أوراق مبعثرة (15) …
تحركت السيارة تنهب الأرض نهبا” وبدأت (اسماء) تهمس في أذني ، وهي تقول : ماذا لو لم يجدوا شيئا في منزل (الكدك) ، والحقيقة رغم قلقي وخوفي ، ولكن احساسا” يراودني بأني علي حق ، ولا يوجد مكان يذهب اليه (نورين) سوي منزل (الكدك) ، واذا لم نجد شيئا سأكون ضربت موعدا” جديدا” ، فربما تنكشف اشياء اخري هنالك ، فهمست لها :
دعي الأمر للقادم ، ولا تخافي فانا موجود حبيبتي ، شعرت بابتسامتها وهي تتوسدني ، والسيارة تدخل بداية المدينة ، وشعرت بالخوف رغم أحساسي بالسعادة بقربها ، وكانت السيارة تشق المدينة نحو المكتب ، حتي توقفت ، ونزل الضابط ، وقال : للسائق أذهب وأحضر لي قوة أخري ، وسنكون في انتظاركم هنا ، ويبدو أنه أحس بالخطر وهذا ما جعلني اطمئن ، وطلب منا النزول من سيارة مع العساكر ، ونزلنا جميعا ، ودخلنا المكتب وقمت باعطاء اسماء قميصي وارتديت ملابسي القديمة ، والضابط والعساكر يمشطون المكتب بالداخل ويفكرون ويتجنبون الحديث معي حتي بدأت خيوط الصبح تظهر ، سمعنا صوت السيارة وكانت تمتلئ بالعساكر فقلت لضابط :
أن منزل (الكدك) قريب من هنا وربما يشعر بوجودكم ، فقال لي : سوف نداهم المنزل مباشرة ، لن اترك له الزمن للتفكير ، وطلب من أحد العساكر حراستنا حتي يعودوا ، وخرجوا بسرعة وسمعنا صوت السيارة تتحرك ونحن داخل المكتب ، وكانت خيوط الفجر قد بزغت ، وجلسنا ننتظر علي احر من الجمر ، والعسكري يحرسنا دون سلاح ، أقل من نصف ساعة ، وسمعنا صوت سيارة ، تقف امام الباب ، يبدو انهم لم يجدوا شيئا ونظرت (لاسماء) وهي جالسة بقربي واحسست بانها خائفة ، حتي سمعنا صوت اقدامهم تقترب وكنت افكر بماذا اقنعهم اذا وجدوا المنزل فارغا” .
ولكن تصاريف القدر،شاءت امرا”آخر ، فقد أطل وجه (حميدان) ذاك السفاح ، خلفه مباشرة (الكدك) و(نورين) زوج (اسماء) ، وكانت مفاجأة ايما مفاجأة لي ولاسماء ولهم ايضا ، وبدون سابق إنذار تحرك العسكري بسرعة جنونية وقفز فوق السور في تلك اللحظة فهو لا يملك سلاح ، حاول (حميدان) أن يصوب عليه فمنعه (الكدك) ، وقال له:
إياك ان تطلق رصاصة هنا ستجد مدينة (زالنجي) كلها علي راسنا ، لم يهتموا بالعسكري كثيرا ، وهاجمني (نورين) وهو يمسك عنقي ويصرخ بقوة ماذا فعلت بها ايها الكلب، ولكن (اسماء) تصدت له وهي تصرخ فيه:
اتركه فلولاه لكنت مقتولة ، كل هذه المشاكل بسبب شكك واستماعك للأقاويل ، اسال (حمدان) فهو اعلم او (جارين) لماذا اختطفوني ، تدخل (الكدك) وهو يثور فيهم دعكم من كل هذا ، واخرجنا من هنا ، سحب (نورين) (اسماء)، وحاول (حمدان) سحبي فرفضت وهو يصوب لي سلاحه فقلت اطلق في رأسي فالضابط وكل القوة قريبين وفي ثواني ستجدهم فوق راسك ، فقالت له (اسماء) اتركه ماذا تريدون منه ، ووقفت بيني وبينهم ، وتحرك سريعا نحو الخارج يرمقني بنظر حقد ويصرخ :
اصعدوا في السيارة في تلك اللحظة دفع (نورين) (اسماء) نحو مقدمة السيارة ولم أشعر بنفسي الا وانا امسك بيد (اسماء) وقلت له اين ستذهب بها ؟ وشعرت بيدها تذوب في يدي ونورين ينظر لي وينتهرني :
انت مجنون هذه زوجتي ، وحاول دفعي ولكني كنت كالطود وقلت بصوت حازم : لن تاخذها .
كان (حميدان) قد يجلس في مقود السيارة وهو ينظر لي ويقول (لنورين) :
اقتل هذا المعتوه ، لقد تلاعب بشرفك ، وكانت (اسماء) قد احتمت بي ، ونامت داخل احضاني كاني جزء مني ، وشعرت بأنفاسها الحارة ، وانا ممسك بها و(نورين ) ممسكا” بسلاحه ويحاول ان يدفعني بفوهته منها ، و(الكدك) يتحدث معه :
أياك أن تطلق رصاصة هنا ، فقال (نورين) للكدك :
لا بد مما ليس منه بد ، فسحب اجزاء بندقيته وأيقنت أنه سيطلق النار ، ولكن الموت افضل لي من ياخذ (اسماء) مني ، سحبت (اسماء) نفسها وقالت له: سوف اذهب معك نورين اخفض بندقيتك ، فقلت لها:
لن تذهبي (اسماء) فردت: بل ساذهب ، ويجب ان تعود انت لأهلك ، وأترك هذه المنطقة فهى لا تشبهك ، عد للخرطوم ، وعش حياتك ، شعرت بأنها حازمة ، ثم واصلت :
لن تعيش في مكان يناديك بالموت في كل لحظة ، وسوف اذهب مع زوجي وصعدت للسيارة مع (نورين) وانا انظر اليها ، وقفز (الكدك) في الصندوق الخلفي ، وسجلت موقفا” آخر؛ فلو رفضت (اسماء) الصعود مع (نورين) في السيارة من المؤكد كان سيقتلني ، وفضلت أن تفديني بنفسها .
وتركوني واداروا سيارتهم وهربوا ، وانا اقف اتفرج عليهم ، واري عيون (اسماء) من خلال النافذة الخلفية للسيارة ، وهي تنظرني بشوق يوازي موتي تحت اقدامها ، وكأنها تودعني وتطلب مني الهروب بعيدا عن هذا العالم ، الذي لا يشبهني ، وما هي الا لحظات وسمعت صوت سيارة الضابط تقف بجواري ، وهو يصرخ في وجهي أين ذهبوا ؟ وقفزت في الصندوق الخلفي وانا اصف له الاتجاه الذي هربوا به ، وانتهرني وهو يقول لي : انزل من السيارة فربما تحدث معركة ، فقلت له : لقد اخذوا (اسماء) فطلب من العساكر الذين معه انزالي ، ووجدت نفسي طريحا” علي الارض والسيارة تبتعد في الاتجاه الذي أشرته لهم .
وعدت لأتذكر اني احتاج لدخول الحمام ، واحتاج ان اغتسل واحتاج ان احضن السرير وابكي واصرخ ، لقد فقدتها مرة اخري ، وتمنيت لو لم أخبر الضابط بالطريق الذي ذهبوا منه ، جلست في سرير ، ودخل علي رئيس القسم مبتسما وهو يقول لي بهدوء :
يبدو انك فكرت جيدا وقررت أستلام مهامك ، فقلت له : نعم لقد قررت البقاء ، وسوف استحم واغير فجهز أوراق التسليم والتسلم ، ويجب أن يكون هنالك سلاح حتي احمي به نفسي ، فضحك وقال لي :
سأعطيك ثلاثة أنواع من الأسلحة فإختار الذي يناسبك ، وخرج بهدوء شديد ، ولم يسالني عن اين كنت ؟ وماذا حدث لك ؟ ولماذا ترتدي هذه الملابس ؟ وكانه جاء ليصطحبني للمطار !، انه يعلم بالقضية اذا” ، ويعلم بانني سوف اهرب بعد ما حدث لي ! ، ولكن خيبت توقعاته …
(يتبع)
Ghalib Tayfour