الجمعة , أبريل 26 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / قصتى مع صلاح قوش مأساة حقيقية.. وقت عصيب عشته فى بيوت الأشباح انا ورفاقى .

قصتى مع صلاح قوش مأساة حقيقية.. وقت عصيب عشته فى بيوت الأشباح انا ورفاقى .

رسالتى لقوش….

قبل أن أواصل إستعراض جرائمك السابقة، انبهك بأن لعنات أجسادنا المكونة بنيران تعزيبك تلاحقك فى كل بقاع الارض  . إنك لم تكن   تعذب فرداً في معتقل، بل أسر بأسرها سوف.   تحيق أفعالك السيئة بآل بيتك، فيطالهم الويل والثبور وعظائم الأمور، بقدر ما إقترفت يداك من ذنوب في حق أبناء وبنات الشعب السوداني. وتذكر أن المكر السيئ لا يحيق إلّا بأهله، وتذكر قول أهلنا (البِيَلدْ المِحَن لابُد يَلُولي صِغَارِن).
أما ما نزل بنا على يديك من عذاب، فسرده يطول، وأورد لك بعض من نماذجه، لتنتعش الذاكرة، وكذلك أتوجه به لمناشديك الذين يأملون أن تصبح لهم مُخَلّصاً ومغيث،  ليعرفوا أنك لست مؤهلاً لذلك، لأنك من معدنٍ رخيص، نفس شائهة ووجدان خرب، لا تملك سوى الحقد والغل والبغضاء لهذا الشعب.
في الليلة الأولى عندما أُخرِجت من ضهرية العربة الكريسا في بيت الأشباح، لم ألبث طويلاً لأعرف كم أنت متمرساً في صناعة التعذيب. لقد كنت تعد حفلاً لإستقبال المعتقلين الجدد يليق بالرسالة التي تريد حفرها في أعماق لاوعي كل منهم، وهي أن “يعرفوا حاجة”، زي ما بتقولوا في تلك بيوت. والحاجة التي يجب أن يعرفوها، ويعوها جيداً، هي أن المواطن لا قيمة له، والانقاذ  لا رحمة لديها، وعلى كلٍ منّا أن يتعلم الطاعة، أن ينكسر، ويخمد، ويرضى بقدر الله صامتاً. هذه هي الصدمة الأولى، ما أن نزلت عن ضهرية العربة حتى دفعني أحدهم إلى الحائط، جدران صخري أصم. لم أكن وحدي كان هناك عدد قد يتجاوز العشرة، وجوهنا جميعاً تكاد أن تلتصق بالجدار، وخلفنا عدد كبير من أفراد الجهاز بكامل أسلحتهم، وهم في حالة من المرح واللهو، التهكم والسخرية. ثم يبدأ الحفل، يمسك أحدهم برأسك من الخلف ثمّ يطيح به في الحائط، “وهم ما شاء الله متعافين”، لا تحس بأن رأسك إرتطم بالحائط، وإنما تحس وكأن عملاقاً إقتلع الحائط بكل ثقله وضربك به بكل قوته على رأسك، كان الألم فظيعاً، الرأس يكاد أن ينفجر، أحاسيس مختلطة من الخدر والقشعريرة، العرق يطفر من المسام، لحظات من الدوار والشعور بالغثيان. ثمّ تأتي الصدمة الثانية. تتعالى ضحكاتهم كلما تداعى أحد الضحايا للسقوط. من أين أتيت بهذه الحثالة يا صلاح قوش؟ وما بين ضربت رأس وأخرى تلعلع السياط والعصي على الأجساد المتهالكة المنهكة. فترة لا أستطيع أن أميز كم إستمرت، ولكنها دهر، بعدها يبدأ التوزيع على الزنازين، ليس عليك أن تذهب إلى الزنزانة سيراً على الأقدام، لا، بل قفراً على طريقة “أرنب نط”، نحمد الله وقتها كنا شباباً، ولكن كان بيننا من هم كبار في السن، وبعضهم مرضى. من لا يستطيع الوصول إلى زنزانته بهذه الطريقة عليه أن يكمل مشواره زحفاً والسياط تلهب ظهره. لقد كنت إستاذاً في التعذيب، لك منهج وأسلوب ومدرسة خاصة بك. ووقتها كنت الرجل الثالث في الجهاز بعد نافع على نافع وحسن عثمان ضحوي، فكيف إن أصبحت على رأس الدولة
إذا كان هذا شأن اليوم الأول، فشئون الأيام التالية كان أمَرْ. ستة أشهر في طاحونة الألم والعذاب، وهي قصة طويلة لا يتسع المجال هنا لسردها بتسلسل متصل، لذلك سوف أستعرض مقتطفات منها فقط، لإنعاش الذاكرة. كان يوماً قائظاً من شهر إبريل، جُلبنا نحن مجموعة إلى الحوش الخلفي للغار هناك أُوقِفنا حفاة عراة، إلّا الضروري من الستر، الأرض تحت أقدامنا تلتهب، ونحن حفاة، ننتظر في توجس ما تخبئه لنا الأقدار على يديك، طالت الوقفة، فإنتظار التعذيب نوع من التعذيب. إلى أن ظهرت أخيراً، تسير متمهلاً وعلى وجهك إبتسامة قميئة، حُمت حولنا تتفرسنا بعينك الواحدة، ثمّ أمرت بأن يُحمل كل منّا ويمدد على سطح الحديد الساخن للسيارات المتوقفة في فناء ذاك الحوش، كانت حفلة شواء بإمتياز، صيف الخرطوم في أبريل عند منتصف النهار، وحديد العربات قد وصلت درجة حرارته إلى مستوى حرارة “طوة” على النار، ونحن عراة. حُمل كل منّا ومُدد على ظهره فوق الحديد الساخن، وقد أمسك به عدد من أفراد الجهاز بعضهم عند الرأس وبعضهم عند القدمين وآخر على الصدر، هؤلاء جميعاً مهمتهم التأكد أن كل أنحاء الجسم قد إلتصقت تماماً بالسطح المتقد. وأنت يا “جنا عبد الله الذي لا يرضى جدوده الضيم على الكافر” كنت تدور بيننا منتشياً تتفحصنا الواحد بعد الآخر لترى إلى أي مدى نتشظى من الألم. أبقيتنا  في ذلك الوضع لبعض الوقت، فترة عايش فيها كل منّا أحساس حقيقي بمعنى أن يشوى الإنسان، بل الحيوان حياً، هل تفرح اليوم إذا قلت لك أنه فعلاً كان حاداً وحارقاً وموجعاً؟ تركتنا في هذه الحال حتى أحسست أن أجسادنا قد إمتصت حرارة الحديد وبدأت تتسلل إليه البرودة، عندها أمرت بإنزالنا. عندما تطلع كل منّا في ظهر الآخر، عرف ما حاق به، لقد تفسخ الجلد وسُلِخ تماماً من على الظهر، وكل جزء لامس الحديد من الفخذين والساقين والذراعين، كان قربي بالصدفة العقيد مصطفى التاي، وقد توزع الآخرون بين العربات الطريفي في إحدى النواحي، والملازم الطيب نور الدائم ليس بعيداً، وكذلك العقيد محمد الحسن عثمان، وعلى مسافة منه جعفر ياسين، كل يتوجع بطريقته وفي مكانه. في وقفتنا تلك كما ذكرت سابقاً، كان مصطفى يقرأ القران، وهو ما أدى لمضاعفة التنكيل به، . هذه الواقعة جميع شهودها والحمد لله أحياء يرزقون، وجميعهم يمكنهم أو يتحدثوا عن بشاعتها، وما عايشوه خلالها، بأفظع مما رويت، فلكلٍ إنطباعاته الخاصة عند مكابدة الألم. إضافة لذلك ربما كان هناك من بين أفراد الأمن، بعد خمسة وعشره سنة، من ثاب إليه ضميره، ويريد أن يلقى الله بقلب سليم، يمكنه أن يحكي ما شاهده، أو فعله وندم عليه. أما أنت يا “جنا عبد الله” فأصدق نفسك القول، قبل الآخرين، حتى لا تحل اللعنة بأبنائك على ما فعلته بأبناء الناس.
في ذلك اليوم لا أدرى لما أحطتني بعنايتك الخاصة، أخذتني بعد هذا الشواء إلى قرب “البوفيه” وهناك تركتني واقفاَ تحت لهيب الشمس المحرقة، جسدي ينضح بالألم، وريقي ناشف، ليس عطشاً بل ظمأ “أظن الظمأ حالة أشد من العطش”، ظللت واقفاً وكانت أمامي أكوام من الذخيرة الفارقة، طلقات الكلاشنكوف، كل كوم قد يزيد عن ملء جوال، أمرت جنودك بأن يحملوا تلك الذخيرة الفارغة من جوار الحائط ويطرحونها في منتصف الساحة، وفعلاً نفذوا الأمر، وجعلوها في حجم “مرتبة” سمكاً وإمتداداً. كل ذلك وأنا واقف في حر الشمس أتمنى جرعة ماء، أما أنت فقد إنزويت إلى أحد المكاتب، لتعود بعد فترة حين تأكدت أن تلك القطع النحاسية  قد أكتسبت من حرارة الشمس ما يكفي لأن تكوي كما الجمر، وأنا أساساً مكوي بما فيه الكفاية. أمرتهم بأن يلقوا بي فوق تلك العبوات الفارغة، فأرقدوني عليها وصعد ثلاثة منهم على جسدي أحدهم على الساقين وآخر على الفخذين وثالث على الصدر، وهذه كانت أشد إيلاماً من الحريق السابق، فقد كانت العبوات التي طرحوها على الأرض، بعضها يرقد أفقياً وهذا يحرق، والبعض الآخر يقف رأسياً وهذا إذا صادف أن فوهته كانت نحو الأعلي إنغرس في الجسم، نتيجة للضغط الذي يوفره الثلاثة الغلاظ والواقفون فوقي بأحذيتهم العسكرية الثقيلة. ثم قلبوني على الجانب الآخر وصعدوا على ظهري، ولنفس المدة تقريباً، عندما إنزاحوا عني لم أكن أحس بألم من حُرِق، بل بألم من سُلِخ حياً. كانت الجروح التي أحدثتها فوهات تلك المظاريف الفارقة قد إنتشرت في كل موضع من جسمي. حروق وفوقها جروح دامية، دون إستخدام نارٍ أو سلاح، إنها العبقرية في التعذيب الإسلامي، تُرِكَت النار لرب النار، أما بدائلها فمباحة. بعد هذه الجلسات الممتابعة من الشوي والتقطيع، أخذني أحد التُبّع نحو “البوفيه، القريب، وتركني أجلس في الظل لأول مرّة في ذاك اليوم القائظ، ثمّ أتى بصحن ملح من “البوفيه”، ومسح على تلك الجروح من أجل زيادة جرعات الألم. كان يوماً حافلاً يا صلاح قوش، فيه لم تترك في جسدي موضع إلّا وفيه علامة من علاماتك، أثر حريق أو طعنة حديدة، وهذه الآثار ستبقى ما بقيت، فهل أنت سعيد؟ وهل تتوقع أن أنسى؟ أنه جسدي الذي أعيش به، وكلما تطلعت في المرآة أو نظرت إلى ساعديّ أو رجليّ رأيتك تطل منها، يا “جنا عبد الله” ستبقى ذكراك حية. وحتى لا يكون السجال بيني وبينك أخذ ورد، حول ذلك التعذيب وآثاره، فهناك شهود كثر، حضروا الواقعة، من زملائي الذين دُرشوا معي في ذلك اليوم، “الدرش مصطلح أمنجي يعني التعذيب”. كما قدم دكتور على الكوباني أفادة موثقة بآثار ذلك التعذيب، لابُدّ أنك قد إطلعت عليها، وتوجد منها صورة في مكتب الطب الشرعي بالخرطوم، كذلك ذكرت في كتاب “دموع اليتامى” التقرير الدوري لمنظمة حقوق الإنسان الذي صدر عام 1999. وتجده أيضاً في أرشيف ستين محامياً معروفين بالإسم والموقع، فأرجع إليها علك تتذكر إن نسيت، ولتعلم أن جرائمك محفوظة، ولن تسقظ بالتقادم، ستظل تنتظرك، وإن مُت فستظل مسجلة في تاريخك ليرث لعنتها أبناءك من بعدك وتأكد بأن لعنات أجسادنا المشوية بنيران حقدك سوف تلاحقك إلى قبرك يا جنا عبدالله.
………………..

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.