الإثنين , أبريل 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *سقوط حكم الفرد القمعي* *صبري معاك علمني كثير.. علمني…  *(إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير* *عرض: محمد على خوجلي*

*سقوط حكم الفرد القمعي* *صبري معاك علمني كثير.. علمني…  *(إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير* *عرض: محمد على خوجلي*

قيادات جميع الأحزاب ركبت قطار مايو واحتمت بالشمولية بالتناوب فهي قبلتها وهي جزء منها، وعارضتها وهي خارجها. وقيادة كل حزب جعلت من وجودها في القطار المايوي وسيلة لتصفية الأحزاب الأخرى المنافسة لها في الماضي وللرأي الآخر داخل الحزب نفسه وبالذات التيارات التي تمسكت بقوة بمواقف مبدئية بالنسبة (للانقلاب العسكري) و(الشمولية)و(حكم الفرد القمعي) إنها فاجعة كبرى: *أن ترتدي المصالح الحزبية والشخصية ثياب الدفاع عن مصالح الشعب وباسم الشعب. وهذا هو الأساس المادي لإعلاء مبدأ (عفا الله عما سلف)*.

وغابت (بعد التناوب) كل الشعارات والنداءات التى تم إطلاقها والتكوينات الفوقية التى اُقيمت بين قيادات الأحزاب التى كانت علاقاتها في إطار الاتصالات الفردية المتباعدة. ولم يجتمعوا منذ 25 مايو 1969 إلا يوم 5 أبريل 1985م عندما الجمتهم المفاجاة وأعياهم اللهاث بالجري خلف الأحداث المتسارعة فارتبكت الأفكار فالصادق المهدي في ذات يوم 5 أبريل يدعو المصلين للإضراب (المحدود) لا السياسي وهي ذات دعوة الإضراب (المحدود) لا السياسي التي أطلقتها السكرتارية المركزية للحزب الشيوعي السوداني (القيادة الرسمية) بل أن أحد أعضائها في (طوافة) على أحد مراكز عمل قيادة الحزب بالخرطوم ظل يتحدث كثيراً عن (بدايات) الاضراب السياسي وتوقع دخول (المزارعين).. الخ الهذيان إنهم لا يرون ولا يسمعون أن أقساماً من الجماهير نفذت اضرابها منذ يوم 27 مارس 1985 دون إذن من أحد أو انتظار قرار من قيادة لا وجود في الحقيقة لها في اطار التنظيمات الحزبية. 
والجماهير السودانية بفطرتها العجيبة أدركت أن الحكام الدكتاتوريين هم دائماً في أمس الحاجة لمساعدة الشعب الذي يحكمونه ويذيقونه مر العذاب وأنه من دون هذه المساعدة لا يستطيعون تأمين سلطتهم ولا يستطيعون المحافظة على مصادر قوتهم السياسية. وأول مصادر القوة السياسية هي (السلطة) وإيمان الناس (بشرعية) النظام فخروج أغلبية الناس كل الناس عليهم يعني عدم الشرعية. وفي نفس الوقت يجرد النظام من (موارده البشرية) وهي عدد وأهمية الأشخاص والجماعات التي تتعاون مع حكومة النظام (أنظر: موكب الردع الذي نظمه الاتحاد الاشتراكي السوداني يوم 2 أبريل 1985م لمنع خروج الناس).
ومصادر القوة السياسية الأخرى لأي نظام ديكتاتوري تتمثل في:
*المصادر المادية:* وهي درجة سيطرة أو تحكم الحكومة بالممتلكات والمصادر الطبيعية والمالية والنظام الاقتصادي (راجع استشراء الفساد ومستر 10% والغلاء الطاحن وحتى الجفاف والتصحر…الخ).
*العوامل غير الملموسة:* وهي العوامل النفسية والفكرية التي تحث الناس على (طاعة ولي الأمر) و(إمام المسلمين) ومساعدة الحكومة (وهذه أبواب كثيرة أغلقت جميعها في وجه النظام الشمولي).
*المهارات والمعرفة:* وهي التي يحتاجها النظام الشمولي لأداء أعمال محددة ويوفرها للأشخاص والجماعات من المتعاونين (وهذه انقلبت عليه باستغلالها للمصالح الخاصة وتنافس الجماعات نفسها من المتعاونين ولكسب مزيد من السلطة).
*العقوبات:* والعقوبات كمصدر من مصادر القوة السياسية تشمل العقوبات المطبقة أو التي يُهدد باستخدامها في حالة العصيان أو الاضراب أو عدم التعاون اللازمة لبقاء النظام وقدرته على تنفيذ سياساته.
(حل النظام المايوي نقابة أطباء السودان في 1984 وقرر عقوبة الإعدام في حالة الاضراب عن العمل. وفي 27 مارس 1985 كان أطباء السودان أول من دخلوا الاضراب السياسي، واختاروا جماعياً أن يفقدوا روؤسهم.. وفي الجهة الأخرى أقسام من جماهير الشعب تهتف “رأس نميري مطلب شعبي”).
وأكدت تجارب العمل الجماهيري للنقابات وتجربة نقابة أطباء السودان خلال حكم الفرد القمعي على حقيقة:-
إن استعمال النظام الشمولي للقمع ضد رافضي التعاون معه أو المضربين. ونجاح ذلك القمع لا يعني أن درجة الخضوع ستعود إلى ما كانت عليه قبل القمع، بل العكس. وكلما تم التشديد على مصادر القوة أو قطعها لفترة كافية أو اضعافها – وعلى الرغم من القمع – فإن نظام الحكم الديكتاتوري تنعكس عليه سمات الارتباك وعدم الاستقرار (راجع أحوال مقولة نميري المعروفة: ثورة مايو تراجع ولا تتراجع) ومع مرور الوقت يؤدي حجب مصادر القوة إلى شلل وعجز النظام الحاكم وتموت قوة الحكام الديكتاتوريين من الجوع السياسي.
وقال ميكافيللي:
*(إن الأمير الذي يعاديه جميع العامة لن يستطيع توفير الأمن لنفسه وكلما زادت قسوته كلما ضعف نظام حكمه)*.
وكتب جون أوستن في القرن التاسع عشر:
(إذا قررت غالبية المواطنين القضاء على الحكومة وتوفرت لديهم الرغبة في تحمل ممارساتها القمعية بغية الوصول إلى ذلك. تصبح قوة الحكومة والذين يؤيدونها غير قادرة على حماية الحكومة البغيضة… ولن يكون هناك إمكانية لإجبار الناس على العودة إلى الطاعة الدائمة والخنوع).
إن الصورة كانت مغايرة تماماً بين قواعد الأحزاب وملايين المستقلين عن تلك الأحزاب وبالذات بين العاملين عما هي عليه بين قيادات الأحزاب وبالضرورة ما بين القيادات وعضويتها. فقد خاض العاملون تجاربهم بأنفسهم وأقامت حركة جماهير العاملين في المنشآت المختلفة جبهات عمل ظلت تتسع يوماً بعد آخر. من أفراد قليلين، أقل من أصابع اليد الواحدة إلى عشرات الآلاف. وقادت حملات التضامن وهي من الارث النقابي السوداني التليد. وتضامن مع جماهير العاملين نقابات مهنية كما تضامن الطلاب وأخص بالذكر طلاب جامعة الخرطوم. وانجزت حركة جماهير العاملين تحالفات وطيدة بين القواعد  في انتخابات النقابات والاتحادات، ودافعت بشراسة عن الحريات النقابية والحريات العامة وظل صوتها عالياً في كافة قضايا الوطن والشعب.
والتجمع النقابي كان أداه العمل الرئيسية لحركة جماهير العمال. وهو أحد وسائل العمل المشترك بين النقابات مرة وبين النقابيين مرة ومن النقابات والنقابيين في مرة ثالثة. وهذه الأداة ابتدعها العمال فلم يقررها حزب بعينه أو نقابة باسمها. أصحاب الفكرة عمال مجهولون من الناس كل الناس وهدف التجمع الثابت والأساسي: توسيع قاعدة معارضة النظام الديكتاتوري والربط بين النضال الاقتصادي والسياسي.
*وينشأ التجمع النقابي في (وقت معين) لمعركة (محددة) فهو ليس تنظيماً ثابتاً ولا مركزياً وهو أداة مستقلة، والاستقلالية هي مكمن القوة فالتجمع النقابي يقوم لانجاز مهام متباينة في أوقات وظروف مختلفة وينتهي بانتهاء تلك المهمة هنا أو هناك*.
فالتجمع النقابي هو أداة تنسيقية وقد تكون هناك أكثر من معركة في وقت واحد، وأكثر من تجمع نقابي أيضاً ولكن لا توجد علاقة تنظيمية بينهم لذلك استعان به أهل اليسار وأهل اليمين على السواء. وعبّر شكل “التجمع النقابي” في 1973 عن نقابات عمالية تحت نفوذ أحزاب “الجبهة الوطنية” وبالذات حزب الأمة الذي كان الأكثر تأثيراً في ذلك الوقت، فالنقابات التي كانت قائمة تحت قبضة السلطة المايوية (الاتحاد الاشتراكي السوداني) والحزب الشيوعي كان لا يزال يعاني من آثار عملية 19 يوليو 1971 وكان حتى ذلك الوقت في مرحلة التجميع لكوادره وعضويته التي لم يطالها السجن والاعتقال.
ومن النماذج قيام التجمع النقابي 1974 في معركة التضامن مع عمال مصنع الأدوات المنزلية بالمنطقة الصناعية بالخرطوم بحري عندما تم ضرب عماله بالرصاص الحي بعد الهجوم المسلح على المصنع لإجبار العمال على فض الاعتصام. والتجمع التضامني ضم نقابات عمالية ونقابيين ونقابة موظفين وتضامنت معه نقابات مهنية واتحاد طلاب جامعة الخرطوم واقيمت ندوة بالجامعة بهذا الخصوص وصدرت بيانات ومنشورات من الحزب الشيوعي.
تجربة عمال السكة الحديد كانت استثنائية عندما أقام العمال التجمع النقابي في السكة الحديد من قيادات نقابية (خارج النقابة الرسمية) وطلائع العمال وهو الذي قاد المواكب (ضد الغلاء) 1979 والتي استجاب لها عمال السكة الحديد ومواطنو عطبرة في ظل وجود (النقابة الرسمية) للسكة حديد والتي عندما حاولت اللحاق بحركة الجماهير لم تجد أية استجابة حتى وهي ترفع شعارات حركة الجماهير. وتجربة عمال السكة الحديد سبقت تجربة نقابات التضامن في بولندا 1980…
وخلال الفترة يناير – مارس 1985م برزت أربعة تجمعات نقابية، وليس واحداً كما يتبادر إلى الأذهان، وكما سيأتي لاحقاً…
*إشارة:*
*هذا هو الجزء الثالث من مقال سقوط حكم الفرد القمعي والذي نشر في مارس/أبريل 2014م من تسعة أجزاء ونعيد نشره الأن.*

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.