الإثنين , أبريل 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / المحنة والانحسار..

المحنة والانحسار..

#الهدف
#عادل_خلف الله

بقلم المهندس عادل خلف الله

تقف بعض الآراء في القضية المثارة حول لماذا هنالك رجال دين وغياب لنساء الدين؟ فوق انها قضية محددة وليست حصرا على السودان، كشاهد على محنة بعض النخب التي درجت بمناسبة ودون مناسبة على إقحام موقفها المسبق والمتعسف من العروبة والإسلام في السودان في صلب أي قضية تثار. وتنصرف بذلك عن المنهج الذي يبتدره البحث عن الحقائق بالإجابة على هل لذلك أصل في الدين؟ ومما يقرب المسافة بين الإجابة والسؤال، الرجوع إلى النص القرآني والسيرة وسبر اغوار اللغة العربية ….الخ
هذه الحالة يمكن وصفها في الآونة الأخيرة، بالحالة المرضية والتي تصلح كمؤشر لقياس عمق وتأثير تطاول الأزمة الوطنية الشاملة لا على صعيد النظام، الذي بدأ يتفسخ ويتهرى، فحسب، وإنما على صعيد منتقديه ومعارضيه أيضاً.
لا يقلل من ذلك تزين تلك الظاهرة بموقف يبدو في ظاهره معارضا لنظام دكتاتورية الرأسمالية الطفيلية، والذي سرعان ما يقود إلى موقف يتناقض من الرفض المزعوم للهيمنة والإقصاء الذى تمارسه (العروبواسلاموية) حسب منطوق رواد الحالة المَرَضِيَّة بعد أن درجوا على اشتقاق مفاهيم وتكرار استخدامها وكأنها الحق المبين، وهي خاوية على عروشها من أي محتوى منهجي أو معرفي كالتباري دون تبصر في (الهامش والمركز، السودان الجديد …إلخ ) حيث تنفصل المقدمات عن النتائج ويتناقض النقد مع الخلاصة، كالدعوة الهتافية لرفض الهيمنة والإقصاء، بالوقوع في فخ التهافت، من خلال الدعوة السافرة لإقصاء العروبة والإسلام من حاضر ومستقبل السودان، بل وكمدماك لمقومات وجوده الوطني، بردة فعل إقصائية أيضاً، ليشفوا غليلهم، وكأن العروبة والإسلام حالة مزاجية، وسحابة عابرة وقد أُختزلت في النظام الدكتاتوري أو أصبحت مجرد مجسم مادي يمكن إلقائه في الجب أو قصفه بالصواريخ عابرة القارات. وبالفعل لله في خلقه شئون..!!
لو تأملنا حادثة الإسلام كخاتم للرسالات، نجد أن الرسول العربي ابن عبد الله، عمل بتحريض من السماء على مكافحة مفاسد الأرض ضمن  الواقع الاجتماعي الذي وجده أمامه بنظرة ثورية شاملة، تداخل فيها الروحي مع الاجتماعي مع الغيبي، (كالإلحاد الشرك، العبودية، القبلية، العنصرية، الاسترقاق، الثأر، قتل النفس بغير حق، الخمر، الميسر، أكل الأموال بالباطل، والبغضاء ….الخ)
ورغم ذلك لخص البديل الذي بعث من أجله، وما يدعو إليه وللناس كافة، بمقولته الحاسمة (إنما بُعثتُ لأتممْ مكارم الأخلاق). فالإسلام بهذا المقام جاء مكملاً وك(ثورة شاملة لا يفهمها إلا الثوريون الحقيقيون) كما قالها الراحل ميشيل عفلق القائد المؤسس للبعث في كلمة شهيرة له بذكرى المولد النبوي في مطلع أربعينيات القرن الماضي.
ومع إنه خاتم للأنبياء إلا أن الدين الذي بعث به تمسك بتجديد الدعوة إلى القيم العليا كالعدل، المساواة، الحرية، العدالة، الحق، التوحيد، والقيم الأخلاقية كالصدق، الأمانة، الوفاء، صيانة الحقوق بتنوعاتها ، الأسرة… إلخ، مما يعني أن هذه القيم الإنسانية المطلقة، لم تتحق على الأرض باطلاقها، على الرغم مِن كثرة مَنْ سبقوه من أنبياء ورسل، وعبر  مسيرة تاريخية طويلة، دعوا لها وبشروا بها وتحملوا في سبيلها ما تحملوا، مما يعني، فيما يعني، إن النضال في سبيل تلك القيم يجب ألا يتوقف، وإنه ليس مرتبطاً بزمان أو مكان، لا لمثاليتها فحسب، وإنما لتعقيدات الواقع الإجتماعي والاقتصادي وشبكة المصالح المتعارضة مع بسطها وتحقيقها، وهيمنة (هذا ما وجدنا عليه أباؤنا)، ولذلك دعا الوحي وأكد، على الإرادة البشرية ودورها الحاسم في التغيير (لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم).
إن محاولات اضفاء طابع عنصري أو ديني على الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتي تُحشرْ حشراً في المناقشات والجدل الدائر، لا تنطلق من فهم عميق لطبيعة وأسباب وجذور أزمة التطور الوطني التي تمر بها البلاد، إضافة إلى أنها كذلك لا تخدم الحل الثوري التقدمي ولا التغيير الجذري للواقع، لأنها ببساطة تحرف الصراع عن مجراه ولا تسمي الأشياء بمسمياتها، وتقف من جانب آخر في طريق قوى اجتماعية عريضة وصاحبة مصلحة في التغيير وفي حسم الصراع لمصلحتها. مما يقدح من جديتها في أن تكون فاعلاً من أجل البديل الوطني التقدمي.
ودون إغفال كونها محاولة لتغبيش الوعي بجذور المشكل ومن ثم آفاق الحلول وفي التقدير، تمارس ذلك بعض النخب السياسية والاجتماعية، بوعي منطلق من طموحاتها الذاتية ومصالحها الضيقة، التي لا تتناقض في المنتهى مع قوى التخلف والتفتيت والتبعية، لذلك تسعى وبما يشبه التواطؤ لاخفاء العدو أو الخصم الحقيقي المشترك لغالب الشعب وتطلعاته ومصالحه، بتخليق عدو افتراضي اطلقوا عليه (العروبواسلاموية) بحثا بذلك عن دور في خطة التفتيت والتقسيم التي لم تنتهي بالجنوب، ودون اغفال مساهمتها في ذلك، أو تطلعاً للنفوذ والجاه والامتيازات، ولتحوز هي الأخرى  على سلطة (كسلطة ما يسمى برجال الدين ورجال الاعما… إلخ وعلى طريق بسط سلطانها بمحاكاة سلطة زعماء بيوتات الطائفية والقبائل، وبيوتات الرأسمالية الطفيلية، علماً بأن ذلك لم يؤد ولن يؤدي، لتغيير جدي في الواقع الاقتصادي والاجتماعي وفي مركز صنع القرار، وفي خلخلة ركائز قوى الهيمنة والتخلف والتبعية، وهو ما كشفته بشكل جلي ما عرفت باتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) بسنوات حكمها الست، بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وما نجم عنها في الجنوب والشمال. والتي يمكن اعتبارها ذروة مد موجة البديل الزائف سلطويا، وبداية جذره وانحساره الفكري، الذي لم يتخط غرام المصطلحات والشعارات الفضفاضة، وفقر دم المحتوى الاقتصادى والاجتماعي على ترانيم المركز والهامش والسودان الجديد.
لقد ازاحت تجربة نيفاشا وما بعد الانفصال في الجنوب وصراعاتها في الشمال النقاب على تناقض مبناها وتكوينها وسلوكها وما تطلقه من شعارات. والتي لم ينتج عنها سياسياً سوى دولة فاشلة وزعامات تقليدية في الجنوب، وتوجه دائم للتسوية والتصالح مع المُسَعِرْ الأساس للأزمة ومع قواها وركائزها الاقتصادية والاجتماعية في الشمال.
يعبر تهافت المنطلقات الإقصائية العنصرية التفتيتية المستحدثة، عن عجزه وتناقضاته، بأسلوب الاجتزاء والتخصيص، أيضاً من خلال تصوير الإسلام وحده الذي تعرض كدين، للاستخدام والتشويه البشري من قبل أرباب المصالح والمطامع الدنيوية السلطوية حينما يغلفون توجهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية ومصالحهم، بل وحتى نظرتهم للحياة التي يتعلقون بها وبغطائه، ليس كعجز فكري وكسل من لدنها  فحسب، وانما لإضفاء قداسة على رؤيتهم للدين وما يدعون، واعتبار مخالفهم في ذلك مخالف للدين في جوهره.
يتناسى  منطق الاجتزاء والتخصيص عن عمد أيضاً تجربة أوربا مع المسيحية، وما نجم عنها من حروب امتدت لعقود من الزمان جراء التحالف الذي حدث بين السلطة الدينية الكنسية والأباطرة والملوك، ومن ذلك تسرب مفهوم (رجال الدين) خارج السياق الأوربي المسيحي، ليلقي بظلال منها في الكثير من مجتمعات البلاد الإسلامية، لقد أسهم تحالف السلطتين في تبلور نقيضه من خلال بروز مفكري النهضة والتنوير أمثال مونتسكيو، جان جاك روسو، جون لوك وغيرهم من مفكري وفناني المدرسة التي عرفت بالليبرالية وفيورباخ، سوبيزا، انجليز، ماركس… إلى آخر رواد المدرسة الثانية التي عرفت بالماركسية.
وإن أفضى الصراع الضروس مع ذلك التحالف إلى تباين الاتجاهين السابقين إلا أن القاسم المشترك فيهما تمحور حول الدين والموقف منه ومن دوره في الثورة ومكانته في الحياة وعلاقته بالسلطة والدولة والحقوق  وهذا موضوع آخر.
إلا أن ما يلفت الانتباه في ذلك المنطلق، صمته المريب أيضاً عما نجم عن استخدام العديد من الافكار والمفاهيم، مثل استخدام الأديان  وبما يتناقض معها.  فالليبرالية التي جاءت كثورة اجتماعية وفكرية، وتبلورت على هداها الديمقراطية واقتصاد السوق، تحولت هي الأخرى إلى غطاء لسحق الطبقات ومركزة الثروة والسلطة وإفراغ الديمقراطية من أي محتوى اجتماعي، وعلى جناحيها حلقت الظاهرة الاستعمارية لنهب ثروات وموارد الأمم والشعوب ومناهضة خياراتها المستقلة وحقها في تقرير مصيرها ومستقبلها، ومعادات نظم الحكم الوطني في بلدان العالم الثالث وتعزيز ودعم النظم الأكثر استبدادا وتخلفا وفساداً، بعد أن تحولت الليبرالية إلى مطية للرأسمالية.
ولم يختلف الأمر كثيراً في الشق الآخر حينما تحولت الماركسية، رغم منجزاتها الفكرية والنظرية، إلى مطية للشيوعية، التي تحولت هي الأخرى إلى كيان فوقي جاثم على  المجتمعات وعلى خيارات الشعوب، وحقوقها القومية وحرية افرادها ومجتمعاتها في البناء الوطني المستقل المفصح عن خصائصها الوطنية والقومية. وباسم الحرب الباردة تبادلت المدرستان الأدوار في تقسيم العالم، الأمم، والشعوب إلى فراغات ومناطق نفوذ وحروب بالوكالة.
وإذ انهارت التطبيقات الشيوعية للاشتراكية، بالشكل المدوي والمتسارع، ودون قصف أو حصار، لينفتح الأفق على مستقبل جديد للاشتراكية، بعد تحريرها مما لحق بها من ارتباط بالمّاركسية وتطبيقاتها الشيوعية، فإن مصير الرأسمالية، رغم اتساع نطاقها على الأرض، لن يكون بأحسن حالاً من سابقه. فكلاهما، الراسمالية والشيوعية، نتاج للسياق الحضاري الأوربي في مرحلة حاسمة من مراحل تطوره، افتقرا للجوهر الإنساني، واصطدما بخصائص الأمم والشعوب وموطن الحضارات، وانطلقا من نظرة أحادية للحياة، تنافسا بحرب باردة لتعميمها على الأمم والمجتمعات، رغم صخب الشعارات حول حقوق الإنسان وحرية الفرد والمجتمع والأمن والسلام العالميين.
وهو ما يجدد التأكيد على أن سقوط التطبيقات الشيوعية للاشتراكية، ليس سقوطا للاشتراكية ولا هو بالمقابل انتصاراً تاريخيا للرأسمالية التي تمددت بشكل موجة عاتية، سرعان ما تنحسر بصمود القوى الثورية على نطاق العالم، وضمن مجتمعاتها ولعجزها عن إشباع الجوهر الإنساني للأفراد والمجتمعات، ولتناقضها مع الفطرة الإنسانية، ونواميس الكون التي لا تقبل الأحادية وفرض النموذج الأوحد بالقوة، ولتحولها إلى قوة غاشمة ضد الشعوب وخياراتها، إضافة لطبيعة الرأسمالية بنوبات أزماتها وفسادها وتنافسيتها التي التهمت الاقتصاديات الصغرى، كمقدمة لالتهامها لذاتها الكبرى، وفوق هذا وذاك لتناقض توجهاتها مع الأمن والاستقرار العالمي.
وإذا كان الدين هو المطلق، والسلطة أو الحكم أو الدولة هي النسبي، فكيف يُحشر المطلق في النسبي؟ إنها محاولة متعسفة، تفسد النسبي والمطلق معاً، كما قال ابن رشد في مبحثه القيم (فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال).
من كل ذلك ندرك إن القيم العليا كالوحدة والحرية والمساواة والعدالة وحقوق الانسان… الخ ظلت مطالب مطروحة، وهي قديمة قدم الوجود الإنساني، وإن كانت تتخطى الزمان والمكان، إلا أن وضعها في سياقها التاريخي والحضاري وضمن مشروع نهضوي شامل يضع الأساس النظري والعملي لبلوغها، ويتخطى في ذات الوقت الابتسار والتبسيط والتسطيح، والأهواء، لأن النضال الجدي من أجل النهوض الوطني والقومي ضمن المرحلة التي تجتازها حركة النضال التحرري، ليست نزهة وإنما ترتفع بالنضال الفكري والعملي والحركي إلى مستوى مواجهة الحياة بالاستشهاد، وبإقتران النضال من أجل الديمقراطية بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسيادة، وهو ما يضع وفي سلة واحدة قوى الإستبداد، وقوى التفتيت، وقوى التخلف والتبعية، في سلة واحدة.
وبعيداً عن خداع المسميات وبريق الشعارات، فالقضية شائكة تتطلب رؤية شاملة بمنهج علمي محيط بكل الجوانب والأبعاد،  وبالضرورة بمعزل عن القوالب الجاهزة والآراء المسبقة، لأن كل ما يعاند الحقائق والبدهيات والجوهر الانساني، ويكون مفتقرا للنظرة المستقبلية التقدمية، والبصيرة التاريخية وجدل الأصالة والمعاصرة، فهو إلى زوال، ويبقى ما ينفع الشعب ويحافظ على وحدة الأوطان وسيادتها وكرامة الإنسان.

25/6/2017

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.