الإثنين , مايو 6 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / زكريات (طلاب و مليشيا) في وادي العذاب ..ا

زكريات (طلاب و مليشيا) في وادي العذاب ..ا

سامح الشيخ

في العام1995 وبعد الانتهاء من امتحانات الشهادة السودانية كنا نعرف انه لامفر من الدخول لمعسكرات الدفاع الشعبي لانه مربوط بالتقديم للجامعات لان استمارة التقديم لاي جامعة بدل ان كانت في مكتب القبول صدر قرار بانها ستكون متاحة فقط بمعسكرات الدفاع الشعبي مما يعني انه اي الدفاع الشعبي كان تجنيدا قسريا في مليشيا موازية للجيش.
كان مكان تجمع طلاب منطقة بحري في ميدان عقرب جئنا للميدان وكل معه اهله واصدقائه لوداعه الي مكان غير معلوم مما كان يذيد قلق الاسر للمصير المجهول الذي سيؤخذ له ابناءهم اليفع وهم في مقتبل العمر والاقبال على الحياة لكن مشروع التمكين كان يري فيهم مشروع للموت الرخيص ودروعا بشرية تفتدي املاكهم وتذود عن كراسيهم بالوكالة بالزج بهم في اتون كرهية او حرب يشعلون اوارها بغسل مخ هولاء الصبية وشحنهم بتخاريف شعاراتهم المهترئة والدموية التي تدعو الي اراقة بعض الدماء او كل الدماء بفرية فليعد للدين مجده ونحن للدين فداء في حين ان الحقيقة ليس للدين دخل فيما يخطط له بارسالنا للمعسكرات بل هي السياسة التي تم خلطها بالدين ليذداوا غنى ويتشبثوا بالسلطة على اشلاء وجماجم ابناء هذا الوطن العزيز.
مرت اللحظات ونحن في الميدان نترقب وصول الباصات او الحافلات التي ستقلنا الي حيث غياهب الوهم الذي خططوا له بحرفية نادرة و دعاية واعلام مؤدلج وتقية ان المعسكرات برامج ثقافية اكثر منها عسكرية في حين انها كانت فترة يصطادون فيها ضحاياهم الذين يسهل غسل عقولهم ويعتنقوا افكارهم الضالة والمغضوب عليها من كل مؤمن بقيم المحبة والسلام والتعايش السلمي ، كانت المفاجاءة ان الناقلات التي ستقلنا للمعسكرات ليست باصات او حافلات بل شاحنات كبيرة كتلك التي تنقل بها المواشي للتصدير. ركبنا غير ماسوف علينا تلك الشاحنات ومعنا حقائب الحديد التي يوصي بها كل من يذهب للمعسكرات تحركنا في اتجاه ام درمان ومررنا بشارع الثورة بالنص حتي اخره في ذلك الوقت وبعدها شقت الشاحنات طريقها في الرمال حتي وصلنا المرخيات تم استقبالنا في معسكر يعرف باسم معسكر التدريب الخلوي للطلبة الحربيين وبعد اجراءات طويلة وصفوف اطول تم توزيع السرايا والفصائل واعطي كل تسعة خيمة لينصبوها ويسكنو فيها كانت لحظات غريبة ومكان موحش وحمامات بائسة عبارة عن حوائط بدون دورات مياه وهنالك غيرها للضباط لاتختلف عنها كثيرا وان كانت افضل منها كان يبدا البرنامج اليومي بصلاة الصبح الاجبارية وبعدها تلاوة اختيارية ثم تمام الساعة السادسه صباحا وترديد نشيد في حماك ربنا في سبيل ديننا ثم الجري الصباحي في رمال المرخيات ولم نكن نردد تلك الجلالات التي كان يرددها العساكر عندما كنا صغارا وهم يمرون بشوارع مدينة الخرطوم بحري حين نصادفهم ونحن في طريقنا للمدرسة ، كانت جلالاتنا وللغرابة تصدر من بعض الزملاء وكانهم حفوظها مسبقا بل فعلا هم يحفظونها لانهم طلاب الثانويات المنتبسبين للحركة الاسلامية ويحفظون ادبيات الحركة وقد كانت مملة جدا بالنسلة لكثير منا لانها لا تروق لي بما تحمل من اساءات من قبيل يا قرنق يا عمالة يا عميل الخوجة وليلي يا ليالي الجنوب طوالي لكن ايضا في المقابل كان لطلبة الكديت جلالات خفيفة تذيد من ايقاع حماسنا وتكسر رتابة جلالات الحركة الاسلامية التي استهلك بعضها في اعلام ساحات الفداء .بعد الجري الصباحي كانت مادة البيادة العسكرية حتي صلاة الظهر وبعدها محاضرة قصيرة ثم راحة ثم بيادة الساعة الثالثة ظهرا ومن حسن الحظ ان التدريب في ذلك العام كان في فصل الشتاء ووقانا شر هجير الصيف ك كانت هنالك محاضرة رئيسة ثلاثة مرات اسبوعيا تبدا في الخامسة عصرا وهي التي يقضيها نعظمنا نائما من الارهاق لذلك لا اذكر عما كان يتحدث فيها لا اذكر غير المعلمين يصيحون اصحي يا مجند اصحي يا طالب.
وهكذا كانت معظم ايام المعسكر والتي كنا نكسر فيها سكون الليل باغنيات الطمبور التي كان يرددها زملائنا من منطقة الشايقية الذين تصادف وجودنا معا بنفس الخيمة في تلك الرقعة الهادئة التي كانت بعيدة عن العمران والضجيج كانت شبه صحراؤ خالية من النبات بها شجيرات قصيرة متفرقة ذات اشواك واوراق صغيرة تري عند جزورها جحور لفئران قيل لنا انها غذاء للبعاشيم وهو نوع من الثعالب صغير الحجم نحيف ينشط في تلك الاجزاء والبيئات الشبه صحرواية . كان يسمح لاسر الطلاب بزيارة ابنائهم كل يوم جمعة وكانت فرصة طيبة لتعارف الاسر وقضاء نهار مع الاهل يزيح عنا ملل الطوابير وتعب تمام الساعة التاسعة ليلا الذي كان يستمر احيانا الي موعد صلاة الصبح في ذلك الوقت من شهر ديسمبر حيث تكون درجات الحرارة منخفضة في تلك المنطقة من الصحراء بين جبل الحردان وجبل تربيزة هكذا قال لنا المعلمين ان تلك اسمائها.
استمر التدريب اربع واربعين ليلة في اليوم الثاني  والاربعين والذي يليه كنا نذهب لبروفة التخريج في الساحة الخضراء بالخرطوم وكنا نذهب بباصات المؤسسة العسكرية بيكاسو وكنا نلتقي بدفعتنا من طلبة الخرطوم وامدرمان في بروفات التخريج حيث كان طلبة الخرطوم ياتون من معسكر القطينة وامدرمان كانوا بالقرب منا في المرخيات في معسكر عبيد ختم .في يومنا الاخير تحدث الينا الضباط وضباط الصف عن انهم يعتزرون عن القسوة التي تعاملوا بها معنا في كثير من الاحيان وانهم رغم هذه القسوة حزينون لفراقنا واكثر ما اتزكر بكاء احد ضباط الصف اسمه ويلسون وهو من اخوتنا في جنوب السودان بكى وهو يودعنا في تلك الليلة وحقيقة انه وزميله الاخر اظنه من سلاح المظلات كانوا اكثر المعلمين قربا منا وذلك لممازحتهم لنا في اوقات كنا فيها غضبانين ونوشك علي ترك المعسكر بسبب المعاملة من قبل معلمين اخرين لكنها هي الطبيعة العسكرية هكذا تقسوا عليك لان الميدان اكثر قسوة ولكنا في قرارة انفسنا نقول ان تلك القسوة تكون للجندي المحترف وهذا من صميم عمله.
جاء يوم التخرج وجاء البشير وجوقته وبدات المراسم الذي كان اكثرها هزلا القسم كان مفروضا على كل طالب ان يقسم على اطاعة الاوامر حتى لو ادى ذلك  بالمجازفة بحياتك كان القسم يبدا باقسم انا اتفق معظمنا بان يبدا القسم بلا اقسم انا ومن الطرائف لدي صديق بدا قسمه باقسم انا كابتن ماجد البرير بدلا من ذكر اسمه الحقيقي وهكذا بدات المراسم وانتهت بفاصل راقص مع الرئيس البشير واحمد الله انه لم يسمع ماذا كنا نقول في ذلك الفاصل الحماسي الراقص.

من ذكريات وادي العذاب

في شتاء عام 1995 وبعد أن استقر بنا الحال في ذلك الوادي في الصحراء حيث ارسلتنا الدولة في واحدة من سلسلة محاولاتها لغسل ادمغة الشباب ومسح قيم التعايش والسلام الفطري الذي ولدنا به وربانا أهالينا والمحيط الاجتماعي الذي نشئنا به وذلك عن طريق تلقين شباب غر شعارات القتل والإرهاب بإسم الدين وهم في بداية إقبالهم على الحياة لينهلوا من جمالها يحدوهم أمل مراقصة زينتها وبهحتها كما راقصها ونعم بها من ارسلهم لوادي العذاب والأجيال التي من بعدهم،لكنهم أرادوا عكس ذلك ومع  الإصرار والترصد المسبق فقد كان المكان الذي ارسلونا إليه مكان لزرع بذور الفكر الجهادي والتشدد فبعد أن قاموا بتقية إلغاء مادة ومنهج الجهاد من المناهج المقررة على طلاب المرحلة الثانوية بالسودان عملوا على تهيئة معسكرات للجهاد يرسل لها قسريا كل طالب اكمل المرحلة الثانوية فلا عبور للجامعة إلا عبرها ولا يمكن الحصول على استمارات التقديم للجامعة إلا بعد أن ترتدي دمورية الدفاع الشعبي وتردد؛ شعار جهاد نصر شهادة وفي حماك ربنا في سبيل ديننا وأمريكا روسيا قد دنا عذابها علي أن لاقيتها ضرابها وغيرها من اناشيد التلقين التي تدعوا للقتل وإراقة بعض الدماء أو كل الدماء في سبيل الرب وفي سبيل دينه ابتغاء لرفع اللواء  لذلك أنجبت على الطلاب أخذ جرعتهم من شراب الإرهاب الذي أعدته بإحكام في ذلك الوقت.
بعد ان اكتمل نصب الخيام حيث نصبت كل مجموعة منا خيمتها على هواها وذلك لقلة خبرتنا في التخييم ونصب الخيام وقد كانت خياما فخمة ومن النوع الذي نراه في أفلام الحروب والجيوش أثناء الحروب العالمية نصب بعضنا تلك الخيام على شكل مربع والآخر مثلث والبعض الآخر على الشكل الهرمي الشكل في وادي بمكان غير ذي زرع يسمى المرخيات بام درمان يقع بشمالها به بعض التلال المتناثرة كأنها حيوانات ضخمة متحجرة فارة من قطعانها أثناء العصر الجليدي، يقبع المعسكر بين تلين من تلك التلال المتناثرة في الصحراء احدهم
يسمى جبل تربيزة والآخر يسمى جبل حردان. كما توجد بها بعض الأشجار الصحراوية مقاومة العطش في تلك البيئات الصحراوية أو شبه الصحراوية.
بعدها بدأت البرامج وحصص الإرهاب الاسلاموية كان من اغبى برامج هذه الفترة أن تقوم على مدار الأسبوع كل فصيلة من السرايا المكونة من الطلاب تقوم بالذهاب إلى المدينة الجامعية بالفتيحاب للعمل في حفر الأساس لها اوقعني سؤ الحظ في ذلك الوقت بأن كنت من ضمن اول فصيلة تعمل في هذه السخرة كان يتم ترحيلنا إلى مدينة الجامعة الاسلامية من المرخيات إلى الفتيحاب على ظهر شاحنة من النوع الذي تقوم بقلب وكب الرمل أو التراب تلك كان يوضع على ظهر هذا القلاب حوالي ثلاثين طالب واقفين وكان الطريق وعرا حتى يصل القلاب إلى طريق الأسفلت لذلك كان الطلبة مع سرعة القيادة من سائق تلك الشاحنة العسكرية يتدافعون فوق بعضهم البعض في كل حين يقوم به السائق بالضغط على كابح السرعة برجله مما حدا بالطلاب التذمر والاستياء كان الدولة قصدت اذلالهم بالركوب على ظهر مثل هذه الشاحنة التي لم تصنع للركاب من البشر فقد كان ذلك التساقط مزلا للغاية.
في أول يوم حفر كان التلفزيون حضوراً و حضر معه وفد الوزير، أسوأ وافشل من تولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في ذلك الوقت وهو البروفيسور ابراهيم احمد تبدوا عليه وعلى الوفد المرافق له آثار النعمة ورغد العيش مهلليين ومكبرين على خيباتهم وتخطيطهم الفاشل لم يكمل الطلاب حفر حفرة أساس واحدة حتي فترة الانتهاء من المعسكر فقد كانوا يتكاسلون عمداً في العمل وذلك تعبيراً عن احتجاجهم لهذا العمل الذي يشابه السخرة في عهد التركية السابقة.

سامح الشيخ

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.