البحر وطنا” …
(1)
بعد صراع شديد ، وصبر طويل في القاهرة ، والخسائر المتوالية ، قررت الهجرة رغم حبي لبلادي ؛ قررت حزم أمتعتي ، والسفر عن طريق البحر لأوروبا ، وأعلم تماما أنه الخيار الصعب .
أسافر لابحث عن حياة جديدة ، حتي أحقق طموحي ، فكل محاولاتي باءت بالفشل ، التجارة التي كنت أمني النفس فيها بالأرباح الوفيرة أصبحت خسارتها تزداد بسبب الدولار المتصاعد في كل ساعة في بلادي والغلاء الطاحن ، وهيمنة التجار ، وحتي اختار السفر المأمون عن طريق الطيران احتاج جواز غير جوازي السوداني الذي اصبح أضحوكة بين الجوازات الاخري ، فلا توجد دولة يمكنك السفر اليها الأ عبر فيزا ، واجراءات عقيمة وبعد كل ذلك يكون الرفض مؤكدا والقبول نادرا .
واخذت الفكرة مني كل مأخذ ، وبدأت التحرك والتدبير ، بصورة سرية فأنا موقن برفض جميع من لهم بي صلة واستنكارهم لمخاطرها ، ويضعون لك الحواجز المقيدة ، ولكني قررت وحددت وجهتي ، ونفسي تناجي (الموت واحد،، والرب واحد) .
وكانت وجهتي ميدان (العتبة) تجمع السودانيين ، فهو مشهور بسماسرة السفر ، سبعة أيام قضيتها في التحري والتقصي والمعرفة حتي وجدت ضآلتي ، سمسار معروف ، وبدات مباشرة في الاتفاق معه علي (2200) دولار تدفع بعد وصولي لإيطاليا ، وسلمت المبلغ لأحد الأخوة ، تكون أمانة بطرفه ، لحين وصولي ، ومن ثم اتصل عليه تلفونيا مبشرا ، وهو بدوره التاجر المستأمن يسلم الامانة ، للسماسرة تنفيذا للاتفاق .
كان كل شئ يسير علي حسب ما خططت له ، وعدت للشقة ، وانا أحمل الاماني الطيبات ، والمستقبل الذي أمني به نفسي ، وقبل ان ارتاح ، اتصل بي السمسار ، هنالك باخرة مبحرة ، لو جاهز اتحرك علي اسكندرية ، كان كل شئ سريعا ، وكنت وحدي ، وهذا ما كان يخيفيني ، وانا أحزم امتعتي وأفكر ، هل أخطر بعضا من اهلي ؟، وكان عقلي يقول لي لا لا لن يقبلوا ، من الأفضل أن افاجأهم ، بعد وصولي ايطاليا اخبرهم ، وهذا ما اهتديت اليه ، لحظات وكنت في داخل القطار المتحرك لاسكندرية .
كان الهدوء يسود بالقطار ، والتفكير يمزقني ، هل هذا هو الاختيار الصواب ؟ كان يجب ان يكون معي بعض الاصدقاء ، نزلت من القطار ، اتصلت علي اخي الأصغر مباشرة ، وبلا مقدمات شرحت له الوضع ولم أعطه فرصة للمناقشة ، فقد قضي الأمر بالنسبة لي ، رغم رفض أخي للفكرة ، وشعرت بنبرة صوته الحزينة وحاول بقدر ما يملك ان يثنيني عن قراري ولكن هيهات ، لقد حسمت أمري وأوصيته بديوني جميعا طالبا ومطلوب ، وأن يطلب من اسرتي العفو والعافية ، واذا وفقني الله فلن أقصر مع اسرتي ، والحياة ما هي الا مغامرة ، والأمر بمشيئة من عند الله ، وشعرت بحشرجه صوته ، ثم صوت بكائه ، وقبل أن ينطق بكلمة أخرى ليثنيني ، انقطع الاتصال ، وكنت اعلم أن رصيدي لايكفي لاكثر من سبع دقائق وهي كافية لشرح ما أود شرحه ، حاول عدة مرات الاتصال و لم أرد .
حتي اتصل بي وكيل السمسار المكلف بإيصالي للسفينة المبحرة ووصفت له مكاني ، وشكلي ، وما هي سوي دقائق وكنا بنقطة اللقاء في محطة (سيدي جابر) البوابة التي تفتح علي مدينة سموحة ، كان مصري الجنسية ، تبدو من ملامحه شكلية الصعايدة ، ويقود حافلة كما نسميها نحن في السودان وهم يطلقون عليه (نصف النقل) ، تعرف علي بسرعة ، وركبنا سويا وانطلقت السيارة ، وانطلق معها تفكيري مرة اخري ، لا ادري الي أين يسير بي هو ولا الحياة ؟ ولكنه مشوار طويل ، وكانت نصف النقل خالية لا يوجد الا انا وهو ، شعرت بالخوف ، فهنالك تجار يتاجرون بالأعضاء البشرية ، ولكني طردت هذه الفكرة سريعا…
( يتبع)
Ghalib Tayfour