عجبني فنقلته لكم….
الدكتور احمد عثمان
منو في الدنيا ما فاكر
شوارع الثورة جيابة
شنو البحجب شمس باكر
تظاهر ناسه و إضرابها
تماما كما كان متوقعاً، أحيت جماهير الثورة السودانية شوارعها بإقتدار، و كذبت الدعاية السلبية، و أكدت أنها حاضرة و بقوة في المعادلة السياسية، و أن ثورتها لن تموت و لن تسرق. خرجت العاصمة و بورتسودان و كسلا و القضارف و سنجة و مدني و نيالا و عطبرة و غيرها من المدن، و كانت الرسالة واضحة أن دفتر الثورة مفتوح و أن الجميع حضور. و الشاهد على ذلك أن الحراك اليوم في الثلاثين من يونيو ٢٠٢١م، لم يكن معزولا و لا محدودا بالمركز، بل واسعا و شاملا لكثير من المدن التي صنعت ثورة ديسمبر المجيدة. و هذا يؤكد الاصرار على إنجاز اهداف الثورة و التمسك بها، و ينفي أي تراجع ، برغم محاولات تعميم حالة الإحباط و توسيع دائرة التضليل و الدعاية من قبل تحالف شركاء الدم. صحيح أن الأعداد لم تكن مماثلة لتلك التي كانت قبل عامين نتيجة للفرز الذي حدث في الشارع السياسي و الاصطفاف الجديد، و التضليل الإعلامي الواسع الذي مارسته قوى التيار التسووي، و محاولة توصيف الحراك بأنه مجرد تحالف شيوعي كيزاني متطرف، و لكن الوجود الفاعل لمثل هذا الشارع الممسك بقضيته ، يشكل حدثا تاسيسيا فارقا، يصعب مهمة قوى الهبوط الناعم و يجعلها تحت رقابة و ضغط مستدامين، و يفتح الطريق أمام تراكم يقود حتما لسقوط السلطة بشقيها العسكري و المدني المصر على الشراكة مع عساكر اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ.
و لعله من المفيد أن نعدد الشواهد التي تؤكد نجاح الحراك بإيجاز فيما يلي:
1- نجح الحراك قبل أن يبدأ بتشكيله ضغطا فاعلا على حكومة شبه المدنية، حيث أجبر رئيسها على الخروج لمخاطبة الشعب أكثر من مرة في فترة قصيرة جدا و بشكل غير مسبوق، و أن يتقدم بمبادرة سياسية، و أن يجتمع بحكومته لثلاثة أيام لتحويل مبادرته لبرنامج عمل حتى قبل أن يناقشها مع القوى السياسية المستهدفة أو يسمع رأيها فيها . و بالطبع لكل مستعجل أسبابه و الأسباب معلومة.
٢- أجبر الحراك قوى التيار التسووي للقيام بحملة دعائية واسعة في وسائط التواصل الاجتماعي و الميديا التقليدية، في محاولة لتسويق مبادرة رئيس حكومة شبه المدنية و الدفاع عن شراكة الدم ، عبر التخويف من الفوضى و السؤال عن البديل و التبشير بإعفاء الديون الخارجية، و وصم الحراك بأنه كيزاني و محاولة المطابقة بين موقف الحزب الشيوعي الداعي لإسقاط السلطة بشقيها العسكري الحاكم و المدني التابع، و موقف المؤتمر الشعبي الداعي لإسقاط الحكومة المدنية فقط و الإبقاء على المكون العسكري الكيزاني حاكماً.
٣- أكد الحراك بأنه متمسك بشعارات الثورة ، و ردد شعارات شملت المطالبة بإسقاط السلطة، و العدالة و القصاص للشهداء، و رفض الافقار، و رفض التبعية للبنك الدولي ، و سقوط كتائب الجنجويد، و تسيد شعار ” أي كوز ندوسو دوس ما بنخاف ما بنخاف ” بعض المسيرات و ” الجوع و لا الكيزان ” في مسيرة كسلا الهادرة. و ذلك يفضح ادعاءات التيار التسووي بأن هذا الحراك حراك كيزاني ، و يسقط الدعاية التبسيطية، و ينوه إلى أن الشعب ليس خائفا من كتائب الجنجويد في رمز للمكون العسكري ، دون أن يسلم برهان من الهتافات، بترديده ” تسقط كتائب الجنجويد و الشعب يفعل ما يريد”.
٤- اضطرت السلطة لتحويل وسط الخرطوم إلى ثكنة عسكرية في سلوك شبيه بسلوك نظام المخلوع، و حتى بعد أن قضت على الحراك المشبوه للكيزان قبل ساعة من توقيت الثورة، واصلت قمعها و وسعته ليشمل الثوار في موقف شروني، و يمتد حتى الأقاليم. فإستخدامها للرصاص المطاطي و الغاز المسيل للدموع في الخرطوم، تمدد للأطراف غازا مسيلا للدموع فقط ، و في نيالا تم إطلاقه حتى بجوار المستشفى. و الواضح هو أن حالة الرعب التي انتابت السلطة، قد اوصلتها لاتخاذ قرار بمنع المسيرات السلمية في وسط العاصمة و تفريقها بأي وسيلة .
٥- تميز الحراك بالتنوع، و كان لافتا أن بعض الثوار ما زال لديهم امل في الحكومة المدنية. فمبادرة الخلاص في القضارف رفعت شعار إسقاط المكون العسكري و دعم حكومة حمدوك، و لكنها لم توضح كيف يمكن الفصل بين الشريكين، في ظل واقع إصرار المكون المدني القائم على محاصصة بين عناصر التيار التسووي الذي أنجز الوثيقة الدستورية ، على استمرار الشراكة مع العساكر. فإسقاط العساكر بمعزل عن حكومة شبه المدنية بدون إسقاط الوثيقة الدستورية مستحيل، لأن الوثيقة هي مصدر الشراكة، و إسقاط الشريك العسكري إسقاط لها و للسلطة برمتها. فوق ذلك التوهم بأن للشق المدني رغبة في إنجاز مهام الثورة و تحقيق اهدافها، يصطدم بوضوح مع إصراره على الشراكة مع أنشط قطاعات القوى المضادة للثورة و ذراعها الضاربة. هذا التنوع يؤكد أصالة الحراك و تجذره بين القوى الثورية، و فتحه الباب أمام حوار ثوري عقلاني، متفق على من هو عدوه، و مختلف حول آلية التخلص منه، بسبب دعاية التيار التسووي المدافع عن شراكة الدم، و التي نجحت جزئيا برغم فشلها بشكل عام في منع الحراك و هزيمته كما كانت تأمل.
٦- أكد الحراك أن صبر الشعب بدأ في النفاد، و أن الخطابات التطمينية بأن الحلول كلها لدى المجتمع الدولي و صندوق نقده الدولي، لن تخدعه و لن تمر بدون محاسبه، و أن الدعاية التخويفية من وجود خمسة جيوش و الرامية لالزامه بالخنوع للعسكريين، لن تجد من يشتريها لانه قبل التحدي. فإرادة هذه الجيوش الخمسة ليست فوق إرادة الشعب. فالجيش الرسمي و قيادته التابعة للمخلوع و الموجودة بالمكون العسكري في مجلس السيادة مع جنجويده، كانا موجودين ايام المخلوع، و اضطرا لعمل انقلاب قصر حين فشلا في حماية المخلوع و خافا من السقوط معه و المحاسبة. أما حركات الجبهة الثورية، فهي تعلم تماما الا مصلحة لها في الحرب و الفوضى و الا قدرة لها عليها، و هي طامحة للبقاء في أي سلطة مهما كان نوعها.
و خلاصة ما تقدم هي أن حراك اليوم كان ناجحاً، بتشكيله أداة ضغط على السلطة قبل حدوثه و بمجرد إعلانه، دفعها إلى التحرك في كل الاتجاهات و عرض المبادرات و ابتدار الحملات الدعائية المكثفة، و إلى مواجهته بالعنف المكشوف بعد فشل التخذيل في منعه. و هو أكد بأنه حراك واسع بتمدده في رقعة واسعة من البلاد، و أنه ممسك بقضاياه ، و أن جماهيره قد قبلت التحدي. و هو بذلك يشكل اساسا لتراكم في الاتجاه الصحيح الرامي لإسقاط سلطة الوثيقة الدستورية المعيبة بشقيها العسكري و المدني، و بناء سلطة مدنية ثورية تنجز مهام التغيير الثورية، و تؤسس للانتقال و التحول الديموقراطي. و ما نخشاه هو أن تتوهم السلطة فشل الحراك عبر إجراء مقارنة عددية بينه و حراك قبل عامين، دون أن تأخذ في اعتبارها الاصطفاف الجديد و توازن قواه، و أنه فشل لانه لم يسقطها بالضربة القاضية اليوم، لان مثل هذا التوهم سيقودها إلى حتفها حتماً بعد صدام حتمي مع الشارع الثائر. فحراك اليوم خطوة مهمة و لبنة فارقة في تراكم التغيير الجذري، و قبس وعي لصنع الجديد.
و قوموا لثورتكم و وسعوا حراككم و حافظوا عليه، و انشروا وعيه ليتحول إلى قوة مادية تصنع الجديد، فنصركم مؤكد