الإثنين , مايو 6 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / لم أكن مخيرا”! (17)…

لم أكن مخيرا”! (17)…

    توفقت سيارة السجن أمام قسم الأوسط ، وقام العساكر بانزالنا في طابور طويل ، نحو زنزانات القسم ، ومن ثم يقوم عساكر الكاونتر بتوزيع المتهمين علي محاكمهم بواسطة حاجب كل قاضي ، ياتي الحاجب ليستلم المتهم ، وبعد الجلسة يعيده للزنزانة ، ويرفق معه اجراءات القاضي حكم  ، او اطلاق سراح ، او اعادة للسجن ، كانت الزنزانة تضج بالمساجين ، وكان (عبدالله) بجواري كعادته و(المعلم عبدو) يسامر المساجين فمعظمهم اصحاب كار ، وتدور بينهم المشاورات والإستشارات ، فهنالك متهمين يتميزون علي القضاة والمحامين في الثغرات القانونية ، بعد ان تشبعوا بالخبرة الطويلة والمعرفة التي إكتسبوها في المحاكم ، جاء احد العساكر ينادي باسم (عبدالله) وتم إقتياده لعمل اجراءات اطلاق سراحه ، بعد ذلك تحدث معي ( المعلم عبدو) وقال لي :
   سوف تخرج اليوم يا (مجدي) واريدك أن تهتم بأسرتي ، حتي يتم الافراج عني ، فقد ظهر معدنك الطيب ، وفشلت في قيادتك الي طريق المال ، وهذا يدل علي انني قد كبرت ، ولفظك للمال والثراء عن طريق المخدرات يعد شئ فقدناه في شباب اليوم ، لذلك أستأمنك اسرتي واهل بيتي ، وانا مطمئن وسعيد بأنك بينت لي بان الاخلاق لاتموت! .
   فقلت له مواسيا” :
انا متأكد يا (معلم عبدو) ان قلبك طيب ولكنك ضعفت امام المال ، فضحك وقال : 
ان الضعف مرحلة تخطيتها للأسوأ فقد أصبحت مثل القشة ، لقد كان إحتفالي دائما منذ ان دخلت هذا الكار بتدمير الضمائر الحية ، لقد حاولت ان اضحى بك ، كما كنت اضحى بكثيرين مثلك ، ولكن القدر ساقني كي تشاهدني وانا أحاكم ، وانت تبرأ ، رضيت أنا أم أبيت ، كنت اشاهده يتحدث بعمق ، ويخرج زفرات سنين مضت ، تحكى انتقام الايام ، حتي سمعنا صوت اقدام العساكر وصوت صك قفل الزنزانة يفتح ، ويقول لنا اثنان من العساكر :
قوما انت و(المعلم) فالقاضي يطلبكم ، نهضنا واشعر بالرجفة في يد (المعلم عبدو )  لقد كان معظم حياته جلادا يسقط ضحاياه ، وجاء الزمن الذي يسقط هو ضحية ، وقفنا امام باب المحكمة ننتظر ان يأذن لنا القاضي بالدخول ، وشاهدنا (مجاهد) يرتدي الزي العسكري ، وبجواره  الشاكي ، فنظر لي (المعلم عبدو) وقال : سوف اقبل بزواجك من (هيام) فهي تحبك ، واتمني ان توافق والدتك ، فقلت له : 
دعنا نشاهد ما يحدث فربما يطلقوا سراحك وأسجن أنا ، فضحك ببرود ، وقال لي : ثلاثون  عاما” ادخل المحاكم ، واشاهد عيون الضحايا الذين ورطتهم واعرف كم سنة  سيحكم عليهم القاضي ، الا أنت اشاهد في عيونك قضبان السجن تحاصرني ، قطع حديثنا الحاجب وهو يطلب ادخالنا القاعة ، ودخلت وكادت الصدمة تقتلني ، عندما نظرت للجالسة في الصف الأمامي ، انها والدتي سيدة روحي وملاكي الحارس ، كانت تنظر لي بعيون مثل ضياء الشمس ، لقد تمالكت نفسي ، ولكني لم اتمالك دموعي التي رفضت ان تتوفق ، جميع من كانوا في المحكمة صمتوا ، قالت لي : لاتبكي يا ابني فلم اعلمك البكاء ، حاولت ان تنهض ، ولكنها فشلت فلا تزال مرهقة ، جريت مسرعا”نحوها ، أقبل يديها التي حملتني بهم فكانتا مثل الشمعةالتي تحترق لتنير لي طريق الاستقامة ، تقدم الحاجب ليسحبني ، فقال له القاضي:
دعه ، فلعله يعلمنا الرحمة بابائنا ، وعشق امهاتنا ، خمس دقائق راحة ، جلست أقبل يديها وهي صامتة تبتسم ، وتقول لي :
التجارب تصنع الرجال يا ابني وانا اعددتك ، لتكون رجلا” واعلم انك لن تخذلني ، نهضت منها وذهبت نحو منصة الإتهام كالمرة السابقة ، فرفع القاضي راسه وطلب من العسكري إخراجي من القاعة وهو يتلو بناء علي طلب النيابة باسقاط التهمة الموجهة للسيد (مجدي حسين محمد) علي حسب المستجدادت الواردة بطرفنا ، عليه :
انا القاضي (عابدين محمد حامد) اسقط التهمة المنسوبة للمتهم بناء علي طلب النيابة وإستنادا علي تقرير شرطة المخدرات . 
ثم قال لي القاضي : يمكنك ان تنصرف وتأخذ معك والدتك فانت حر .. ولكننا نحتاجك في الشهادة بناء علي تقرير شرطة المخدرات ، اذا قبلت ، فقلت للقاضي : اقبل يا مولانا بأن اقول ما رايته ، فقال لي : نحن لا نطلب منك سوي ما رايته يا بنى .
   فساعدت والدتي في النهوض ، توقفت تنظر للمعلم (عبدو)
فقال لها : المعلم (عبدو) مبروك اطلاق سراح ابنك فقالت له : (عبده محمد فراج) ، فصمت المعلم فقلت لها : اتعرفين المعلم يا امي ، فقالت لي : اسال المعلم عبدو فهو يعرفني جيدا قبل عشرين عاما ، فقد كان ابوك رجلا” طيبا ، اسكنه في جزء من منزلنا ، بسبب انهيار منزله ولكن استعمل المخزن للمخدرات ، وعندما داهمت الشرطة المنزل فر المعلم ، فسجل البلاغ بصاحب المنزل ومنذ ذلك الزمن هرب أبوك ، لقد دمر اسرتنا قبل عشرين سنة ، فقلت له :
هل صحيح ما تقوله امي يا معلم ؟ فرد وهو مطاطئ الرأس:
هذه القضية سقطت قانونيا بعد خمس سنوات من حدوثها ؛ وكان علي أبيك العودة ، ولكنه اختار الهرب لوحده ، ولكن حقيقة لم اكن اعلم انك أبنه ، قال القاضي : يمكنكم ان تكملوا حديثكم بعد الجلسة فإصطحبت والدتي وهي تتكأ علي ، حتي خرجنا من الصالة الخارجية ، ليتقدم (عبدالله وأمال) ليجلسا مع الوالدة ، وعيوني تنظر (هيام واسرتها) تقف جوار نوافذ المحكمة يستمعون للحديث فاجلست والدتي ، وذهبت اليهم ، كانت دموعها تهطل بحرقة وهي تقول :
لقد سمعت كل شئ يا مجدي ، لقد كان والدي سيئا” جدا ، ولا أدري كيف ستسير حياتي بعد ما سمعته ، فقلت لها : لم اكن مخيرا” ، كما لم تكوني مخيرة ، كما لم يكن والدي مخيرا” يا (هيام) إنها تصاريف القدر.
   انسحبت بهدوء نحو اسرتي الجديدة ، أنا و(عبدالله ، وامال ، وامي) في منتصفنا ، والتفت للحاجب الذي ينظر وقلت له:
اعتذر عن الشهادة ، فانا تعلمت من أمي :
إن  الإنتقام  وسيلة الضعفاء …

النهاية 

Ghalib Tayfour

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.