الجمعة , مايو 17 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان: تطبيق الشريعة في فضاء تعددي ثقافي ديني وإثني بقلم شمس الدين الأمين ضوالبيت

تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان: تطبيق الشريعة في فضاء تعددي ثقافي ديني وإثني بقلم شمس الدين الأمين ضوالبيت

من Bukhary Osman Amin في 21 أكتوبر، 2012، الساعة 02:27 صباحاً •
ملخص
بوصول الجبهة الإسلامية القومية إلى السلطة في السودان, عام 1989, ثم الإعلان رسمياً عن تطبيق الشريعة في الأول من يناير 1991, باشر الإسلاميون السودانيون عملياً تطبيق مشروعهم النهضوي الإسلامي للسودان, بوصفه ’انبعاثاً‘ للمشروع الإسلامي الأول لعهد النبي (ص) وخلفائه الراشدين. وكما هو الحال مع المشاريع الوطنية صار المشروع الإسلامي بذلك أمام أهم تحديات الواقع السوداني التي تتجاوز- بحكم شدة التنوع الثقافي والديني والإثني – قضايا النظم السياسية أو حتى قضايا التخلف التنموي والتبعية الي قضية الحفاظ على الوحدة الوطنية.  لقد كان المبدأ الجوهري الذي قاد المشروع الإسلامي في السودان هو “استنساخ” البناء التشريعي للمشروع الإسلامي الأصل, بما في ذلك اجتهادات الفقهاء التابعين, في المشروع المقِلد, للوصول للنموذج الاسلامي الكامل. وقد أفرز هذا على المستوى النظري نظاماً للحكم يقوم على ديمقراطية مقيدة بالشريعة. غير أن تقييد الديمقراطية بالشريعة سلب نظام الحكم صفته المدنية, وهي العنصر الأكثر أهمية بالنسبة لمكونات السودان الثقافية والدينية والإثنية الأخري. وقاد إصرار  الإسلاميين على هذا الفصل بين ديمقراطية الدولة ومدنيتها إلى تأجيج الصراع عبر ثنائيات متعارضة, مثل: دولة دينية/ دولة علمانية (مدنية)؛ العرب المسلمون/ الأفارقة المسيحيون والوثنيون؛ المشروع الحضاري / مشروع السودان الجديد؛ الشريعة / تقريرالمصير لجنوب السودان. وقد أنتهت هذه الثنائيات إلى صيغة “دولة واحدة بنظامين” في اتفاقية السلام الشامل والدستور القومي الانتقالي لسنة 2005, ثم إلى دولتين بانفصال جنوب السودان في 2011.
تهدف هذه الورقة إلى تقديم مراجعة نقدية لتجربة الإسلاميين في الحكم في السودان من خلال رصد مسار تطور هذه التجربة على مستوى التكيف النظري مع الواقع التعددي, من جانب, ومستوى الإدارة الفعلية للتنوع من الجانب الآخر, ثم تحلل الورقة وتقيم التجربة لتخلص إلى ما ترى أنه الخلل المنهجي الذي أدى إلى فشل المشروع في إدارة التنوع, وبالتالي الحفاظ على وحدة التراب السوداني.
مقدمة: التنوع أبرز السمات السودانية
ظل التنوع الثقافي والديني والإثني هو أبرز سمات الشخصية السودانية على مر التاريخ المعروف.[1] غير أن السودان وبرغم شدة تنوعه لا يختلف في ذلك عن عدد كبير من بلدان العالم يذخر بذات القدر من التنوع الاجتماعي, مثل ماليزيا والبرازيل والارجنتين واندونيسيا- في الواقع لا يكاد يخلو مجتمع بشري من وجه ما من وجوه التنوع. وقد تمكنت معظم هذه البلدان وآخرها النموذج الهندي الناجح, من إدارة هذا التنوع باقتدار جرده مما يلازمه أحياناً من عوامل النزاع والإضعاف, لكي يكون ما هو في الأصل: مخزوناً لطرائق متفردة ليكون الإنسان إنساناً, وثوباً للتعدد البشري الخلاق, ومصدراً للثراء المعنوي والمادي, وينبوعاً للفرادة والابتكار والجمال.
خلّفت هذه التجارب الناجحة على نطاق العالم ذخيرة ثرة من أفضل الممارسات والسياسات لإدارة التنوع, وأجملت مطلوباته ومحظوراته على وجه القطع والتحديد. وهي لا تتعدى ما هو حق مشترك للإنسانية كما فصلتها العهود الدولية لحقوق الإنسان: الأمن والحرية وتساوي الناس جميعاً في الكرامة الإنسانية, ذلك أنه لا يوجد مهما كان العصر والمجتمع بشر يود أن يُقتل أو يُعذب أو يُهان أو يُستعبد. كما أن الإنسان علاوة على احتياجاته الطبيعية “يرغب ويتطلع إلى رغبة الآخرين, أي أنه يريد منهم الاعتراف به وتقديره”.[2]
ومن ثمَ شكل قبول التعددية, والديمقراطية ممارسة لحرية الفكر والمعتقد, واعتماد المواطنة قاعدة للحقوق والواجبات, والاحتكام للمؤسسات, واحترام حقوق الإنسان, خاصة الحقوق الاقتصادية, باقتسام الثروة, والحقوق الاجتماعية والثقافية, ضماناً للعدالة والمساواة في الحياة الاجتماعية, وللمشاركة في الحياة الثقافية – شكلت هذه معاً الإطار السياسي الاجتماعي الذي يطلق الطاقات الإيجابية الخلاقة للتنوع حيثما اعتمدت.
وقد اكتسبت المجتمعات الحديثة معارف وخبرات كذلك فيما لا يجوز في إدارة التنوع. ويأتي على رأس هذه المحظورات أية إيحاءات بالتمييز أو المركزية لصالح  مجموعة ثقافية, دينية أوعرقية, تضمر أو تعلن أن هذه أو تلك من مكونات مجتمع هي “مركز الأشياء كافة” بحيث تُقاس المجموعات الأخرى وتقوّم بمقاييسها ونسبة إليها[3], بأي شكل جاءت هذه المركزية تعبيراً عن إعجاب مفرط بالذات, وتعلقاً زائداً بالبطولات, وظناً مريضاً بأن الجماعة هي رمز لأحسن الأمم قاطبة, فقد أكدت تجارب عديدة أن هذه وصفة جاهزة للنزاعات وباب مفتوح على مصراعيه لحرب الثقافات[4].
لم يحقق السودان, في الفترة التي سبقت استيلاء الحركة الإسلامية على الحكم شيئاً كثيراً من هذه النماذج المجربة في إدارة التنوع على مستوى الدولة. فبسبب عوامل تاريخية واقتصادية عدة آلت إدارة البلاد – وبالتالي تنوعها – مع بدايات الحكم الذاتي في عام 1953, إلى نخب السودان النيلي الأوسط ذي المرجعية الثقافية العربية الإسلامية, فانحازت هذه, دون تبصر, إلى مرجعيتها الثقافية وأعطت السودان من غير اتفاق مع/ أو رجوع إلى بقية مكوناته هوية عربية إسلامية في مناهجه التعليمية, ورسالته الإعلامية, ورموزه الوطنية, وخدمته العامة, وعلاقاته الخارجية.. فارتكبت بذلك أول المحظورات في إدارة التنوع. وقد تكرست هذه العوامل بالنشأة المشوهة للحياة الحزبية في السودان, والتي تأسست على أحزاب سياسية أكبرها امتدادات لطوائف دينية تقليدية, ظلت أسيرة جذورها الثقافية الجغرافية الشمالية, مرتبطة باهتمامات عضويتها المسلمة المستعربة, محصورة في أقاليم محدودة من الإمتداد السوداني الواسع, وتفتقر جميعاً للأسس البرامجية الوطنية العامة التي تستوعب كافة مكونات التنوع السوداني.[5]
وقد بدأت حركة المقاومة لهذه التحيزات منذ عام 1955, عندما خصصت لجنة سودنة وظائف البريطانيين المغادرين 6 وظائف للسودانيين الجنوبيين الذين شكلوا آنذاك حوالي ثلث السكان من بين 800 وظيفة, ولكن أيضاً بسبب التراكمات التاريخية التي  تعود إلى تجارة الرق في عهد الاستعمار التركي(الإسلامي), والعزف على أوتاره المأساوية من جانب المستعمرين البريطانيين, مما أوجد قدراً كبيراً من عدم الثقة بين شطري القطر. ولم تقتصر مقاومة التوجهات المنحازة في إدارة التنوع  فقط على المقاومة المسلحة الصادرة عن جنوب السودان آنذاك, بل نشأت عدة تنظيمات سياسية إثنية وجهوية أخرى في عدد من أقاليم السودان ذات الأغلبيات الأفريقية, مطالبة بالتنمية واحترام التنوع. فتأسست في الخمسينات والستينات حركة الكتلة السوداء في جبال النوبة في جنوب كردفان, وحركة سوني وجبهة نهضة دارفور في إقليم دارفور, ومؤتمر البجا في شرق السودان. ولكن برغم حركات المقاومة المسلحة والمدنية, وبرغم تزايد الوعي بالتنوع في أوساط القيادات السياسية والفئات المتعلمة وقوى الهامش السوداني مع الزمن,[6] لم يترسخ الفكر التعددي بحيث يشق طريقه فلسفة للحكم في البلاد, في مقابل المركزية الإثنية الدينية القابضة على أزمّة السلطة في الخرطوم.
الحركة الإسلامية السودانية: من الوافد إلى الواقع
اختارت الحركة الإسلامية لنفسها عندما نشأت, عام 1948,إسم “حركة التحرير الإسلامي”[7], ثم “الأخوان المسلمون” عام 1954, ثم “الجبهة الإسلامية للدستور” 1955- 1958, ثم “جبهة الميثاق الإسلامي” 1965- 1969, ثم “الجبهة الإسلامية القومية” 1985- 1989, ثم “المؤتمر الوطني” منذ منصف التسعينات, ولكنها ظلت طوال هذه الفترات “تُعرف داخلياً باسم الحركة الإسلامية”,[8]وهو الاسم الذي ستستخدمه هذه الورقة.
ولم يكون تنوع السودان أو مشكلة جنوبه جزءاً من وعي الحركة أو اهتمامها البرامجي لأول نشأتها[9], فقد شكل هذا الوعي والاهتمام الوافد من الكتب والرسائل التي كان تنشرها حركة الأخوان المسلمين في مصر, الأصل الأول الذي أخذت عنه الحركة الإسلامية في السودان,[10] وترعرعت بعض قياداتها المؤسسة في كنفه. فـ”كانت ثقافة الحركة الإخوانية التقليدية في السودان تجد كفايتها من قراءة أدب حركة الأخوان المسلمين المسلمين المصرية: ’حسن البنا, عبد القادر عودة, البهي الخولي, سيد سابق, محمد الغزالي, يوسف القرضاوي, سيد قطب‘.. وقد وجدت شخصية سيد قطب وفكره إعجاباً كبيراً في أوساط الحركة”[11].
ومن ثمّ فقد نشأت الحركة الإسلامية السودانية, بفكرها, “متجافية”[12] عن ضروب التنوع الضارب بجذوره في الواقع السوداني, وبعيدة عن مواجع المكابدة في كيفية إدارته. فقد جاءت إلى هذا الواقع بمسبقات ايديولوجية نشأت وتكاملت في إطار بيئات ثقافية وأوضاع اجتماعية مختلفة ومغايرة, بقدر ما تتباين الأوضاع والظروف في مصر وسوريا وباكستان عنها في السودان.
ورفعت الحركة الإسلامية في المرحلة الباكرة من نشأتها, والتي استمرت حتى قيام ثورة اكتوبر عام 1964, و مثلت مرحلة أولى من أربع مراحل في علاقتها بالجنوب والتنوع السوداني, رفعت الدعوة إلى الدستور الإسلامي, واتخذت لها واجهة تحالفية هي ’الجبهة الإسلامية للدستور‘.[13] وكان جنوب السودان, الممثل الأبرز لقضية التنوع, ’كالنسي المنسي‘ في هذه الدعوات والتحالفات الجبهوية للحركة الإسلامية في هذه المرحلة. وبلغ من حيرة الحركة وغياب الإستعداد الفكري والديني لديها للتعامل مع مشكلة الجنوب آنذاك, أن كان يراود بعض عضويتها “إذا تذكروا معضلة الجنوب مع الإسلام – أن يتمنوا انفصاله ليخلص الأمر لتقويم المجتمع المسلم دون خلاف في أصل الملة”.[14]
وقد أرخت المرحلة الثانية, التي أعقبت ثورة اكتوبر في عام 1964, للفترة التي بدأت الحركة تهتم فيها اهتماماً جاداً بمغزى وتأثيرات دعوتها للدستور الإسلامي على مسألة الجنوب[15], بعد أن أصطدمت لأول مرة عملياً بصور سياسية وممثلين لتنوع الواقع السوداني. وتلخص مواجهة شهيرة بين قائد الحركة الإسلامية وأحد قادة الهامش, أثناء مداولات الجمعية التأساسية حول للدستور الإسلامي عام 1967, كلاً من صدمة المواجهة وتقليدية الاستجابة: فقد أورد محضر مداولات اللجنة الفنية للدستور في مجلده الثاني الواقعة التالية[16]:

السيد موسى المبارك: جاء في مذكرة اللجنة الفنية نبذة حول الدستور الإسلامي في صفحة (7) أن يكون رأس الدولة مسلما، أود أن أسأل هل لغير المسلمين الحق في الاشتراك لانتخاب هذا الرئيس؟
السيد حسن الترابي: ليس هناك ما يمنع غير المسلمين من انتخاب الرئيس المسلم، الدولة تعتبر المسلمين وغير المسلمين مواطنين، أما فيما يتعلق بالمسائل الاجتهادية فإذا لم يكن هناك نص يترك الأمر للمواطنين عموما، لأن الأمر يكون عندئذ متوقفا على المصلحة، ويترك للمواطنين عموما أن يقدروا هذه المصلحة، وليس هناك ما يمنع غير المسلمين أن يشتركوا في انتخاب المسلم، أو أن يشتركوا في البرلمان لوضع القوانين الإجتهادية التي لا تقيدها نصوص من الشريعة.
السيد فيليب عباس غبوش: أود أن أسأل ياسيدي الرئيس، فهل من الممكن للرجل غير المسلم أن يكون في نفس المستوى فيُختار ليكون رئيسا للدولة؟
الدكتور حسن الترابي: الجواب واضح ياسيدي الرئيس فهناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة مثلا، وأن يكون غير مرتكب جريمة، والجنسية، وما إلى مثل هذه الشروط القانونية.
السيد الرئيس: السيد فيليب عباس غبوش يكرر السؤال مرة أخرى.
السيد فيليب عباس غبوش: سؤالي يا سيدي الرئيس هو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين – فقط هذا الكلام بالعكس – فهل من الممكن أن يُختار في الدولة – في إطار الدولة بالذات – رجل غير مسلم ليكون رئيسا للدولة؟
الدكتور حسن الترابي: لا يا سيدي الرئيس.
ولم تبدأ مرحلة الاهتمام الأيجابي, الذي يشتمل مواقفاً مفكراً فيها محلياً للتعامل مع الواقع, وتتضمن ما تريد الحركة الإسلامية أن تفعله مع الجنوب إلا في عام 1979, عقب المصالحة مع نظام نميري. وكان نظام نميري قد وقع قبل ذلك  إتفاقية اديس ابابا لعام 1972, مع حركة التمرد في جنوب السودان, توحدت بموجبها أقاليم الجنوب الثلاثة, ومُنحت حكماً ذاتياً واسعاَ في مقابل المركز والشمال, ونعم السودان في ظلها, لأول مرة منذ الاستقلال, بعشر سنوات من السلام النسبي. وقد حددت الحركة أغراضها من الاحتفاظ بالجنوب في إطار السودان الموحد في تلك المرحلة على أنها: “رعاية الوجود الإسلامي في الجنوب, والنفاذ منه إلى وسط وشرق افريقيا, والحفاظ على مصالح الشمال الحيوية في الجنوب, وضناً بالجنوب أن يسلم لقمة سائغة للمسيحية العالمية..”[17]
ولم تحقق الحركة الإسلامية السودانية اختراقاً فكرياً تتتجاوز به الموروث والمألوف في الفقه الإسلامي التقليدي, وتقترب بصورة أساسية من منظومة المبادئ والمؤسسات التي تشكل الاستحقاقات المعترف بها في إدارة التنوع, إلا في المرحلة الرابعة من تطورها الفكري إزاء الموقف من الجنوب (1985- 1989), وذلك حين أصدرت الجبهة الإسلامية القومية وثيقة مهمة باسم ’ميثاق السودان‘ تؤصل, من وجهة نظرها, للحقوق المتساوية للمسلمين وغير المسلمين.
وكانت سبقت هذه المرحلة بقليل أحداث مزلزلة هزت الدولة والمجتمع في السودان. فقد انهارت في 1983 إتفاقية اديس ابابا, بعد أن قام نميري بتقسيم الجنوب إلى ثلاث ولايات, كما كان الحال قبل الإتفاقية, وأعقب ذلك بتطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983, لأول مرة في السودان منذ سقوط دولة المهدية في 1898, ثمّ أعلن نفسه إماماً للمسلمين وتلقى البيعة من عدة جهات, أهمها الحركة الإسلامية السودانية. وقاد تقسيم الجنوب إلى تأسيس الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان عام 1983, وبداية دورة جديدة من القتال ضد المركز. وذلك بينما أشعل إعلان الشريعة جذوة المقاومة, ودفع بتدفقات كبيرة من الشباب الجنوبي إلى أحضان الحركة الشعبية.[18] وانضمت للمقاومة الجنوبية المسلحة مجموعة من أبناء ولاية النيل الأزرق  منذ عام 1984, ومن جبال النوبة بدءاً من عام 1987. كما شهدت هذه الفترة أيضاً اضطرابات سياسية واسعة, ومجاعة قاسية في دارفور, لفتت الانتباه إلى حالة التهميش التي كان يعاني منها ذلك الإقليم.
ولكن بسقوط دكتاتورية نميري في 1985, هبت أيضاً رياح كثيرة في أشرعة التنوع, فقد احتلت قضية الحرب في الجنوب موقع الصدارة في أجندة العمل السياسي والرسمي للديمقراطية الثالثة (1985 – 1989), وانخرط مندوبو الأحزاب السياسية والتجمع الوطني الديمقراطي, (وهو التنظيم الذي جمع الأحزاب السياسية والنقابات وقاد الانتفاضة), في حوارات رسمية مستمرة مع قيادات الحركة الشعبية في الخارج, أثمرت عن إعلان اديس ابابا  في فبراير 1986, وإتفاقية الميرغني – قرنق في نوفمبر 1988, مع الحركة الشعبية لتحرير السودان, أكدت جميعها بأن السلام الحقيقي في السودان لا يمكن تأطيره في مشكلة الجنوب, بل لابد من النظر إليه على أساس أن المشاكل قومية الأصل, وعليه لا يمكن حلها إلا عن طريق الحوار الجاد الواضح والمتواصل بين كافة القوى السياسية السودانية على أساس المساواة في المؤتمر القومي الدستوري المرتقب. كما اتفقت هذه الأطراف على إلغاء أو تجميد قوانين سبتمبر (الشريعة) وقانون الطوارئ وجميع القوانين المقيدة للحريات.[19]
في هذه المرحلة وصلت إلى الساحة السياسية السودانية كذلك مقتطفات من مانفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان لعام 1983, والذي حمل اسم ’السودان الجديد‘, وينادي بقيام سودان علماني ديمقراطي موحد يحقق نقلة نوعية سياسية وإقتصادية وإجتماعية من الهيمنة بكافة أشكالها الي الإعتراف بالتنوع السياسي والثقافي والإجتماعي للسودان، عبر نظام حكم لا مركزي يجعل السلطة قريبة من الناس ويتسم بالمشاركة الشعبية، والشفافية، والمحاسبة، والإنصياع لحكم القانون, مما يوفر لشعب السودان الجديد الشروط الضرورية والبيئة المناسبة لتسارع التنمية الإقتصادية والإجتماعية وتحقيق الرفاهية للجميع.[20]
كانت تلك هي الأجواء السياسية التي أحاطت بإصدار الحركة الإسلامية لوثيقة ’ميثاق السودان‘ في 1987. وكانت الحركة الإسلامية حققت بعض النجاحات في هذه المرحلة عوضت بها خسائرها السياسية من مشاركتها لنميري في تجربته الشائهة لتطبيق الشريعة. وظهرت آثار الكفاءة التنظيمية

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.