الإثنين , مايو 6 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / لم أكن مخيرا” !!(12)..

لم أكن مخيرا” !!(12)..

    وقف المعلم (عبدو) وعيونه تكاد تلتهب ، وهو ينظر لأبنته ، وهي تقتحم قاعة المحكمة ، وكانت تعرف أباها جيدا” ، فلم تنظر اليه ، وكانت تنتظر الإذن من القاضي لتدلو بدلوها ، فنظر القاضي للمعلم وقال له : يمكنك أن تنصرف الآن فقد سمعنا شهادتك ، ونظر للحاجب نظرة فهمها حاجب المحكمة ، فاقتاد الحاجب المعلم (عبدو) خارج القاعة ، والمعلم ينظر لأبنته ويتمتم لها بالوعيد ، انتظر القاضي  خروجه من القاعة ، وقال ل(هيام):
اقتربي من المنصة ، وبدأ يملي بياناتها وهو يتبسم ! حتي انتهت من القسم ، وانا أفكر ماذا تعرف هيام ؟ فهي لم تشاهد ما حدث في الصالة ، ولكني تركت امري لله ! .
ووقفت في المنصة بقامتها المهيبة ،وجمالها الفاتن ،حتى أنا ذهلت كأني أراها لأول مرة.
فبدأت (هيام) خائفة ترتجف ؛ حقيقة وضعها صعب فيمكن أن تفقد أباها بهذا التصرف ، ولكنها كانت ذكية فقد اخرجت من جيبها صورة وقالت للقاضي :
( مجاهد أحمد) شرطة مكافحة المخدرات ، والصديق الشخصي لهذا الشاكي وهي تشير للشاكي ، وهو الذي احضر (مجدي) لمنزلنا وقد اختفي بأمر ادارة مكافحة المخدرات بعد ان فشلت عملية القبض علي أبي ، وكانت تتحدث  بصوتها الانثوي الساحر ، حتي كادت نظارة القاضي ان تقع وهو يستمع لها ، وكاد حاجب المحكمة أن يجلس في مقعد القاضي ، وسلمت القاضي الصورة ، وأشك في انه نظر الي الصورة ! فقد كانت عيناه تتفقد ابنة المعلم يا لهؤلاء القضاة !!
ساد الصمت الرهيب القاعة ، والقاضي ممسكا” بالصورة ، ثم منحني اياها وكان يريدني التعرف علي ابن منطقتنا في الصورة ، فوجدت فيها اكثر من عشرة اشخاص يرتدون الزي العسكري ، وكان الشاكي من ضمنهم ، ومعه ابن منطقتنا (مجاهد احمد) كما ذكرته (هيام) وهم يضعون اياديهم في اكتاف بعضهم  ، فأشرت للقاضي بان هذا هو الذي احضرني لمنزل المعلم وابن منطقتنا ، أخذها القاضي واعطاها للشاكي ، فقال له  :
هل هذا هو الشخص الذي زودكم بالمعلومات والذي كان موجودا في زمن المداهمة ؟ فقال له : نعم كان موجود في زمن المداهمة ، ولكنه مفصول من العمل منذ فترة يا مولانا ، فقال القاضي : امنحك خمسة ايام لإحضاره ، ونظر لي وقال:
احضر لي ضامن وسوف اطلق سراحك حتي موعد الجلسة القادمة ، ونظر الي الحاجب الذي قال بصوت جهوري :
رفعت الجلسة .
  إقتادني الحاجب لإيداعي في الزنزانة حتي أجد ضمانة ، أو أعود للسجن و(هيام) تسير بجواري ، وأبوها مثل الأسد الجريح يكاد يهجم علينا ، حتي ادخلوني الزنزانة ، وهي لم تفارقني تقف خلف القضبان ، فتقدم والدها وقال لي :
ألم أقل لك انك معتوه ، تريد ان تخرج من الجنة للنار ، الاموال التي تدرها لا يستطيع أكبر مستثمر ان يكسبها ، انت كنز يا مجدي يجب ان تكون في السجن شهرين !! وستعيش باقي حياتك ملك ، فقلت ل (هيام) يجب ان تذهبي  بأبيك لمستشفي (التجاني الماحي) والا ارسلته لك الي الآخرة .
فقال لي وهو ينظر لها : هذه المعتوهة سأتصرف معها في المنزل ، ويبدو انها تحتاج هي للتجاني الماحي ، فقلت له :
الا تعرف يا معلم بأن الذي احضرني لتركيب الرسيفر عسكري بمكافحة المخدرات ؟ انتفض المعلم وهو يحدق فى وكأنما لسعته عقرب وقال منزعجا” :
من تقصد (مجاهد) ، فقالت له هيام :
نعم يا بابا ، قالتها بذاك الصوت الساحر ، الذي جعل جميع من في زنزانة يتزاحم حول القضبان ، حتي صرخت فيهم فعادوا .
لأجد المعلم يجلس امام بوابة الزنزانة ، واضعا” يديه على رأسه ،كمن حلت به مصيبة ، وهو يقول : لقد ارسلته  لإستلام البضاعة التي سوف أرسلها لكم في السجن ، ضحكت وقلت له:
من يزرع المرض لا يحصد الا الدماء ، فقالت لي سوف ابحث لك عن ضامن ، ولكني حاليا سوف اذهب لوالدتك فقد كانت متعبة في هذا الصباح ، قلت لها : دعيني فسوف اتدبر امري وعودي لوالدتي ، فانطلقت دون ان تهتم لأبيها الجالس يضع يديه فوق رأسه ، وانطلقت . 
   قام المعلم بعدها واسرع دون أن يلتفت ليراني ، حضرت سيارة السجن ، واقتادوني في ممر طويل للصعود في السيارة العائدة للسجن ، وقبل وصولي للبوابة ، التقيت مع القاضي وهو خارج فنظر لي وابتسم ، وهو يقول ألم تجد ضامن؟ ، قلت له :
هذه القضايا يخاف الناس من ضمانتها يا مولانا ، فقال لي : لديك ملاك حارس فيجب أن لاتخاف حتي يطلق سراحك لتغرد ، قالها بخبث وهو ينصرف !!.
   عادت سيارة السجن بي ، وعند وصولي الجميع يستفسرني  ماذا حدث يا معلم ؟ فقلت لهم:
حدث خير ، والامرسينتهي قريبا” . 
  كان (عبدالله) تبدو على وجهه آثار التعب والإنهاك  ، وهو جالس  ممسكا” بسماعة الجوال ولم يعرني اهتماما” ، رغم ان الجميع يخبئ الجوال من العساكر إلا المعلمين الكبار الذين اصبحنا منهم ، فسالته ماذا يشغلك حتي لم تسألني ماذا حدث ؟!
فقال لي: لقد شعرت والدتك بالضيق واجريت لها عملية يا مجدي ، وقد كان دمها ضعيفا والحمدلله نجحت العملية وهي حاليا بخير ، كان الخبر صادما” ، فقلت له مع من تتحدث الآن ؟ فقال لي : مع الطبيب وطمأنني ، فقلت له : واين (أمال) فقال لي : انها نائمة ، فقلت له بغضب : نائمة ووالدتي بهذه الحالة ، فنظر لي : لقد إحتاجت والدتك لدماء وفصيلتها نادرة ، وتبرعت لها (آمال) بالدم ، وحاليا نائمة في المستشفي بقسم الطواريء ، وعلي العموم هي بخير قالها وهو حانقا” من حديثي ، فقلت له:
اعطني الهاتف حتي اطمأن من الطبيب ، فمنحني الطبيب ، فتحدثت معه بلهفة  ،طالبا”منه أن يخبرني عن وضعها ، وما حدث لها  فقال لي :
    إن والدتك بخير الحمدلله ، وتعدت مرحلة الخطر ، وقد أجرينا لها عملية في الرأس بسبب الإصابة ، إثر سقوطها وكان الجرح ملتهبا”، ونازف مما افقدها دماء كثيرة ، والحمدلله – لو لا وجود المتبرعة لكان الأمر ازداد سوءا” ، واستأذنك فلدي عمل .
  كنت خجلا من حديثي مع (عبدالله).
  في المساء  انطلقنا نوزع في المخدرات المتبقية بحوزتنا ، ونتابع اخبار الوالدة العزيزة والحبيبة (أمال) ، واتذكر ما فعلته الاميرة (هيام) في المحكمة ، ما أقسى الأمر علي الفراش الذي يحلق ليرتشف العطر من زهرتين ، كل واحدة أنبل من الأخري وعليه أن يختار ، والإختيار صعب ؟!.
  تم توزيع المساجين في اليوم الثاني كالعادة ونحن نستلم من هذا المبلغ ، وننقل ذاك لتعثره ، وكأننا أسياد السجن ، وخلفنا الجلادون يأتمرون بأمرنا، ويختفون خلفنا ضباطا” ومساعدين وينتظرون توزيعنا الغنيمة عليهم ، وانتظرنا حتي أخر اليوم فلم تصل بضاعة المعلم (عبدو)، ولكن بضاعة (البجاوي)  مدفونة ، وجلسنا ننتظر سيارات السجن لتعود بالمساجين من الأقسام ، ونشاهد العساكر يحيطون بها حتي لايهرب مسجون وهم يحملون سياطهم ، ويصرخون في المساجين الجدد : اجلسوا لا تتحركوا ، حتي برز وجها” مالوفا” فوقفنا انا و(عبدالله) من مجلسنا نستقبله ، أنه (المعلم عبدو) بشحمه ولحمه قد شرفنا …

(يتبع)

Ghalib Tayfour

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.