الخميس , مايو 16 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
20101101.jpg

المتمرد ( ٣ )

20101101.jpg

 

عزام مرسي
المتمرد
( ٣ )
لم يكن ( حمد ) صاحب محل البقالة هو الوحيد الذي يتحرش ( بصفاء )، تلك الزهرة التي تفتحت في بستان الحي الكئيب المليئ بالحشرات القذرة التي تتجني علي الزهور اليانعة النابته خارج أسوار بساتين اصحاب النفوذ من التكتلات الشماليه والشبه عربية، تلك الطفلة التي نالت حظها من التحرشات اللفظية و الجسدية لانها تنتمي الي أقلية سكنت  عاصمة البلاد التي تغرق في العنصرية البغيضة حتي الآن .
كعادته الخبيثه كان ( حمد ) يستغل الفرص التي تتاح له حتي يتحسس جسد الصبية و يضمها لجسده بقوة أثناء  خلو الشارع من المارة، متلذذاً بالعذاب و الالم و الضعف الذي تعاني منه الطفلة العاجزة عن الدفاع عن نفسها حتي بالصراخ .
في ذلك اليوم اللعين وقعت عينا إحدي نساء الحي علي ذاك المشهد القذر، لكنها و كعادة المجتمع الذكوريَ الافكار أطلقت  شائعاتها علي ( صفاء ) وأخبرت الجميع ان الصبية تمتهن الدعارة كعادة ابناء جلدتها ، هكذا تدمرت حياة الطفلة وحياة مجتمع كامل من البشر بمثل هذة الشائعات اللعينة التي دفعت جميع ذئاب ذلك المجتمع لمحاولة افتراس ( صفاء ) .

قام ( حمد ) ببيع محل البقالة، كان خيار الانتقال هو الخيار الامثل له حتي يحافظ علي تجارته و يمارس شذوذه في مكان جديد أخر ، مستقلاً ثقه الناس في لونه و لسانه الفصيح .

أما المسكينه صفاء فقد صارت هدفاً لضعفاء النفوس من أشقياء الحي الذين سمعوا بالحادث. تم الاتفاق علي إستدراجها بواسطه احد الشباب الذي غرر بها بإسم الحب، وهي التي لم تصدق أن قام أحدهم بالحديث معها بمثل هذه اللغه الودودة من قبل ولم تسمع هذة الكلمات الجميله ، كانت مثل القراءه التي تذهب طائعةً الي حتفها وسط النار ، لقد غرر بها ذلك الشقي ثم  عرضها و تم ( فتها* )  في حادثة اغتصاب جماعي متعارف عليها في ذلك الوقت القبيح بإسم ( الفتة ) ، وهذا النظام يقوم علي أن يقوم أحد الاشخاص بإستدراج الفتاة لاحد الاماكن او المنازل الخالية ، ويظهر بقيه المشاركين ويقومون بتخويف الضحية و إجبارها علي ممارسة الجنس معهم بالقوة ، ثم بعد ذلك يقومون بسرد تفاصيل جريمتهم وكأنهم قامو بعمل بطولي عظيم .
لم تجد صفاء أي حل سوي أن تختم يومها البشع، الذي يستعصي فهم او تصور ما حدث في تفاصيله علي مخيلة البشر الأسوياء ، حتي وإن كانت تلك المخيلة ملوثة بمشاهد أفلام الفيديو الاباحية المنتشرة في ذلك الوقت و حتي الان. 
بكأس من الصِبغة إختارت صفاء ان تسافر من دنيا قانون الغاب، لعل الملائكة  يتفهمون حكايتها و هوانها في تلك الدنيا العنصريه الهمجيه القاسية  .
بكيت كثيراً علي صفاء ، لم أعرف لماذا ماتت فأنا مجرد طفل لم يكترث احد ان يخبرني انها ملت من أن تكون جارية للجميع ، لقد كرهت حياتها بسب ان الجميع فقط ينظر لما بين ساقيها و ما توسط صدرها ، كَرهت هوانها كَرهت كونها لا تمتلك اخوة او أقارب يدافعون عنها و يقومون بحمايتها من  الذئاب البشرية،  الذين يُصلون  كل اسبوع بجلباب ناصع البياض ! لمن يصلون ياتري ؟ هل لنفس الإله لست أدري.
بعد اسبوع و انا في طريق عودتي لوحدي كالعادة من المدرسه رأيت عربة ( الكارو ) تقف محمله ببعض الأغراض جوار منزل العم ( سالم )، و خالتي ( مستورة ) تقوم بمساعدة صاحب العربه علي تحميل مجموعة اخري من الأغراض ، عرفت بأنهم سيغادرون الحي ، لم أتمالك نفسي وجدت نفسي ابكي بصوت عال جداً ، إحتضنتني الخاله ( مستورة ) و قالت لي ، لا تنس أن ترش قبر صفاء بين الفترة و الاخري بالماء و ان تضع علي القبر بعض سعف النخيل الاخضر  ، انتابتني نوبه اخري من البكاء و كانت الاخيرة و للأبد ، لم أبكي بعد ذلك اليوم ابدا ولا حتي يوم وفاة أبي لم تنزل من عيني قطرة دمع واحده .
بعد اعوام  و أنا في طريق عودتي هذة المرة ، من المدرسه الثانوية، و برفقتي احد زملاء الدراسه يسكن علي بعد  بثلاثه شوارع مني، اعتدت بأن ارافقه في طريق العودة في بعض الاحيان.  توقفت عند الشارع الذي تغيرت معالمه كثيراً  ففي مكان منزل العم ( سالم ) المتواضع تم بناء فيلا جميله من ثلاثه طوابق لكن لم يسكن فيها أحد حتي الان، فقط عرفنا  انها احدي الفلل التي يبنيها احد التجار المشهورين لبناته حتي يضمن لهم مستوي معيشي مميز بعد الزواج . لم يعجبني شكل البناء ولا فخامته، و اشتقت لباب الصفيح المسنود بقطعه ثقيلة من الخشب ، رأيت نفسي و صفاء نجاهد حتي نسد الباب بقطعه الخشب حتي لا يخرج احد اخوتها الصغار للشارع ، فجأة رأيت صفاء في الطابق الثاني من الفيلا و هي تلوح لي بيدها مبتسمه ، لم أصدق نفسي وصرخت من كل أعماقي بإسمها ، قاطعني زميلي قائلاً ، صفاء ؟ أتقصد تلك ( العاهرة ) التي قتلت نفسها قبل سنوات ! . انتبهت اني كنت اخاطب زجاج الفيلا الملون في الطابق الثاني ، لكن استوقفتني كلمة ( العاهرة ) نظرت إلي زميلي بغضب و طلبت منه ان يتأدب و إلا سأقوم بضربه ، لكنه أصر علي موقفه قائلاً بالدارجية السودانية ( يازول انت عامل فيها ما عارف ولا شنو ، البت دي كان بفتوها فلان وفلان وفلان ) و اذا لم تصدقني يمكن ان تسأل أي شخص و يسيخبرك بالحقيقة. طلبت منه بصوره حازمه ان لا يكرر هذا الحديث علي مسامعي حتي وان كان صحيحياً ، تركته دون ان اقول له اي كلمه اخري ، دخلت لمنزلنا وتوجهت مباشرةً لأخي الاكبر و سألته عن صحه الحديث الذي سمعته فأكد لي هذا الحديث ببساطه، عندها فقط سامحت صفاء لانها اختارت عالم اخر بعيد عن هذا العالم الوحشي .
انتابتني رغبة شديدة للعب كرة القدم في ذلك اليوم ، كان احد الأشقياء المشاركين في جريمة اغتصاب صفاء مولع بلعب كرة القدم ، كنت اتمني ان توقعني ( العزله* ) ضمن الفريق المنافس له لكن شاء القدر ان لعبنا ضمن فريق واحد، لم أكن أمرر له كرة القدم ، هو بحكم انه يكبرني بسبعة أعوام كامله كان يصرخ في وجهي مطالباً مني أن أمرر له الكره لكني كنت أتجاهله و اكتفي بتمريرها لشخص اخر او الإكثار من المراوغه حتي ينتزعها لاعبي الفريق الخصم ، قام هذا الشاب بتوجيه عدة شتائم قاسيه لي ، لكني كنت أتلذذ و انا أراه يفقد السيطرة علي أعصابه و هو يراني في قمة البرود لا أبدي أي ردة فعل لهذة الشتائم ، في المره الاخيرة التي رفضت ان أمرر له الكره ركض نحوي و هو يكيل سيل من الشتائم و دفعني بكلتا يديه طالباً مني مغادرة الملعب او سيقوم بضربي ، عندها فقط أخبرته انه لو قام بلمسي مرة اخري فأنا من سيقوم بضربه ، تحلق جميع الشباب لحضور هذا الشجار بيني أنا المراهق الصغير الذي نادراً ما أتي والعب معهم كرة القدم  و بين الشاب العشريني الذي أنهي دراسته للتو  في جامعه مرموقة و لعب لفريقها الرياضي .
كان موقفهم سلبي تماماً لانهم كانو يمنون انفسهم بأنهم سيرون هذا المراهق مدداً علي الارض مكسور الخاطر، لكنهم لم يعلموا ان شعوري بالظلم الذي تعرضت له اختي ( صفاء ) ورغبتي في الانتقام لها قد مدني بطاقة لا يمكن ان تتصورها عقولهم و أن جسدي الهزيل يمكن ان يحتمل هذة الطاقة  و يتحكم بها .
قام ذلك الشاب البغيض بدفعي مره اخري مصدراً اوامره لي بالخروج من الملعب ، دون ادني تردد قُمت بركله بين ساقيه بكل ما أوتيت من قوه و عندما أحني رأسه من الألم واضعاً كلتا يديه بين ساقيه لتخفيف الالم، عاجلته بركلة قويه بوجه حذائي الرياضي جعلت الدم ينزف من أنفه المكسور، ولم أتوقف عن ركله في مواضع اخري من جسدهِ الا بعد تدخل الحاضرين ، نظرت الي جسده المسجى علي الارض و قلت له لقد أتيت اليوم هنا من أجلك أيها الحقير، وسأعود دائماً من أجلك و من أجل من هم علي شاكلتك ، لم يفهم أحد ما أعنيه سوي أخي الأكبر الذي شاهد أخاه الصغير يلقن احد أكبر ( أشقياء ) الحي درساً قاسياً بسبب جريمة حدثت في الماضي ولم يسمع عنها الا اليوم . كنت أنا ذلك المراهق و الأخ الأصغر الذي أعلن تمرده  علي أشقياء الحي، وعلي طريقة تفكير بقيه افراد الحي .
ذلك الشقي المدعو ( سيد ) كان يتحرش بالقُصر من الذكور أيضاً مستغلاً جهلهم بطبيعه الامور و مستغلاً تغاضي المجتمع عن هذة الأشياء و فقه الستر للفضيحة .
في صبيحة اليوم التالي عند توجهي الي مدرستي الثانوية ، فإذا بأحد طلاب الصف الثامن ينتظرني امام  منزلنا ، تعجبت جداً من انتظاره لي  في ذلك الوقت المبكر و ايضاً لاني لا تربطني معه اي علاقه او صله ، لكنه سارع بالحديث معي قائلاً انه كان في قمة السعادة لاني قمت بضرب ( سيد ) بالأمس و اخبرني ان سيد و اخرين يحاولون التحرش به جنسياً وذلك لانه ليس لديه أخ كبير  ، لم أتمالك نفسي من هول الصدمة ، عرفت علي الفور ان ما سمعته هو من إفرازات حكم ( الجبهة الاسلامية ) التي بتصرفاتها الغبية و الغريبه ساهمت في ظهور هذة الممارسات الشاذة ، طلب مني ذلك القاصر بكل براءة بأن أصبح أخاه الأكبر، وافقت علي الفور و قلتله مخاطباً  لا تخاف من أي شئ ابداً بعد اليوم ، أراد ان يودعني و يذهب لمدرسته حتي لا يتأخر ، رفضت ان أتركه يذهب لمدرسته بل أخبرته بأننا يجب أن نذهب لمكانٍ ما قبل ان يذهب لمدرسته .
كنت أفكر فقط في أن هنالك غيره من الاطفال يتعرضون لنفس التحرشات لكن لا يستطيعون ان يتكلموا خوفاً من ذويهم قبل كل شئ، كان ذلك الصبي لا يعرف ما يدور في رأسي و أنا أمشي معه بسرعه نحو منزل ذلك الشقي ( سيد ) و اذا بي أطرق باب المنزل بقوة  كبائع اللبن ،  فتحت والدته الباب لنا  ، وتعجبت عندما رأت مراهق و طفل قاصر يطلبون منها أن تنادي ولدها العشريني ، تحججت المرأه بأن إبنها مازال نائماً و تفاجأت عندما طلبت منها بحسم وصوت أكبر من عمري   بأن توقظه في الحال ، لم تجد حيله امام إصراري سوي أن تذهب لتلبية طلبنا ، بعد دقائق حضر ( سيد ) مرتدياً ملابس نومه وما زالت أثار الضرب ظاهره علي وجهه الذي ظهر الرعب عليه عند رؤيتي و أرتعب أكثر عندما رأي معي الصبي الصغير بملابس المدرسة ، نظرت إليه و بكل الجدية التي أمتلكها أخبرته أن عهد الأشقياء في هذا الحي قد انتهي ، و أني في المره القادمة سوف اقوم بضربة و تبليغ الشرطة عنه و عن بقيه الأشقياء مثله ، لم يكن يتوقع هذة الزيارة او هذا الحديث كان يرتعب من أن يسمع أحد من عائلته الحديث الدائر بيننا ، أقسم أنه لم يقم بالتحرش بالطفل و أنني و الطفل فهمناه بصورة خاطئه ، وقام بالاعتذار من الطفل امامي ، لم اجعل الطفل يتقبل اعتذاره.  فقط اكتفيت بتحذيره مره اخري ، وطلبت من الصبي ان يركض نحو المدرسه حتي لا يتأخر أكثر من اللازم .
و توجهت أنا نحو مدرستي و أنا اشعر بالحزن فكل ما كبرت أكبر كلما عرفت هذا العالم  علي شناعته و اتساخه اكثر .
يبدوا ان تحذيري ( لسيد ) كان أقوي من اللازم  فبعد شهور قليله إختفي ( سيد ) ، ذات مساء و انا أدخن لوحدي،  مسنداً ظهري علي عمود الكهرباء الذي اقف بجواره دائماً، أخبرني أحد شباب الحي أن ( سيد ) قد التحق بمعسكر تدريبي و سوف يصبح بعد اكمال التدريبضابط شرطة  ، مازحني  قائلاً : ( سوف يشتاق لي عندما يقوم ( سيد ) بسجني ) ، ضحكنا كثيرا ً، و قلت له ان لاينسي ان يحضر لي الدخان والكتب داخل السجن لاني علي وشك الجلوس لامتحانات اكمال المرحله الثانويه و التقديم للجامعه .
…… يتبع 
* الفته :- كلمة دارجية تطلق علي ممارسة الجنس الجماعي سواء برضي  الطرف الاخر او بالإكراه .
* العزله : كلمة دارجي يقصد به عمليه توزيع الراغبين بلعب الكرة علي جهتين حتي يمكن من لعب مباراه كامله .

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.