*فتوّة ولهو وجبروت وجرائم حرب.. لماذا تبرّأ “كوشيب” من لقبه الشهير؟*

16/6/2020

تقرير: مزدلفة عثمان – الخرطوم

*على غرار الصورة الغامضة التي ارتسمت في مخيلة الكثيرين عن “علي كوشيب” الرجل الأشهر في حرب دارفور، وارتباطه بالفظائع والجرائم المرتكبة خلال سنوات النزاع الطويلة، لم يشأ الرجل إلا أن يضيف مزيدا من الإرباك على تلك الصورة.*
*وطلب “كوشيب” -الذي مثل أمس أمام أولى جلسات محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي- الوقوف “دقيقة صمت” تقديرا لضحايا الحروب في بلاده، وهو ما لم يلق تجاوبا من القاضي.*
*وكان لافتا كذلك تبرؤ المتهم من لقبه الأشهر “كوشيب” الذي عرف به في دارفور منذ بروز اسمه في قائمة المطلوبين للجنائية الدولية عام 2007، حيث نقل للقاضي عبر محاميه رغبته في أن تعتمد المحكمة اسم عبد الرحمن بديلا لاسم “علي كوشيب”.*
*وينتمي علي محمد عبد الرحمن لأب ينحدر من قبيلة التعايشة غرب السودان وأم من قبيلة “الدينكا” في الجنوب، والتحق بالقوات النظامية منتصف ستينيات القرن الماضي وعمل بها نحو ثلاثين عاما مساعدا طبيا.*
*وتقاعد وهو مساعد في الجيش منتصف التسعينيات بعد أن ذاع اسمه في منطقة “قارسيا” التي برز فيها وامتد صيته ليشمل كل غرب دارفور، حيث تزوج هناك امرأتين، وكان مثالا للهيبة والكرم، حسبما أفاد مقربون منه للجزيرة نت.*
*وحسب هجرو موسى السنوسي، أحد رفاقه المقربين، فإن الرجل لم يكن يرفض- حتى مغادرته دارفور إلى لاهاي- لقبه الأشهر الذي لازمه منذ وقت طويل ولم يتضجر منه، لأنه ارتبط بالشجاعة والجسارة، كما يقول للجزيرة نت.*

*خمر وغناء:*

*و”كوشيب” -في العرف المحلي بدارفور- نوع من “الخمر” المصنوع من التمر. ويروي السنوسي أن صديقه اكتسب هذا اللقب لأنه كان الوحيد القادر على اجتياز منطقة اشتهرت بتصنيع هذا النوع من الخمر في أحد أحياء ولاية جنوب دارفور، كانت تكثر فيها الجرائم ليلا، ولا يستطع أحد عبورها باستثناء علي، فالتصق به المسمى.*
*ويكشف السنوسي أن “كوشيب” -إلى جانب مراسه القوي- ينظم الشعر، كما أنه مغن شعبي ويعرف محليا بـ “مدير سنجك” ويحب غناء الحكّامات، وهن فنانات محليات يبثثن الحماس في الرجال عبر الغناء.*

*ولأن سيرته في الإقدام والشهامة طاغية على نفوس أهالي منطقته وما حولها، فإن عددا كبيرا من المواليد أطلق عليهم اسم “علي كوشيب”.*

*ويذهب محمد عبد الرحمن الناير المتحدث باسم حركة تحرير السودان (قيادة عبد الواحد نور) إلى أن “كوشيب” نوع من الخمر ذو تأثير قوي، لأنه يترك لأيام قبل تناوله حتى يكون مفعوله بالغا.*

*وفي حديثه للجزيرة نت، يرجح الناير أن إلصاق هذا المسمى بعبد الرحمن يعود إلى جرائمه التي لا يرتكبها إلا من يقع تحت تأثير هذا النوع من الخمر لغياب التعقل والإنسانية بكل تفاصيلها.*

*الكاسح الماسح:*

*في المقابل، هناك تفسير مغاير للقب “كوشيب” حيث يؤكد مالك دهب الصحفي المتخصص في شؤون دارفور أنه التصق بالرجل بعد مجزرة بشعة وقعت على نواحي منطقة “شطايه” بولاية جنوب دارفور، واتهم بارتكابها لكنه لم يكن واثقا من تاريخها القاطع.*
*ويقول دهب للجزيرة نت إن اللقب لازم المتهم إبان التهاب الحرب في الإقليم، واشتهر خلالها بالقسوة في المعارك وتولى إحراق عشرات القرى. ويضيف “عندنا في دارفور عندما يقال لك إن فلان هذا “كوشيب أو كشيب” فيقصد أنه ماسح أو كاسح لا يترك أثرا أمامه ولا خلفه”.*
*ويردف “هو تبرأ من هذا الاسم لأنه يؤشر إلى جرائمه التي ارتكبها بحق المدنيين في دارفور بل هو دليل إدانة”.*

*والمؤكد أن تفاقم الصراع في دارفور من 2003 حتى 2006 أحدث دمارا هائلا وسط القرى التي أحرقت وأجبر قاطنوها على الرحيل إلى المدن الكبرى أو حتى عبور الحدود إلى تشاد وأفريقيا الوسطى، وبنحو مباشر تتجه أصابع الاتهام إلى “كوشيب” بوصفه أبرز قادة مليشيا “الجنجويد” التي قاتلت حركات التمرد ونكلت بمناصريها.*

*قلق العسكر:*

*ويعود الناير فيؤكد أن القلق يساور كثيرين من مثول “كوشيب” أمام المحكمة الجنائية، خاصة الجناح العسكري الحاكم الآن، وتحديدا رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لأنه كان القائد المباشر للمتهم، وأصدر له أوامر القتل والإحراق وغيرها من الجرائم الفظيعة.*
*ويرى أن قائمة المتورطين في انتهاكات دارفور طويلة، فكل من عمل في دارفور من القوات النظامية خلال الصراع الضاري في الفترة من 2003-2005 وما بعدها مشمول ومسؤول عن الانتهاكات الجسيمة التي وقعت هناك.*

*بدوره يبدي دهب قناعة كاملة بأن تسليم “كوشيب” نفسه للمحكمة الدولية جرى ترتيبه من جهات نافذة محليا وإقليميا للإيقاع بشخصيات مفصلية في شباك لاهاي.*
*ويقول “السيناريو القادم أن كوشيب سيقضي على العديد من أعوانه في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وسيحدث هذا تغييرا حقيقيا في القوات النظامية” الأيام المقبلة.*

https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/6/16/كوشيب-من-مساعد-طبي-الى-زعيم-مليشيا-متهم