الثلاثاء , أبريل 30 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / في ذكرى سُقُوطهم

في ذكرى سُقُوطهم

الخرطوم- فتحية عبد الله
في مثل هذا اليوم من العام الماضي (2019)، وعلى إيقاع تَرديد الهتاف “سلمية سلمية” و”حُرية.. سَلام وعَدالة” التي كانت تدعم بعبارة “تسقط بس”، وإصرار الثُّوّار على تكملة المُشوار الذي تَساقط خلاله عدد كبير من الجَرحى والقتلى غدراً، لبّى الله نداء الثُّوّار، واقتلع نظام المؤتمر الوطني بعد فترة حكم اِستمرّت لثلاثة عُقُودٍ من الزمان، قضاها الشعب السوداني مُكتوياً بنيران الظلم والقَهر وغلاء المعيشة، بجانب ضِيق الحُريات وانتهاك حُقُوقه الأساسية، ولأنّ نزع الحكم بيد من يشاء فَقد تَحَقّق النصر بسلاسةٍ على رجل مارس الديكتاتورية في الحكم، وتغلّب على الكَثير من المُحاولات الانقلابية، وهجمات حركات التّمرُّد، واستمر رئيساً رغم الحصار الدولي، والعُقُوبات الأمريكية، وأوامر المحكمة الجنائية الدولة التي صدرت بمُوجب تهم ارتكابه إبادة جماعية وجرائم حرب في دارفور.
______________________________
ما بين مُصدِّق ولا مُصدِّق
ولأنّ مدة بقاء الرئيس عمر البشير في منصبه كانت الأطول منذ استقلال السودان في العام 1956 لما لها من استمرارٍ لثلاثين عاماً، ونظراً لأن كثيراً من مظاهر التغيير في بنية الحياة السياسية السودانية قد وقعت خلال فترة حكمه التي استمرت (1989 – 2019) كمُحاولات لتغيير المشهد السياسي عبر تحالُفات قوى المُعارضة “مدنية” كانت أم “مسلحة” جعل من الصعوبة بمكان تصديق الكثيرين لنبأ سُقُوط النظام الذي روّجت لإعلانه القوات المسلحة في بواكير صباح الحادي عشر من أبريل، وعلى غرار ما فعله وزير دفاع الرئيس جعفر نميري “المشير عبد الرحمن سوار الذهب”، خرج الفريق اول ركن عوض بن عوف في بيانٍ، أعلن خلاله عزل الرئيس عمر البشير ونظامه من سدة الحكم دون مقاومة أو اشتباكات أو إراقة دماء وتكوين مجلس عسكري انتقالي برئاسته.
__
أصل الحكاية
الشاهد أن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر، لكن ما هو مَعلومٌ أن القوات المسلحة تحرّكت في خُطوةٍ استباقيةٍ منذ صباح الخميس الحادي عشر من أبريل إثر تَوارد أنباءٍ عن عقد قيادات بحزب المؤتمر الوطني اجتماعاً مساء الأربعاء العاشر من أبريل، تقرّر خلاله تسيير مسيرات شعبية مُؤيِّدة للنظام، تتحرّك صوب أماكن الاعتصام، وتسعى للاشتباك مع الثُّوّار وفضِّهم بالقُوة بعد جواز فتوى دينية تُحلِّل قتل الثلثين من العدد الموجود وفقاً للمذهب المالكي، وقد انعكس إدراك القوات المسلحة لأولوية هذا التهديد الأمني في البيان الأول الذي ألقاه الفريق أول ركن عوض بن عوف، ذلك الشخص الذي رفضه الشارع منذ اللحظات الأولى لتولِّيه قيادة البلاد، وساهم وجوده كرئيس للمجلس العسكري الانتقالي بشكلٍ مباشرٍ في إنقاص فرحة الشعب بسقوط نظام الإنقاذ، واعتبروا الخطوة بمثابة محاولة لـ(جس) نبض الشارع عن طريق اللعب على وتر التغيير، فكان إنتاج مسرحية هزيلة تضمّنت تبديل الشخصيات، لكن الشارع الذي شهد على عمليات الكر والفر للثوار والأجهزة النظامية وغير النظامية، خرج عن بكرة أبيه مُغاضباً من مُحاولات المُكوِّن العسكري لاستغفاله، فاحتل عبر المسيرات والمواكب الحاشدة ساحة الاعتصام أمام مبنى القيادة العامة لقوات الشعب المُسلّحة، لكن هذه المَرّة مُردِّدين هتافات “ما بنتغشّ ما بنتغشّ نحن الجيل السقّط بشة” و”ما بنبدِّل كوز بكوز” و”شيلتو وداد وجيبتو أماني وزي ما سقطت تسقط تاني”!!
__
مُطالبات بـ(أبو عشرة)
ووسط مُطالبات الثُّوّار بتنحي الفريق أول ركن عوض بن عوف من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، احتلت مجموعةٌ كبيرةٌ من الثُّوّار الجانب الشمالي الغربي للقيادة العامة، مُطالبة بتسمية الفريق أول ركن ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻋﺒﻴﺪ الشهير بـ(أبو عشرة) رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي، لنزاهته ونظافة سيرته الذاتية التي تحمل بين طياتها عداوة واضحةً للفساد والمُفسدين، كيف لا وهو من أمر بإحالة الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين للمُساءلة بشأن مجموعة صيدليات ومستشفى علياء التخصصي عندما كان وزيراً للدفاع، وكان الأخير والياً للخرطوم، وتعبيراً لرمزية الاسم، فقد أخرج الثوار نقود فئة “عشرة جنيهات”، مُردِّدين “جيب أبو عشرة نجيك بعشرة” كهتاف ثوري حتى يصبح الفريق “أبو عشرة” مطلباً شعبياً.
__
البرهان رئيساً
مضى اليوم على غير عادته بَطيئاً حَاملاً بين طياته مَطلباً واحداً يَكمن في تَنَحِّي الفريق أول ركن عوض بن عوف ورفاقه من المجلس العسكري الانتقالي لتبعيتهم لنظام المُؤتمر الوَطني، ومثلما كَانَت سَاحة الاعتصام تَضج بعددية الثُّوّار، كان بالمُقابل الوضع داخل المؤسسة العسكرية يغلي بالاجتماعات العاصفة التي امتدت لساعات طوال، وما أن شارف اليوم على النهايات حتى أعلن ابن عوف تنحِّيه من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، وتبعه نائبه كمال عبد المعروف وآخرون، لكن بعد أن توافقت القوات المسلحة على اختيار الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ذلك الرجل الذي ألقى القبض على الرئيس عمر البشير باعتباره مُفتشاً عاماً للجيش، وما ساعد في تقبُّل الشارع له، نزوله إلى الثُّوّار في ميدان اعتصامهم قبيل سقوط نظام الإنقاذ، وتداول الأسافير صورة كان قد جمعته بالرئيس السابق لحزب المؤتمر الشعبي إبرهيم الشيخ وهما وسط الثُّوّار.
___
عبد الواحد وخلايا الموساد
ولأنّ المتهم الأول والأخير بإدارة احتجاجات ديسمبر بحسب النظام البائد كانت حركة جيش تحرير السودان التي يقودها عبد الواحد محمد نور، فقد قطع الناطق الرسمي محمد عبد الرحمن الناير بعدم المفاجأة بسقوط نظام المؤتمر الوطني، إذ أن ثمة إرهاصات قبيل اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة كانت تُشير إلى سُقُوط نظام البشير، وذلك نسبةً لاكتمال شروط الثورة والفشل الذي لازم النظام البائد في المناحي كافة، بجانب الخلافات والتجاذُبات داخله وتأرجُحه بين المحاور الإقليمية دُون أن تكون له سياسة خارجية واضحة المعالم ومحدّدة الأهداف، فَضْلاً عن الانهيار الاقتصادي الذي كان القشة التي قصمت ظهر بعيره. لتكتمل الصورة الحقيقية بالثورة التي أظهرته أضعف ما يكون، غير أنّه عاد وقال إنّ عُنصر المُفاجأة كان ما بعد سُّقوط النظام وظهور سارقي الثورات على مشهد الأحداث، بل تسلقهم الثورة وقيادة زمامها بعد أن كانوا قبلاً يُفاوضون النظام على تقاسُم السُّلطة وتحليل انتخاباته المُزمعة في 2020، فلم يكن مُتخيّلاً أن رفاق الأمس بكل هذا السُّوء والانتهازية وحُب السُّلطة والذات لدرجة حرف الثورة عن مسارها وتحقيق غاياتها وعقد صفقة مع جنرالات البشير، أوجدت هذا الواقع البائس الذي يعيشه شعبنا ويكتوي بنيرانه صباح مساء!
ويقول في حديثه لـ”السوداني الدولية” قبيل الثورة بأشهرٍ معدودةٍ كانت حركة جيش تحرير السودان تُخطِّط لعمل شعبي وجماهيري في كل الولايات بمدنها المختلفة، وكونت غرفاً سرية لإدارة العمل في كل الولايات، وكانت كل قطاعات الحركة تعمل بتنسيقٍ تامٍ وترتيبٍ دقيقٍ لتنفيذ هذه المهام، لذا عندما اندلعت الثورة عفوياً كان الرفاق بالحركة من أوائل المُتّهمين بإشعال الثورة، وأطلق عليهم مسمى “خلايا موساد” تدرّبوا في إسرائيل، فتم اعتقال عدد منهم بجامعة سنار، ثم اعتقال عدد آخر من الخرطوم، ومجزرة الدروشاب التي اُرتكبت بحق البعض من الرفاق لم تكن ببعيدة عن الاستهداف، فقد مارس النظام البائد أسلوب التّخويف والإرهاب مع هؤلاء لمعرفة طُرق تفكير الحركة وإدارتها للثورة ومعرفة مركز التحكُّم وفك شفرة الحركة، غير أنّ ذلك لم يتحقّق. فكان الحادي عشر من أبريل يوماً خالداً في حياة الشعب السوداني وكفاحه الطويل من أجل التغيير والحرية والكرامة الإنسانية، وكان معركة من المعارك الوطنية الكبيرة ونصراً عزيزاً طال انتظاره إلا أن القوى الصفوية التي تعرف بقوى الهبوط الناعم وجنرالات البشير، حالوا دون اكتمال الفرحة وتحقيق النصر النهائي الذي يحقق أهداف وشعارات الثورة التي مهرها شعبنا بالدماء والدموع.
___
كيف سقطوا؟
وعلى الرغم من أنّ الاحتجاجات الشعبية واعتصام الثُّوّار أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وتحرُّكات تجمُّع المهنيين السودانيين وتحالف قوى الحرية والتغيير كانت اولى مسببات سقوط نظام الإنقاذ، إلا أن ثمة عوامل بداخل تنظيم الحركة الإسلامية سَاهمت بشكلٍ كبيرٍ في إنهاء التجربة الطويلة التي كانت تَعُج بالمَشاكل والتقلُّبات والصراعات والحروب، فالتقاء المُؤامرات الخارجية بالخيانة الداخلية من أبناء التنظيم ومراكز القوى التي كان يَقُودها مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني والتي تمكّن خلالها من استقطاب المجموعات السياسية كانت سببا رئيساً في سقوط الإنقاذ حسبما قال الكاتب الصحفي، القيادي بحزب المؤتمر الوطني عبد الماجد عبد الحميد، فتنظيم الحركة الإسلامية لم تحدد له ديناميكية طيلة فترة الحكم كما لم تكن هنالك مُعالجات مُختلفة للإشكالات، هذا بجانب الفشل في إيجاد معالجة لتجديد دماء تجربة الحكم نفسها، ويضيف في حديثه لـ”السوداني الدولية”: حقيقة ثمة عوامل عديدة أسقطت حكم الإنقاذ لكن إذا أخذنا الأهم منها، فنجد أن الانقسام الكبير الذي طال صفوف الحركة الإسلامية ومفاصلة الإسلاميين التي كانت حول تفكيك إدارة الدولة لم تكن ببعيدة، إذ ساهمت إلى حدٍّ كبيرٍ في إضعاف الحركة بالداخل وعندها توالت الإشكالات وظهرت بداخل المؤتمر الوطني نفسه مراكز قوة خاصّةً بعد ذهاب الدكتور حسن الترابي الذي كان بمثابة الأب الروحي للتنظيم، وذلك للكاريزما التي ظلّ يتمتّع بها، فضعفت القبضة التنظيمية وأصبحت الإنقاذ نفسها مُنقسمة إلى شقين “معارض وحاكم”، وهنا كان من السَّهل جداً ضربها بالداخل، هذا بخلاف غياب الرؤية الواضحة لنموذج الحركة الإسلامية الذي لم يحدد إسلامياً كان أم خليطاً بين الإسلامي والعلماني، ويقول عبد الحميد إن المشاكل الاقتصادية التي أصبحت مرهقة للإسلاميين، والمشاكل الأمنية والسِّياسيَّة كانت ثاني مُسبِّبات السُّقوط، بجانب تزايُد تنامي الخلافات حول قضية الإصلاح الداخلي ومُحاربة الفساد وإدارة الدولة نفسها التي أبرزت المطامع الجهوية، فَضْلاً عن تنامي المُؤامرات الخارجية من الدول التي كانت تَرفض نموذج الحركة الإسلامية كنموذج حاكم بالمنطقة، فالمصريون على سبيل المثال كان لديهم رأي وكذلك السعوديون، أمّا الأمريكان فلم يكونوا حريصين على إسقاط التجربة، وما ساعد في ذلك تغريد السودان خارج سرب المنطقة، وبالتالي تلاقي الضغط الخارجي مع الخيانة الداخلية، فكان لمدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني صلاح عبد الله قوش مركز قوة استطاع خلاله أن يجذب حوله مجموعة من السياسيين، ولحقيقة الأمر أن الأيام الأخيرة لنظام الحكم شهدت محاولات استقطاب واسع لقطاع الشباب والطلاب، بل كان هنالك تحريضٌ كبيرٌ جداً يدعو إلى عدم ترشيح الرئيس البشير في انتخابات 2020، وبلا شك التفت هذه المجموعة حول المجموعة الأمنية المعنية، وبالتالي ساهموا جميعاً في اهتزاز القبضة التنظيمية، وأصبحت مراكز القوة مُختلفة بين الناس، وأصبح هنالك تشكيك في القيادة، ولهذ نقول إن الإنقاذ سقطت من قِبل أبنائها وقادتها قبيل أن تسقط من الخارج، وقبل أن تسقط بضربات المُتظاهرين وضجيج الثُّوّار في الشوارع والقيادة العامة..!

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.