الأحد , مايو 5 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / الجبهة الوطنية العريضة / المعتقل (10) غالب طيفور(3)…

المعتقل (10)
غالب طيفور(3)...

كان كل شئ بالنسبة لي مجرد كابوس عندما بدأت اصحو ، في بقعوة مظلمة لا اري شيئا" ولا احس سوي ا بصداع منعني من الوقوف ، فبدأت اتحسس رأسي وشعرت  بكدمة في مؤخرته ، لم اهتم بها بقدر أهتمامي بمكان تواجدي في تلك اللحظة ، شعرت بالبلاط البارد الذي اتمدد عليه فاطمئنيت بأنهم لم يسقطوني في بئر ، وليس عليهم بمستبعد !!.
وبدأت اذناي تسمع أنين خافت ، فسألت بصوت عالي: من هناك ؟؟، وكان الرد من ذاك الأرتري فقد دنا مني  وشعرت به بقربي يتمتم بكلمات لم أفهم  منها سوي ( يارب) ويربت علي كتفي بطريقة حنينة ، ويحمد الله علي حياتي ، بدأت اتبين ملامحه من خلال ضوءرفيع عرفت أنه مدخل صغير يستعمله الأمنجية لإطعامنا ، في هذه اللحظة تساقطت كل الأمثال التي أعرفها  (الجنس للجنس رحمة ) فالرحمة موجودة ما وجدت الأخلاق والتربية السليمة ، فقد وجدته نزع سترة يرتديها وغطاني بها ، وهو يرتجف من البرد ، وشعرت بالغرفة كأنها ثلاجة ، ولاتعرف من اين تأتيك البرودة ، أعطيته السترة بعد جدال ، لا اعرف ماذا يقول ولكنه

المعتقل (10) غالب طيفور(3)…

المعتقل (10)
غالب طيفور(3)…

كان كل شئ بالنسبة لي مجرد كابوس عندما بدأت اصحو ، في بقعوة مظلمة لا اري شيئا” ولا احس سوي ا بصداع منعني من الوقوف ، فبدأت اتحسس رأسي وشعرت  بكدمة في مؤخرته ، لم اهتم بها بقدر أهتمامي بمكان تواجدي في تلك اللحظة ، شعرت بالبلاط البارد الذي اتمدد عليه فاطمئنيت بأنهم لم يسقطوني في بئر ، وليس عليهم بمستبعد !!.
وبدأت اذناي تسمع أنين خافت ، فسألت بصوت عالي: من هناك ؟؟، وكان الرد من ذاك الأرتري فقد دنا مني  وشعرت به بقربي يتمتم بكلمات لم أفهم  منها سوي ( يارب) ويربت علي كتفي بطريقة حنينة ، ويحمد الله علي حياتي ، بدأت اتبين ملامحه من خلال ضوءرفيع عرفت أنه مدخل صغير يستعمله الأمنجية لإطعامنا ، في هذه اللحظة تساقطت كل الأمثال التي أعرفها  (الجنس للجنس رحمة ) فالرحمة موجودة ما وجدت الأخلاق والتربية السليمة ، فقد وجدته نزع سترة يرتديها وغطاني بها ، وهو يرتجف من البرد ، وشعرت بالغرفة كأنها ثلاجة ، ولاتعرف من اين تأتيك البرودة ، أعطيته السترة بعد جدال ، لا اعرف ماذا يقول ولكنه يطلب مني أن أرتديها ، تحدثنا بلغة الطيور ، فهو لايجيد العربية الأبعض الكلمات ، ولكنها يجيد الرحمة والأخلاق التي أنعدمت ، من ابناء الوطن الذين ساندوا الطغيان وصنعوا له قواعد .
ثم أعطاني  بعض الطعام فتناولته دون أعرف ماهو ، وخلدت للنوم وانا أستمع للأذانات المتفرقة من عدة أشخاص بلا مكرفون ، وشريط ذاكرتي يدور بلا توقف وهواجس أبني،وحال أسرتي بعدي و(الذاكرة الملعونة) ، والأعتقال الذي لم أعرف اسبابه ، يدور في خلدي .
صحوت فجأة علي صوت الباب يفتح وهنالك من ينادي علي اسم الأرتري القابع جواري فتبينت الغرفة في تلك اللحظة، وهي في مساحة ثلاثة  في أربعة متر بها سرير من الحديد بلا مرتبة وبها حمام جوار الباب صغير لا يتسع الا لنصف شخص ، وتلفزيون معلق ومرايات بغرض التجسس أو الإرهاب ، فأشار لي الأرتري علي خبزة علي الارض ،وكباية شاي باردة ، وخرج واغلق الباب خلفه ، ولم اشاهده مرة اخري .
بدأت أتمعن الغرفة من خلال الضوء الخافت ، وذاك الخط الاسود والتلفاز المعلق ، وتأكدت ان الاشياء التي موجودة بها ، جهزت لتدمير المعتقلين نفسيا ، فكل شي فيها موحش ومظلم ، فحصرت نفسي ما بين الصلاة ،والحمام ، وسماع اذان الدواعش الذين  يقبعون في الغرفة المجاورة لغرفتي ، أنها حياة الفئران أعيشها بتفاصيلها ، وكلما حضر النبطشي لوضع الطعام خطفت منه كلمة ، استيقنت من شدة برودة المكان أني في ثلاجات موقف شندي ، في عمارة بها اكثر من مائة غرفة ، والأيام تتوالي بنفس النهج الرتيب حتي قضيت أكثر من عشرة ايام ، وصرت اتغطى بغطاء كان يستعمل ممسحة الأرض ، ودرجة البرودة ثابتة علي الصفر ، وكلما ارادوا عقابنا يقومون بتشغيل درجة الحرارة (5) تحت صفر ، ويراقبوننا من خلال أجهزتهم  بلذة ومتعة .
  فتح النبطشي الباب وطلب مني الحضور معه تحري ، وكانت فرصة لرؤية الخارج ، والهروب من هذا الجليد ، كل شئ في هذا المبني يشير الي انه مبني لعصابة كبيرة ، دخلنا مكتب في الطابق الارضي، وحضر نفس الضابط الذي اعتقلني ومعه نفس التيم ، واجلسوني واغلقوا الباب ، وبداوا نفس التحري السابق ، والتجديد بالاسئلة:ماهي  صلتك (بالجبهة الوطنية العريضة)؟ والاستاذ( علي محمود حسنين) والكيان الاتحادي علي وجه الخصوص؟ ، والدعم الذي تتلقاه من أين؟ واسماءبعض اعضاء الجبهة الوطنية ، والقادة الذين تخطط معهم ، وهو السؤال الذي كان في بالي منذ يوم الإعتقال الأول ، وكان ردي واضحا”وهو ايضا نفس الرد اولا:  (اعضاء الجبهة يعرفهم الجميع، وهو ليس بعمل سري ولا احتاج انا للتحدث عنه ، فالاذاعات والمواقع جميعا” تعرفهم ، اما الحركة الإتحادية فانا منها وانا بها منذ نعومة أظافري ، وتشربت مبادئها من والدي وتزخر بالشباب، ونعمل جميعا لتغيير هذا النظام ، أما موضوع الدعم فلو كان هنالك دعم ما قبعتم أنتم في السلطة حتي الآن ) لم يكثر حديثه فصار يساءل من اسماء امثال: شباب( قرفنا، غاضبون) ، والحركات الشبابية الأخرى التي كنت متواصل معها ، وكانت ردودي دائما محصورة في ان هذه كيانات لا أشخاص يعملون ضد النظام أساعدهم بصورة سلمية بعيدا”عن العنف ، وهذا مطلب مشروع ، حفاظا” علي الوطن من الحروب والفتن وليس حفاظا” عليكم ، فباغتني الضابط مقاطعا بسؤال غريب ، ( لقد ذهبت أنت وعلي محمود حسنين لادارة الاستخبارات المصرية ، وقامت الادارة الاستخبارات بتدريبك وتأهيلك ، ودخلت السودان بعد ذلك بطريقة حتي الأن لم نجد مستند يوضح كيف دخلت ؟؟) .
وتذكرت في تلك اللحظة انني ذهبت لاستاذ (علي محمود) وخرجنا لموضوع خاص بعمل يخص الجبهة التي يتزعمها ، ومن ثم غادرت لدبي باحثا” عن عمل ، فالبلاد ضربها السوس ويبدوا ان هنالك مندسين خلقوا لأنفسهم تقريرا” يرفعون به أسهمهم محذرين أجهزة المخابرات السودانية بأنه قد تكفلت المخابرات المصرية  بتدريبي وتأهيلي للنيل  من نظام البشير المسوس اصلا” ، وبعدها عدت من الامارات الى مصر، ودخلت السودان عبر شلاتين مما أكد لهم ، وتغير عملي من سوق الشهداء لسوق أمدرمان قطع لهم الشك .
      وسرحت بمخيلتي في هذه الاثناء (لا أنكر باني طبعت مناشير ووزعتها واجتمعت مع قادة كثر ،  وفيهم من اتصلوا بي أمس وقبل اكمال هذه السطور مترجين عدم زج اسماءهم فلا  زالوا في القلب الحدث فحذرت بمزاح طالبا” منهم (لايك )أو تعليق حتي اتغاضي عن اسماءهم  ، مستغلا” الوضع ، وكان ردهم من الأفضل ان تذكر اسماءنا من عمل( لايك )او تعليق لمقالاتك ، وانا قبلت عذرهم واأدعو لهم بالتوفيق ، وانا غارق في افكاري والضابط ينتظر الرد .
رغم احساسي بتراجع الضابط لشئ لم افهمه ربما لانني شرحت له عن سفري لدبي والدلائل التي سقتها له حتي شعرت بانه تأكد بان المعلومة التي بطرفه غير صحيحة وتعكس عمل عملائهم الكاذبين ،والأفك والنفاق الذي يصاحبهم اما تلقيه لمعلومات جديدة ، ولكنهم دائما لا يعترفون باخطاءهم  ، صرف نظره عني لبرهة وخرج علي الفور ، وبعدها خرج رهطه ولم يعودوا .
  وبعد ما يقارب ساعتين ، جاءشخصان وطلبا مني الذهاب معهم ، وخرجنا سويا” لباحة المبني ، لتدخل عربة حافلة مظلله ، وطلبوا مني الصعود عليها ، وعند صعودي أعطوني قطعة سوداء وطلبوا مني أن اضعها في عيناي ، نفذت ما طلباه ، وتحركت السيارة  لربع ساعة وكان الليل قد شارف توقفت العربة لاجد نفسي امام (سجن كوبر) العتيق ، وعملت لي اجراءات سريعة ، وصراخ الامنجية بين ( اقعد تحت ، قوم فوق يا ملكي ) ودفر، ولز حتي وجدت نفسي داخلةزنزانة كبيرة بها أناس اكاد أجزم انهم من أهل الكهف ، الذقون المتهدلة ، والأشكال الغريبة التي عبث بها الزمن ، حتي أنستهم الناس ونسوا  انفسهم .
  والحقيقة استقبلوني جميعا” وكان على رأسهم ( لؤي سالم) ضحية جهاز الأمن بورتسوان ، و(عامر السر) أحد قادة الدولة الاسلامية ( داعش ) و( وعالم ) .
واسماء كثر استقبلتهم انا فيما بعد مثال ( عماد عربي ) و (حسان احمد) و زينت ظهورهم سياط الجلاد ، وعبث بكرامتهم عصابة الطاغية ، فصاروا اشباح تنتظر الفرج من الله ، وما ربك بظلام للعبيد ، قضيت قرابة الثلاثة اشهر ، في زنزانة الزاوية بسجن كوبر نأكل الفتات ، ونشرب ، ونتبرز داخل زنزانة ، ونمنع من الكلام بالصوت العالي. .ويبدو أن  بعض الجهات السياسية ،والحركة الاتحادية وأسرتي اثاروا أمر أعتقالي للرأى العام ،وأقيمت وقفة احتجاجية ؛مما أربك حسابات جهاز الأمن.
وخرجت اخيرا” بفضل الله ولم اعرف حتي الأن ماهي التهمة التي دخلت بسببها ؟ واجبروني عن التنازل عن جميع ممتلكاتي التي أخذت من المكتب ، وطلبوا من الابتعاد عن العمل السياسي ، أو العمل معنا  بمرتب مثلك مثل كثير من اخوانك الذين يقودون الاحزاب والكيانات .
لم أرد واعتبرت ان مقالاتي ستكون هي ردي عليهم ، خرجت لاجد نفسي قد فقدت المكتب الذي اقتات منه بسبب الديون المتراكمة من جراء الإيجارات ، ولم يبق لي شئ لاضعه فيه ، بعدما نهبت ممتلكاتي حكومة البشير وعصابته ..
خرجت من (سجن كوبر) وأنا أردد مقطع الشاعرمختار دفع الله:
(أنا يابلد رغم المشاوير والخطى..
الدايرة في فلك الرتابة
شلت من عمري الفرح
وزعتوا للناس الغلابة)….
وستظل جذوة النضال متقدة فينا طالما نحن علي قيد الحياة

Ghalib Tayfour

 

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

تعزية

Share this on WhatsAppتعزية بسم الله الرحمن الرحيم (( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.