الخميس , مايو 2 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / اعلام واماكن في الذاكرة ٣ – ١
سامح الشيخ

اعلام واماكن في الذاكرة ٣ – ١

اعلام واماكن في الذاكرة ٣

١

كنا نتحين الفرص لزيارة حلة الوابورات من الديوم في النصف الثاني من الثمانينات وحتى النصف الاول من التسعينات حتى نصل العياشة فتلوح لنا قطاطي حلة الميري حيث يسكن جدي محمد علي حامد وزوجته النعمة وابنائهم وبناتهم في سكن عمال النقل النهري بالخرطوم بحري هذي الاعجوبة التي كانت احد فراديس بحري المفقودة مع رفيقاتها النقل الميكانيكي والمخازن والمهمات طيبين الذكر الذين غيبوا بفعل فاعل مع سبق الاصرار والترصد . كنا نتنافس في قفز الخور امام مدرسة مايو انا ورفيقي محمد سليمان بن عمتي  وكان التاريخ يعيد نفسه فقد كان والدي احمد الشيخ وبن خالته سليمان صنقور والد بن عمتي اصدقاء طفولة مثلنا يتابرون على القفز على نفس الخور  حيث الظل الظليل مابين تعانق اشجار اللبخ والنيم وكانها تصنع مظلة من سندس واستبرق يحمينا من قسوة شمس تكاد تكون رحمة حين اقارنها الان بقسوة برد الشتاء وغياب شمسه التي اذا طلعت خلال اليوم لا تشعر بدفءها وكانها النور الذي بداخل الثلاجة حين تفتح بابها . فيعاودك شوقا حلوا لشمس السودان طالما انت في  البلاد التي   قال عنها الاديب الراحل ان حيتانها تموت من شدة البرد . كنا حين ندلف الى الميدان امام منزل جدنا محمد علي ونطرق ذلك الباب ويستقبلنا اهل الدار بالترحاب ونشرب عصير الليمون من ايدي الوالدة النعمة ذو الطعم والخاص الممزوج بحنانها وعطفها الملائكي وتلك البساطة الانيقة والنظافة المبهرة لذاك الرواق الذي يرقد تحت قبة القطية المميزة لكل بيوت الوابورات . نعود ادراجنا فرحين وكاننا نطير بجناحين ونحلق فوق سماء صافيه غير ابهين بكل ما حولنا من صخب موقف الحاج يوسف والمحطة الوسطى وسوق بحري .
قريب من حلة الميري كان يوجد محل ايسكريم جولي في عمارات بحري بالقرب من هيئة الكهرباء كنا اول مرة نرى فيها ذلك الايسكريم المسمى ايسكريم شعلة الذي يعود اليه الفضل ليعبمنا ان ندخر من مصروف المدرسة طول الاسبوع لننعم بطعم ذلك الايسكريم  ونستمتع بلذته والبسكويت الذي على اخره مرة واحدة كل اسبوعين .

٢

ود ابحليمة اجمل مكان وأول رحلة ..مع الاهل والجيران والاحباب في بواكير الصبا كانت الى  ..هناك ارتبطت في الذاكرة وخلدت فيها فحين تعربد بي هاجسات الذكرى وتحملك بجناح الحنين يبرق من اسم المكان ..اسم علم.. لانسان وفنان  ولا اجمل ولا احلى من هنا من ود ابحليمة عم اسمه الحضر والارياف فنان روحه بنكهة  ورائحة البن تقبل جاي وتقبل جاي فلن ينساك الوجدان ولا تلك الغابات من باباي ولا غصين الشاي ولا حسان الكدرو العفاف وأهلها الكرام ولا جناين شمبات يوم الجمعة… حيث الصوفي  المتعبد الخضر النضر خدر بشير وأولاده مكاشفي ومحمد …وبين الذكرى والنسيان مسافة طويلة يا انسان فمن ضؤ القمر وسنسنه الأحمر وعلى انغام  صوتك الذي هدهد الروح منذ الصغر سألنا القمر  ان يعلمنا بموعد عودة ابي المسافر حيناك  وانت تغني لجوبا التي غادرني فيها الوالد للعمل … فعمدت الوالدة لان تنسيني وتنسى نفسها بان الاغنية انما غنيتها لنا ومنذ ذلك الحين صار صوتك سلوى ومازال حين اسمعه يحلق بي في سماوات وارض لاانسان بها ولا كائنات تمر …فكنت في عز الليل يم ينسينا عذاب المهاجر والاغتراب وكأني في كنت افهم كل حرف يمر … وكفارة ليك والالم بزول وياخي بعد الشر عليك قالوا متألم شوية … كن بخير يا ذو الفخار والطول يا مانجلك الغناء السوداني النور الجيلاني.

٣

المساكن الشعبية بالخرطوم بحري لؤلؤة احياء بحري ادخلوها بسلام امنين من دخلها من عند صيدلية السنجك فهو امن ومن دخلها من بوابة كبري شمبات فهو ايضا امن ……. كيف لا تكون امن وانت وسط اناس من فرط ترحييهم بكل من يدخل حيهم ومحبتهم للجميع اهدوا لنا وللانسانية … انسان تختطته  جوائز نوبل العالمية للسلام وانا اقول ان نوبل لم تكن محظوظة بان يشرفها هو … هو حليف للصون والحارة بيقودها كم سند من وقع بيننا لم يكل ولم يمل وهو يسند بحب … دون كلل او ملل او من او اذى لا يحب شكر ولا يريد جزاء ولا شكورا هوايته رسم الابتسامات صنعته نثر الورود على طريق كل انسان ……..ياله من انسان حين رحيله بكته البواكي و بماء العين التي شاهدت احسانه وعفت يده واسانه  بفقده فقدت الانسانية بالبلاد ركن  ركين من اعمدتها …رحمة الله تغشاك الاستاذ محجوب عبد الحفيظ

٤

سأحكي اليوم عن الختمية جنوب حيث ولدت وعشت فيها إلى أن صار عمري خمسة أعوام البعض في هذا السرد اذكر والبعض ذكرته لي الوالدة يقع  المنزل الذي شهد الأسابيع الأولى من حياتي حتى الخمس الأولى منها  بشارع الزاوية  وانت متجه من الغرب إلى الشرق بإتجاه السكة حديد  من شارع المزاد هو الناصية المقابلة لمنزل آل الشيخ الكدرو.  اتذكر   جيراننا وهم العم إدريس وابنه  المرحوم هيثم ادريس وامه دقلة هذه الاسرة الجميلة وأيضا أسرة محمد  الأمين سنهوري هذه الأسرة التي أكرمت وفادة امي في سنين زواجها الأولى وتحفظ لهم من الجمايل مالا يحصى وما لا يعد ومازلنا نعتذ بهم أهل لنا ومعهم آل العم إدريس  اتذكر لعبي في بيتهم مع بنتهم التي كانت في عمري مواهب وكنا لا ندعوها الا  بهوبة وأيضاً الأخ اسعد شقلة بن خالتها  واتزكر منال ولمياء اختهم واتذكر لعبي علي ظهر السلحفاة أو ابو القدح الذي   كان موجودا معهم في البيت احضره  العم الطيب القلب  ادريس من مكان عمله في ذلك الوقت  بجامعة الخرطوم بمتحف التاريخ الطبيعي الذي  اسسه دكتور محمد عبدالله الريح أو ود الريح الذي  وقتها كان يسكن بالختمية ببيت عمه  آل محمد خليل.
تحكي لي امي دايما عن هذه أسرة الأمين سنهوري  وطيبتها وكيف احتضنوها في ذلك الوقت عندما  سكنت جارتهم وكذلك دقلة واخواتها وما زالت هذه الأسر وإلى  وقت قريب ما أن اقابلهم  حتى يحتضنوني وكأني ذلك الطفل الصغير   حدثتنيعن صبية في ذلك الوقت تدعى  اميرة صلاح وانا لا اتذكرها وبيتهم هو الناصية المقابلة لمنزل أسرة الاخ العزيز هيثم إدريس قالت امي  وانا حينها كنت  في المهد صبيا كانت تلك الفتاة  تأخذني لبيتهم لفترات كعادة متبعة مع كثير من أطفال السودان مع جيرانهم وهي عادة موجودة إلى اليوم لفترات  طويلة،  اما عن ال سنهوري فحكت لي  كيف عند مرضي وكنت وقتها في عمر ما يسمى بالتسنين وكان يأتيني بحمى اللوز وكيف انو والدة الأخ العزيز  محمد الامين سنهوري في كل مره أصاب فيها بحمى اللوز تأتيني  باخوها دكتور ميرغني سنهوري ليكشف علي ويطمىن الوالدة. وأيضا من الاعلام في هذه المنطقة من الختمية تذكر الوالدة علم وهي دائمة الذكر لها وهي الحاجة السريرة التي قالت امي انها لم تقابل في حياتها من هي اطيب قلبا منها

٥
في العام1995 وبعد الانتهاء من امتحانات الشهادة السودانية كنا نعرف انه لامفر من الدخول لمعسكرات الدفاع الشعبي لانه مربوط بالتقديم للجامعات لان استمارة التقديم لاي جامعة بدل ان كانت في مكتب القبول صدر قرار بانها ستكون متاحة فقط بمعسكرات الدفاع الشعبي مما يعني انه اي الدفاع الشعبي كان تجنيدا قسريا في مليشيا موازية للجيش.
كان مكان تجمع طلاب منطقة بحري في ميدان عقرب جئنا للميدان وكل معه اهله واصدقائه لوداعه الي مكان غير معلوم مما كان يذيد قلق الاسر للمصير المجهول الذي سيؤخذ له ابناءهم اليفع وهم في مقتبل العمر والاقبال على الحياة لكن مشروع التمكين كان يري فيهم مشروع للموت الرخيص ودروعا بشرية تفتدي املاكهم وتذود عن كراسيهم بالوكالة بالزج بهم في اتون كرهية او حرب يشعلون اوارها بغسل مخ هولاء الصبية وشحنهم بتخاريف شعاراتهم المهترئة والدموية التي تدعو الي اراقة بعض الدماء او كل الدماء بفرية فليعد للدين مجده ونحن للدين فداء في حين ان الحقيقة ليس للدين دخل فيما يخطط له بارسالنا للمعسكرات بل هي السياسة التي تم خلطها بالدين ليذداوا غنى ويتشبثوا بالسلطة على اشلاء وجماجم ابناء هذا الوطن العزيز.
مرت اللحظات ونحن في الميدان نترقب وصول الباصات او الحافلات التي ستقلنا الي حيث غياهب الوهم الذي خططوا له بحرفية نادرة و دعاية واعلام مؤدلج وتقية ان المعسكرات برامج ثقافية اكثر منها عسكرية في حين انها كانت فترة يصطادون فيها ضحاياهم الذين يسهل غسل عقولهم ويعتنقوا افكارهم الضالة والمغضوب عليها من كل مؤمن بقيم المحبة والسلام والتعايش السلمي ، كانت المفاجاءة ان الناقلات التي ستقلنا للمعسكرات ليست باصات او حافلات بل شاحنات كبيرة كتلك التي تنقل بها المواشي للتصدير. ركبنا غير ماسوف علينا تلك الشاحنات ومعنا حقائب الحديد التي يوصي بها كل من يذهب للمعسكرات تحركنا في اتجاه ام درمان ومررنا بشارع الثورة بالنص حتي اخره في ذلك الوقت وبعدها شقت الشاحنات طريقها في الرمال حتي وصلنا المرخيات تم استقبالنا في معسكر يعرف باسم معسكر التدريب الخلوي للطلبة الحربيين وبعد اجراءات طويلة وصفوف اطول تم توزيع السرايا والفصائل واعطي كل تسعة خيمة لينصبوها ويسكنو فيها كانت لحظات غريبة ومكان موحش وحمامات بائسة عبارة عن حوائط بدون دورات مياه وهنالك غيرها للضباط لاتختلف عنها كثيرا وان كانت افضل منها كان يبدا البرنامج اليومي بصلاة الصبح الاجبارية وبعدها تلاوة اختيارية ثم تمام الساعة السادسه صباحا وترديد نشيد في حماك ربنا في سبيل ديننا ثم الجري الصباحي في رمال المرخيات ولم نكن نردد تلك الجلالات التي كان يرددها العساكر عندما كنا صغارا وهم يمرون بشوارع مدينة الخرطوم بحري حين نصادفهم ونحن في طريقنا للمدرسة ، كانت جلالاتنا وللغرابة تصدر من بعض الزملاء وكانهم حفوظها مسبقا بل فعلا هم يحفظونها لانهم طلاب الثانويات المنتبسبين للحركة الاسلامية ويحفظون ادبيات الحركة وقد كانت مملة جدا بالنسلة لكثير منا لانها لا تروق لي بما تحمل من اساءات من قبيل يا قرنق يا عمالة يا عميل الخوجة وليلي يا ليالي الجنوب طوالي لكن ايضا في المقابل كان لطلبة الكديت جلالات خفيفة تذيد من ايقاع حماسنا وتكسر رتابة جلالات الحركة الاسلامية التي استهلك بعضها في اعلام ساحات الفداء .بعد الجري الصباحي كانت مادة البيادة العسكرية حتي صلاة الظهر وبعدها محاضرة قصيرة ثم راحة ثم بيادة الساعة الثالثة ظهرا ومن حسن الحظ ان التدريب في ذلك العام كان في فصل الشتاء ووقانا شر هجير الصيف ك كانت هنالك محاضرة رئيسة ثلاثة مرات اسبوعيا تبدا في الخامسة عصرا وهي التي يقضيها نعظمنا نائما من الارهاق لذلك لا اذكر عما كان يتحدث فيها لا اذكر غير المعلمين يصيحون اصحي يا مجند اصحي يا طالب.
وهكذا كانت معظم ايام المعسكر والتي كنا نكسر فيها سكون الليل باغنيات الطمبور التي كان يرددها زملائنا من منطقة الشايقية الذين تصادف وجودنا معا بنفس الخيمة في تلك الرقعة الهادئة التي كانت بعيدة عن العمران والضجيج كانت شبه صحراؤ خالية من النبات بها شجيرات قصيرة متفرقة ذات اشواك واوراق صغيرة تري عند جزورها جحور لفئران قيل لنا انها غذاء للبعاشيم وهو نوع من الثعالب صغير الحجم نحيف ينشط في تلك الاجزاء والبيئات الشبه صحرواية . كان يسمح لاسر الطلاب بزيارة ابنائهم كل يوم جمعة وكانت فرصة طيبة لتعارف الاسر وقضاء نهار مع الاهل يزيح عنا ملل الطوابير وتعب تمام الساعة التاسعة ليلا الذي كان يستمر احيانا الي موعد صلاة الصبح في ذلك الوقت من شهر ديسمبر حيث تكون درجات الحرارة منخفضة في تلك المنطقة من الصحراء بين جبل الحردان وجبل تربيزة هكذا قال لنا المعلمين ان تلك اسمائها.
استمر التدريب اربع واربعين ليلة في اليوم الثاني والاربعين والذي يليه كنا نذهب لبروفة التخريج في الساحة الخضراء بالخرطوم وكنا نذهب بباصات المؤسسة العسكرية بيكاسو وكنا نلتقي بدفعتنا من طلبة الخرطوم وامدرمان في بروفات التخريج حيث كان طلبة الخرطوم ياتون من معسكر القطينة وامدرمان كانوا بالقرب منا في المرخيات في معسكر عبيد ختم .في يومنا الاخير تحدث الينا الضباط وضباط الصف عن انهم يعتزرون عن القسوة التي تعاملوا بها معنا في كثير من الاحيان وانهم رغم هذه القسوة حزينون لفراقنا واكثر ما اتزكر بكاء احد ضباط الصف اسمه ويلسون وهو من اخوتنا في جنوب السودان بكى وهو يودعنا في تلك الليلة وحقيقة انه وزميله الاخر اظنه من سلاح المظلات كانوا اكثر المعلمين قربا منا وذلك لممازحتهم لنا في اوقات كنا فيها غضبانين ونوشك علي ترك المعسكر بسبب المعاملة من قبل معلمين اخرين لكنها هي الطبيعة العسكرية هكذا تقسوا عليك لان الميدان اكثر قسوة ولكنا في قرارة انفسنا نقول ان تلك القسوة تكون للجندي المحترف وهذا من صميم عمله.
جاء يوم التخرج وجاء البشير وجوقته وبدات المراسم الذي كان اكثرها هزلا القسم كان مفروضا على كل طالب ان يقسم على اطاعة الاوامر حتى لو ادى ذلك بالمجازفة بحياتك كان القسم يبدا باقسم انا اتفق معظمنا بان يبدا القسم بلا اقسم انا ومن الطرائف لدي صديق بدا قسمه باقسم انا كابتن ماجد البرير بدلا من ذكر اسمه الحقيقي وهكذا بدات المراسم وانتهت بفاصل راقص مع الرئيس البشير واحمد الله انه لم يسمع ماذا كنا نقول في ذلك الفاصل الحماسي الراقص.

٦
الخدمة الأجبارية الإلزامية (الوطنية)

كانت تمثل هاجسا للشباب بعد التخرج خصوصاً دفعتنا والدفع التي قبلنا ممن أجبروا قهراً لدخول معسكرات مليشيا الدفاع الشعبي الإرهابية وذلك في العام 1995 وذلك بحصر قوائم التقديم للجامعات في معسكرات الدفاع الشعبي بالنسبة للطلاب الذكور وتسحب فقط للطالبات من مكانها الطبيعي بمكتب القبول بامتداد شارع الجامعة بالخرطوم، وكأن أن ذهبنا لمعسكرات التدريب التي كان همها تحويل عدد مننا في تلك السن الباكرة للإرهابيين يموتوا من أجل دين الترابي الجديد وذلك تحت رعاية ومباركة الترابي وحركته الإسلامية ومن لف لهم فلا يستطيع لا الترابي أو غيره تبرئة نفسه بشهادة على عصر لم يكن يعيش فيه وحده فكلنا شهود على عصر الإرهاب وصناعة المتطرفين ومحاولة جعل الحياة كره لنا والموت هو الأصلح لنا في سبيلهم،
اتممنا الجامعة بحمد الله الذي حمانا وكثيريين من الإصابة باللوثة التي حاولوا زراعتها في ادمغتنا، لكن كان إن وجدنا بعد التخرج عقبة جديدة أخرى أمامنا وهي التجنيد الإجباري، والذي بدونه أيضا لا معنى لتخرجك فقد ربط استخراج الشهادة الجامعية باداء هذا التجنيد الإجباري ومرة أخرى ذهبنا مجبورين إلى معسكر القوات الجوية المقابل للكلية الحربية بمنطقة كرري العسكرية شمال مدينة أم درمان، وبعد ملابسات وصفوف طويلة ومعاملة مذلة قررت اللجنة الطبية تصنيفي في المجموعة المسماة(ج)، الذين يجب أن يخدموا في مؤسسة مدنية وتعطى إفادة بذلك وتذهب بها وتبحث عن مؤسسة حكومية تقبل أن تعمل لديها بعدها يتم تنسيبك لها من منسقية الخدمة الإلزامية، حصلت على موافقة لعمل فترة الخدمة العسكرية الإلزامية ببنك السودان، حيث وجدت عدداً من مجندي الخدمة مثلي ولكن لكثرة العدد لا يوجد قسم يقبلني بالبنك سوى قسم اسمه أمن المنشآت وافقت على العمل به وهو القسم الذي يشرف على استقبال البنك والبوابات، ذهبت وقابلت مدير هذا القسم سألني أن كان لدي إلمام بالكمبيوتر فاجبته بنعم، وقد كنت موقنا أنني سأكون في احد بوابات أو مداخل البنك كعامل في الاستقبال، لكن تفاجأت بأنه يطلب مني البقاء في أكشاك إدارة وحدة أمن المنشآت والتي كانت مكاتبها عبارة مكاتب خشبية من طابقين وذلك بمبنى بنك السودان القديم بشارع الجامعة تسمى بالاكشاك ، الموقع الحالي في تلك الفترة كان تحت الإنشاء.
لم يكن لدي عمل يذكر أو أن لهذه الوحدة عملا يذكر، تعرفت على بعضهم وهم كانوا من الذين لديهم شهادة إكمال للمرحلة الثانوية تم تعيينه بها كمؤهل اكاديمي وقد ذكر لي أحدهم أن معظم العاملين بهذه الوحدة وحدة أمن المنشآت ببنك السودان التي تعتبر إدارة جديدة أنشئت لخلق وظائف للمجاهدين الذي ذهبوا تطوعا وقاتلوا في الجنوب مع مليشيا الدفاع الشعبي، فقد كان من يأتون أحياء منهم يكافئون أو ينعم عليه بوظيفة إذا كان لا يوجد لأحدهم  وظيفه قبل ذهابه (مجاهدا) إلى مناطق العمليات . وقد كان معظم العاملون بهذه الإدارة من ذوي القدرات والمهارات المتدنية الا من رحم ربي.
اتممت حوالي أربعة أشهر من فترة السنة التي يجب أن اوديها كخدمة إجبارية، بعدها تم تحويلي لقسم المدفوعات بعد أن أكمل احد الزملاء الذين يؤدون الخدمة الإلزامية بهذا القسم الذي يتلائم مع دراستي الجامعية، عملت بهذا القسم وسط ترحيب رئيسته الموظفة الكفئة الأستاذة مها الحفني وقد كان جميع الأفراد التابعين لهذا القسم مرحابين ومتعاطفين مع كل الذين يؤدون الخدمة العسكرية. كان القسم يتبع لإدارة تسمى الفرع الرئيسي وقد كان جميع موظفي هذه الإدارة يولون أفراد الخدمة الإلزامية عناية خاصة ومعاملة رقيقة وكانوا يطلقون علينا اسم اولاد الخدمة الإلزامية، لهم الشكر والتقدير نيابة عن جميع اولاد الخدمة على حسن تعاملهم وكرمهم معنا، وقد كان معظم أو غالبية موظفي إدارة الفرع الرئيسي ببنك السودان من النساء، اكملت فترة الخدمة بهذه القسم التي كانت مفيدة نوع ما بالنسبه لأول قسم عملت به ببنك السودان كفرد خدمة إلزامية، كان المشرف علينا موظف من شئون الموظفين اسمه عبد الرازق وقد كان إنسانا فظا في المعاملة، خصوصاً معي بعد أن علم بأنني عند ما يكون هناك مسيرة جماهيرية للكيزان فقد كان يأتون بنا كأفراد خدمة إلزامية ويحملوننا لافتات مكتوب عليها نقابة بنك السودان وياتوا لنا بأحد حافلات البنك ومذهب لمكان المسيرة الذي غالباً ما يكون الساحة الخضراء بشارع أفريقيا أو المطار، علم عبد الرازق بأنني عندما اصل مكان المسيرة اول شي أفعله  أن أخبر احد زملائي بأنني لن اكمل هذا الكلام الفارغ وساغادر واذهب للمنزل،وبالفعل كنت أغادر ولا أعود للبنك في ذلك اليوم، وكان أن صادف في تلك الفترة مسيرتين أو ثلاثة على الأكثر مما اعتبره هو عدم انضباط وهددني بأن يخبر المنسقية ولكنه لم يفعل مع اني طلبت منه أن يفعل وقلت له أن لدي قسم اعمل به بالبنك، لماذا لا يذهب هو فهو عضو في نقابة العاملين. وقد كانت لديه المقدرة على فعل وتنفيذ ما قال وهو ليس في صالحي ولكنه لم يفعل فيبدو انه في قرارة نفسه أيضاً متعاطفا معنا وقسوته معنا لم تكن سوى ظاهرية. اتممت فترة الخدمة الإلزامية ببنك السودان وبدأت بعدها معاناة البحث عن وظيفة والدخول والخروج خالي الوفاض من اعلانات لجنة الاختيار للخدمة العامة.

٧

سينمات في حياتنا

لثمتني الان نسمة من نسيم انعش لي روحي ، فتذكرت تلك الايام المهيبة ، التي كان بها وقت تعطيه الاسر لنفسها لتروح عن نفسها ساعات ، وكان الترويح يريح النفس ، وتختلج عواطفها ومشاعرها محبة والفة ، ولم يكن تمدد  الكيزان الجدد والدواعش الذين يعيشون بيننا لتنكيد كل اللحظات الجميلة الباقية ونحن لا ندري والتي نريد ان يحيا ويعيش ابنائنا ومجايليهم  مثلها ومثل ما استمتعنا نحن بها واستمتع بها ابائنا من قبلنا وامهاتنا   ولكنك ستدري حين تسامر احدهم سمرا روحيا ، لن يفقهه اصحاب الفهم الظاهري والسطحي انهم يريدون تحريم وتجريم الفنون  و  كل الجمال    عبر تدينهم الشكلاني الذي يدعوا لتشجيع النفاق عبر الارهاب والعنف ، ولو اعطوا فرصة ليكونوا في هذا الكون وحدهم دون علمانيين وتقدميين وليبراليين واشتراكيين يحبون الحياة  الذين يقابلون ويرمون  بعداوة لحبهم  للحياة لانهم يدافعون عن الجمال والفنون والحياة لذلك  حاولوا  ان لا ترموا اعداء الحياة الدنيا بعداوة  مثلها قدر الامكان   فالعداوة لن تغير ما بقوم لكن المحبة في  اعتقادنا بها كما اعتقاد القوم التركوا النوم الذين قالوا المافيهو محبة ما عندو الحبة فهي غيرت كثر وظني ان محبة هابيل لقابيل هى اعلى انواع المحبة على الاطلاق وجاءت كلاما منزلا من عنده سبحانه وتعالى قرأنا يتلى ،) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (3 فانظروا لهذا التصوير المرئي للحادثة برغم جريمة القتل انظر لمحبة هابيل ظني ان قابيل تغير بعدها وتاب توبة نصوحة . وكل من لا يرمي بالعداوة من رماه ويصبر حدود الصبر هو وارث للمحبة الفطرية عن هابيل بن ادم . واقوى انواع المحبة هي تلك التي تاتي بعد عداوة.
الا انه على العموم كل اللحظات الباقية بيننا على الفطرة وعلى الاية الكونية السامية وهي اختلافنا ، ان جميع ذكرياتنا مع كل من مر في حياتنا هي في دور السمر وهي اثنان منزلية وشوارعية او رسمية وهي  دور الرياضة او دور المسارح والسينما سوح الدراسة بمختلف مراحلها  والكازينوهات ،او عائلية في الافراح والاتراح.
اتذكر بداية الثمانينات وفي احد امسياتها اول ذهاب للسينما في حياتي كان يوما ليس كغيره من الايام ، اصطحبنا في ذلك اليوم وفد رفيع المستوى بقيادة اسباب جمال الكون في حياتنا وهن السيدات عشة خضر رحمها الله وبنتها رحاب والسيدة ليلى النور وبنتها عفراء والسيدة اسماء النور وبنتها صفاء وابنها جمال ،والسيدة اسيا النور وابنها سامح ،ذهبنا من الختمية مرورا بجنينة عبود وتوغلنا عبر الحدود الى حي الاملاك ثم عبرنا شارع موقف الحاج يوسف وتقدمنا سيرا على الاقدام حتى تركنا من وراءنا  على اليمين العذبة واحد بنات وبنين وعلى اليسار نادي الاملاك ،وولجنا نحمل تذاكر الدخول لسينما حلفايا التي صارت نصف في ايدينا وانصاف اخرى شقيقات للتي بايدينا القاها من يقف على باب دخول مسرح السينما وارتقينا السلالم ونحن نرى شاشة مهيبة ضخمة لم نر لها مثيل من قبل وجلسنا في المكان الذي كتب عليه لوج في التذكرة ، وبعدها اطفئت الانوار وبدا الفلم الذي كان انتاج العظيمة بوليود وهو فلم عدالتي والبطل الذي يدعى اشك الذي انتقم لمقتل اخته الجميلة ،خرجنا من الفلم ونحن نكثر من الالحاح على تعلم فنون الكراتيه والقتال ، وتوج لي ذلك بدخول دورة سباحة وتاكوندو منتصف الثمانينات بفرع الرياضة العسكرية باحد الاجازات الصيفية المدرسية.
تكررت الذيارات العائلية وغير العائلية لدور السينما بالخرطوم بحري بعدها فكانت المتابعة من الصحف في صفحات اين تقضي امسيتك وكانت سينما كل من الصافية وكوبر والوطنية وحلفايا سينما حاضرة.
لكن يظل اول يوم اذهب فيه لسينما خارج مضارب الخرطوم بحري  حاضرا بالذاكرة وكان ذلك اليوم هو يوم ذهبنا برفقة عمي عبد المنعم الشيخ انا وكل من محمد سليمان وايمان سليمان ، وكان ان شاهدنا الاعمال الكاملة الكوميدية  الاسطورية  الصامتة لشارلي شابلن حيث كان ذهابنا لسينما الازرق ذهبنا راكبين بالمواصلات العامة ورجعنا سامرين فكهين ضاحكين مستبشرين على ارجلنا عبر شارع النيل ونسيمه المنعش للروح المفيد لصحة البدن وكان معه حق العم منعم الشيخ لاختياره طريق العودة راجلين فعبرنا كبري النيل الازرق عبر المكان المخصص للمشاة الذي في منتصفه تلك الفلنكات الخشبية التي فعل بها الزمن ما فعل وهي ما فتئت تقاوم برغم نيل الزمن منها وحفره فيها اغوار كفيلة لاسقاط غير المنتبه عبر فتحتها داخل العظيم المندفع من هضبة مكادا العظيمة واهلها العظام اخوتنا باثيوبيا والتي لاسمها اليوناني هذا نفس معنى  اسم السودان بلغة الضاد، مررنا بعدها بكازينو النيل الازرق والمخازن والمهمات والنقل الميكانيكي ثم حديقة اركويت فمطعم الاندلس عند تقاطع شارع المزاد مع شارع البلدية ،وجدودنا زمان وصونا على الوطن وعلى التراب الغالي الذي ان استمر حال هولاء اما ان يصير لدولة  قطر كما صار الان شريط نيله الازرق  عند ضفته الشمالية نواحي الخرطوم بحري مكان طيب الذكر النقل النهري او الوابورات ، او صار سعود وهابي العقل والهوى مع غزوهم الفكري الذي يصوب السهام نحو اهل السلسلة والسجادة التي نشرت الاسلام عبر حكمته وموعظته الحسنة وجوهر ومقاصد الدين .واهل التنوير والثقافة الذين يكفرون الان عبر منابر التكفير العلنية كأسهل ما يكون وتأليب البسطاء على من يحبون لهم ولغيرهم الحياة .

٨
وسط الزهور متصور

كانت من اجمل ايام الاجازة المدرسية ، في فصل الصيف هي انك ستقضي عددا من ايامها خارج المنزل ، وذلك لمطالبة عديد من الاهل بك لتكون بينهم ، فصارت من العادات والتقاليد الثابتة ، كانت اهم محطات الاجازة ، الكبير او الصيفية بالنسبة لي ذهابي الي امدرمان بلد الامان ، حيث ستقضي بأحد احيائها عدد ليس بسيط من الايام في حي الهجرة الامدرماني ومنه ايضا  ، قريبا من  نادي الزهرة العريق ، كانت الهجرة امدرمان ومازالت ذكراها لدي انني سأكون فعلا وسط الزهور متصور او بالاصح الزهرات ، حيث لدي ثلاث زهرات في عقد العمات المنضود من اريج الياسمين وطيب النرجس  ، يعتبرن من شقائق روحي وهن اخر عنقود شقائق النعمان عماتي الماجدات اللاتي في مقدمتهن هدى الشيخ صاحبة المحيا البدري وليلى الشيخ ذات الفخار والطول قائدة الاسطول بحق وحقيقة .. اللائي بحنهن لجني ومازالن يغمررني به.
كنت اتوق للهجرة وانتظر الاجازة بفارغ الصبر فقد كنت محظوظا بوجود ثلاث من العمات   في مثل سني حيث كانت تربطني معهن علاقة من اقوى علاقات الصداقة المستمرة الى يومنا هذا وهن العمات سارة الشيخ ، هاجر الشيخ ، وايات  الشيخ ، ومعهم اصغر و اجمل الاعمام والذي يكبرنا قليلا بدوي الشيخ .
شعور جميل ان يكون احساسك بعماتك وكأنهن  شقيقاتك ، كنت منذ وصولي الى البيت بالهجرة اكون محل احتفائهن وكانت  البرامج والالعاب لا تننهي كانت كل لحظة لي معهن ذات جمال سرمدي رسمت وخلدت في الوجدان ، وهي لحظات من البراءة لا تخلو من الشقاوة والطرائف والفة اهل الهجرة وكرمهم  ، كنت اقضي غالبا معهن ما بين اسبوع لعشرة يوم ، بعدها اذهب محفوفا بالحب ومصحوبا برفقتهن رفقة السلامة الى حي ود نوباوي القريب من الهجرة حيث تقيم عمتي ليلى الشيخ والمرحوم زوجها عبد الرحمن صديق الغفاري  وبناتها في ذلك الوقت تسابيح وتيسير وابن عمتي احمد كانوا ومازال بيتهم العامر موجودا بشارع الدومة بامدرمان ،حيث اقضي معهم نفس العدد من الايام ،وبنفس الاريحية ، ونفس الفرح ..لذلك من هنا اليوم ورغم بعدي ارسل لهم سلامي يحوي شوقي وكل احترامي ، لهن ولبناتهن واولادهن بالاضافة لاحفاد عمتي ليلى الشيخ ، وكسرة غير ثابتة تكون بمثابة شقاوتي في الماضي التي كنت امارسها مع زهراتي الثلاث. يبدو انكن قريبا سكتونن حبوبات …وانا ساكون خال او عم لحفيداتكن واحفادكن ..فليحفظ الله الجميع وليكن الجميع بخير .

سامح الشيخ

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.