الإثنين , مايو 6 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *تجربة الإعتقال خارج أسوار الوطن* الحلقة السابعة

*تجربة الإعتقال خارج أسوار الوطن* الحلقة السابعة

#الهدف
#الهدف_ارشيف_اعتقالات

محمد الأمين أبو زيد

من المشاهد التي لا زالت عالقة بذهني والتي تؤشر انتهاك آدمية الإنسان في السجون ومصادرة أبسط حقوقه، ذلك المشهد الذي تزامن مع لحظة خروجنا من سجن الخليفة ونحن في مكاتب السجن  لتكملة إجراءات الترحيل لمحطة القطار (رمسيس -باب الحديد) مجموعة من السجناء المصريين بملابس رثة تهاجم كيس قشر الموز الذي وضعناه جانبا بعد وجبة فاكهة أتتنا من رفاقنا المتابعين (برنس وود الجاك) الذين آتيا برفقة مندوب السفارة السودانية.. المساجين يتناهشون الكيس ويأكلون قشر الموز بنهم ينم عن حالة جوع رهيبة.. يا للهول!! ماذا يحدث ؟؟؟ المنظر مرعب ومخجل في آن واحد.. ولكن هذا واحد من أهوال السجون المصرية التي تتكاثف الروايات حول ما يجري بداخلها من حالات لا إنسانية.!
تم نقلنا بعربة الشرطة مباشرة إلى محطة (رمسيس – باب الحديد) للقطارات وهي محطة قديمة وكبيرة، تتحرك منها القطارات إلى مختلف مدن مصر   عبر أرصفة مخصصة لكل وجه (قبلي وبحري).
وصلنا المحطة مقيدين بالسلاسل حيث وجدنا مجموعة من أصدقائنا ورفاقنا من الطلبة والطالبات يتأهبون لوداعنا، وقد  دمعت أعينهم وهم يرونا متوشحين بالسلاسل..
نظرات المصريين المسافرين والمودعين لا تخلو من الريبة وحب الإستطلاع، ولكن في وجود الشرطة لا يجرؤ أحد على الإقتراب، وأغلب الظن إنهم ينظرون إلينا كمجرمين ليس الا..! يا لتعاسة المنظر وبؤس المخبر..
المهم ودعنا رفاقنا وأصدقاءنا من رصيف المحطة من على البعد، دون طقوس الوداع السودانية الحميمية المعروفة ودخلنا إلى قطار الترحيلات العجيب.
القطار مخصص لترحيل المساجين والمفرج عنهم من سجون القاهرة إلى مدن الصعيد المختلفة قطار قديم وعربات قديمة مصممة على شكل حراسات ليست بها مقاعد ونوافذها صغيرة محكمة (التسييخ) ويشرف على كل حراسة مجموعة من العساكر..
أدخلنا في حراسة صغيرة لا تتعدى مساحتها العشرين  مترا وممتلئة بالمساجين بما يفوق أل 35 فظللنا نبحث عن موطأ للقدم ومن ثم مساحة للجلوس.
تحرك القطار عصرا نحو الرابعة ونحن في هذا الوضع الصعب في أسوأ رحلة سفر، وعندما أطبق الليل أجنحته عم الظلام الكثيف حراستنا إلا من ضوء خجول في سقفها القديم، ولسوء حظي التعيس أكتشف إنى جالس بالقرب من مقعد دوره المياه المكشوف، بالقرب مني أحد الرفاق لا أذكره حيث المكان يجعلك في مرمى المدفعية.. ياللهول!!!
في مؤخرة الحراسة البائسة يتربع فتوة الحراسة متمددا ويمارس ساديته وتسلطه يضرب هذا ويأمر ذلك ويحكي النكات ويسرد القصص..
عندما تجاوزنا الثلاث ساعات على متن القطار، وبات من الاستحالة الإستمرار في الرحلة بهذه الوضعية أسررت إلى رفيقى المجاور بإنى سأبتدع حيلة تنزعنا من هذه الحراسة، فتظاهرت بمرض الربو ودخلت في تمثيل كومة ضيق التنفس، إذ سرعان ما طرق الرفاق بعنف جدار الحراسة ريثما أتى العسكري المسؤول حيث أوصل له الرفاق مسؤوليى ما يحدث لي إذا لم يتصرف بسرعة فأنصرف وجاء راجعا يطلب منا الخروج من تلك الحراسة إلى حراسة أخرى.
نجحت الخطة وتم تحويلنا لحراسة بها عدد قليل جدا من أعضاء الجماعات الإسلامية، وهي حراسة مرتبة مفروشة بسجاد، ونزلاءها غاية في الترتيب من حيث المأكل والمشرب والمطرح المريح والحمام المغلق. رحبوا بنا بحفاوة شديدة وسريعا إندمجنا وأخذنا مواقعنا تمددا بعد  أداءنا صلاة العشاء في الحراسة المريحة، وتبادلنا معهم الونسة والأخبار حيث سألونا من بعض أسماء معتقليهم الذين مروا بنا في الحراسات المختلفة، ولعل ما يثير الدهشة قدراتهم التنظيمية العالية وحسهم الأمني الرفيع.
الجماعات كانت تتمتع بحضور كبير في مدن الصعيد وما أن يتوقف القطار في أي محطة تجدهم يملؤون أرجاء المحطة بالتكبير والهتاف القوي الجماعي، وأذكر هتافهم المحبب (حسني مبارك يا جبان يا عميل الأمريكان).. وفي أسيوط المركز القوي للجماعات، وحيث يمكث القطار مدة أطول والتي وصلناها فجر اليوم التالي تعالت الهتافات بشكل قوي ومتواصل، ومن الملاحظ إن الهتافات كانت تقلق العساكر جدا.. لكن لا يملكون سبيل لإسكاتها.. ويتمتع أعضاء الجماعات بشراسة شديدة في مواجهة العساكر ورجال الأمن تة حتى تكاد تلحظ الخوف بادي في وجوه أفراد الأمن والشرطة.
إستمرت رحلتنا بإتجاه أسوان، وقطارنا تتناقص حمولته تباعا من المساجين، إلى أن وصلنا أسوان قبيل العصر بقليل، تم إنزالنا إلى المحطة وتقييدنا جميعا بجنزير طويل جدا من الأرجل، وحملنا أمتعنتنا على الأيادي، وأمامنا العسكري إلى حراسة بالقرب من المحطة في مشهد عجيب لا يشبه إلا عتاة المجرمين.. ولا يتناسب وحالة إعتقالنا.. ولكن ثقافة الإعتقال في التعامل مع الجماعات الإسلامية يبدو إنها مسيطرة على العساكر.
دخلنا حراسة أسوان، وكالعادة لم نجد فيها إلا أعضاء من الجماعات الإسلامية مرحلين بذات القطار إلى القاهرة، وقضينا ليلتنا معا، تسامرنا هموم الإعتقال وذكريات المعتقلات الماضية وقصصها ومواقفها.
الرفيق (ود الجاك) رافقنا إلى أسوان، وفي صبيحة اليوم التالي تم نقلنا بعربة الشرطة برفقة أحد الضباط إلى ميناء السد العالي (مرسى البواخر النيلية)، حيث تم تسليمنا إلى شرطة الباخرة بعد إكتمال إجراءات المغادرة والجوازات المصرية.
في داخل الباخرة تم تسليمنا إلى الطاقم السودانى، وظللنا نتمتع بحرية في داخل الباخرة السودانية، وبعد معرفة ركاب الباخرة بأمرنا، ظللنا في حالة أشبه بالندوة المفتوحة والجميع يتابع من خلال الراديو أخبار حرب الخليج وتداعياتها الدراماتيكية، وتفتح المناقشات حول الأحداث وحالة الاعجاب بالعراق وقيادته ظلت محل نسج لكثير من الحكايات الأسطورية شغفا بالبطولة حول الحرب في أذهان كثير من السودانيين آنذاك.
كانت هذه أجواء الباخرة حتى الوصول لوادي حلفا حيث أرض الوطن المختطف.
وعند الوصول مباشرة تم إجلاءنا من الباخرة سريعا، وكانت تنتظرنا عربة جهاز الأمن السوداني في الميناء والتي اقلتنا إلى مكاتب الجهاز بوادي حلفا.
…. يتبع

 

 

 

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.