الخميس , مايو 16 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة

الرحيل الأخير

هجرة الرمال من وطن الجمال
———————————————————-
بقلم مهدي زين
————————
أتمنى يوم زولي القبيل
يقطع معاي درباً عديل
رحلة عمر مشوار طويل
نمشيه في رمل الدروب
في كردفان
الطيور تهاجر ثم تعود يوماً الي أوكارها التي وُلدت فيها ، والناس تسافر ثم تؤوب يوماً الي مراتع صباها ، ولكن هل دار في خلد عندليبنا عبد القادر سالم أن حبيبه قد يعود يوماً ليجد كردفان خالية من رمالها البيضاء الساحرة التي تسطع تحت ضوء الشمس وتتلألأ تحت نور القمر ، وليكتشف أن رمل الدروب الكردفاني الذي حوى خطوات العاشقين قد  بيع بأبخس الأثمان وتحول الي خزف وسيراميك وبلور وزجاج وكريستال وعدسات ونظارات وشاشات كمبيوتر وشرائح وذواكر ، وتفرَّق في كل أنحاء الدنيا ونسي تلك الليالي العامرات في ربوع كردفان ، وغزال القويز ولَذَّة غزله المعسول !!!

حملت الأخبار في الثامن والعشرين من يوليو ٢٠١٨ نبأ هجرة الرمال البيضاء من بارا والمتمة الي برلين كآخر هجرة من هذا الوطن المنكوب ، وليس بعد رحيل التراب رحيل ليكتب هؤلاء الأوغاد آخر سطر في تاريخ وطن كان اسمه السودان !!!

وصف مدير عام شركة الكهرباء صالح علي عبد الله الذي وقع الإتفاقية مع شركة بريزما الألمانية ، وصف التوقيع بأنه يُعَدُّ فتحاً كبيراً للسودان !! والحقيقة أنه فتح أكبر وأخطر من الفتح الثنائي  حيث كان المستعمر يأتي غازياً من أجل الحصول على الموارد الأولية والمواد الخام ، ولكن استطاع هذا المستعمر في هذا الزمان أن يُوجد له عملاء ينقلون له خيرات وثروات شعوبهم مقابل حفنة من المال دون أن  يجيش جيوشاً أو يعاني أهوالاً عبر البحار والمحيطات .

كان يمكن لهذه الإتفاقية أن تكون في صالح السودان وتضع أساساً لنهضته التكنلوجية إذا نصت على أن تقوم الشركة الألمانية ببناء مصانع في بارا والمتمة لإستخلاص السيليكون من رمالها البيضاء وتصديره في شكل منتج نهائي على هيئة أسطوانات سيليكون تبلغ قيمة الطن منها مائة ألف دولار ، وكان يمكن أن تكون في صالح السودان اذا نصت الإتفاقية على أن تقوم الشركة بإقامة صناعات الزجاج والكريستال وعدسات المايكروسكوب والتليسكوب والنظارات والسيراميك والبورسلين والخزف لإستيعاب  آلاف الخريجين من مختلف الكليات  ، وفوق  ذلك أن تنص صراحة على حاجة السودان لقيام مصانع متقدمة ومتطورة لتصنيع الشرائح التي تُطبع دوائرها الكهربائية المتكاملة على أسطوانات السيليكون بعد تقطيعها الي رقائق دائرية قطر ٦ بوصة و ٨ بوصة ، وقد أتاح لي وجودي في أمريكا فرصة العمل في هذه المصانع لأكثر من خمسة عشر عاماً  بعد أن تم تدريبي على كل عمليات انتاج هذه الرقائق رغم دراستي الأدبية ، وقد وجدت متعة فائقة في هذا العمل الفني وكنت أحلم أن أرى انتقال هذه التقنية الي بلادي ، وقد اتجه ابني الأكبر للعمل في هذا الحقل بعد دراسته للهندسة الكهربائية وتخرجه من الجامعة وما زال في هذا المجال الحيوي .
ومن هذه الشرائح الالكترونية يتم بناء الخلايا الشمسية التي يمكن للشركة الألمانية أن تقيم لها مصنعاً في السودان يستوعب طاقات بشرية هائلة يتم تدريبها وتأهيلها لقيادة نهضة تكنلوجية بالسودان تحلق به  بسرعات صاروخية ليلحق بركب الحضارة ، ولكن الأقزام الذين يحكمون هذا الوطن العملاق لا يعرفون الا رزق اليوم باليوم ، ولذلك يهدرون هذه الموارد الثمينة مقابل حفنة من الدولارات  يستوردون بها دقيق  الخبز ليتقوا شر المظاهرات !!!

وادي السيليكون في ولاية كالفورنيا اكتسب أهميته بعد اختراع الترانزستور المصنوع من مادة السيليكون في أربعينيات القرن الماضي حيث شجع فريديريك تيرمان أستاذ الهندسة بجامعة استانفورد طلابه على انشاء شركاتهم الخاصة في هذه المنطقة ، واستطاع تيرمان أن يقنع اثنين من طلابه هما ويليام هيوليت وديفيد باكارد بالبقاء بالمنطقة بعد تخرجهما ، وأنشأ الاثنان شركتهما الخاصة في مرآب للسيارات لتصبح لاحقاً إحدى أكبر الشركات العملاقة المنتجة لأجهزة الحاسوب في أمريكا ، وليشهد الوادي انفجاراً كبيراً في الإستثمارات في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان يمكن أن يكون هذا حال السودان في المستقبل القريب ولكن الأقزام أمثال صالح علي عبد الله لا يستطيعون بناء أوطان عملاقة ، وشتان بينه وبين فريديريك تيرمان .

الرمال البيضاء تعد ثروة معدنية هائلة وهي من أعظم أنواع الرمال في العالم ، وتكمن قيمتها في درجة نقائها العالية ، فها هي مصر التي كانت تصدر ٢ مليون طن من الرمال البيضاء قررت في أبريل ٢٠١٦ وقف تصدير الرمال البيضاء نهائياً بناءاً على توصيات مجلس علماء مصر الإستشاري التابع لرئاسة الجمهورية ، وقد قال دكتور فاروق الباز عضو هذا المجلس في حوار مع برنامج ٩٠ دقيقة في عام ٢٠١٦ أنه أبلغ الرئيس المصري أن البلاد تخسر الكثير من تصدير الرمال البيضاء التي تحتوي على نسبة ٩٩.٩٪؜ من مادة السيليكون ، فأصدر الرئيس قراره بوقف تصدير هذه الرمال نهائياً ، ويكفي  إشارة لخسائر مصر  أنها كانت تبيع طن الرمال البيضاء بثلاث دولارات لإسرائيل لتستورده مرة أخرى بسعر ١٧ ألف دولار للطن على هيئة منتجات زجاجية مكتملة التصنيع .
وتسعى  مصر الآن لإقامة مصنع بتكلفة ٢ مليار دولار لإستخراج كل مشتقات الرمال البيضاء ، وإذا نجحت في ذلك فإنها تستطيع أن تحلق بأجنحة عملاقة في سماء الرقي والتطور التكنلوجي ، وأن تدخل نادي الأغنياء من أوسع أبوابه.

وقبل مصر أوقفت السعودية  أيضاً تصدير رمالها البيضاء الي الخارج واعتبرتها ثروة معدنية قومية يجب الحفاظ عليها، والعمل على تطوير استخداماتها . وحتى الآن لا أدري ما العلاقة بين شركة بريزما الألمانية التي وقعت العقد مع حكومة السودان وشركة بريزما السعودية للصناعات المعدنية ، ولكني أشتم رائحة علاقة مشبوهة بين الشركتين ومافيا الإنقاذ ، وسنصل الي سبر أغوارها كما فعلنا من قبل مع شركة سيبيرين الروسية .

سيبقى السيليكون عاملاً مؤثراً في الثورة التكنلوجية بعد دخوله في صناعة كل الإلكترونيات، وستبقى الرمال البيضاء مادته الأولية مطلب الشركات العملاقة التي لن تعدم أبداً وجود عملاء يبيعون لها ثروات بلادهم وتراب أوطانهم   بدارهم معدودات ولكن يجب على الشعوب أن تعي هذه الحقائق وتقف صامدة في وجه هذا الاستنزاف للموارد الذي يقوم به سماسرة ومافيا الأوطان، وعلى أهلنا في بارا والمتمة أن يدافعوا عن رمالهم التي من أدنى فوائدها لهم أنها تلعب دوراً هاماً في تنقية المياه وعذوبتها وتخزينها ، وعليهم أن يعلموا أن تجريف هذه الرمال وتصديرها بملايين الأطنان سيؤدي الي مشاكل بيئية عميقة لن تجدي معها أي حلول ، ولا يغتر أحد بكثافة هذه الرمال فمهما كان حجمها فهي ثروة ناضبة وقديماً قالت العرب جبال الكحل تفنيها المراويد .

هؤلاء الأوغاد لا يهمهم الوطن ، فها هي ثروته الحيوانية يصدرونها حية بذكورها وإناثها دون الإستفادة من  أصوافها وأوبارها وأشعارها وقرونها وأظلافها وأحشائها وعظامها، وها هو الصمغ يصدرونه لأوروبا بثلاثة آلاف دولار للطن لتبيعه أوروبا بعد تنظيفه وتنقيته بخمسة عشر ألف دولار لأمريكا .

هؤلاء الأوغاد تهمهم مقاعد السلطة ، ومن أجلها يبيعون الرمال البيضاء والسوداء وكل شبر في هذا الوطن ، حتى لو لم يبق فيه الا ما يسع هذه المقاعد !!! نسأل الله أن يجعل لهم مقاعد في جهنم ، وأن يُقطِّع لهم ثياباً من نار ، وأن يصهر بالحميم ما في بطونهم والجلود .
Mahdi Zain

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.