الجمعة , مايو 17 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / #الهدف_ارشيف_اعتقالات *تجربة الإعتقال خارج أسوار الوطن* *الحلقة الثالثة*

#الهدف_ارشيف_اعتقالات *تجربة الإعتقال خارج أسوار الوطن* *الحلقة الثالثة*

#الهدف

محمد الأمين أبو زيد

أمضينا ليلة من أطول الليالي في القاهرة، المدينة التي أحببناها ونهلنا من علم جامعاتها ومعاهدها، وعرفنا أحياءها وأزقتها معرفة دقيقة من خلال برنامج الكسح طوافا بين (شقق) الطلبة السودانيين بهدف الكسب والإستقطاب والتعبئة للإنتخابات والقضايا الطلابية المختلفة، عبر توزيع البيان أو المجلة أو الملصق، حيث كانت جبهة كفاح الطلبة هى الأنشط بين التنظيمات الطلابية في هذا المضمار.
ما زالت تلك الليلة محفورة في الذاكرة الجمعية لكل الرفاق الذين كانوا داخل المعتقل.
عصر اليوم الثاني تم ترحيلنا إلى مكاتب وحراسة تتبع لجهاز أمن الدولة بحي الدقي، وهي ليست بعيدة عن مبنى جامعة القاهرة، الأمر الذي يشي بإنتقال الإعتقال إلى مرحلة إحترافية في التحقيق، وتم استضافتنا في بهو كبير، على نهايته مكتب يتربع عليه أحد ضباط الجهاز، وهناك عدد من المخبرين يتهامسون إلى الضابط ويتحركون ذهابا وإيابا بين المكاتب الأخرى.
تم إدخالنا للتحقيق فرادى، حيث كنت على ما أظن أول المتحرى معهم وكانت طبيعة الأسئلة تعبر عن قدر كبير من الإلمام بالمعلومات حول النشاط السياسي للطلاب السودانيين، فقد كان لجهاز أمن الدولة المصرية قسم خاص بمتابعة نشاط الطلبة السودانيين منذ فترة، وظل هذا القسم ناشطا جدا إبان فترة النظام المايوي، الذى جمعت بينه وبين النظام المصري علاقات وثيقة، فيما عرف بإتفاقية التكامل، وكان من ضمن جوانبها التعاون الأمني الذي أسفر عن ترحيل عدد من الطلاب السودانيين في تلك الفترة أبرزهم من جبهة كفاح الطلبة فيصل التجاني الذى لقب (بفيصل تكامل) لكونه أحد ضحايا التكامل، وأسامة عبد الجليل، ولاحقا أحمد كوكو، ومصطفى عوض، وياسر عوض الزين وآخرين..
تجلى لنا معرفة ذلك القسم من خلال التحقيق، حيث استل لي الضابط في سياق السؤال عن تنظيمي عدد من الملفات التي تحوي بيانات وقوائم انتخابية وخلافه، ليؤكد لي علاقتي بجبهة كفاح الطلبة، بينما أحاول تدوير السؤال بالإعتراف، نعم نزلت إنتخابات دورة كذا ولكن مستقلا وليس لي تنظيم، ينادي أحد المخبرين، فاتفاجأ بتلك الشخصية التي تشكل حضورا يومياً في بوفيه دار الإتحاد الفرعي بدعوى علاقته بعمال البوفيه، الذين نكتشف إنهم كلهم مخبرين في جهاز أمن الدولة!
المهم سأل الضابط المخبر بلهجة مصرية: (محمد أمين بؤؤل إنو ما عندوش علاقة بجبهة كفاح الطلبة!؟).. فيرد عليه المخبر بإذعان وطاطاة: (لا يا بيه دا بوزع بيانات في العجوزة!)..
وقتها تذكرت إنه كانت ضمن تكليفاتي، ورفاق آخرين تغطية منطقة العجوزة التي كان يسكنها طلاب المعهد الصحي والصناعي بحي أم بابا وطلاب كلية التجارة الخارجية جامعة حلوان.. يتهكم الضابط من إنكاري ثم يدلي بمعلومة أخرى: (يا عم دا إنت كنت سكرتير أكاديمي للإتحاد عن الجبهة!)
ويقفز إلى سؤال اعتراضي: (طب أولى يا محمد، مين الي جندك للجبهة!؟)، أتحايل الرد الذى لا يأبه به كثيرا: (أنا ما عندي علاقة بالجبهة.) فيتهكم بأسلوب مصري (يا عمى روح جاتك نيلة.. انت بتستعبط ولا إيه؟)
يسأل سؤال آخر بتعمل إيه في معهد البحوث؟ فأرد: (بدرس دراسات عليا)، فيرمقني بنظرة إستنكارية ويقول: (دا إنت عفنت يا عم، متخرج من زمان، دا أنا حارحلك)، فيسود الصمت برهة ثم يقفز بي إلى سؤال آخر لا علاقة له بما قبله.
على العموم كانت تلك  طبيعة الأسئلة والتي لم يتخللها تعذيب بدني ولا معنوي طيلة أيام الإعتقال التي إمتدت لأكثر من الشهر بين الحراسات المختلفة إلى سجن الترحيل.. عندما أكمل الضابط تحقيقه معي أمر أحد جنوده بأن يربطني بشال (كنت اتوشحه) على عنقي، ويقتادني أمام رفاقي المنتظرين، وعبر بي إلى سلم مؤدي إلى الدور الأرضي ليوقفني أمام بوابة حراسة صغيرة، ويبدو أن تلك كانت رسالة معني بها رفاقي ليكونوا سلسين في التحقيق، وقد فُهمت لديهم بحسهم الأمني العالي، حيث لم يظفر من أحد منهم بمعلومة ذات جدوى، وكانت الأسئلة التي وجهت لهم جميعا تدور في ذات السياق، لكنها كانت تعكس رصد معلوماتي ومتابعة مهنية عالية لجهاز أمن الدولة، وإهتمامه بنشاط وحركة الطلاب السودانيين بشكل عام، والبعثيين بشكل خاص، بحكم طبيعة تنظيمهم فوق القطرية والتي يمكن أن تكون لها تقاطعاتها وارتباطاتها بمصر، ولو كان لنا أدنى ارتباط أو علاقة بالطلاب المصريين لما سمح بوجود طالب سوداني بعثي في مصر.
إكتمل عقدنا جميعا بعد فراغ مهمة التحقيق أمام بوابة الحراسة التي كانت على شكل صالون صغير ومحشوة بعدد من أعضاء الجماعات الإسلامية، التي كانت تنشط في تلك الفترة بشكل كبير في مواجهة النظام المصري، وعندما أدار الجندي الترباس والقفل وفتح باب الحراسة قال تعليقا مقصودا موجها تعليقه لمعتقلي الجماعة الاسلامية: (الجماعة دول أخوانكم سودانيين شيوعيين!).. قاصدا بذلك دق إسفين بيننا وبينهم وتوتير العلاقة وتسميم الأجواء، دخلنا وسلمنا عليهم فردا فردا، ورحبوا بنا ترحيبا شديدا دون إكتراث لما قاله الجندي وكانوا على مستوى عالي من التظيم، لديهم أميرهم، ويديرون أمورهم بحس أمني عالي ومرتب، ولا يخافون من رجال الأمن مطلقا، بل العجيب لاحظنا خوف أفراد الأمن منهم بشكل ظاهر.
دنا وقت صلاة المغرب، فأدينا معهم الصلاة في جماعة ولعل ذلك كان مبعث إطمينان، حيث لم يسألونا إلا عن سبب إعتقالنا، وجمعت بيننا وبينهم علاقة ودية لطيفة يتخللها السمر والضحك، ولم نفتح نقاش فكري أو سياسي، ولا هم اهتموا بذلك.. في ذات الحراسة كان هناك فرد واحد من جماعة التكفير والهجرة بينما الغالبية من جماعة د. عمر عبد الرحمن، كان ذلك التكفيري شخص غريب في شكله وملبسه، ينزوى وحيدا في ركن الحراسة يصلي لوحده، ويأكل وحيدا، ولا يكلم أحد، ويمارس حياته كلها في عزلة عن باقي المعتقلين، بينما نحن إنسجمنا بشكل طبيعي طيلة فترة وجودنا، التي لم تدم طويلا، انتقلنا بعدها مباشرة إلى حراسة شرطة عادية يؤمها عدد من عتاة المجرمين في جنايات مختلفة (قتل وسرقة وخلافه) (حراسة قسم الدقى) التي كانت نموذجا لأسوأ حراسات الدنيا، وقد نقلنا لها لهدف مقصود فيما يبدو، سنتعرف عليه في الحلقة القادمة …
يتبع

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.