الخميس , مايو 9 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *عبدالجبار عبدالله: الإضراب عن الطعام سلاح من أسلحة مقاومة سياسات الجوع والإبادة*

*عبدالجبار عبدالله: الإضراب عن الطعام سلاح من أسلحة مقاومة سياسات الجوع والإبادة*

عبدالوهاب همت .. الراكوبة

اتصلت الراكوبة بالاستاذ عبدالجبار عبدالله الباحث والمترجم ليوضح الاسباب التي قادته الى اعلانه الشروع في اضراب مفتوح عن الطعام ، وهو المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.
ماهي رسالته الى السودانيين في الخارج ورسالته للمنظمات الدوليه المختلفة والعاملة في المجالات الحقوقيه وجاءت اجابته:
دخلت في إضراب عن الطعام اعتباراً من أول الأمس الاثنين 22 يناير في حملة عنوانها (إضراب عن الطعام ضد الجوع في السودان) و الغرض منها بدرجة أساسية أنه مواطن سوداني مضرب عن الطعام للتعبير عن تضامنه مع أهله وشعبه، ولإرسال رسالة مقاومة عبر سلاح الاضراب.

وقال إن ما يرفضه تحديداً هو هذه الميزانية الشريرة الإجرامية المعلنة من قبل النظام الحاكم الفاسد في الخرطوم للعام 2018. وشملت الشعارات التي جعلها هدفا لإضرابه: رفض التجويع المتعمد للغالبية العظمى من فقراء الشعب السوداني، وكذلك رفض الارتفاع الحاد والجنوني لأسعار الغذاء وكل السلع الأساسية نتيجة لانفلات معدلات التضخم وارتفاع أسعار الدولار، علماً بأن من بين السلع الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها الأدوية والعلاجات التي تضاعفت أسعارها بسبب انخفاض قيمة الجنيه السوداني وأصبح بعضها أندر من لبن الطير بسبب الصعوبات والتعقيدات المالية المحيطة باستيرادها بالعملة الأجنبية من الخارج. 

وبذلك تصبح متلازمة الجوع ونقص الغذاء وأمراض التغذية أمراً حتمياً لا مناص منه. ذلك أن للجوع ونقص الغذاء وما ينتج عنهما من أمراض سوء التغذية تاريخاً مدوناً ومعروفاً في إبادة السكان، خاصة الفئات الضعيفة مثل الاطفال والعجزة من الرجال والنساء. ومن ذلك أن “الجوع” قد اُستخدم سلاحاً من أسلحة الحرب والإبادة الجماعية في قديم التاريخ البشري وحديثه. وتشمل الحملة أيضاً تعبيراً عن رفض مصادرة حرية التعبير، بما في ذلك رفض الاعتقالات الجماعية للمواطنين المدنيين السلميين والقادة السياسيين والكتّاب والصحفيين والفنانين المتظاهرين ضد الجوع، وإخضاعهم لأسوأ أنواع المعاملةوالتعذيب والانتهاكات لدى أجهزة الأمن. 

ومضى ليقول تأتي مطالبي أولاً في إطار لفت الرأي العالمي والإقليمي إلى خطر ميزانية “الإبادة الجماعية” هذه، وحفز أي شكل من أشكال التضامن وممارسة الضغوط المحلية والاقليمية والدولية على النظام لإرغامه على إلغاء هذه الميزانية والتراجع عنها. وبالمثل يجب توجيه الرأي العالمي والإقليمي وتصعيد الحملة محليا ودوليا لإطلاق سراح المعتقلين جميعاً، والضغط على الحكومة لإيقاف كل أنواع التعذيب البشع الذي يتم في حق المعتقلات والمعتقلين .

أما المطلب العريض العام فهو أننا بحاجة الى دعم ومساندة في كافة المستويات لبناء دولة ديمقراطية راسخة، وللمساعدة في بناء وطن أفضل يليق بالإنسان وأكثر صوناً لقيمة الحياة وجوهر الكرامة الانسانية .

وأضاف قائلا، إن هذا الموقف تسنده رؤية نظرية مخالفة لكل أراء الساسة والاقتصاديين السودانيين الذين مازالوا يستخدمون مصطلح”الفساد” في وصف ممارسات هذا النظام. ويرى خلافاً لذلك أن النظام الحاكم في السودان يُعتبر حالة استثنائية فريدة في تاريخ البشرية المعاصر، إذ أنه يستل من كهوف تاريخ البشرية الغابر والسحيق تجربة نظام “حكم اللصوص” kleptocracy . وهذا هو الاصطلاح اللاتيني المؤلف من عبارتين هما klep بمعنى “لص/لصوص” و tocracy بمعنى “حُكم”. وعلى الرغم من أن لهذا الشكل من أنظمة الحكم بعض المظاهر وأشكال الوجود الجزئي المعاصر في بعض الدول النامية، إلا أنه يتجلى بكامل قسماته في السودان في ظل نظام الرأسمالية الطفيلية الحاكم على امتداد ما يناهز الثلاثة عقود. 

أقول هذا إيجازاً لأن توصيف النظام الغاشم هذا بأن ممارساته تتسم بالفساد، ليس توصيفاً دقيقاً ولا علمياً، كونه قاصراً عن فهم هذه الحالة الاستثنائية الفريدة في تاريخ البشرية المعاصر كما ذكرت. ذلك أن هذا التوصيف يقر بوجود نظام حكم -تشوب ممارساته الفساد- إلا أنه يقوم بواجبات الدولة ووظائفها الأساسية من صونٍ للسيادة الوطنية والدفاع عنها ضد أي خطر أجنبي، وتوفير الأمن والحماية لجميع المواطنين في سائر أرجاء الوطن، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وتوفير الحياة الكريمة اللائقة بالإنسان، وكفالة الحقوق والحريات الأساسية التي ينص عليها الدستور، فضلا عن توفير التعليم والصحة وغيرها من متطلبات القطاع الخدمي لجميع طبقات الشعب وفئاته الاجتماعية. وهذا باختصار ما “توضأت” منه حكومة الإنقاذ ولفظته بالكامل تحت شعار “رفع الأعباء عن كاهل الدولة”! وبذلك أصبحت حكومتهم المهدد الأول والوحيد للسيادة والوحدة الوطنية، ولأمن المواطن وطمأنينته في بلده، وتحولت إلى سارق خيرات بلده ولقمة عيشه اليومي، لا تستثني من ذلك حتى أفواه الأطفال والعجزة من النساء والرجال. إن النموذج الذي أمامنا يعرف بـself-serving government

ويطيب لي أن أترجمه إلى العامية لأنها أوقع وأفصح في إيصال الفكرة “الحكومة الشغالة بي روحها”!

وهذا عينه ما يطابق ممارسات نظام “حكم اللصوص” الذي يقوم على مبدأ تحويل جهاز الحكم نفسه لأداة رئيسية لنهب ثروات البلد وموارده عن طريق استغلال السلطة السياسية لتحقيق مصالح الفئة أو الطبقة الاجتماعية الحاكمة، في مقابل الإفقار الشامل لجماهير الشعب وطبقاته العريضة. 
وبذلك يصبح النهب المنظم، وحسم التنافس الاقتصادي والنشاط الاقتصادي في السوق لصالح أفراد الفئة أو الطبقة الحاكمة، هما الهدفين الرئيسيين الوحيدين لجهاز الدولة ولا شيء غيرهما.

وفي حين أن الغاية من أي حكومة في الدنيا هي أداء الوظائف والمهام الرئيسية المذكورة آنفا، فإن نظام الحكم الذي شيدته عصابة الإنقاذ يتناقض تماما مع مفهوم جهاز الدولة، لأن غايته الأساسية هو استخدام الجهاز نفسه لأغراض النهب والتراكم الرأسمالي واحتكار الموارد لصالح الطبقة الرأسمالية الطفيلية الحاكمة وحدها. على أنه يستحيل على هذه الطبقة أن تحكم دون القيام بالحد الأدنى من مهام الدولة على طريقة “حشف وسوء كيلة” بينما تستأثر لنفسها هي بنافع البلح والثمار دون غيرها. وذلك هو مغزى التأويل الشائه للنص الديني وتحويل الدين نفسه إلى سلعة وأداة لتبرير الظلم الاجتماعي باسم آية “التمكين”. “أُمما تسترزق بي دينا والمصحف جوة البترينة” كما قال شاعرنا حميد و(لن يحكمنا لص كافوري) (وسلمية… سلمية ضد الحرامية) كما التقطت المغزى النظري والعملي لنظام الحكم هذاالهتافات الشعبية ضد “حكم اللصوص” وتؤكد هذه الهتافات وعي الشعب وصدق حدسه ومضاء قريحته. فالأمر ليس “ممارسات فساد” فحسب كما يرى الساسة والأكاديميون، وإنما هناك نهب مؤسسي منظّم لعصابة “مافيا إسلامية طفيلية” تدير البلد ومواردها وثرواتها على طريقة حكم اللصوص الذي شهدته بعض الدويلات الصغيرة في أوروبا سابقا، وفي بعض الحالات النادرة الجزئية في بعض البلدان النامية حديثاً.

ولا يمكننا النظر إلى الميزانية الاخيرة هذه إلا في ضوء هذا المنطق والمنظور. فقد خُصص نصيب الأسد منها لامتيازات شاغلي الجهاز البيروقراطي وأجهزة الأمن، ولم يخصص منها شيء للتنمية، في حين أُلقي بالفتات منها لخدمات الصحة والتعليم، على طريقة ذر الرماد في العيون. وإن من نافلة القول أن تخصيص القسط الأكبر من الميزانية لأجهزة الأمن والدفاع، لا علاقة له بحماية السيادة الوطنية ولا بضمان أمن المواطن وسلامته، بقدر ما له من علاقة بالدفاع والحفاظ على أمن الطبقة الرأسمالية الطفيلية الحاكمة وحماية مصالحها وتكريس نظام “حكم اللصوص” الذي شيدته عدواً رئيسيا للسودانيين وناهباً لخيرات بلدهم وثرواتها. فما أبعد الآن من أن يتحقق الشعار”الشرطة في خدمة الشعب” و”البوليس بوليس الشعب” مثلما نرى في عنف الشرطة وبطش أجهزة الأمن بالمتظاهرين، على الرغم من أن غالبية أفراد هذه الأجهزة من فقراء الشعب ومن ضحايا أمراض الفقر والأنيميا والجوع!

واختتم هذه التأملات النظرية الناقدة بالقول إن في ميزانية عام 2018 ما يقدّم نظام الإنقاذ الحاكم بوجه “مالتوس الاسلاموي الطفيلي”. والمعلوم أن “مالتوس” قد لُقِّب في تاريخ الاقتصاد السياسي بأنه “كاره البشر” بدعوته الشهيرة إلى الحروب والمجاعات والأوبئة والفيضانات وغيرها من الكوارث، باعتبارها من العوامل الإيجابية للسيطرة على الكثافة السكانية والحد منها. وقال: أتذكرون ذلك الـ”المالتوس” الطفيلي الإسلامي الذي قال في عهد مبكر من سنوات الإنقاذ “ومالو لو مات ثلثين الشعب وبقي ثلثه الثالث الخيِّر”؟هذه هي “المالتوسية” التي أعني بالضبط في تجليات قبحهاالسوداني المعادي للإنسان. وليس أدل على هذه الكراهية والعداء من سيل الشتائم الموجهة إلى السودانيين من أفواه جميع قادة الإنقاذ، ابتداء من رأس النظام عمر البشير. وتتجلى الكراهية نفسها في حملات الإبادة الجماعية في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وغيرها. “لقد قتلنا أهلنا في دارفور لأتفه الأسباب” على حد قول الرئيس عمر البشير واعترافاته بعظمة لسانه. وليست الأسباب “تافهة” بطبيعة الحال، إنما تستمد عدوانيتها وسموم كراهيتها من مشاعر طبقة طفيلية من اللصوص أصبحت مصالحها في تعارض حاد وقاطع مع مصالح غالبية الشعب السوداني عموما، ومع مصالح أهلنا في الهامش والريف على وجه الخصوص.

وفي كلمة أخيرة قال الاستاذ عبدالجبار إن مغزى الاضرابوالاحتجاج هو أن يلهم الاخرين -خاصة خارج السودان والجاليات السودانية في كل مكان في العالم- أن ينظموا حملات تضامن مع شعبنا، وأن يعرٍّفوا العالم بممارسات هذا النظام وجرائمه، وأن يحفزوا الداخل ويشدّوا من أزره في تصاعد حراكه السياسي المفضي إلى فجر الخلاص. إن فعلوا ذلك، سأكون قد حققت هدفي الذي هو ليس انتحاراً في نهاية المطاف.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.