقي النهرين ؛ يرقد يتوسط الموتى كأنما يحتفون به ؛ اقفز فوق الورود ؛ عذراً فوق الجثامين ؛ حتي تعثرت بابتسامته ، ابتسامة والله لو أنها وزعت على أهل الأرض لأكفتهم ؛ ضاحكاً يرقد لايشبه الموتى ؛ كنائم سعيد بحلمه ؛ تفوح منه رائحة القصائد كإحدى لوحاته ؛ يضيء فيوزع النور على الميتين ، بتي شيرت” أزرق وبنطال جينز يحمل لون أرض الأزبكية ورصيف مطعم آخر ساعة حيث كان يسكن وينام ؛ مبتسماً يرقد ، 
دنوت  قبلته على رأسه ؛ يضئ وجه الشاعر التشيكلي الروائي الدرويش. 
يضع الطبيب يده علي كتفي يردد يلا نكتب البيانات
احول اسمه من مجهول إلى محمد حسين بهنس ؛ الجنسية سوداني ؛ المهنة فنان شامل شاعر روائي تشكيلي عازف ….يستغرب عمال المشرحة 
يقول الطبيب ” لقد وجد ميتاً بجوار مسجد مصطفى محمود بتاريخ 12/12 والتشريح الأولي يشير الى أنه مات متجمداً من البرد وأن علي ظهره تقرحات توحي بأنه كان متشرداً ينام على الارض…! 
فابتسم أجيبه: نعم هو بهنس ؛ تزين لوحاته الضوئية قصر الاليزيه ؛ هو صاحب رواية راحيل” ومن كتب بهديك الفوضي” ، لكنه من وطن يلفظ مبدعيه فيموتون هكذا ؛ في أوطان الغير ؛ غرباء. أخرجت هاتفي اتصلت بأسرته إن ابنكم قد مات ؛ سنقوم بترحيل الجثمان ؛ سيدفن في وطنه غصباً عن انف من شردوه “.
ملاك أسمر نحيل يرحل في صمت ؛ يمضي نحو الخلود مبتسماً ضاحكاً على دنيا وإن اتسعت فهى لن تسع امنياتنا.
لاحقاً سيكتب عنه المثقفون ؛ من كانوا يتهربون منه في مقاهي القاهرة ؛ وسيواصل هو ضحكته على زيفهم ؛ وربما يجلس على قبره يقلب كفيه حين تنظم له الدولة التي قهرته ؛ كغيره من المبدعين ؛ حفل تأبين.
وبين طلعت حرب” الذي يضم يداه آسفاً ؛ و الباشا ابراهيم”  يشير بأصبعه نحو الفاجعة ؛ يحتضر وطن ؛
حكاية وحكاية ترويها الطرقات ، الأرصفة ، الأزقة والمقاهي أن كيف أصبحت التكعيبة ؛ البستان ؛ الندوة الثقافية ؛ البورصة ؛ جيجي كيف أصبحوا وطناً بديلاً لمبدعين سودانين هربوا من نظام طارد وقهر فيهم ابداعهم ؛ قتل بداخلهم روح الفنان ؛ لتمنحهم طرقات وسط البلد حضناً يوفر لهم الموت بكرامة.
توجهت الى سفارتنا لأقابل بأسئلة لاتنتهي والمحصلة صفر كبير ؛ قبل أن يرن هاتفي والمتصل أستاذ على مهدي: سأرسل لك مايكفل ترحيل الجثمان!
لاترسل شيئاً وسفارتنا شاءت أم أبت ستقوم بذلك.
يصر فأصر.
ليتصل هو بالسفير واتصل أنا بشقيق بهنس لاستخراج ورقة من اللجنة الشعبية أرفقتها بصورة لبهنس أخذتها من الجوال ؛ ونستخرج وثيقة سفر اضطرارية ، وفي أقل من خمس ساعات كان الجثمان ينتظر طائرة مصر للطيران ليحلق نهار الجمعة نحو الوطن.
عدت خائفاً الى غرفتي يحاصرني هو بابتسامته ووجهه المضئ ؛ لأستقبل مكالمة من ثروت همت” ؛
مكالمة أنقذتي منه أو من حزني ؛  بعدها بيومين زرت مسجد مصطفي محمود ؛ حيث فارق بهنس الحياة.
عرفت أنه وصل المسجد مساء 12/12/2013 حافياً ؛ مرتجفاً ليجلس بجوار مبردات المياه ، 
تخير موضعه وتكوم ، قدم له مؤذن المسجد طعاماً لم يتناوله ؛ اكتفي بابتسامة نازحة وعيناه تشع بالطمأنية ؛ افترش الأرض 
ليجدونه ميتاً بعد ساعات.

———————————–
#الهدف 
تصدر عن حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل

للمزيد من الأخبار تابعوا صفحتنا على الفيسبوك :
https://m.facebook.com/hadafsd/

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

وجدي صالح في حوار لـ”مداميك”:

Share this on WhatsAppوجدي صالح في حوار لـ”مداميك”: ليست هناك تسوية.. ما يجري هو محاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.