أحلام الشتاء …
ها هو الشتاء يفتح مظلته للبلاد ، ويحتويها ويتنفس من كل جوانبها ، ونسماته الباردة تملأ الساحات والباحات ، والجميع يستعد له ، ويعد العدة بلا عدة ، واطفالنا يحتاجون الغطاء ؛ بلا مال ولا آمال يحلمون بالملابس القطنية الثقيلة والمفارش الدافئة ، والادوية الشتوية التي تكون من اولي الاحتياجات ، والدهانات التي تحافظ علي اجساد اطفالنا وكبارنا ، والمنازل التي تحتل صيانتها حيز الضروريات ، وترميم المنافذ والنوافذ ، وفوق كل هذا وذاك الطعام (القوت) الذي يحتاجه الكل ، فالشتاء ياتي مدغدغا البطون الفراغة ، فتتملكها الرعشة ، ويسري في الجسد الهوان ، ويتقبلها الاطفال بصورة قاسية ، فلا مناص لهم الا البكاء اذا مساهم الجوع ، او أصابهم المرض ، فتبقي اعباء ترتفع بحلول فصل من فصول السنة .
والبلاد يستشري في مواطنيها الفقر ، فاغنياءها فقراء ، وفقرائها بوساء ، وبوساءها لا نحسبهم معنا في الحياة ، فالكل يطارد ويقول نفسي نفسي ، وكأن الساعة دقت بوادارها فينا .
ورغم كل مايحدث فلا راعي يهتم ولا مسئول بمسئول ، جميعهم يتنشرون في الارض فسادا ، ويكتنزون الاموال ، وقدوتهم وقائد ركبهم ومثلهم الاعلي هو واسرته في خضم الفساد والنهب والمحاباة منغمسين ، والقانون يلين وينكسر في عتبة بابهم ، والطاعة تكتمل علي حسب البلوة والابتلاء .
والمواطن الذي يتعب ،وانهك كاهله لسد الفجوة لاسرته ، وتوفير الغطاء والدواء لهم ، امسي كقول الشاعر :
نحن كطينة في عمق البئر **
لا تملك ان تتأمل صفحة وجهه **
فحتي الالتفاتة تاخذ جزء كبيرا من زمنه ، وليس لديه الوقت ليجاري الحياة ، ويستشعر تفاصيلها ولا يهمه ان يعرف من الحاكم ومن المحكوم ، الا اذا مسه راس السوط ، سوط الطاغية الذي يقلقل راحة بال مواطنيه ، بنوازع الاطماع ، المقننة في الاتاوات والضرائب ، والشهوات ، فيطلق فيهم كلابه الموبوءة لتنتهك حقوقهم ، فيجلسونهم علي دكة الاحتياطي ، ويركلونهم الي مسار الحوجة والبحث عن عمل جديد ، وهم يسبون ويلعنون .
نسال الله يكون هذا الشتاء دافئ لوطننا ، بفضل المظلومين ، المقهورين ، المضطهدين ، المشردين ، المعذبين ، ونساله الله ان يكون هواءه ، ينفث زفراته في كل ربوع الوطن ، ليخرج ثورة ، تبيد الطغيان ، وتحي السودان .
وتكون الساحات والباحات مولدا لفجر جديد ، فجر من الحرية والتجديد ، يمتلئ بالاغطية القطينة ، والمنازل المطلية ، والمفارش المخملية ، واطفالنا يضحكون وينشدون :
حرية…
حرية …
Ghalib Tayfour