الأعياد المغلفه بالأحزان العميقه …

قبل الإنقاذ كانت مواسم الأعياد أنموذجا طيبا للأفراح يحتفي بها الناس كلهم  ، بلا استثناء مسلمين ،ومسيحيين ووثنيين ، ومن لا دين لديهم او اعتقاد .
أعياد النصاري أيضا كان الناس يحتفون ، ويحتفلون بها ، كانت الأفراح متلازمه بعضها يمسك بتلابيب بعض.
  وكان الجو العام في كل بقاع الوطن مشجعا علي ذلك ، والنسيج الاجتماعي في قمة تماسكه ، والتواصل في أبهج صوره ، لا قتال بين قبيلة وأخري ولا تمييز بين قطاعات الشعب ، لا اثني ، ولاعرقي ، ولاديني كانت الاعياد اعيادا حقيقية ينتظرها الناس كل حسب امكانياته وقدرته ، في قناعة ورضا كنا  مضرب الأمثال هكذا كان وطننا وكانت بلادنا تماسكا وتآزرا وجمالا ..
  الي ان جاء دون سابق إنذار نذير الشؤم ،كثير اللؤم مقتمحا ديارنا دون استئذان فاردا جناحيه الكاسرين ، وأدا للافراح ، وقتلا للحياة ونشرا للخوف والهلع ، وزرعا للفتن .
جاء نظام الانقاذ الدامي وانقض علي بلادنا المسالمه الطيبه كما ينقض النسر الجارح علي  فريسته التي كانت تنعم بالأمن والامان . غرز انيابه السامه في قلبها واعمل منقاره الحاد في رقبتها ، امتص دمائها بلارحمه ، وداس عليها باقدامه الثقيلة الفاتكه وظل علي هذا الحال عقودا من الزمان ، هي أشبه بالقرون اغلق منافذ النور عن عينيها تاركا إياها في ظلام دامس وجثم علي صدرها كاتما انفاسها  ، وحابسا كل اسباب الحياة عنها ، تركها بلا إرادة فلا هي فارقت الحياة فيستغني عنها ولا هي علي قيد الحياة فيرجي منها .
تلاشت الأعياد وزال طعمها وذهبت الأفراح ، وماتت في القلوب خنقا بأيدي سفاحين مهرة ، يعرفون كيف يقتلون ويعذبون ضحاياهم دون شفقة او رحمه  ، وأصبحت الاعياد مجرد اسماء بلا معني فالكل شركاء في الاحزان ، والرزايا ، والبلاء والمصائب ، الكل يعزي الكل والحياة تتسرب بين ايديهم وامام ناظريهم في مشهد قاس دام والوطن نفسه في طريقه لمستقبل مجهول  .     
  وابنائه الاوفياء يهربون منه ما وجدوا الي المهرب سبيلا كما يهرب المعافي من الاجرب ، واستحالت الحياة الي محرقة اتت نيرانها الي الجميع فقد صارت الاحزان هي القاسم المشترك الاعظم بين الجميع . وليت الفاعل ابدي ندما أو اعتذارا .
الفاعل يجلس علي تلة من القمامه هي الوطن ، وشعب دون ان ينظر الي فعلته الشنعاء وهو مزهوا ، .بما قام به فرحا بما غنمه ونهبه من افواه ضحاياه وما اكثرهم فيهم الجوعيوالمرضي ، والضعفاء والمساكين ، واليتامي والاطفال ، والنساء يفعل هذا بغطرسة وعنجهية وتكبر دون ان يرمش له جفن ..
تتنامي كل يوم احزان الناس واتراحهم وتتباعد افراحهم التي اراد لها الطغاة ان تختصر هي الاخري وننعي بها الأفراح الخاصة وكأن مناديهم ينادي بان لا مكان لافراح ولا أعياد ولا هناء ، ولا رخاء ، بل موت ودماء وخوف وارهاب وغلاء ولكننا نتمسك بأهداب
الرجاء املا لا تنقصه العزيمة ، ولا تنهيه المآسي والاحزان ، والشقاء ونحن من شعب يخافه الطغاة ويخشاه الاعداء لا يستكين الا لينتفض ، ولا يرضخ الا لينقض .
وحتما حتما ستعود الأفراح وتنداح الاعياد ، ويهطل الخير كما تهطل الامطار في بوادي بلادنا ومدنها وقراها في مواسم الامل الخضراء سيعود للورود تفتحها وللازهار أريجها ، وسيعم الإخضرار .
ندعو من لا يخيب من يدعوه ومن يسمع ويري ، ومن لا يظلم عنده انسان واقفين ببابه ، الذي لايسد متضرعين اليه في هذه الايام المباركه الطيبه بأن يعيد الينا افراحنا المفقوده واعيادنا الموؤده والظلم ليله قصيره .
يعود كل عام ولسان حالنا يقول كما قال المتنبئ:

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ 
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ …