السبت , مايو 4 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *قصاصات* اوراق مبعثرة (19) …

*قصاصات* اوراق مبعثرة (19) …


كانوا يسكنوا خارج (نيالا) بالقرب من منطقة تسمي (ضمة) كما ذكرها لي أحد تابعيه ، ودخلنا الحي الممتلئ بالمساكن الخشبية ، حتي وقفنا أمام منزل مسور بالقش وهو ضخم ، ونزلن اخوات (اسماء) وحملنها ، واستقبلتهن نساء الحي ، وحاولت ان انزل فمنعوني بامر هذا المعتوه ، وشاهدتهم يجلسونها في صالة طاويلة أمامي وهي تنظر لي حزينة وانا ابتسم لها وكأنها تودعني ، وادار السيارة وانطلق بنا لمنزل (شطة الزعيم) كما يحلو ان يقول له معاونوه ، وكان المشوار صغير بين منزله والمنزل الذي فيه (اسماء) اكاد اراه بعيني ، إذتفصلنا مساحة كبيرة خالية وكأنها ارض زراعية مخضرة بالحشائش .
وهبطنا من السيارة وتوقفت أكثر من ثلاثة سيارات خلفنا ، وكان معنا الأخ الأصغر الذي اشار اليه فسحبني لغرفة صغيرة وقال لي :
هذا منزل ضيافتك ، و(شطة) يستضيف ثلاثة ايام واليوم الرابع يرميك خارج القرية ، احضروا المياه وجهزوا الحمام ، واغتسلت ووجدت ملابس بدوية ارتديتها ، وخرجت وجدتهم يذبحون الذبائح ، وجلسنا في دائرة كبيرة ، واحضروا الطعام وحقيقة لم أذق له طعم ، جل تفكيري هو الجلوس مع (اسماء) والاطمئنان عليها ، اكلنا وشربنا وهذا (الشطة) ، قابع بعيدا عنا يأكل لوحده ويشرب لوحده ، وعدت استرخي في الغرفة حتي أسدل الليل استاره ، والجميع يتسامرون ويضحكون ، وانا جالس معهم وقلبي هنالك حتي جاءت احدى اخواتها تحمل بعضا من اللبن فسألتها ؛ ضحكت بهدوء وقالت لي:
يمكنك أن تراها ولكن عليك ان تتخطي هذا المساحة الخالية ، و(شطة) لديه كلبان شرسان  اذا احسوا بك سيقطعونك اربااربا” .
وذهبت ، وكانت جميع الغرف متباعدة وكانهم لا يطيقون بعضهم بعضا هؤلاء الناس ، ولكني حددت مساري فاخذت اللبن وقسمته في اناءين وتقدمت بهدوء نحو نهاية السور ووضعت الاناء في الارض وانا أصفر للكلاب حتي حضرت وبدات تشرب من  اللبن رغم عطشي ، واخذت فترةمن الزمن واخذت الاناء الثاني ووضعته قريبا مني وجلست انتظر فشرب الكلبان الاناء الاول وبدءوا يدورون حولي لشرب الاناء الثاني حتي اطمأنوا واقترب مني أحدهم وكانت عيونه تشبه عيون صاحبه  ، ولكني طمأنته بهدوء حتي بدا يشرب ويبعد ، وانسجمت معه أداعبه حتي صار يشمني وكان حظي مع الثاني كالأول حتي شربا الاناء عن آخره ، وعدت أنام وانا مطمئن لقد انتهت اشكالية الكلاب ، أما المساحة التي بيني وبينك فهي سهلة ، وانطرحت في السرير وانا اضحك في نفسي هل هذه هي مراهقة الكبر؟
هذا المعتوه سيقتلني لو ذهبت لها ، ولكن أوعدك غداسأكون بجوارك ولو مزقوني قطعة قطعة .
جاء الصباح يحمل في طياته  تفاصيل جديدة فقد وجدت اثنان من رجال شطة جوار باب الغرفة ينادوني ويقولان: (شطة) يطلبك
اغتسلت وذهبت له ورغم اننا في منزل واحد مسور بالقش الا ان المشوار لغرفته يحتاج ثلاثة دقائق ، ووجدت القهوة حاضرة واعطيته التحية ولم يرد عليها فقط اومأ براسه واشار لي بيده اجلس وهو يتلذذ بالقهوة التي يرتشفها بصوت صفارة القطار ، وقال لي : لقد أرسل لنا (حميدان) يطالبنا بتسليمك له ، فقد قمت بالوشاية وكشفت للجيش الطريق الذي سلكوه ، وكنت السبب في إغتيال قريبه (جادين) وقتل زوج أختي ، وأري طلبه مجاب فقد خربت البيوت منذ حضورك لهذا البلد ، كنا نعيش بسلام فجهز نفسك سوف نسلمك له ليقتص لموت قريبه وزوج أختي ، فقم جهز نفسك ، لم اتمالك نفسي وقلت له :
لقد كنت أعرف انك لا تملك الشجاعة لقد كان (حميدان) يريد ان ينزع (اسماء) من (نورين) بعد ان يقتله ، وكنت أسيراعنده فطلب فديتي أن ينام مع (اسماء) اختك فرفضت وفضلت الموت علي ان يمسها ، واذا أردت أن تتاكد فسل الضابط او المرأة قريبة (حميدان) التي تسكن في أطراف مدينة (نيالا )، وكل ذلك لانكم رفضتم تزويجها له ، كما أني كشفت مكانهم خوفاعلي (اسماء) اختك وحفاظاعلي عرضك ، وفجاة حمل الموقد وحطمه في الأرض وصرخ في وجهي:
لو كان حديثك حقيقة فساقتل (حميدان) اليوم ، وصرخ في رجاله وهو ثائراخارج الغرفة ارجعوهو لغرفته ، واقتادوني  وهو يزأرو ينادي   لرجاله ليتحركوا ، وقبل أن أصل الغرفة شاهدت سياراتهم تنطلق ، وكأنها نذر الحرب .
وجدتهم احضروا لي اناء اللبن الضخم فقسمته  لنصفين ، حتي اضمن ولاء الكلاب فاليوم يجب أن أشاهد (اسماء) ، وشربت نصيبى وخرجت وصوت الصفير هي دليلي ، قدمت للكلاب بقية اللبن والغريبة في هذه الحيوانات ريبتها وهي تشرب اللبن وتنظر لي وكأن عيون تقول لي : لماذا تكرمنا ، يبدوا أنك سوف تفعل مصيبة ، فلم نتعود أن يكرمنا انسان لا نعرفه ، ولكنها اصبحت صديقتي ، وعادت معي للغرفة ولم امنعها من الدخول كما يفعلون معها اصحابها ، كنت ارتدي جلبابهم وانتعل حذائهم ، ولا ينقصني الا السلاح والذخيرة ، وكله من اجل (اسماء) يهون .
انتظرت ساعتين وكان الجو هادئ ولا يوجد أحد في بداية النهارات فالجميع يتحرك الي الحقول او الحروب ، وانطلقت والكلاب مع اقطع في المساحة الكبيرة بسرعة وقلبي يخفق والله انه الجنون (يا قصي) ولا املك وصفاغير ذلك!! كنت قد عبرت المساحة وتقدمت نحو غرفتها التي يحجبها عن بصري ضروة من القش المطرز وبدات أسمع ضحكات نسوة واظن معها  ضيوف ، ووجدت نفسي امامهم مع نهاية الضروة وكن اخواتها يسرحن لها شعرها الذي يتموج كالحرير وعندما شاهدنني غطين وجههن ، ورؤسهن ، وتقافزن وعدون نحن غرفهن.
لم تلتفت (اسماء) حتي بل سحبت الثوب تغطي جسمها وقلت له :
الا تريدي مشاهدتي حتي تستعدي ، شعرت ببسمتها العريضة وهي تقول كنت أعلم أنك ستأتي ، قالت لي بصوت خفيض :
ولكنك يجب تسافر لقد حضر قبلك (شطة) واستفسرني وشرحت له كل التفاصيل ، وقال (حميدان) لن يتركك ، تقدمت نحوها وامسكت بشعرها وشعرت بابتسامتها تملأ الكون ، وكانت الكلاب تدور حولي فقالت لي : كيف تفاهمت مع كلاب شطة ، فقلت لها : لقد شرحت لهم قصتي ، ضحكت وقالت لي :
لقد اصبحت مقعدة ووجودك معي ظلم لك يجب أن تسافر الخرطوم فهنالك مستقبل طويل ينتظرك ، وبدأت تبكي بصوت خافت وهذا يدل علي صراعها النفسي في محاولة تقبل الحياة بهذه الصورة ، كانت تجلس في كرسي ، ويخرج صوتها مهدلالقد انتهي كل شئ يا قصي ، ولم اعد حتي أقوي علي حراك أقدامي ، قلت لها : ساكون معك (اسماء) فقاطعتني :
لن تكون معي (قصي) ستسافر لن أحطم حياتك ولن يقبل أهلك حتي ولو كنت بصحة كاملة ، سيعود (شطة) في المساء وساجعله يوصلك للمطار ، لقد حسمتني وبدأت تتملل في جلستها فقلت له:
انتي متضايقة مني؟! فقالت :
لا طبعا ، ولكن هذا المقعد غير مريح فقط وأريد أن اجلس في السرير ، لم أعطيها فرصة ، وجدت نفسي أحملها وهي تقول لي :
يا قصي لو شاهدك أحد سيدفنونك هنا ، قلت لها : أقبل بدفني فانت واخاك لاتعرفون سوي هذه الكلمة ، وطالما سأدفن فأفضل أن ادفن جوارك ، كانت مثل الريشة في يدي وشعرها يتهدل في صدري وشعرت أني أحمل قطعة من حلاوة  القطن ولو كان بأمكاني لالتهمتها ، ما أجمل جسدك (اسماء)!! وكأنه الحرير في يدي ، وما أحلي انفاسك!! وهي تلفح صدري ، وما أقسى هذه الدنيا!! التي تريد ان تفرقني منك ، كانت سعيدة تهمس في اذني:
انزلني يا مجنون انزلني، طافت كل الاشياء الجميلة في حياتي حتي أنزلتها في السرير بهدوء ، ووجهها يحمر خجلا، وقالت لي: أذهب حتي لا يحضر أحد والحقيقة بدأت الكلاب تتحرك حركة مريبة فقبلتها في جبينها ، وقلت :
اعتذر حبيبتي عن ازعاجك فقالت لي بخجل:
تمنيت ان لا تنزلني من صدرك ، اذهب اذهب . وانطلقت والكلاب تتسابق معي حتي وصلت غرفتي وانا كالطفل ، وقبل أن استلقي في فراشي سمعت صوت السيارات قادمة …

(يتبع)

Ghalib Tayfour

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.