الجمعة , مايو 17 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *العلاقة البعثية- الشيوعية-الحوار الممكن عربياً وسودانياً*

*العلاقة البعثية- الشيوعية-الحوار الممكن عربياً وسودانياً*

#الهدف
#الهدف_آراء_حرة

*العلاقة البعثية- الشيوعية-الحوار الممكن عربياً وسودانياً*

*اليسارية هجرة ولكنها هجرة داخل الأوطان..

*التخلي عن ميتافيزيقيا الذات هو المدخل الصحيح للحوار.

*الحوار مواجهة مع الذات إذ هو حركة التاريخ العظمي.

*أحمد محمود أحمد*

نتيجة  للتحديات التي تواجه المنطقة العربية عموماً والسودان أختصاصاً، فإن هذا الواقع يتطلب وعياً جديداً يتجاوز الوعي التقليدي السابق في واقع الأحزاب العربية، والذي تشكل عميقاً عبر الصراع بدلاً عن الحوار.
إن هذه المرحلة مختلفة من حيث كافة القياسات لأنها تطرح قضية كينونة الأوطان، إذ تتحالف عبر هذه المرحلة ولأول مرة ثلاث قوى خطيرة، تتمثل في قوى الأستعمار بشكلها الجديد من جهة، والقوى الداخلية ممثلة في الأنظمة الديكتاتورية سواء كانت ملكية أو عسكرية، علاوة على جماعات العنف الديني، مضافاً إليها بعض القوى الأقليمية التي تسعى للدخول للواقع العربي عبر كل الطرق من أجل تفعيل عوامل التفتيت عبر المنحى الديني الطائفي، ممثلاً ذلك في إيران وتركيا.
هذه التحديات تطرح ضرورة أن يُعاد النقاش حول ضرورة التحالفات على أسس موضوعية من أجل مواجهة التحديات وتثبيت وجود الأوطان.
هذا المقال يبتدر هذا النقاش من دون إدعاء أية فرادة، من خلال التركيز على العلاقة البعثية- الشيوعية من أجل الوصول لحالة حوار جدي بين هاتين التجربتين، للوصول إلى صيغة تجعل امكانية التحالفات الاستراتيجية ممكنة من أجل مواجهة التحديات المذكورة سابقاً، ومن أجل تجاوز الرؤية السكونية التي شكلتها مرحلة الخمسينيات وما تلاها بين البعثيين والشيوعيين.
للوصول إلى تلك الغاية فإن هذا المقال سيركز على ثلاثة محاور أساسية ترتبط، أولاً: بقراءة تاريخية للعلاقة البعثية-الشيوعية.
ثانيا: مناقشة المشتركات  التي تصلح كأرضية لهذا الحوار،  وأخيراً سيركز هذا المقال على العلاقة بين البعثيين والشيوعيين السودانيين لأختبار إمكانية هذا الحوار بناءً على التحالفات الراهنة ضمن قوى الإجماع الوطني.
إن أقصى ما تتطلع اليه هذه الدراسة هي إمكانية إثارة حوار جدي بين هاتين القوتين من أجل مخارج مستقبلية للأزمة الراهنة، ومن أجل انبثاق جبهة يسارية تقدمية قمينة بمواجهة التداعيات التي تعصف بجميع الأوطان.

البعد التاريخي في العلاقة البعثية- الشيوعية:
لقد قال مؤسس البعث الراحل ميشيل عفلق بأن (فكرة البعث فكرة إيجابية لم يكن الدافع إلى ظهورها مكافحة أفكار أو حركات أخرى، بل الإعلان عن حقيقة، والنضال في سبيل نشرها وظفرها. أما اصطدامها الدائم والعارض بأفكار وحركات وقوى تعترض سبيل انتشارها وتحققها فقد كان وسيلة لتوضيح ذاتها وشق طريقاً، لا غاية في حد ذاتها) (ميشيل عفلق).
هذه المقولة لدى مؤسس البعث عن علاقة حزب البعث بالقوى الأخرى، ومن ضمنها الشيوعيين تؤكد بأن حزب البعث العربي الأشتراكي -ومنذ التأسيس- كان واعياً بأبعاد العلاقة بينه والقوى الأخرى، إذ يؤكد أن هذه العلاقة قائمة على مشروعية إثبات الوجود، وليس معاداة أو محاربة القوى الأخرى، إذ أن ضرورة الانتشار والوجود وسط الجماهير يعتبر ضرورياً لأية قوى تعمل وسط هذه الجماهير، وهذا لا يعني أن التعارض مع الآخرين يعتبر غاية لدي البعثيين، وإنما وسيلة يتطلبها الانتشار والتواجد وسط هذه الجماهير.
وحول العلاقة مع الشيوعية يقول القائد المؤسس ميشيل عفلق الآتي:
(ومع هذا فقد كان لا بد لحركتنا منذ التعبير الأول عن فكرتها أن تتخذ موقفا أساسياً محدداً من الشيوعية كنظرية معدة للتطبيق وكنظرة للأنسان، وذلك لأن الشيوعية أظهرت نفسها كخلاصة للفلسفات التي عرفها البشر وكدين جديد لمستقبل الأنسانية. فتحديد موقفنا منها كان مفروضا علينا من هذه الأعتبارات، ومن الأهمية الفكرية والعملية التي أحتلتها الشيوعية في العالم الأوربي لا من تماسها المباشر مع واقعنا العربي)( المصدر السابق).
هذه الرؤية تنطلق من وعي مصدره إدراك ماهية الحركة الثورية ممثلة هنا في حزب البعث، وضرورة علاقتها مع القوى الأخرى، ومن ضمنها الحركة الشيوعية. المقابلة والحوار والنقاش الفكري هي فاعليات تتخذ شكل الضرورة عندما تدخل الأوطان ضمن حالة الأزمات الكبرى، كما أنها تعتبر فعلاً حيوياً وضرورياً لأية حركة تطلب التغيير.
العلاقة بين البعثيين والشيوعيين تحكمت فيها عوامل عديدة أدت لغياب الحوار تاريخياً بين هذه القوى التقدمية ويمكن حصرها في الآتي:
أولاً: لقد استطاع حزب البعث العربي الأشتراكي الوصول للسلطة في قطرين عربيين هما العراق وسوريا، كما تم تبني أفكاره عبر الحكم في مصر في زمن جمال عبد الناصر. هذه التجارب شكلت تحدياً في إمكانية إجراء حوار جدي بين القوتين يتجاوز الجانب السياسي نحو البعد الفكري. فالبرغم من بعض الحوارات السياسية والتي انتهت في بعض الأحيان عند تكوين عمل جبهوي قصير المدى، إلا أن الناتج من هذه العلاقة السياسية انتهى إلى أشكال عدائية والتي لا نود الخوض حولها هنا.
ثانياً: الأحزاب الشيوعية العربية تنطلق -وفي أغلب الأحوال- من نظرة فكرية تنظر من خلالها لحزب البعث بكونه حزب برجوازي غير قادر على إحداث النقلة الثورية، وذلك بكونه يتبنى المنظور القومي، والقومية لدى الماركسية حالة تتضاد مع المفهوم الأممي، الذي لا يعترف بحدود الدول، كما أن القومية منظور برجوازي حسب التصنيف الماركسي. بالرغم من ذلك المنظور، إلا أن بعض الأحزاب الشيوعية قد غيرت طريقة تفكيرها وبالذات فيما يتصل بالوحدة العربية.
ثالثاً: علاقة غالبية الأحزاب الشيوعية العربية بالاتحاد السوفيتي عبر العقود التي سبقت سقوطه، جعلت حزب البعث ينظر إلى هذه العلاقة بريب وشك. إذ يدرك حزب البعث بأن الأتحاد السوفيتي – بالرغم من صفته كدولة شيوعية آنذاك ومتزعمة وموجهة للأحزاب الشيوعية في دول العالم – يبقى دولة تعمل بسياسة واقعية تراعي فيها مصالحها، ولهذا فإن حزب البعث وعبر تلك المراحل كان يرى أن موقفه موقفاً قومياً مستقلاً يستلهم مصلحة الأمة العربية (المصدر السابق).
وهذا عكساً لسياسة الأحزاب الشيوعية آنذاك، والتي يرى حزب البعث إنها تنطلق من السياسات الخارجية المستوحاة من السياسة العالمية ومن ظروف الأتحاد السوفيتي عبر تلك المرحلة.
رابعاً: المنطلقات النظرية لدى حزب البعث العربي الأشتراكي تعتبر أن سياسته (مستمدة من فكرته الانقلابية العربية التي تقوم على أساس أن البعث العربي يعتمد على تحقيق الانقلاب والانبعاث من الداخل وعلى تحرير البلاد العربية وعلى توحيدها وعلى تجديد المجتمع العربي والنهوض به أولاً، بينما تهمل الشيوعية كل هذه الأشياء أو تتهاون فيها) (المصدر السابق).
خامساً: لقد لعب التنافس السياسي دوراً معيقاً في إمكانية إجراء حوار على أسس موضوعية، إذ أصبح حزب البعث والشيوعي في اطار مواجهات عديدة وفي بعض الأقطار العربية، بالرغم من بروز الجبهة الوطنية التقدمية في العراق وسوريا والتي جمعت هذين الحزبين انذاك.
سادساً: غياب النقد الذاتي داخل هذه الأحزاب أفضي – وفي أحوال كثيرة – لعدم إمكانية قيام حوار جدي داخل الشكل التنظيمي  لها، وغياب هذا الحوار الداخلي حول مجمل القضايا قد أنعكس وبالضرورة على درجة الحوارات البينية أي بين البعثيين والشيوعيين.
سابعاً: التعالي الأيديولوجي، وفي بعض الأحوال قد لعب دوراً في تعطيل آلية الحوار، وبالذات من جانب الأحزاب الشيوعية والتي تنظر إلى الماركسية بأعتبارها أعظم تجليات الفكر الأنساني، وهذا بدوره أدى إلى الأنغلاق الأيدولوجي. كمثال إلى ذلك فقط لنقرأ كتابات الراحل مهدي عامل في نقده للفكر اليومي في بلاد الشام، إذ أطلق على كل كتابة غير ماركسية صفة العدمية أو البرجوازية، وهذا الأتجاه إن لم يكن عاماً، إلا أنه قد أثر في المنظور الشيوعي لعموم الأحزاب العربية ومن ضمنها حزب البعث.
خروجاً من هذا الاطار والمتمثل في نقاش المعوقات دعونا، وبشكل أعمق، نتجاوز هذا التاريخ من أجل البحث عن مشتركات الحوار بأفق نظري وعملي.

أسس وإمكانية الحوار:
في تقدير هذا المقال، فإن الحوار مع الواقع هو الأهم أولاً، لأننا إذا أردنا أن نتخلص من ميتافيزيقيا الذاتية فيجب أن نجعل اطراف الحوار نفسها فاعلاً في التاريخ لا مفعولاً للتاريخ (محمد سبيلا).
وعليه فإن (الحوار هنا يغدو ليس مفعول أطراف ولا هو بالضرورة مواجهة مع الآخر، وإنما أيضاً مواجهة مع الذات، هو في المحصلة النهائية حركة التاريخ العظمى والتي تسعى إلى شق دروب الفكر وإبداع الأسئلة وتوليد المفارقات) (المصدر السابق).
و استناداً إلى هذا الوعي فإن المطلوب أولاً من الأحزاب الشيوعية العربية – ودون وصاية –  أن تراجع النظرية الماركسية نفسها فيما يتعلق بقضايا الصراع والوعي بقوى التغيير، ونمط الانتاج الجديد.
لقد كان الناس في اوائل القرن الماضي يرون أن التعجيل بالحل الأشتراكي لحل القضايا الاجتماعية أو قضايا الصراع الطبقي هو المدخل الصحيح، وبشكل آخر فقد كان طريق الإنقاذ منذ أواخر القرن قبل الماضي إلى العقود الأخيرة من القرن المنصرم يتلخص في شعارين اثنين: التأميم والأممية البروليتارية (محمد عابد الجابري).
ولكن الواقع العالمي اليوم يطرح أخطر قضيتين، وهما الخصخصة والعولمة، وهي الآليات الرأسمالية والتي تعمل على إزاحة الشعارات المتعلقة بالتأميم والأممية البروليتارية (المصدر السابق).
لقد أصبحت الخصخصة بديلاً عن التأميم، والعولمة بديلاً عن الاممية.
الخصخصة ليست هي الخصوصية، ولا العولمة هي العالمية، بل هما شيطنة العالم عبر جنون الرأسمالية من أجل تسعير الانسان وتسليعه، من أجل سيادة نمط الاستهلاك، وشيوع قيم الرأسمالية.
هذا الواقع يتطلب إحداث وعي جديد للاشتراكية تحديداً، وإلى إدراك القوى صاحبة التغيير عبر هذه المرحلة.
ولهذا فإن النقاش المطلوب شيوعياً يتصل بالوعي المتعلق بمفهوم البرولتيارية، والتي ارتكز عليها ماركس عبر القرن التاسع عشر، وكذلك الاشتراكية التي لم يكتب لها النجاح عبر التطبيق الفعلي.
كما المطلوب النقاش حول الديمقراطية، وهذا ينسحب على حزب البعث كذلك إذ المطلوب إعادة التفكير في الديمقراطية، وبشكل جدي من أجل معالجة القضايا المصيرية في الواقع العربي.
إذاً الحوار بين البعثيين والشيوعيين يتطلب الحوار الداخلي أولاً، ومن ثم أن يتحاور الحزبان حول أهم القضايا، وهي المتعلقة بقضية الدين وكيفية مواجهة التيارات الدينية، وكذلك الحوار حول مواجهة العولمة، والأهم كذلك النقاش حول قوى التغيير في المنطقة العربية، وكيفية تطبيق الأشتراكية في ظل المتغيرات الكبرى التي أحدثتها الرأسمالية. كما المطلوب أن يتحاور البعثيون والشيوعيون حول ضرورة التحالف الاستراتيجي، من أجل تشكيل جبهة يسارية قوية تؤسس لوعي تقدمي بديلاً عن الوعي الرجعي الذي أصبح مسيطراً على المنطقة العربية، ولن يتم ذلك إلا عبر الزحزحة العلمية والموضوعية للمسلمات السابقة في تجربة هذين الحزبين.
غني عن القول أن التقنية الجديدة قد أحدثت تغيرات كبيرة داخل المجتمعات  الإنسانيّة، وقد حلّت الآلة مكان الإنسان، إذ بدت التقنية وكأنها شكل من اشكال الحقيقة، وكيفية من كيفيات الوجود، وهي الكيفية التي يختفي فيها الوجود ليظهر كمستودع (محمد  سبيلا).
وعليه فإن (الانكشاف الذي يحكم التقنية الحديثة هو عبارة عن تحريض تعامل فيه الطبيعة على أنها مستودع لطاقة يمكن أن تستخرج وتتراكم، وينظر إلى سائر الموجودات بما فيها الإنسان على أنها مركب من القوى قابل للحساب الرياضي)(المصدر السابق).
كل هذه المتغيرات على مستوى الآلة والتقنية واغتراب الإنسان واستلابه، تتطلب مراجعة عميقة للأفكار وبالذات في الواقع العربي، والذي هو مجال لعولمة الآلة، وخصخصة الإنسان.
في ظل هذه المترادفات فإن الحديث عن دور الطبقة العاملة في التغيير يبدو صعباً لأن العمال لم يعودوا كما نظر لهم ماركس، ولهذا فمفكر ماركسي كبير (هربرت ماركوز1898-1986) عبر مدرسة فرانكفورت وصاحب كتاب (الإنسان ذو البعد الواحد) يرى وضمن ملاحظة حازقة، بأن قوى التغيير اليوم لا تتمثل في العمال، بل في المهمشين في أطراف المدن الصناعية (سالم يفوت).
هذه الإشكالية تطرح ضرورة اعادة التفكير في قوى التغيير في الواقع العربي.
فتاريخياً فإن حزب البعث الأشتراكي قد رأى أن قوى التغيير تتمثل في الجماهير الكادحة من مزارعين وعمال وشغيلة وموظفين وطلاب وغيرهم، وهذا الطرح يجب إعادته في هذا الحوار، لأن مفهوم البرولتارية والطبقة العاملة غير متجسد في الواقع العربي، نتيجة لضعف الصناعات والآلة، وهذا يتطلب الإعتماد على مفهوم الجماهير الكادحة كأداة تغيير بالنسبة لقوى اليسار وهي أهم نقاط الحوار.
وفي نفس الصدد فإن حزب البعث قد أعطى دوراً للقطاع الخاص في التطبيق الأشتراكي بديلاً عن الدور الكامل للدولة في السيطرة على الأقتصاد، هذا الجانب يمكن أن يكون أرضية لحوار جدي في أطار سيطرة الشركات الكبرى على اقتصاد العالم مترادفاً ذلك مع شيوع الديمقراطية الليبرالية، وما يتطلبه البعد الاقتصادي فيها من إعطاء القطاع الخاص دوراً تحت سيطرة الدولة.
وأهم ما يتطلبه الحوار هو مسألة التعامل مع الدين في الواقع العربي، في ظل التدهور المريع في الثقافة العربية.
إذا لم نفهم تأثير الدين ودوره في الحياة العامة، يصبح من الصعب التعامل مع الجماهير، إذ يجب أن يكون الموقف من الدين مرتبطاً بجدلية التغيير، إذ ما يعني القوى التقدمية من المسألة الدينية أن لا تمثل عائقاً أمام تطور الشعوب، وهذا يتطلب ضرورة فصل الدين عن الدولة كجهاز، دون التدخل في مسلك المجتمع، إلا فيما يتعارض مع تطور الدولة وتوجهاتها، هذه قضية تحتاج إلى حوار جدي. وتبقي قضايا مثل الاستعمار الجديد للمنطقة العربية، والدور الأقليمي في تفتيت المنطقة العربية، ودور التيارات الدينية مهماً في هذا الحوار.
فكرة الحوار هنا تستند على أرضية مشتركة بين الحركتين، ومن أهم أسسها العلمانية والأشتراكية والوعي بطبيعة الصراع، وهي العناصر التي تشكل المدخل الحيوي والمطلوب لهذا الحوار.
إذاً المطلوب في النهاية ليس الحوار الذي هو مجرد تبادل الكلام أو التراضي، ولكنه حوار الأسئلة العميقة التي تنتج بنية تفكير جديد، ويسارية جديدة، إذ اليسارية ( ليست مؤسسة نخدمها، و هي ليست موقفا نتخذه، أنها منظور وحركة وهجرة، لكن الهجرة الحق لا تكون إلا داخل الأوطان) (محمد سبيلا).

الحوار سودانياً
الإشكاليات السودانية، ومنذ خروج الأستعمار البريطاني من السودان ما زالت تتضاعف وتتعمق، والسبب الأساسي وراء ذلك يرتبط بسيطرة القوى الرجعية والتقليدية على مسار السياسة في السودان، وبالتالي تراجع دور اليسار والقوى التقدمية عبر هذه المراحل.
الفهم الأرتكازي في هذا الجزء من المقال يتأسس على حقيقة إن بقاء الأوطان مرهون بوجود قوى ذات مرجعية فكرية قادرة على التنظير العلمي لحركة الواقع، ولديها القدرة على إختبار اتجاهات التطور. هذه القوى تتمثل في قوى اليسار، ولكن اليسار في السودان يمر بأزمته الخاصة، ولم يتطور بالشكل المطلوب، والذي يجعل منه قوة تغيير حقيقية، والشاهد سيطرة القوى التقليدية على المشهد السياسي منذ الخمسينيات في تداول السلطة مع الأنظمة العسكرية، انتهاءً بالقوى الرجعية الدينية التي سيطرت علي البلاد لأكثر من ربع قرن.
هذا الواقع يتطلب جلوس القوى التقدمية، من أجل حوار جدي يبقي الوطن قائماً، ويبحث في إمكانية قيام جبهة تقدمية غير تقليدية، تستند إلى نقاش وقلب المفاهيم القديمة، ولتكون وعاءً لكافة القوى ذات التوجهات اليسارية في السودان.
القضايا التي يجب إعادة التفكير فيها، أضافة لما سبق، تتعلق بمسألة الهوية أولاً، وإعادة الطرح في أوضاع المجموعات التي عانت اضطهادا أكثر في السودان.
لقد دفع الحزب الشيوعي عميقاً وبشكل تاريخي باتجاه تقرير المصير لهذه المجموعات دون إدراك لنتائج تقرير المصير في واقع متحرك وقابل للانشطار. فالواقع الذي شكله انفصال الجنوب، والانهيارات الكارثية التي حدثت بعد الإنفصال جنوبياً وشمالياً، تتطلب مراجعة متأنية لمفهوم تقرير المصير، والذهاب باتجاه الحكم الذاتي، كما تشير أدبيات حزب البعث العربي الأشتراكي.
هذا النقاش يظل مطلوباً من أجل تجسير المسافة بين أطروحات الانفصال، ومفهوم الوحدة في إطار التنوع، ولن يتم هذا إلا عبر حوار البعثيين والشيوعيين.
كما إن النقاش حول التحولات الأقتصادية بعد سقوط النظام الحالي تبدو ضرورية، وكذلك قضايا الدين والدستور.
أقول إن الحوار الذي نتطلع اليه لا يأتي من فراغ، عبر مسيرة هذين الحزبين. فتاريخياً فقد التقا هذان الحزبان سياسياً عبر التنسيق بينهما عام 1971 عبر حركة يوليو، والتي هدفت إلى تغيير نظام جعفر محمد نميري عسكرياً.
كل الشواهد تقول أن هنالك تنسيقاً قد تم بين الشيوعين والبعثيين، ولكن لم يكتب لتلك الحركة النجاح.
ومؤخراً فقد التقى الحزبان ضمن قوى الإجماع الوطني السوداني، في معارضته لحكم الأسلاميين في السودان، ناهيك عن التنسيق السياسي والعمل معاً ضمن تجربة التجمع الوطني الديمقراطي.
هذه المحطات جديرة بإعادة التفكير حول حوار جدي، يتجاوز التنسيق السياسي، إلى الحوار الفكري المفضي إلى تغيير المفاهيم القديمة، والانطلاق نحو حركة يسار جديدة تعزز الوعي التقدمي وتخرج القطر السوداني من دائرة الانهيار.

خاتمة
إن هذه المرحلة وبكل القياسات، تعتبر من أخطر المراحل في المنطقة العربية، إذ تتشكل كافة عوامل الانهيار لإرجاع هذه المنطقة إلى مرحلة القبلية والطائفية، وتفتييت الأوطان، والمستفيد من هذا الواقع هي الرأسمالية العالمية والكيان الصهيوني.
لقد انقسم المجتمع العربي وبشكل غير مسبوق وغابت كافة الخيارات نحو المخارج الممكنة، إذ أن فشل الثورات التي حدثت في بعض الأقطار العربية، كشف عن حالة هذا الأنقسام، والسبب في تقديري يرتبط بغياب القوى التقدمية والتي أفسحت المجال إلى العسكر والحرس القديم مع تيار الأسلام السياسي لتسيد المشهد عبر مسار هذه الثورات، وهذا ما سيحدث عبر أي ثورة قادمة، إذا لم يتم تدارك هذا الواقع.
ولتدارك هذا الأمر ولمواجهة عناصر التفتيت، فإن الحوار بين البعثيين والشيوعيين يعتبر ضرورة تاريخية من اجل الحفاظ على المنطقة العربية وقيادة مشروع التغيير.
إن معنى الأحزاب يرتبط بوجود الأوطان، فأذا لم تكن هنالك أوطان فلن تكون هنالك أحزاب، فلكي تدافع الأحزاب عن وجودها، فلا بد أن تدافع عن وجود الأوطان أولاً، وحالة الدفاع هذه لن تكون فردية، ولهذا فإن الحوار بين البعثيين والشيوعيين يرتقي إلى مستوى هذا التحدي أو إلى مستوى الوجود نفسه، فهل هنالك إمكانية لهكذا حوار؟

*المصادر*
1- محمد عابد الجابري – الشأن الإنساني في عصر الخصخصة والعولمة – منبر الدكتور محمد عابد الجابري- مجلة نقد وفكر.
2- سالم يفوت – هابرماس ومسألة التقنية – منبر الدكتور محمد عابد الجابري – مجلة نقد وفكر.
3- محمد سبيلا – في الانفصال- صحيفة حريات الألكترونية 
4- ميشيل عفلق – موقفنا السياسي من الشيوعية-
———————————-
#الهدف
تصدر عن حزب البعث العربي الاشتراكي “الأصل”

للمزيد من الأخبار تابعوا صفحتنا على الفيسبوك :
https://m.facebook.com/hadafsd/

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.