السبت , أبريل 27 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة

* تجربة اعتقال *

كنت طالبة فى اخر سنة دراسية لى فى المرحلة الثانوية، وكانت الاجازة الصيفية بعد سنة طويلة مليئة بالضجر والرتابة زيادة للضغط النفسى من قلق الامتحانات، مرت رتيبة ليست كالسنوات السابقات فى المرحلة الثانوية لأنه لم يكن بها نشاط سياسى وعمل تنظيمى مكثف داخل، الجبهة الديمقراطية، تنظيمنا الطلابي، عكس ما شهدته السنوات السابقات. كنا شباب وشابات فى عمر الزهور يملأونا الحماس وحب الوطن الذى لا تشوبه انانية ولا مصلحة ذاتية ، كنا شباب متفانى فى حب هذه الأرض، نلتقى على حبها ونفترق على حبها ونتعاهد كلما التقينا أو افترقنا على الصمود والتمسك بالقضية، كنا فرحين بحبنا وحماسنا وأملنا ويقيننا أننا سنحقق الحلم يوماً ما، حلمنا بوطن سعيد بوطن، وطن يملأوه الحب والخير وتحلق فى سمائه الحرية والعدل والمساواة.
طيلة سنوات المرحلة الثانوية الثلاث كان هناك نشاط مكثف وكنا نعمل كخلية النحل داخل تنظيمنا وكنا شوكة حوت فى حلق النظام الذى كان متمثل فى الحركة الاسلامية فى ثانويات مدنى.كان نشاطنا فى ذروته لم نكن نعطى لهم فرصة للتنفس داخل المدارس، كونا تنظيمات قوية داخل جميع ثانويات مدنى وكسبنا ثقة الطلاب وكانت النتيجة اكتساح جميع انتخابات اتحادات الطلاب فى الثانويات بنين وبنات. أفشلنا لهم محاولاتهم فى السيطرة على الاتحاد العام لطلاب الثانويات وكان ضربة قوية للنظام الذى كان ممثلاً فيهم.كان نشاطنا السياسى فى ذروته وكان لنا تنسيق قوى مع زملائنا فى التنظيم داخل جامعة الجزيرة فكثيراً ما نسقنا معاً للخروج الى الشارع وكانت كثير من محاولاتنا لاخراج بعض المظاهرات متوجة بالنجاح، كنا متمرسون جداً من العمل السرى والجماهيرى فى انٍ واحد، بقدر ما كان لنا القدرة على تكوين خلايا سرية والحفاظ على تأمينها كان لنا المقدرة بنفس القدر على العمل الجماهيرى والتفاعل مع الطلاب والشارع وكان هذا ما يرعب رجال الأمن، فوضوعنا تحت المراقبة المشددة وكان الواحد منا يمشى فى الشارع وهو يعلم أن هناك أكثر من عين وخطوة تتبعه، وبالرغم من ذلك كان حسنا التأمينى عالى جداً وكنا نعرف جيداً كيف نؤمن اجتماعاتنا السرية ونوزع مناشيرنا قبل القيام بأى مظاهرة.
كنت أنا كما الآخريات من زميلاتى فى التنظيم نركز على العمل فى ثانويات البنات، ونجحنا فى تكوين تنظيماتنا داخل كل ثانويات مدنى للبنات واستطعنا ان نكسب ثقة واحترام الطالبات وكنا دائما فى مقدمة الصفوف فى أى عمل أو نشاط طلابى، وكما فعل زملاؤنا فى مدارس الأولاد سيطرنا على جميع اتحادات الطلبة فى جميع مدارس ثانويات مدنى بثقة الطلاب على مدار الثلاثة سنوات التى قضيناها فى الثانويات وكانت بالطبع هزائم متتالية لطلاب الجبهة الاسلامية. لن أًزيع سراً الآن اذا قلت أننى كنت أحد أعضاء اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية على مستوى ثانويات مدنى بحكم أننى كنت المسؤل السياسى عن ثانويات البنات، وبالنسبة لجهاز الأمن كانوا يعتبرورنى الدينمو المحرك للتنظيم فى مدارس البنات، لم يقوموا باعتقالى أو اعتقال أى واحدة من زميلاتى فى تلك الفترة، ولكن تعرض كثير من زملائنا للاعتقال والتعذيب وكان من ضمن الكلام اثناء التحقيق معهم (ترضوو انو زعيمتكم تكون بت) وطبعاً البت دى كانت أنا، ومنذ ذلك الحين علمت اننى سأكون الهدف القادم للاعتقال ولكن ذلك لم يحدث طيلة فترة الثلاثة سنوات التى قضيتها فى الثانوى وكان ذلك مبعث استغراب للجميع، الى أن جاءت الاجازة الصيفية بعد السنة الرابعة التى كانت سنة اعادة ، فجاءوا فى احدى صباحاتها يحملون كلانكشوفات فى أيديهم، يطرقون الباب ويسألون عن اشتياق خضر.

فى احدى صباحات الاجازة الصيفية للسنة الرابعة للمرحلة الثانوية (سنة الاعادة) زارنا زائرون غرباء غير مرغوب فيهم فى ساعات الصباح الباكرة، طُرق الباب ففتح أبى، وجد أمامه ثلاثة رجال يحمل كل منهم كلاشنكوف على يده، نظر اليهم ووجهه تعلوه الدهشة ومن الوهلة الاولى عرف أنهم رجال الأمن فهو يعرف سحناتهم القبيحة جيداً ويخبر زياراتهم المُباغتة وأدرك أنهم جاءوا ليأخذوه كالعادة، ولكنه تفاجأ عندما نظر اليه أحدهم قائلاً (عاوزيين اشتياق خضر) ومعانا أمر بتفتيش دولابها. ارتبك أبى قليلاُ ثم تدارك نفسه بعد هنيهات فهو كان يعلم أن هذا اليوم سوف يأتى ولكن كان هناك سؤال يلح على رأسه، لماذا الآن…؟!.
أذكر انه كان صيفُ حار لا يمكن معه النوم داخل الغرف. كانت السرائر التى ننام عليها مُبعثرة فى الحوش، وكان سريرى يتخذ مكانه تحت شجرة النيم الوارفة التى كانت تتوسط حوش بيتنا المتواضع. أقبلت أُمى على لتوقظنى من النوم وهى جزعة، خائفة ، مرتبكة، مرتجفة، ومترددة فى نفس الوقت، فهى كانت تُدرك أننى أُحب النوم لساعاتٍ مُتأخرة من الصباح فى وقت الاجازة ولا أُحب أن يوقظنى أحد باكراً، وكانت تخشى أيضاً أن توقظنى لتخبرنى ذلك الخبر المُزعج، أن رجال الأمن بانتظارى. لم يُسعفها ترددها كثيراً فقد جاءها صوت أحد رجال الأمن المنتظرين، بأن تتعجل استيقاظى. استجابت أُمى مُكرهة وأخذت تنادينى باسمى محاولة ايقاظى وعندما لم أستجب لها أخذت تهزنى بحنان يُخالطه قلق وهى مستمرة فى مناداة اسمى: (اشتياق أصحى)، وأنا أرد عليها متكاسلة: (يا أُمى ياااخى ما تخلينى أنوم شوية، لسة الوقت بدرى)، وتستمر أُمى فى مناداتى وأنا أستمر فى المعاندة والحاحى فى رغبتى الاستمرار فى النوم وحينها أدركت أُمى أنه لا مفر من اخبارى، فنهرتنى هذه المرة بصوت تخنقه العبرة: (اشتياق قلت لييك أصحى) فألتفت اليها هذه المرة وعيناى يملأهما النعاس وعندما نظرت الى وجهها وجدت الدموع تنهمر من عينيها فقمت من سريرى منتفضة صارخة (أمى فى شنووو؟) فردت على بذلك الصوت المبحوح وتلك العبرة تخنق كلماتها: (ناس الأمن جووو وعاوزنك)، فى تلك اللحظة لم أندهش ولكن قفز الى رأسى نفس السؤال الذى قفز الى رأس أبى: لماذا الآن، لماذا الآن وليس سابقاً عندما كان نشاطنا فى ذروته، لماذا الآن وفى هذه السنة بالذات ونحن نشاطنا شبه متجمد بعد أن تفرق الزملاء وذهب كل منهم الى جامعة مختلفة، لماذا الآن….؟!
قمت منتفضة من سريرى وقد غادرنى كل الكسل الذى كان يُخالط جسدى وكل النعاس الذى كان يسكن جفونى ولم يتبقى لى غير القلق والتوجس لما سيحدث فى السويعات القادمات. توجهت للثلاثة رجال الذين كانوا بانتظارى وهم يحملون كلاشنكوفاتهم بأيديهم وكأنهم قادمون للقبض على مجرم معتاد اجرام وسجون وليس فتاة فى عمر المراهقة. ألقيت عليهم التحية وسألته، ماذا يريدون، رد أحدهم أنهم جاءوا ليأخذونى ومعهم أمر بتفتيش دولابى، وقالوا أيضاً أن الأمر الذى معهم لتفتيش دولابى فقط ولا يتضمن تفتيش أى جزء اخر من البيت، كان الأمر يبدو غريباً، ولكننى أخذتهم الى دولابى وبدأوا باخراج كل ما فيه وأخذوا فى البحث عن شئ يريدون أن يجدونه بين محتوياته. فى هذه الأثناء كان أبى ومعه أُختى وأخى اللذان كانا موجودان هم فقط من بين بقية اخوتى المسافرون أو المقيمون فى منازل منفصلة ومعهم بنت عمى التى كانت تقيم معنا فى تلك الفترة، كانوا جميعهم فى جزء اخر من البيت كان ذلك الجزء هو غرفة أبى، كانو يحاولون جمع منشورات ونشرات الحزب التى كانت تخص أبى ومعها أعداد من الميدان السرية. جمعوها بسرعة وخرجوا متسللين دون أن يلفتوا انتباه رجال الأمن الذين كانوا مشغلون بتفتيش دولابى. أخذوا كل تلك الأوراق وقاموا بدفنها فى الساحة الخلفية للمنزل وعادوا دون أن ينتبهوا لهم. فى هذه الأثناء أنا كنت مع رجال الأمن الثلاثة لأنهم طالبونى أن لا أُغادرهم. وجدوا بعض الأوراق والرسائل التى كانت مرسلة لى من بعض صديقاتى اللواتى كن معى فى التنظيم. لم يجدوا شئ يتعلق بالعمل التنظيمى ولكن كانت الرسائل تناقش بعض الأشياء المتعلقة بالتنظيم بشكل شخصى. أحذوا تلك الأوراق وطلبوا منى الحضور معهم. طلبت منهم أن يسمحوا لى بغسل وجهى وتننظيف أسنانى وتغيير ملابسى، فسمحوا لى ثم أخذونى معهم وهم يوجهون كلاشنكوفاتهم نحوى وسط عويل أُمى المريضة بالقلب وبُكاء اخوتى ووعيد وتهديد أبى بأنه لن يرحمهم اذا مس بى سؤ وأنا معهم. طالبهم أبى بأن يحضر معنا ولكنهم رفضوا ومنعوه فهرول مسرعاً الى المطبخ دون أن يشعر وحمل سكيناً من هناك وأخذ يركض خلف البوكس الذى أخذونى فيه والذى قام أحدهم بقيادته وبقى الاثنان الآخران معى فى خلفية البوكس وهما موجهان كلاشنكوفاتهما نحوى. ركض أبى خلف البوكس وهو صارخاً (انتو خايفيين لييكم من بت شافعة؟). لم يُبالوا بصراخ أبى وأستمر البوكس فى سيره نحو صرايا الأمن والتى لم تكن بعيدة من منزلنا كثيراً. وصل البوكس الى الصرايا، أنزلونى منه وأدخلونى هناك، وهناك بدأ فصل اخر من الرواية.

توقف البوكس أمام البوابة الكبيرة للصرايا، هكذا راق للناس أن يسموها نسبة لكونها قد بُنيت فى عهد الانجليز، والتى تحولت فى عهد عصابة الجبهة الإسلامية الى صرايا للتعذيب وانتاج الموت، فتح أحدهم البوابة من الداخل ودلف البوكس داخل الصرايا وسار فى ممر طويل الى أن توقف امام حوش كبير يحتوى على مجموعة من المبانى، رأيت على الجانب الذى على يسارى مبانى أشبه بالمكاتب ،وعلى الجانب الآخر مبانى متراصه فى خط واحد شبيهة بالغُرف ولكنها أقرب للزنزانات، عندما رأيتها توارد الى ذهنى مباشرة ما كنت أسمعه بأن الصرايا تحتوى على غرف أشباح يُعذب فيها المعتقلين واحياناً يصل حد التعذيب فيها الى الموت، وهنا راودنى سؤال: هل سيكون مصيرى مثل مصير من أُعتقل من قبلى وأُخذوا الى بيوت الأشباح؟! التعذيب، وربما التعذيب حتى الموت؟!
توقف البوكس فى اخر الممر وترجل السائق، ثم طالبنى الرجلان اللذان معى فى مؤخرة البوكس بالنزول من البوكس. نزل أحدهم أولاً وهو ما يزال ممسكاً بكلاشنكوفه موجهه الى بينما ما زال الآخر يقف خلفى فى البوكس وهو ممسكاً بكلاشنكوفه أيضاً. نزلت من البوكس واقتادنى الرجلان الى ركن منزوى فى احدى زوايا الصرايا. كان هناك كرسى موضوع تحت شجرة ظليلة أمرونى بالجلوس عليه. جلست على الكرسى، نظرت أمامى وتلفت بين جنبى وخلفى، كان أمامى المبانى الشبيهة بالمكاتب ومن شمالى خطوات والسور الذى يحيط بالصرايا من جانبها الأيسر، ومن خلفى جانب اخر من السور الذى يحجز الصرايا عن بيوت الحي، أتاح لسكانها الجوار وحظهم التعيس أن يستمعوا كل ليلة لأنات وصراخ المعتقلين الذين يتم تعذيبهم ليلاً والناس نيام، وعلى يمينى تلك الغرف المتراصة التى بدأت أسمع لاحقاً نفس الأنات والصرخات التى كان يسمعها جيران الصرايا قادمة منها. جلست على الكرسى ساكنة يحتوينى الخوف والقلق والترقب والرعب من مصير مجهول لا أعرف الى ماذا سيُفضى بى. هل سيكون مصيرى التحرش أو الاغتصاب؟ فهؤلاء وحوش بشرية لا تعرف الرحمة، أم سيكون مصيرى الى تلك الغرف المظلمة التى هى غرف لانتاج الموت البطئ؟! وأنا بين الخوف والترقب لم تفارقنى صورة أبى وهو حاملاً سكينه راكضاً خلف البوكس، صارخاُ فى وجوههم (انتو خايفيين من بت شافعة؟!)، متوسلاً لهم بأن يأخذوه معى، مُهدداً بأنه لن يرحمهم اذا ألم بى سؤ. ولم تُفارقنى صورة أُمى المريضة بالقلب وهى تصرخ وتولول وتتوسل اليهم أن لا يأخذونى وهم لا يُحركون ساكناً وكأن اذانهم قد أصابها الصمم وانما الصمم لم يكن الا عاهة قد أصابت أفئدتهم المتحجرة الخالية من ذرة رحمة أو حنان. القلق على أمى وأبى وأُسرتى من جانب، والخوف والترقب من مصيرى المجهول مع قلوبٍ قد نضبت من الرحمة ونفوسٍ قد سكنها التوحش والقسوة من جانبٍ اخر كانا هما سيد الموقف ولا سيد غيرهما فى ذلك اليوم الطويل.
كان يوم طويل، أطول يوم قد مر على فى حياتى منذ أن وُلدت الى الآن. تركونى مرمية فى ذلك الكرسى فى تلك الزاوية المنزوية من الصرايا تحت تلك الشجرة منذ أن أحضرونى فى الصباح الباكر الى ساعة مُتأخرة من الليل. كان هناك رجل أمن واحد هو الذى كان يلازمنى طول الوقت طول فترة تواجدى معهم وكان هو المسئول عن حراستى. وكان اخرون يأتون يطرحون بعض الأسئلة و يطلقون بعض التعليقات كنوع من التعذيب النفسى ويذهبون. كنت جائعة جداً لأننى لم أذق طعم الطعام منذ أن أخذونى ولم يدخل جوفى ولو قطمة خبزٍ واحدة منذ الصباح الى أن جاء وقت وجبة الغداء فأحضر لى حارسى (ساندويتش فاصوليا) غالباً ما أحضروه من السوق الذى يجاور الصرايا والمعروف (بالسوق الصغير). كنت مترددة جداً فى الأكل وخائفة أن أتناول تلك الوجبة الهزيلة التى لا تشبع حتى طفل صغير، فقد يكونوا قد وضعوا لي شئ فيها، ولكننى كنت جائعة الى حد كنت أشعر فيه بالغثيان، فتوكلت على الله وغضمت لقمة واحدة، مضغتها وتذوقتها، كانت أسوأ فاصوليا تذوقتها فى حياتى ولكن لم يكن أمامى من خيار أمام ما كنت أشعر به من جوع الا أن أكلها فأكلت كل الساندويتش على مضض. لم يُكلف حارسى نفسه أن يُحضر لى كوباً من الماء لأروى به عطشى أو حتى أغسل به طعم الفاصوليا الغير مستساق من فمى. استمر اليوم على وتيرة واحدة الى أن هبط الليل وأنا جالسة فى ذلك الكرسى ليس مسموح لى بالتحرك أو القيام أو المشى الذى كنت أحتاجه لتحريك عضلات جسدى وتحريك دورتى الدموية، إلا بالذهاب إلي الحمام لقضاء الحاجة، وحتي الحمام لم يكونوا يسمحون لي بإستخدامه إلا بعد إلحاح.
كنت طيلة ذلك الوقت أُحاول بقوة قتل احساس الخوف داخلى واصارع نفسى واصارع كل مكامن الضعف واحتمال الانكسار فيها، وبالتدريج استطعت أن أستجمع قوتى وأستحتضر شجاعتى وأنتصر على كل هاجسٍ للخوف يمكن له أن يكسر صمودى وثباتى وهيأت نفسى للمقاومة. حل الليل ومع حلول الليل حلت صرخات وأنات المُعتقليين من داخل غرف أشباح الموت التى كانت تبعد عنى بمسافة قصيرة بحيث تتيح لى سمع كل أنات الوجع وصرخات الألم من هول التعذيب. وفى تلك اللحظات استحضرتنى حكايات صديقة والدتى عن ما يسمعوه ويروه خلسةً من خلف سور بيتهم الذى كان يفصلهم عن الصرايا، كانت تحكى لنا حكايات غريبة هى أشبه بأفلام المخابرات الأمريكية لا يمكن تخيلها أنها تحدث فى السودان ومن قبل نظام يدعى أنه اسلامى جاء ليُطبق عدل الله فى الأرض. كانت تحكى كيف كانوا يسمعون الصرخات وهى تشق سكون الليل فيأخذهم الفضول هى وأسرتها لاختلاس النظر عبر السور ليروا أفظع وأرعب المشاهد تمارس على المعتقليين، كانوا يروهم واقفين على الحوش مصلوبيين على أرجلهم طيلة الليل فى الهواء البارد وأحياناً تحت المطر، وكانوا يروا تلك الكلاب البشرية وهم يفتحون خراطيش المياه عليهم أحياناً وعلى الأرض أحياناً أُخرى، وبعد أن تمتلئ الأرض بالماء يضعون عليها الكهرباء ويأمروهم بالمشى أو الجلوس عليها، وكانوا يرون كيف كانوا يقومون بضربهم واهانتهم واذلالهم. كان هذا ما أتاحه لهم النظر خلسة من خلف السور وما كان داخل تلك الغرف أعظم. استحضرنى كل هذا عندما حل الليل وأخذت أُسائل نفسى التى كانت تُصارع خوفها، هل سيكون مصيرى مثل هؤلاء…؟!

حل الليل وحل معه ظلام دامس وبرد قارص ينهش دواخلي رغم حرارة الطقس وأنا ما زلت جالسة على ذلك الكرسى تحت الشجرة فى زاوية منعزلة من زوايا الصرايا ونفسى يتقاذفها الحزن ما بين صرخات وانات المعتقلين بالجوار وبين هواجسى وخوفى ووترقبى وبين مقاومة كل هذا والاصرار على الصمود. كانت فترة يخيم عليها الصمت والسكون، انهم صامتون، يتعمدون الصمت، يتعمدونه لالحاق العذاب النفسى بى ليخيم السكون حولى وتزداد هواجسى وظنونى، لتجد الصرخات والأنات القادمة من جوارى طريقاً سهلاً وميسراً فى ذلك السكون لتصل الى قلبى عبر أُذنيا فتملأه خوفاً ورعباً وظنون. لكم ان تتخيلوا وأن تطلقوا لخيالكم العنان ليأخذكم الى حيثما كانت تجلس تلك الفتاة الصغيرة، الى حيث كنت أجلس أنا،هناك تحت تلك الشجرة فى ذلك الظلام فى تلك الليلة الموحشة، ليس لها أنيس غير نفسٍ جزعة، قلقة، مرتجفة لا تدرى ما تُخبأه لها الساعات القادمة وما تطويه الأيام القادمات فى داخلها من مفاجاءات.
تركونى هناك وأنا على هذا الحال منذ قدومى عند الصباح الباكر وحتى الساعة الثانية عشر ليلاً، لم يقدموا لى خلال كل هذا الوقت غير ذلك الساندويتش البائس بتلك الفاصوليا البائسة ولم يرحمونى بكوبِ ماءٍ واحد منذ الصباح. ولم يسمحوا لي بإستخدام الحمام إلا مرة واحدة.
عند الساعة الثانية عشر ليلاً جاء حارسى وطلب منى أن اذهب الى البيت، نظرت اليه بفرحة تخالطها الدهشة، الفرحة لأنهم أطلقوا سراحى، والدهشة لأنه طلب منى أن أذهب وحدى ومشياً على الأقدام فى ذلك الليل وفى تلك الليلة المظلمة الباردة. سألته: (ألن ترجعونى الى البيت كما أحضرتمونى منه؟!) نظر الى بوجه يخلو من التعابير قائلاً: (لا، الأوامر أن تذهبى لوحدك وأن تعودى الينا فى الصباح الباكر عند السادسة). لم تكتمل فرحتى عندما سمعت ذلك، ولكن قلت لنفسى: (على الأقل سأنام فى بيتنا). خرجت من الصرايا وبدأت أطول رحلة على الأقدام مشيتها فى حياتى بالرغم أن الطريق من الصرايا الى بيتنا لم يكن طويلاً الى هذا الحد ولكننى شعرتها كذلك. كان الطريق حولى يُخيم عليه الظلام ويُحيط به السكون وكان الجو يشوبه سموم الصيف الحار كانت أعضائى ترتجف من شدة البرد الذي كنت أشعر به من شدة الخوف رغم ذلك السموم، مشيت وأنا أتلفت خلفى خوفاً من الكلاب التى كانت على جانبى الطريق والتى كانت تحاول الاقتراب منى وهى تنبح وأنا أُحاول صدها بمحاولة اظهار عدم الخوف واللامبالاة. تابعت سيرى بخطوات حاولت جاهدة أن تكون ثابتة وأنا أُردد على نفسى: كونى ثابتة، كونى شجاعة، قاومى الخوف، ولا تهتمى للسكون الذى حولك ولا لنباح الكلاب الضالة على الطريق، وتناسى احتمال أن يهجم عليك شخصُ فجأة فى هذا الظلام، قد يكون لصاً يبحث عن ضالته، أو مجرماً من من يتخذون الظلام ستاراً لجرائمهم. تابعت سيرى نحو البيت وأنا أُحاول تشجيع نفسى لتجرجر أقدامها حتى تصل الى البيت. ووصلت الى البيت بعد عناء وأنا أشق ظلام الخوف عبر ظلام تلك الليلة الحالكة. طرقت على الباب، وبعد طول طرق، فتح أبى الباب. تفاجأ حينما رانى لأنه كان يعتقد أنهم سيحتجزونى، وبعد لحظة تدارك أننى فعلاً هنا فأخذنى فى حضنه وهو غير مُصدق وصار يصرخ ليُصحى الجميع: (اشتياق هنا). استيقظ كل من فى المنزل وقفزوا من سرائرهم وهم غير مصدقون، وتهافتوا على جميعاً بالعناق والقُبلات. وانهالت على الأسئلة كقبلاتهم: أنتِ كويسة؟ عملو معاك شنو؟ ضربوك؟ عذبوك؟ أساءوا لييك؟ عذبوك؟ ضربوك؟ وأنا أقف صامتة لم أنطق الا بجملة واحدة: أنا تعبانة، وجيعانة، ونعسانة وعاوزة أنوم. صمت الجميع عند سماعهم هذه الجملة وهرولت أُختى الى المطبخ لتُجهز لى طعاماً وأخى الى الثلاجة ليُحضر لى ماءاً، ورجعت أُمى الى سريرها وهى يبدو عليها الارهاق والاعياء. جلست بالقرب من أُمى على سريرها وجلس الجميع حولنا، كنت قلقة جداً عليها وما زاد قلقى ما رأيته على وجهها من معالم المرض، حكى لى اخوتى ما حدث بعد أن غادرت مع رجال الأمن: ركض أبى خلف البوكس وعندما لم يستطع اللحاق به، سار مشياً على الأقدام الى الصرايا وهو ما زال ممسكاً بسكينه وعند وصوله طلب منهم أن يسمحوا له بالدخول لرؤيتى ولكنهم رفضوا فتعارك معهم وتشابك معهم بالأيادى ومع اصرارهم على عدم السماح له بالدخول أصر هو على البقاء أمام بوابة الصرايا على امل أن يسمحوا له بالدخول، وعندما اعتراه التعب من طول الوقوف ويأس من أمل لرؤيتى عاود الى البيت. عندما وصل الى البيت، كان الجميع فى حالة بكاء فقد أُغشى على أُمى من كثرة البكاء وكان لابد من نقلها الى المستشفى،نُقلت أُمى الى المستشفى وهناك أخبرهم الطبيب أن ضغطها مرتفع جداً وأن حالتها تحتاج الى رعاية نسبة لخطورة هذا على قلبها الضعيف. قام الطبيب باسعافها والحمد لله وسمح لها بالعودة الى البيت. كل هذا حدث وأنا هناك وبعد أن أخبرونى، علمت لماذا كنت قلقة وكنت أشعر بأن هناك شئ ما غير سار يحدث فى غيابى. أحضرت أُختى العشاء وبعد أن تناولته وقبل أن أُمدد جسدى المتعب، أخبرتهم أنهم طلبو منى العودة الى الصرايا فى الصباح. قال أبى أننى لن أعود لهم وطلب منى النوم حتى أستطيع أن أصحو باكراً لأذهب الى بيت العائلة الكبيرة والذى كان فى حى اخر وأمكث هناك لعدة أيام حتى ينسونى. هززت رأسى بالموافقة وذهبت للنوم علنى أُريح جسدى المنهك وأًسكت تلك الهواجس التى كانت تعصف برأسى.
عند الصباح، ذهبت الى بيت العائلة علنى أجد فيه مهرباً منهم، وذهب أبى الى أحد أقربائه الذين ينتمون الى حزب النظام والذى له كلمة مسموعة لعله يستطيع التوسط ليتركونى فى حالى. ولكن لم ينفع هروبى ولا وساطة قريب أبى. عندما جاء الوقت المحدد لعودتى لهم ولم أعود، ذهبوا الى منزلنا وسألو منى هناك، فأضطر أبى أن يخبرهم بمكانى وأحضرهم الى بيت العائلة. وكانت أول جملة قالها لى رجل الأمن عندما رانى: (انتى قايلة روووحك بتقدرى تدسى مننا؟) وذهبت معهم وهناك تواصل نفس العرض الذى عرض فى اليوم الأول، وأستمر هذا العرض لمدة قاربت الشهر حتى أصبح روتين يومى مارسته طيلة تلك الفترة. فأصبح كل شئ فيه اعتيادى، جلوسى فى ذلك الكرسى تحت الشجرة منذ قدومى عند الصباح وحتى مغادرتى عند المساء، الصمت الذى يطبق على كل شئ حولى والذى لا يكسره غير ذلك الصراخ والأنين القادم من غرف أشباح الموت تلك، قدوم حارسى الى ليتفقدنى وأحياناً قدوم بعضهم معه، حتى أسئلتهم السمجة اعتدتها واعتدت ردودهم على أجاباتى عليها بأننى مُدربة جيداً وأعلم جيداً ماذا أفعل. كان حارسى دائماً معى وكان يُدير معى أحياناً حواراً طريقته كانت مختلفة بعض الشئ عن الآخريين، كنا نتحدث عن الحكومة وعن النظام ولماذا نعارضه، كان يتحدث معى ببعض الود وكنت احاوره بود متبادل ولكن يشوبه الحذر، كنت أشعر انه انسان طيب وسودانى بسيط ولكنه يمتهن هذه المهنة القذرة مجبراً وأن الحاجة هى التى أجبرته على قبولها، وكنت أشعر أنه يحاول دائماً ايصال معلومة أنه عبد المأمور. نشأت بيننا شئ من الصداقة، وأذكر أنه فى احدى تلك الأيام كان عمر البشير قادم الى مدنى وكانت هناك مسيرة كبيرة لاستقباله، فأخبرنى بها وقال لى أنهم سيذهبون لاستقباله، وعندما عاد من المسيرة أحضر لى معه طعام كثير، كل ما لذ وطاب من خيراتهم وقال لى وهو ضاحك سأرحمك اليوم من أكل الفاصوليا. تقبلت منه الطعام وأنا ضاحكة وشكرته عليه. كل أيامى تلك كانت متشابهة ومتشكرة، أأتى الصباح، يمارسون على ذلك العذاب النفسى وعندما يحل الليل يطالبوننى بالذهاب الى أن أعود فى اليوم التالى. تعودت حتى على الطريق من الصرايا الى بيتى ومشوارى فيه وأنا أشق الظلام بين نبيح الكلاب وخوفى ورعبى من المجهول الذى يطويه الليل. كنت أجلس فى نفس الكرسى، فى نفس المكان كل يوم ولم أعد اتوجس كثيراً بما سيحل بى أو سيفعلونه معى، فقد أيقنت أنهم اكتفوا بممارسة التعذيب النفسى معى واجلاسى طول اليوم على نفس الوضع دون السماح لى بالتحرك. كان بالى مع ناس البيت فهم يُجهزون لزواج أُختى الأكبر وأنا أفتقد وجودى معهم. أفتقد أن أُمارس معهم طقوس التحضير للزواج السودانى بكل ما لها من نكهة وتميز، وأفتقد أن أذهب مع قريناتى من بنات العائلة لنتهيأ لاحتفالات الزواج بشراء الفساتين الجميلة وبعض من الحلى للزينة، افتقد جو الأسرة ودفئ تلك اللمات الذى يميز تلك المناسبات الحميمية.
استمر بى الحال كما هو وسارت الأيام بنفس الوتيرة الى أن جاء يوم جاءنى فيه أحدهم والذى عرفت لاحقاً أنه ظابط ولكننى لم أستطع أن أعرف رتبته، وطلب منى أن أصطحبه الى داخل المكتب، توجست قليلاً ولكننى حمدت الله أنهم على الأقل سيحققوا معى وسأعرف لماذا أنا هنا، قبل أن نذهب الى المكتب، طرح على بعض الأسئلة وجاوبته بنفس طريقتى المعهودة لهم والتى كانوا يعتبروها ساخرة ومتهكمة. بعدها أصبح يتكلم معى بطريقة أحسست أنها لم تكن جادة:( انتى قايلانا ما بنقدر نعذبك؟)، (هسى لو عاوز ح أوقفك فى المطرة دى للصباح) وكانت فى تلك اللحظة قد بدأ المطر فى النزول. وقفت كما أمرنى وأنا أبدى التحدى، فابتسم وطالبنى أن أذهب معه الى المكتب لاجراء التحقيق معى. لم يكن هو من أجرى معى التحقيق، بل كان ظابط اخر تقريباً كان برتبة عقيد، غير متأكدة تماماً من رتبته في ذلك الوقت، ومعروف بلقب (نمر ) وكان ظابط مشهور فى أمن مدنى، وكان المسؤول عن جهاز أمن عصابة الجبهة الإسلامية بود مدني في ذلك الوقت، وقد تعذب علي يديه في صرايا الموت تلك، المئات من أبناء مدني والجزيرة وإستشهد منهم الكثيرين، كان من بينهم، الشهيد عبد المنعم رحمة النقابي المناضل المعروف في مدني والذي بدأ تعذيبه في الصرايا وتواصل في أحد بيوت الأشباح في مدينة الحصاحيصا بعد أن تم نقله إليها حتي إستشهد من أثر التعذيب وأرجع لأهله جثة هامدة، مدعين أنه مات بالملاريا.
كان مجرد سماع إسم ( نمر ) يبعث الرعب في النفوس. أصطحبنى ذلك الظابط الى مكتب المدعو( نمر )، وهناك قابلت (نمر) وجهاً لوجه. طالبنى بالجلوس على الكرسى المقابل لمكتبه، وفتح درج مكتبه وأخرج منه ملف يحوى فى داخله الأوراق والجوابات التى وجدوها فى دولابى، كان هادئاً هدوء مريب وبدأ فى طرح الأسئلة: الورق دة بتاعك؟ الجوابات دى بتاعتك؟ الناس الاساميها فى الورق دة منو؟ وانتى بتعرفيهم؟ وعلاقتك بيهم شنو انتى منظمة؟ فى التنظيم دة؟ نحنا عندنا معلومات انك مسئولة من التنظيم فى مدارس البنات، ومعلومات تانية انك من المسئوليين من التنظيم فى مدنى. انت بتعرفى منو فى التنظيم؟ انتى بتعرفنى فلان وعلان؟ و……الخ. كنت أجلس أمامه وأنظر اليه وهو يطرح أسئلته وأنا أقول لنفسى: (هذا هو نمر الذى يتحدثون عنه؟ هذا هو نمر صاحب الاسم الذى يهابه الجميع؟)، وأنا أجلس أمامه لم أشعر بالخوف ولم ترتجف أوصالى من الرعب بل أحسست به صغيراً وضيعاً أوضع من جرز وأصغر من فأر، أحسست بأننى أقوى منه الاف المرات، فزادنى ذلك تحدى وأخذت أجاوب على اسئلته بكل برود واعتزاز وثقة فى النفس. أنكرت معرفتى بكل من ذكر من أسماء، وأنكرت امتلاك أو معرفة بكل الأوراق التى وجدوها فى دولابى مما أثار غضبه فصار يصرخ: (بتنكورى فى شنو؟ الأوراق دى موووش لقيناها فى دولابك؟)، (والأسماء دى موووش مكتوبة فى الأوراق اللقيناها فى دولابك؟)، هو يطرح الأسئلة وأنا أُصر على الانكار، حتى نفذ صبره فتطاير شذراً، وضرب مكتبه بقبضة يده وانهال على بالتهديد: انتى قايلة نفسك شنو؟ هسى والله أشيلك وأعلقك فى المروحة دى، والله أضوقك عذاب عمرك ما ضوقتيهو فى حياتك، من بكرة دى أنا ح أرحلك سجن النساء وتفضلى مرميها فيهو عمرك كلو، وبعديين تعالى هنا بترسلى لينا مجدى سليم؟ مجدى سليم ماشى يعمل لينا شنو؟ هو زاتووو لو عاوزيين بنجيبو يشرف معاك هنا، مجدي سليم هو زوج أختي الكبرى وهو من أكبر محامين مدينة مدني ومن أكبر سياسينها ومن أشهر معارضينها لعصابة الجبهة الإسلامية، وقد جاء لزيارتي وليطالبهم بالإفراج عني ولكنه منع من زيارتي وتم رفض طلبه …… توالت التهديدات وتوالي الوعيد، التعذيب، سجن النساء…الخ الخ الخ. هو غاضب وأنا باردة لم يحرك كل هذا فينى ساكن ولم يهز فينى شعرة واستمريت فى نفس طريقتى فى الرد على أسئلته وبنفس الإنكار وبنفس البرود. لم يخرج منى بعُقاد نافع زى ما بقولو، فبدا عليه اليأس فنادى الظابط الآخر وأمره بأن يُخرجنى الى الخارج فى الصالة التى كان بها المكتب، فأصطحبنى الرجل وطلب منى الجلوس على كرسى كان موضوع فى تلك الصالة. جلست هناك لفترة، وأنا جالسة، فكرت فى تهديدات نمر وخشيت انه ربما سينفذها، ففكرت فى حيلة تجعلهم أن يزيلو من رؤسهم فكرة التعذيب تماماً. ادعيت المرض واقنعت الظابط الذى كان يحرسنى بأننى مريضة بالقلب وأننى أشعر بالآم حادة فى قلبى وأننى أحتاج أن أتناول دوائى حالاً طلبت منه أن يرسل أحداً لاحضاره من البيت. أوحيت له بأنني مريضة وأي محاولة للتعذيب قد تؤدي إلي موتي. انجلت عليه الخدعة وذهب مسرعاً الى نمر ليخبره بذلك، فأمره نمر بأن يسمح لى بالعودة الى البيت، وكان الوقت مساءاً وكالعادة رجعت كما أفعل كل مساء، ولكن هذه المرة خرجت من صرايتهم الفخيمة وابتسامة خبيثة تعلو ثغرى وأنا أكاد أطير فرحاً وفخراً بنشوة الانتصار.
مرت الأيام التى تلت ذلك اليوم كسابقاتها، لم يتغير شئ بعد التحقيق، نفس الروتين السابق، تسجيل حضور عند الصباح، جلوس فى نفس الكرسى، نفس وتيرة اليوم بكل تفاصيلها الى أن يأتى المساء فيسمح لى بالرجوع الى البيت. فى هذه الفترة كان عقد قران أُختى وأخى، طولة يومين مراسم الزواج، كنت أقضى كل اليوم بالصرايا وأعود فى المساء لأشارك العائلة فرحتهم، وطبعاً كان لأصدقائى كلاب الأمن حضور مشرف في كل حفلات ومراسيم الزفافين. استمرت مزاولة عملية الحضور والانصراف بنفس الوتيرة الى أن كان اليوم قبل الثلاثين من الشهر بيومين، ومن البوابة قالوا لى: (نمر قال، الليلة اخر يوم وتانى ما تجى)، نظرت اليهم مبتسمة ورجعت أدراجى وما زال هناك سؤال عالق فى ذهنى: لماذا الآن؟! وما زلت لا أجد لذلك السؤال اجابة، وما زال ذلك السؤال عالقُ فى ذاكرتى: لماذا فى ذلك الوقت بالتحديد وليس قبله…………………………………………………………………………………………………….؟!.

خاتمة
لم يكن هدفى من سرد تجربتى سرد تجربة شخصية وان كانت تمثل جزء من تاريخى ومنعطف مهم فى حياتى ولكن كان غرضى الأساسى أن أعكس أمرين:
1. أن ألفت النظر الى أن هناك كثير من المناضلون والمناضلات مرت بهم تجارب مريرة كثيرة فى ظل هذا النظام من اعتقال وتعذيب وفصل تعسفى من العمل أو الدراسة وغيرها من التجارب القاسية، ولكن لا أحد يعرف عنها شيئاً.
2. أردت التركيز ولفت النظر الى نضالات المرأة السودانية ودورها فى النضال ضد هذا النظام ومن أجل معركة الحرية وكيف كان لها دور كبير منذ بداية هذا النظام ولم ينحصر دورها فقط فى المشاركة فى المظاهرات أو النضال بقلمها وكلمتها بل كان لها دور أساسى وتنظيمى وقيادى وما زال هذا الدور والمجهود والعطاء متواصل ولن ينقطع الا بسقوط هذا النظام وزواله بل سيتواصل دورها فى بناء وطن ديمقراطى يسع الجميع ويكفل الحقوق للجميع وعلى رأسها حقها كمواطنة لها حقوق مواطنة متساوية مع الرجل..
أنا واثقة، ان فى كل بقعة من بقاع هذا الوطن قصة مماثلة لقصتى لم يجد أصحابها فرصة لروايتها..وأنا من هنا أدعوا الجميع أن ينشروا رواياتهم مع النظام واعتبر هذا واجب عليهم فعله يحتمه عليهم حق المواطنة التى سلبها منهم النظام بممارساته ضدهم، أن ينشروها على أوسع نطاق ليس لاكتساب شهرة أو تباهى أو حتى تباكى ولكن لينكشف عن النظام قناع نفاقه وكذبه وليظهر على حقيقته لأوسع قدر من الناس.

#عادة نشر مع بعض التعديل / تم نشرها / يناير 2013

إشتياق خضر

#أتعرفون من هو ( نمر ) بطل ( صرايا الأشباح )  المرعب؟!

إنه ( عمر نمر ) معتمد ولاية الخرطوم السابق .!!

عمر نمر ( نمر من ورق ) ..!!

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.