من طرائف الاحاجي السودانية

من طرائف الاحاجي السودانية
_______________________

يحكي أن رجلان من احدي الارياف السودانية كانا في رحلة بحث عن عمل و إيجاد وسيلة عيش جديده يسدان بها حوجتهما ..و يغطيان مصروفات اسرتيهما ..فكانا..يجوبان القري و البوادي البعيدة و ليس لهما سوي ناقه و كلب ..
و بعد بحث لعدة أسابيع و عندما اشتد عليهما اليأس و لم يجدا ما يأكلاه قررا اخيرا بيع الناقه ..و يواصلا بحثهما سيرا” علي الاقدام .. تصرفا بالمال لعدة ايام ..
كان وقتها الصيف شاهرا” سخونته و الحر في قمته ..و العطش أيضا ..و أثناء هذا البحث الشاق احلت عليهما  ليله كنهارها ..لا ماء .. لا شيئ ..و لا أحد سواهما في ذاك الخلاء الواسع .. و المظلم جدا ..و بعد عناء يوم طويل و شاق و هما يعتليا أحد القيزان الرملية العاليه .. فرمال القيزان البيضاء النقيه هي احدي أسرار إنسان تلك المناطق فهي التي تمنحهم القوة .. و الصبر ..و البأس ..و أيضا القلب الأبيض و المنظر ..
جلس الاخويين علي الرمال الباردة و دقتها تخلل النعاس إليها .. باجسادهما المتعبة ..ناما مباشرة ..و لم يستيقظا إلا بشروق شمس اليوم التالي ..
فجأة وجدا أن كلبهما قد مات .. امتلأ قلب أحدهما حزنا” و بكي بشدة علي كلبه الوفي .. فالكلاب هي الأكثر وفاءا دون سائر الحيوانات الأخرى .. تنبه صاحبها عند الخطر و لا تعض صاحبها و إن أصابها داء السعر ..
في مكان أسفل القوز 《قوز و جمعه قيزان و هي تلال رملية عاليه 》قرر الأخ الآخر دفن الكلب مواساة” لأخيه ..و بعد ما دفنه دار بينهما نقاش جله عن الوجهة القادمه ..إلي أين ؟؟ أقترح أحدهما الذهاب إلي الفكي فلان 《فكي تعني فقيه باللهجات المحليه اى رجل دين》و كان الآخر يقترح شيئ آخر ..و أثناء ذلك الجدال مع علامات الحزن الواضحة عند أخيه ..مر عليهما عدة رجال سائرين بجوارهم بالصدفه .. لمحوهما .. فاقتربوا منهما و القو تحايا السلام ..
لكنهم لاحظو أن أحد الاخويين يبدو حزينا جدا و الدموع منهمره من عينيه ..فحاولوا مساعدتهم و معرفة المشكلة ..فبادر أحدهم و سأل :
قال : ما بكما يا رجال ؟؟
اختلطت الإجابة عليهما فكان الأول يحاول الإجابة : أننا نبحث عن الفكي فلان و الثاني من شدة حزنه علي كلبة أراد الإجابة بمات كلبي .. هكذا نطقا كلمتان لا تفصل بينهما سوي برهه ..فكانت الاجابه : الفكي كلاب .. واصل نحيبه باكيا بحرقه ..
و هنا لعبت الصدفة دورا مهما حيث كان الرجال في رحلة بحث عن فكي ..و تشابهت عليهم الأسماء و تبدر لذهنهم أنهم وصلو المكان المنشود .. لأخذ التبريكات و طلب الرزق و كثير من الأغراض ..
و أيضا لأن أحد الاخويين يتمتع بذكاء و دهاء 《ثعلب》
فقال لهم : مرحبا بكم في ضريح الفكي كلاب ..
في الحال ظهرت علامات الفرح و السرور عند هؤلاء الرجال و قالوا بصوت واحد ( عند الله و عنده)
فأخذوا من رمال القبر يتبركون 《 و يتمسحون برمال الزوارة .. هكذا تسمي》و لم تسلم جيوبهم أيضا بل حشوها بالرمال و ملأوا اكياسهم أيضا 《المخلايه》
و بمرور الأيام .. أصبح المكان مكتظ بالزوار و لأهمية المكان و قدسيته قرر أحد الاخوه بناء قبه كبيرة و مزركشه بالنقوش الجميلة و التشكيلات الرائعه حتي تسر الناظرين فتم بناء القبه و أصبحت مزارا ضخما يأتي إليها الزوار من كل بقاع الأرض ..
و عادا” يدفع الزائرين أموالا  كثيرة للحوار 《الحاء مضمومه》أى اتباع الفقيه ..بل و يأتون أيضا بانعام 《خراف و دجاج و ابقار 》 و احيانا تكون بطلب من اتباع الفقيه نفسهم  (  عاوزين ماعز باللون الأصفر مثال.. لزوم اكتمال التبريكات و إرضاء صاحب الزوارة الخ..
و أقيم بالمكان سوق ضخم جدا و أصبح فيما بعد مركزا تجاريا له وزنه في تلك المنطقه..
و أصبح الاخويين من الأثرياء   و ذلك بجمع ثروة ضخمه و جعلا لهما اتباع من كل مكان .. و يتدفق الزوار يوميا بشكل متزايد  ..
انتشرت الأقاويل و التآويل بشكل خرافي بين سكان تلك المناطق بل و امتدت لأماكن بعيدة و دول بعيدة ..
و أصبح يتوافد الناس من كل حدب و جدب لهذا الضريح الذي يمنح كل شيئ .. و لأن الفكي كلاب بحسب الأقاويل يعطي كل شيئ .. الزواج .. الرزق .. النجاح .. كل شيئ ..
حتي أن الحرب العالمية الثانية اشتعلت بغضبة منه .. و سؤ الاقتصاد و الغلاء لأن الكثير ليسو من أتباعه ..و انفصال الجنوب تم لأنه لم يوافق علي الوحده ..
و انتشرت المقوله الشهيرة المنسوبة إليه : يا بخت من رأي من رأي من رآني ..
و لأن برؤيته أو رؤية من رآه فإنك ستغدغ في رفاه العيش و هكذا ..
في يوم ما اختلف الاخويين في شيئ و أحدهما قرر العوده إلي قريته القديمه و الرجوع إلي أهله و عندما أخبر أخوه بذلك أصيب بنوبة زعر غير عادية و قال له : سيدي و مولاي الفكي كلاب سوف يغضب منك .. لا تسافر .. لأنه سيسخطك و ستلازمك لعناته و أن الأرض ستنشق و تبتلعك و حينها ستجد الكثير من الثعابين الضخمة ذات الانياب الطويلة في انتظارك أما إذا بقيت فإنك ستحظي بحال أفضل من الذي سبق .. سازوجك أجمل الزائرات 《يبتسم بخبث》و يواصل اغراءاته ..
سال لعاب أخوه و هو يسمع هذه الإغراءات لكن بذات الوقت أخذه الحنين إلي حياته السابقه .. البسيطه و الخاليه من الأكاذيب ..
بدأ يفكر في كل كلمه قالها أخوه ثم رد عليه بسخرية و قال : اتكذب و تصدق اكذوبتك ؟؟ هل نسيت أنه كلبي الذي قمت انت بدفنه هنا ؟؟
تلعثم قليلا ثم غادر إلي مكان نائي و جلس وحيدا يفكر في وسيله يقنع بها أخيه يمنعه من السفر و الأهم من ذلك عدم كشف السر الذي يخفيه لسنوات ..
عاد إليه في صباح اليوم الثاني لكن في غير اتزانه المعتاد و صورته الملائكية المزيفة  و بعد نقاش مستفيض لم يستطع أن يمنع أخاه من السفر .. و أخيرا قرر الموافقة لكن بشرط أن يتكتم بهذا السر و لا يخبر أحدا .. و وعده بذلك .
قام بجمع هدايا و مؤن كثيرة و سفره لكن في منتصف الطريق مات الأخ و لم يتكشف سر موته إلي الآن
و يا تري هل الفكي كلاب هو الذي قام بذلك !!!