قصة سوداء للجيل الجديد. صفحة من تراجيديا الصراع. ……. علاء الدين الدفينة.

…….
صبيحة الجمعة 30 يونيو 1989 ايقظت المارشات العسكرية شعبنا الابي الصامد من نومه العميق معلنة وأد حلمه بوطن عظيم منعم بالحرية والديمقراطية والعدالة والسلام وفي نفس الوقت أعلنت ذات المارشات عن تدشين أسوأ كابوس ديكتاتوري وابشع تجربة شمولية تشهدها المنطقة واقبح حكم عسكري في التاريخ الحديث.
أعلنت الاذاعة السودانية كما أعلن تلفزيون الدولة أن شعب السودان بات تحت رعاية الله مباشرة ودون وسيط… وان الحكام الجدد هم ظل الله في الارض وانهم خلفاء السماء وانهم الطريق للجنة وانهم محض ملائكة وما دونهم كفار وحطب للجحيم وان لا صلاة الا صلاتهم ولا صوم الا صومهم وان من دخل في ملتهم فهو من جنود الله وان من خالفهم بات دمه مهدرا وان قتله يقرب لله زلفى وان جنوب السودان ارض جهاد وشمال السودان طابور خامس وان شرق السودان مارد مارق يجب رجمه وان غرب البلاد مؤلفة قلوبهم وان اسلامهم فقط هو الإسلام وان من ليس عربي فيجب أن يبحث عن ارض له وسماء وان ارض السودان أرضهم غنيمة حربية خالصة وان ثروات البلاد والشعب ملك لتنظيم الإخوان الاممي وان حكام مصر طواغيت يجب رجمهم وان روسيا وأمريكا يجب محوهما من الوجود وان ايران حليف استراتيجي وان للاسلام فن جديد ورقص حديث ومجون مستحب وان الأندية الرياضية ميدان دعوة إسلامية ومسارح الشباب ميدان استقطاب ومناهج الجامعات حرام وتشريح الطب خروج عن الملة ومشروع الجزيرة محض هراء والسكة الحديد ابتزاز للخزينة وسودانير حمل اقتصادي ثقيل والنقل النهري ومدابغ الجلود ومصانع النسيج والنقل البحري وتجارة الصمغ والقطن … كل ذلك رجس من عمل الشيطان.
……
وان من ثبت عليه شذوذ من نفرهم فاسد في بدنه ولكن روحه تظل طاهرة.
……
ومذهب الإمام مالك كبقية المذاهب اجتهاد بشري لا يزيد عن اجتهادات شيوخهم ولا يؤخذ منها الا ما وافق المشروع الحضاري.
……
ولبس البنطال للفتاة يستوجب جلدها في ساحة عامة.
……
وحلاقة الشباب لشعرهم او تصفيف رؤوسهم يستوجب المضي بهم لساحات الحرب في جنوب البلاد مدعاة للخوشنة وفق حديث يقول (اخوشنوا فإن النعم لا تدوم).
…….
استيقظ شعبنا على إعلان حالة الحرب على شعب الجنوب الكافر… ونفس الحرب في دارفور التي تصدى لها الطيب سيخة… وأعلنت الحملات العسكرية مدعومة بحملات التجنيد الإجباري حيث كانت مليشيات الاسلاميين تقطع الطرق وتوقف السيارات والبصات والحافلات وتتخير الشباب وكل من هو دون الاربعين من عمره وتاخذهم اجباريا لمعسكرات التجنيد ثم ترمي بهم لساحات القتال… وظلت مليشياتهم تطارد في الشباب في الاسواق والقرى والحارات وامام الأندية الرياضية كما منعت الهجرة للعمل خارج البلاد واطلقت افشل برنامج صحي ومنعت بشكل جازم العلاج خارج البلاد مما جعل مرضانا يموتون بالآلاف كل شهر خصوصا مرضى السرطان والكلى وقرر قادة الجبهة الإسلامية القومية تعريب مناهج الجامعات وتجريم اللغة الانجليزية وتغيير المناهج والمواد وتلاعبوا بالسلم التعليمي والنظام الصحي والعمل النقابي والخدمة المدنية واحالوا ملايين العمال والموظفين والضباط والجنود وجنود الصف للصالح العام وقاموا بتهميش الجيش والشرطة وانشأوا جيشا احتياطيا وشرطة احتياطية واطلقوا عليهما الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية واهانوا الضباط وساموهم مر العذاب وضربوهم وسجنوهم واغتصبوا بعضهم (ود الريح) واعدموا العشرات منهم (ضباط رمضان).
…….
واعلنوا سياسة التمكين.
…….
سياسة التمكين تعني تمكين الاسلاميين من الدولة والأرض والشعب والجيش والشرطة وفصل وتشريد وتقتيل وسجن كل من هو ليس معهم حتى ولو لم يكن ضدهم او معارضا لهم.
……
ومنذ الشهر الأول من حكمهم صار من الطبيعي أن يوجه جندي تعليماته لأي ضابط وما على الضابط الا الانصياع او الإحالة للصالح العام او السجن او الإعدام.
وان توجيهات اي مدير لأي منشأة حكومية او مصلحة مرهونة بتوجيهات التنظيم له ولو صدرت له من غفير او فراش.
وطالت توجيهات التنظيم الحياة الخاصة حيث أصبح من الطبيعي أن يصدر لك توجياته بالزواج مرة أخرى من (اخوات نسيبة) المجاهدات… وان على المجاهدة أن تخطب لزوجها من اخت  أخرى وتعينه على زواجها.
وأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة أن زوجات الشهداء يتزوجن من أصدقاء ازواجهم الشهداء.
…….
أطلقت الجبهة الإسلامية القومية على هذا العبث والانحطاط اسم (المشروع الحضاري).
(وأصبح هو برنامج حكم السودان).