السبت , مايو 18 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة

*مقال مهم*

*كمال الجزولي يكتب…..:*

يبدو جلياً، الآن، أن المجلس العسكري، يماطل، ويسوف، لكسب الزمن من أجل غرض ما.. فحتى لو سلمنا بانتماء بعض أعضاءه أو جلهم للحركة الاسلامية، فليس فيهم من محترف للعمل السياسي اتيحت له الفرصة لاكتساب الخبرة الكافية، حتى نفسر طبيعة، ومصدر برودة الاعصاب التي يمتازون بها في جلسات التفاوض، خاصة، وهم يواجهون كتلة المعارضة السياسية التاريخية للبلاد، التي يفترض فيها بالضرورة هذه الخبرة وذاك الاحتراف! فالواقع، ان هذه الاخيرة هي التي تجلس في جلسات التفاوض مشدودة اعصابها، تسابق الزمن، فتمسي أقرب لأنصاف الحلول!
لقد كان عنصر الزمن مصدر قوة المجلس العسكري في الفترة السابقة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو على ماذا يراهن المجلس ومالذي ينتظره بعد مضي هذا الزمن؟
للاجابة على هذا التساؤل المشروع لابد من أخذ بعض الحقائق بالحسبان.
اولا، قوش، حر، طليق يقوم بجولات ماكوكية بين واشنطن وابوظبي

ثانياً تم اقالة مدير الاستخبارات العسكرية (الاسلامي مصطفى محمد مصطفى) من منصبه الذي شغله لأكثر من ثلاثين عاماً بل وحتى من عضوية المجلس العسكري. 

ثالثاً غادر نائب قوش، المدير الحالي -الذي اختاره قوش بنفسه- لجهاز الأمن  الفريق أول أبوبكر دمبلاب، مع المدير الجديد للاستخبارات العسكرية -المعين حديثاً من قبل المجلس العسكري- في زيارة سرية لجوبا، قابلا فيها ياسر عرمان وعبدالعزيز الحلو.

رابعاً أن رموزاً من نداء السودان كانت في زيارة سرية لابوظبي؛ تحديداً مريم الصادق، وخالد عمر، وياسر عرمان. 

خامساً رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة محمد المهدي يصرح: جاهزون للانتخابات بعد ستة أشهر

سادساً حميدتي -الذي ليس لديه خبرة السياسيين في تذويق الكلام- يندد في مناسبة بمحاولة استخدام سلاحي الإضراب السياسي والعصيان المدني، ويقول (لو أضربتوا سنأتي بمن يدور دولاب العمل..!!) وفي مناسبة اخرى يخاطب الاماراتيين -الكلام غير موثق- قائلاً كيزان السودان مختلفين عن بقية الاخوان المسلمين في العالم العربي، فهم يزنون ويسرقون ويقتلون ويخونون حتى حزبهم في سبيل المال.. ولهذا استطيع شراء ولائهم اذا توفر لي المال المطلوب! 

التحليل:
منذ المفاصلة التاريخية بين البشير والترابي في اواخر التسعينات والهوة مابين الحركة الإسلامية، وصنيعتها دولة التمكين، الفاسدة، تتسع. رويداً رويداً اصبح التمكين في هذه الدولة لكل مرتزق يدين بالولاء فقط لرأس الدولة، وخاصته حتى وان لم يكن له تاريخ مع الحركة الإسلامية ذاتها. فتكونت الدولة العميقة في السودان تلك الشبكة من فاقدي الذمم الذين لا يستظلون براية ايدلوجية -فدخلوا فيها من أطياف سياسية شتى- بل يدينون بدين الفساد ويربطهم رباط المصالح الذاتية المشتركة فأمسى النظام بحق “نظام البشير”، وليس نظام الحركة الإسلامية. 
وجدت كل القوى الإقليمية والدولية في هذه الدولة العميقة غاياتها، فاشترت بأبخس الأثمان كل شيء من رمال كردفان حتى جنود السودان، وكفى، فتفاصيل ضياع ثروات البلاد معروفة وتؤرق مضجع كل ذي ضمير حتى من غير السودانيين. ولهذا فإن مصلحة العالم كله من الصين وروسيا وايران مروراً بابوظبي وتوابعها، وتركيا وتابعتها والاتحاد الأوروبي حتى واشنطن هي في الحفاظ على هذه الدولة العميقة.

ناضل الشعب السوداني منذ بداية عهد الانقاذ ضد الديكتاتورية والفساد من أجل الحرية، والسلام والتنمية، وسيادة حكم القانون، ومن اجل هيبة البلاد وحرمتها. وكانت مصادر قوتنا في نضالنا هذا وعي الجماهير العالي بأن لامساومة في سبيل التغيير الجذري لنظام البشير (تسقط بس)، والتزام الثوار الاسطوري بالسلمية، في مواجهة أبشع أشكال جبروت الدولة، وبشجاعة كررية، ومؤخراً عين العالم وشعوبه وهي تتابع خطواتنا فتحمينا بضغطها على حكوماتها.. حتى أجبر العسكر على الزج بالبشير في سجن كوبر.
ولكن لم يكتمل النصر فقد زال رأس النظام ورمزه ولكن هل زال النظام؟! 
تؤكد كل الشواهد على أن النظام قائم لايزال.. فالدولة العميقة لم تمس بأي أذىً بعد. لكن، من الواضح، أن النظام الآن لا يدين بأي ولاء للبشير، ولا حتى للحركة الإسلامية فقد خان الأول عندما هدد وجوده على سدة الحكم مصالحهم الذاتية، وكان قد ابتعد أصلاً عن الثانية منذ سنين خلت.
المشكل، أن ماحققناه من نصر على أهميته الرمزية، والعملية، وعلى صعوبة انجازنا له، وعظم التضحيات في سبيله، إلا أنه القسم الأيسر والأقرب من سقف طموحاتنا. فمن أجل اكتمال النصر بانجاز دولة الحرية، والسلام، والتنمية، وسيادة حكم القانون، ومن أجل هيبة البلاد وحرمتها، لابد لنا من تفكيك الدولة العميقة، لا الاكتفاء عند حدود اقتلاع رمز تلك الدولة.

ان تفكيك الدولة العميقة من الصعوبة بمكان. فموازين القوى التي رجحت كفتنا لاقتلاع البشير ليست في صفنا الآن ونحن نطالب بتفكيك نظامه. فقد اقتلعنا البشير عن طريق الانتفاضة الشعبية التي عززت في الآخر بالانحياز المفصلي للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع لها. لكن مكابر من لايرى أن نفس هذه القوات المسلحة والدعم السريع تتجلى فيهما أكبر تمظهرات فساد الدولة العميقة. فهذه الدولة العميقة هي التي أشرفت على بيع الجنود السودانيين وبأبخس الأثمان لحلف الامارات وتوابعها وهي التي بفضلها يصعد سلم الترقيات ويتمتع بالمخصصات البذخية من هم أقل كفاءة ويحال الى المعاش من هم أكثر كفاءة وأقل ولاءاً للدولة العميقة. أما الدعم السريع فحدث ولا حرج، فهو أصلاً وليد الدولة العميقة بامتياز. فبالإضافة لاشتراكه في بيع الدم السوداني في اليمن، هو ضالع بشدة في سرقة مقدرات البلاد من ذهب، وفي قطع الطريق أمام المهاجرين غير الشرعيين الى اوربا فينهب ماادخروه لقارب الموت بيد وباليد الاخرى ياخذ الملايين مقابل تعطيلهم عن السفر من الاتحاد الأوروبي مباشرة.. (وكلو) باليورو!.. و(كااش!)
و هكذا، لا مصلحة البتة للمجلس العسكري الانتقالي في أي تغيير يؤدي الى اقتلاع الدولة العميقة. ناهيك عن أن دولة العدالة والمحاسبة، التي ننشد بديلاً للدولة العميقة، ستفتح بالضرورة ملف دارفور فيسائل  حميدتي، ويحاسب، ومن قبله قادة الجنجويد من من هم على رئاسة المجلس العسكري نفسه. فكيف نتوهم اذاً أن يكون المجلس العسكري حليفنا في تفكيك الدولة العميقة.
يشكل واقع السودان اليوم مأذقاً للأطراف الثلاثة؛ قوى الحرية والتغيير (قحت) ومن خلفها جماهير الشعب الثائر، المجلس العسكري ومن خلفه الامارات نيابة عن المصالح الدولية، والحركة الاسلامية ومن خلفها المتطرفون وبقية اشكال الاسلام السياسي.

فما الحل الذي اقترحه اصحاب المصلحة في بقاء الدولة العميقة؟
تشير الاخبار، سابقة الذكر الى ان اصحاب المصلحة وجدوا الحل في الانتخابات الرئاسية المستعجلة. فهكذا توئد طموحات الثوار بمستقبل واعد.. بل تموت ألف مرة بالنظام الرئاسي بديلاً عن النظام البرلماني.
ففي النظام الرئاسي تنحصر كل السلطة التنفيذية في يد الرئيس المنتخب، فيكون المدير الأوحد لشؤون البلاد، وتكون هذه السلطة مستقلة عن السلطة التشريعية، ولا تقع تحت محاسبتها، كما لا يمكن أن تقوم بحلها. وذلك على عكس النظام البرلماني حيث يقوم مجلسا الوزراء والبرلمان بادارة شؤن البلاد بالتقاسم.. واذا رأى البرلمان في أي وقت أن الحكومة المكلفة بادارة شؤون البلاد دون المستوى المطلوب، يقوم فوراً بإقالتها، وتكوين حكومة جديدة. وهكذا يكون الشعب عبر برلمانه المنتخب، هو الحاكم الحقيقي للبلاد. هذا على مستوى الادارة، اما على مستوى التشريع فلابد من وجود غرفة أخرى “للقوى الحديثة” يقاسم البرلمان “مجلس النواب” سلطة التشريع. وهذه هي الديمقراطية الحقيقية والانسب لتنوع السودان الثقافي والاثني والديني، والمطلوبة من أجل تحقيق آمال وطموحات هذه الجماهير الثائرة. اما في النظام الرئاسي فالديمقراطية تقف عند حدود اختيار الديكتاتور القادم. فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة. وبالتالي من السهل جداً ان يفلت الكثير من رموز النظام السابق من المحاسبة والعقاب ناهيك عن ان هذا النظام من شأنه أن يفرخ فسدة جدد.. فتستمر الدولة العميقة، وتمدد.. يحافظ العسكر على امتيازاتهم، ويستمر القاصي والداني في استغلال مقدرات البلاد.

يبدو أن مجمل التحركات الأخيرة للمجلس العسكري وحلفائه في الداخل (قوش، ودمبلاب) تصب في اتجاه التجهيز للمرحلة القادمة.. مرحلة فرض الانتخابات الرئاسية المبكرة.
ان العقبات التي يمكن أن تقف في طريق المجلس، تتمثل في المظاهرات السلمية والاعتصام الذان يبدو أنه تم الان الاتفاق مع القوى العالمية المهتمة بأمر السودان على فضهما باستخدام عنف الدولة “المقبول” دولياً؛ الغاز المسيل للدموع، لكن وحده، ودون اللجوء إلى الرصاص الحي أو أساليب نظام البشير من دهس بالسيارات وخلافه. 
لقد مثل الوصول إلى محيط القيادة العامة للجيش، مثابة التاج على رأس كل مظاهرات ومواكب ثورة ديسمبر المجيدة. لكن هناك كان فعل الدخول الى حرم القيادة العامة هو حلنا الوحيد من قسوة الغاز المسيل للدموع حيث تتحاشى قوى الأمن وصول عبواته اليها خوفاً من استفزاز قوى الجيش المتحفزة. لم يكن الثوار يخافونه، لكن ببساطة ولأسباب فزيولوجية فانه لامناص من الفرار منه. الآن، يبدو أن قوات الدعم السريع ستقف بنفسها امام بوابات القيادة حتى اذا ماتم اطلاق الغاز لايجد الثوار سبيلاً للدخول عبر هذه البوابات. فيبقى الحل الوحيد هرباً من الموت البطيئ خنقاً بالغاز هو التفرق بعيداً من محيط القيادة! 

هكذا نخسر معركتنا. اذ أن مصادر قوتنا في نضالنا ضد البشير لن تعود ذات جدوى أمام هذا السيناريو.. فلا شجاعة الثوار الاسطورية ستكون ذات جدوى اذا حل الغاز المسيل للدموع مكان الهواء الطبيعي في ميدان الاعتصام.. ولاحتى وعي الجماهير بالفرق بين النظامين يصل حد النضال المستميت من أجل النظام البرلماني مقابلاً للرئاسي فتقاوم مشروع الانتخابات الرئاسية المبكرة.. ولا حتى عين العالم -المتفشي فيه اصلاً النظام الرئاسي- ستجد لنا مبرراً في رفض الانتخابات الرئاسية فتضغط لصالحنا على حكامها..

يرى الصادق المهدي أن حظوظه كبيرة في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة. كما يراها فكرة جذابة جداً، اذ توفر فرصة غير مسبوقة له في ادارة البلاد دون تدخل من البرلمان، ودون أن يكون مضطراً للتحالف مع أي من الاحزاب الاخرى لتشكيل حكومته.
أما الباشمهندس خالد عمر فقد ظل حتى ديسمبر الماضي يرى في الانتخابات التي كان يلوح بها البشير فرصة لبناء حزبه الصغير (المؤتمر السوداني).
ولياسر عرمان نفس رؤية خالد فقد فقد اصلاً قوته العسكرية بانقسام الحلو.. ولاسبيل امامه الان سوى العمل السياسي فوجد في الانتخابات الرئاسية المقبلة افضل بداية، وتجربته في انتخابات 2010 تدعم هذا الاتجاه في التحليل.

على ضوء هذه القراءة لما يدور، يبدو أن الزيارات غير المعلنة من قبل أقطاب حلف نداء السودان (ياسر وخالد ومريم) لعاصمة الامارات تم الاتفاق فيها على مسألة الانتخابات الرئاسية المبكرة هذه.

يظل صلاح قوش هو المرشح المفضل للمجتمع الدولي، اذ أنه المجرب في حماية ورعاية المصالح الانتهازية الدولية في السودان من خلال اشرافه على ادارة الدولة العميقة على مدى سنين طوال. فقد ثبت منذ فترة ان انتمائه الحقيقي للدولة العميقة وليس للحركة الاسلامية. ولذا لن تدخر هذه الدول -بقيادة الامارات- جهداً في سبيل تكييف الانتخابات ليفوز بها. فاذا لم يفز فسيفوز الصادق المهدي وقد تم الترتيب معه ليصبح الخطة (ب) للمجتمع الدولي.
ومن الواضح أن اسلاميي الانقاذ قد انتبهوا لهذا المخطط. فحاولوا اكثر من مرة الانقلاب من داخل الجيش على المجلس العسكري. ولهذا السبب تحديداً، تمت اقالة مدير الستخبارات العسكرية/ أمين سر الحركة الاسلامية في الجيش من منصبه في الاستخبارات ومن عضوية المجلس العسكري. 

لقد استنفذ تحالف (قحت) تفويضه، وبرنامج عمله، وانتهى. وحتى شعار (تسقط بس) كان حوله خلاف كبير -وصل حد التخوين.. راجع عشاري عن الأصم- فيما اذا كان المقصود منه سقوط النظام، ام سقوط البشير، فقط.. وكذا انتهت صلاحية تحالفي قوى الاجماع الوطني ونداء السودان، فالمعركة الآن ليست معركة هبوط ناعم ام خشن، بل معركة دولة برلمانية أم رئاسية. وقد اضحى الاستمرار في هذه الكتل (قحت، والاجماع ونداء السودان)، معاندة عبيطة لأشراط العمل السياسي.
وعليه لابد من قيام تحالف جديد عريض من أجل نظام برلماني تعددي وعلى أساس أن هذا النظام هو الوحيد القادر على تفكيك الدولة العميقة. كما ينبغي أن يصمم مشروع النظام البرلماني هذا بدقة حتى يتناسب وفرادة هذا الشعب الذي تقول الحقيقة العلمية أن مايتمتع به من تنوع وتعدد أكثر مما تتمع به شعوب العالم كله مجتمعة.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.