الجمعة , مايو 3 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *العنف والصراع القبلي في دارفور يحتاج لرؤية استراتيجية وليس طفاية حريق* *✍🏻دكتور: أحمد بابكر*

*العنف والصراع القبلي في دارفور يحتاج لرؤية استراتيجية وليس طفاية حريق* *✍🏻دكتور: أحمد بابكر*

*▪️منهجية إطفاء الحرائق في التعامل مع العنف القبلي في دارفور تجاوزها الزمن..*
*▪️ما يحدث في دارفور تجلي وتعبير صارخ عن جوهر الأزمة الوطنية الشاملة..*
*▪️الحل الاستراتيجي لتجاوز الصراعات القبلية هو المضي قدماً في استكمال عملية البناء الوطني الديمقراطي..*

*▪️مدخل: استمرار السير في ذات الطريق وتوقع الوصول لمدن مختلفة تعبير عن تكلس وعدم واقعية..*

أصبحت قضية العنف والصراع القبلي المتجدد يومياً، خاصة في دارفور، مسألة تحتاج لمنهج جديد للمقاربة، خاصة أن كل ما قدم من حلول لم يوقف نزيف الدم، وهذا يقودنا لحقيقة أن التفسيرات التي قدمت لفهم طبيعة الأزمة في دارفور وحصرها بأنها مشكلة قبائل معينة مع المركز (السلطة في عهد الانقاذ) لم تعد كافية، وبأن القضية تتلخص في عدم وجود أبناء المنطقة من بعض القبائل في موقع اتخاذ القرار الوطني، أيضاً لم تعد كافية، وبأنها صراع (زرقة وعرب) لم تعد تفِ بالغرض، والتصور بأن حل الأزمة في دارفور، أو النيل الأزرق، وجنوب كردفان،… الخ بمعزل عن أزمة التطور الوطني الشامل، شكل مدخلاً غير مناسب وقاصر في طريقة حل الصراعات القبلية والمجتمعية.
مما سبق ننتهي إلى حقيقة أن “حصر أي مشكلة أو أزمة في عنصر واحد لا يقود إلى حلها إن لم يؤدِ إلى تعقيدها…”.
▪️القبيلة والعشيرة: هي مرحلة طبيعية من مراحل التطور الاجتماعي، وهي منظومة لها ثقافتها العميقة في وجدان منسوبيها، وتتحور القبيلة بثقافتها العادية إلى القبلية كسلوك حاكم اجتماعياً وسياسياً، عند غياب الدولة كمفهوم، وكذلك كواقع يدير مصالح المواطنين، وهذا ما يحدث الآن، حيث انزوت الدولة، وانسحبت عن القيام بدورها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والأمني، لمصلحة غالبية الشعب، لتعبر عن مصالح شريحة ضيقة لا ترتبط بمكان معين، إنما بمصالح مشتركة على طول البلاد وعرضها، بالذات في ال30 عام الأخيرة، وحتى بعد الثورة، حيث ما زال الصراع محتدماً على مركز صناعة القرار، حتى على مستوى السلطة، بين من يريد استمرار الحال لمصلحة الشريحة المستفيدة من الحكومة، وبين من يريد تغيير الوضع لتمثل الحكومة والدولة مصلحة غالبية الشعب، والتي عبرت عنها الفئة الاجتماعية الواسعة التي أزاحت النظام البائد في ملحمة شعبية مدهشة.
إذن القضية في جوهرها ليس محاربة القبيلة والعشيرة، إنما في العمل على صياغة آليات وروافع تمكننا من العبور من هذه المرحلة الاجتماعية لمرحلة أخرى أكثر تقدماً بإتجاه تشكيل ملامح الدولة الحديثة، والتي تكون فيها المواطنة المتجاوزة للقبيلة والعشيرة هي أساس الانتماء، وهذا جوهر ما نسميه عملية استكمال البناء الوطني والديمقراطي.
آليات وروافع الانتقال من دولة القبيلة والعشيرة والجهة تتمثل في دستور ديمقراطي يستند على المواطنة، وبرنامج تنموي طموح ومتوازن تقوده الدولة لتجاوز الخلل في بنية التنمية التي ما زالت منذ الاستعمار البريطاني، وكذلك آليات ديمقراطية تستوعب الطبيعة الاجتماعية للبلاد، وكثير من الآليات سنتحدث عنها بتفصيل في مقال لاحق.
إذن الصراعات القبلية والجهوية حلها بشكل (نهائي) يكمن في التفكير في حل الأزمة الوطنية الشاملة وعدم تجزئة القضايا..
السؤال المنطقي: لماذا الصراعات في دارفور تحديداً تعبر عن نفسها بالعنف، وهذه الظاهرة لا توجد في مناطق أخرى في السودان بذات الحدة، رغم وجود قبائل مختلفة فيها؟
هناك أسباب كثيرة متعلقة بانتشار العنف في دارفور والذي يتناسب عكسياً مع قيمة الإنسان ووجوده وحرمة دمه:
1/ غياب التنمية، وهذا مشترك مع أغلب مناطق السودان.
2/ غياب التنمية أدى للصراع حول الموارد.
3/ غياب سلطة الدولة تماماً والتي عوضتها سلطة القبيلة.
4/ الصراعات في الدول المتاخمة في الثمانينيات أدى لدخول كميات ضخمة من السلاح، ترافق معها انتشار المجاعة، مما أدى لظاهرة النهب المسلح مع توفر السلاح الناري.
5/ امتلاك السلاح وإجادة استخدامه تعتبر إحدى مظاهر الفخر لكثير من القبائل.
6/ وصول الجبهة الإسلامية للحكم عبر انقلاب 89 رسخ من ثقافة العنف ومشروعيته.
7/ تأجيج الصراعات بواسطة السلطة بين القبائل، حتى ذات المنشأ الواحد، للاستمرار في الحكم (ضحايا الصراع بين القبائل العربية أكتر من الصراع الذي اصطلح على تسميته بين العرب والزرقة).
8/ نشؤ الحرب بشكل منظم بين قوات السلطة في الخرطوم، وحركات الكفاح المسلح جرد المنطقة من الأمن، ولغياب السلطة أصبح لكل قبيلة مليشيا للدفاع عن أرضها ومصالحها.
هذه العناصر غير موجودة بشكل كامل في المناطق الأخرى، ولذلك كان استخدام العنف في الصراع القبلي في دارفور واضحاً للعيان.
ماذا نفعل الآن وبشكل عاجل لإيقاف العنف في دارفور:
بالتأكيد غياب مظاهر سلطة الدولة أدى لانتشار العنف حتى في العاصمة، والتي يفترض أن تظهر فيها هيبة السلطة بشكل جلي وواضح.
هناك حلول عاجلة تحتاج لإرادة سياسية مع الوضع في الاعتبار الرؤية الاستراتيجية لحل الأزمة السياسية الشاملة في البلاد.
الوضع في دارفور يزداد تعقيداً، حيث تجاوز أنه صراع بين السلطة في الخرطوم وحركات الكفاح المسلح ليتحول الصراع لحالة مجتمعية، وهذا يتطلب حلول عاجلة منها:
1/  إقامة مؤتمرات شعبية محلية للسلم الاجتماعي، يشارك فيها الجميع بدون تصنيفات سياسية.
2/ تواجد السلطة بقدراتها الأمنية بكثافة، بقوات من مناطق أخرى حتى لا يقع أبناء المنطقة المتواجدين في الأجهزة النظامية في فخ الاستقطاب القبلي (الأمثلة كثيرة لحالات الاستقطاب القبلي في الصراعات القبلية في دارفور).
3/ استكمال عملية السلام، بالاتفاق مع حاملي السلاح غير الموقعين على اتفاق جوبا.
4/ البدء في تنفيذ ما يمكن تنفيذه من اتفاق جوبا للسلام مع تعطيل الشق الأمني الخاص بالقوات المشتركة.
5/ وجود حكومة قوية في المركز.
▪️اتفاق جوبا للسلام:
بالتأكيد يعتبر إيقاف الحرب هو المدخل الأساسي والوحيد للسلام، والسلام هو المدخل الرئيس لاستكمال عملية البناء الوطني الديمقراطي.
من هذه الزاوية ننظر لاتفاق جوبا بأن إيقاف الحرب في حد ذاته مكسب ومدخل لعملية طويلة وشاقة لبناء السلام والسلم الأهلي، وفرصة لرتق النسيج الدارفوري بداية والذي تعرض لشرخ عظيم.
حملت الاتفاقية كثير من الجوانب الإيجابية بتركيزها على موضوع التنمية للإقليم، وكذلك موضوع العدالة الانتقالية، والذي يعتبر في غاية الأهمية، ولكن هناك بعض المسائل التي تحتاج تطوير، وكذلك الحديث عن بعض القضايا بدون توضيح الآليات، ولكن أكبر ثغرة في هذه الاتفاقية هي الترتيبات الأمنية، وخاصة المعنية بتكوين قوات مشتركة في دارفور.
اعتقد هذا البند وفي ظل حالة الاستقطاب القبلي العنيف والحاد يمكنه أن يكون مدخلاً لحرب جديدة بين قوات منظمة وشرعية، مما سيزيد فرص اندلاع الحرب الأهلية بشكل أعنف.
كنت اتمنى أن يكون الجيش والجيش فقط هو المسؤول عن حفظ الأمن في دارفور وبذل الجهد الأكبر في تسريع عملية الدمج والتسريح لكل قوات الكفاح المسلح، ومعها الدعم السريع في الجيش.
لأن بوجود معادلة القوات المشتركة، أي خلاف سياسي ستكون نتيجته استخدام السلاح، هذا بخلاف حالة الاستقطاب القبلي التي تحدثنا عنها سابقاً..
الإسراع بعمل مؤتمر دستوري يحسم كل آليات استكمال البناء الوطني الديمقراطي هو الكفيل بتجاوز كل ما يحدث الآن بشكل نهائي.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.