السبت , مايو 4 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / حزب البعث العربي الاشتراكي "الأصل" / المسلم التقليدي…. المتهم الضحية – الجزء الرابع


المسلم التقليدي…. المتهم الضحية

إياد شربجي

واشنطن- الولايات المتحدة

الجزء الرابع

ج- آليات الدفاع عند المسلم التقليدي

يمكننا التمييز بين نوعين من الدفاع عند الكائنات الحية:

1- الدفاع الغريزي:

وهو ما يشترك به الإنسان والحيوان معاً، كنوع من الإجراءات الطبيعية التلقائية لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها الكائن الحي، كدفاع الحيوانات عن مناطقها وأبنائها، يقابله عند الإنسان بالإضافة إلى ما سبق (الدفاع عن الأرض والأولاد و...) مواجهته لمن يهدده بالتعنيف اللفظي كالسب والشتم والتقذيع.

المسلم التقليدي…. المتهم الضحية – الجزء الرابع


المسلم التقليدي…. المتهم الضحية

إياد شربجي

واشنطن- الولايات المتحدة

الجزء الرابع

ج- آليات الدفاع عند المسلم التقليدي

يمكننا التمييز بين نوعين من الدفاع عند الكائنات الحية:

1- الدفاع الغريزي:

وهو ما يشترك به الإنسان والحيوان معاً، كنوع من الإجراءات الطبيعية التلقائية لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها الكائن الحي، كدفاع الحيوانات عن مناطقها وأبنائها، يقابله عند الإنسان بالإضافة إلى ما سبق (الدفاع عن الأرض والأولاد و…) مواجهته لمن يهدده بالتعنيف اللفظي كالسب والشتم والتقذيع.
هذا النوع من الدفاع ينتج عند الشعور بالتهديد أو الخوف أو الغضب، حيث يزداد إفراز الأدرينالين في الدم، مما يؤدي إلى زيادة نبضات القلب وارتفاع الضغط الشرياني، و ضخ  مزيد من الدم والأوكسجين في العضلات وهو ما يمنحها قوة زائدة عن المعتاد، وبالنتيجة يتأهب الجسم ويصبح وضعية الاستعداد للمواجهة والهجوم والتصرف بعدوانية.

عصبيباً يؤثر تبدل هذه الحالة الكيميائية على الدماغ،  فيغيب التفكير السليم وتتشتت الأفكار وتأخذ السلوكيات طابعاً عصبياً تلقائياً، ويفتقد الكائن للحكمة والرشد في الرد، وهذا ما نجده مثلاً عندما تجد أم ابنها في منتصف شارع وثمة سيارة مسرعة تتقدم نحوه، فهي وبتلقائية ودون تفكير تركض نحو ابنها وتحتضنه، دون ادراك أن السيارة ستصدمهما معاً.

2- الدفاع العقلي (الذهني):
هذا النوع من الدفاع يتميز به الإنسان دوناً عن غيره من الكائنات الحية، فهو يعتمد على آليات المنطق والتحليل والاستدلال و القياس والمحاكمات العقلية، ويميل إلى استخلاص النتائج والعبر، وبناء على هذه الميزة تم وصف الإنسان في علم الحياة الطبيعية بـ (الحيوان العاقل)، فقد حباه الله دون سائر خلقه بقدرات عالية من التفكير والذكاء.
هذان النوعان من آليات الدفاع موجودان لدى الإنسان، لكن هذه العملية تختلف من شخص لآخر، وكلما ازداد الإنسان ذكاءً وهدوءاً و علماً وثقافة، تزداد قدرته على حل المواجهات والمواقف بالتفكير والتحليل (الدفاع العقلي).

علم النفس يقول أن هذين النوعين يعملان لدى الإنسان بشكل متعاكس، فصعود أحدهما يكون على حساب هبوط الآخر، وأن أغلب المواجهات المتكافئة (التي لا تستخدم فيها وسائط القوة المفرطة) تكون الغلبة فيها في نهاية المطاف للإنسان الهادئ الذكي وصاحب الحيلة (الدفاع الذهني)، على حساب الغاضب صاحب القوة والعضلات (الدفاع الغريزي)، حتى أن هذه المواجهات كثيراً ما تنتهي قبل حدوث أي تماس مباشر.
 

  ح – ردود  

كل ما سبق كان ضرورياً ولازماً حتى أنتقل منه للتعقيب على الردود، فهي ستوفر علي الكثير من عناء الشرح:
للأسف، ومن خلال الردود التي قرأتها على المقالة بشكل خاص، ومن خلال التصريحات و السلوكيات المعتادة للمسلم التقليدي في مواجهة التحديات والهجوم الذي يتعرض له بشكل عام، نجد أنه يغلب عليه أسلوب الدفاع الغريزي، وليس العقلي.
أسباب ذلك كثيرة ومتداخلة وتحتاج إلى بحث من متخصصين، لكن عدا أن ذلك يعود بشكل رئيسي إلى قلة الثقافة والوعي، إلا أنه لا يمكن إغفال دور التربية الدينية والمجتمعية التي وصفناها أعلاه  في تحويل المسلم التقليدي إلى ذلك الكائن العصابي الذي يغلّب الغضبَ على العقل حين يعتقد أن أحداً يتعرض لدينه، لذلك مثلاً لم يكن من الصعب أن تتسبب رسومات مسيئة للرسول رسمها فنان دانماركي عام 2006 ، واخرى نشرتها مجلة شارل ايبديو عام 2014 ، لإلهاب مشاعر الملايين من المسلمين غضباً ووعيداً حول العالم، وليخرجوا طواعية و ليقوموا بحرق السفارات والتحطيم والتكسير بل والقتل تحت شعار (إلا رسول الله)، و في حين أنهم خرجوا للتظاهر للقول بأن محمداً هو (نبي الرحمة) فإنهم فعلوا كل شيء يثبت عكس ذلك.
مع ملاحظة أن المسلمين بالمحصلة فعلوا ذلك لأجل رسوم كرتونية ضد شخص مات منذ 1400 سنة ولن يضيره الأمر في شيء، فيما يصمتون في ذات الوقت تجاه مقتل مئات الألوف من أتباعه أمام أعينهم، ولم نر طيلة 5 سنوات مظاهرة واحدة ذات قيمة في العالم الإسلامي لأجل السوريين…!

سأعقب على الردود التي قرأتها لمادة (كيف يتحول المسلم إلى إرهابي) من خلال عناوين وتصنيفات عريضة:

1- لماذا لا تتحدث عن إرهاب الأديان والدول الأخرى؟

هذا سؤال لا يبحث عن جواب، هذا سؤال معدّ للتهرب من تحمّل المسؤولية،  ولوضعك أمام امتحان مفتعل للمصداقية، بقصد محاصرتك والتقليل من أهمية ما تقول، وتغيير مسار النقاش والفكرة التي تطرحها، فهو يطالبك عندما تتناول مسألة العنف في التشريع الاسلامي، أن تقدم قائمة (ليستة) بانتهاكات الدول والأديان الأخرى كي تثبت أنك غير منحاز، وإن لم تفعل أنت ، يتبرّع المعلقون للقيام بالواجب، ويبدؤون بتذكيرك بالحروب الصليبية واحتلال فلسطين و غزو أمريكا للعراق وسواها ويغرقونك بالقصص والصور والفيديوهات، ويتركون الأمر لعواطف الناس ومشاعر المظلومية لديهم،  ليغيروا محور الحديث وينقلوه إلى مكان آخر، وبينما تكون أنت تطرح قضية محددة وواضحة، تجد نفسك بعد حين مضطراً للدخول في معركة حسن نوايا، ولتقديم تنازلات عن أطروحتك، ونشر توضيحات واعتذارات تدفع فيها عن نفسك تهمة التبرير للمجرمين الآخرين، ونكرانك لأصلك وقومك ودينك.

إجمالاً هذه العملية تشبه الحالة النفسية المعروفة لمصاب بمرض مخجل كالإيدز، حيث يقوم المريض بمحاولة نقل العدوى لأكبر عدد من الناس كي يتغلب على شعوره الذاتي بأنه الوحيد.

وهنا أسأل التالي:

– هل إذا أشرنا إلى انتهاكات الأديان الأخرى يعني أن ما يرتكب باسم الإسلام يصبح مبرراً ومقبولاً؟

– ولماذا هذه المقارنة الاجبارية، ونحن الذين نقول عن الإسلام أنه دين الله الذي لن يقبل سواه (إن الدين عند الله الاسلام)، وهو الدين الكامل الصالح الخاتم الناسخ لما قبله، فلماذا يجب أن نضعه على ميزان المقارنة مع هو أقل وأقدم وأدنى منه؟

تخيل مثلاً لو أن أحد النواب الألمان انتقد حكومة بلاده بسبب وجود شارع غير مؤهل في إحدى الولايات، هل تعتقد أن كافة أعضاء البرلمان الألماني سيثورون عليه ويبدؤون بالقول (قبل ان تتكلم عن شوارع ألمانيا هل رأيت شوارع سورية، هل تعلم كم شخصاً قتل في شوارع مصر بسبب سوئها؟…..)…!!!

2- لا أعلم، لكنك بالتأكيد لا تعلم:

من الردود العجائبية التي يكررها كثيرون ويقذفونها في وجهك ككرة ثلج (لست متخصصاً في العلوم الدينية كي أناقشك وأفنّد أقوالك، لكن فهمك مغلوط، وما قلته خاطئ)

هو لا يعلم عما تتحدث، ولا يملك الحجة لمواجهتك، ولا يريد أصلاً مناقشتك لأنه غير متخصص، لكنه متأكد بأنك مخطئ.!!!

لقد كانت مقالتي السابقة طويلة، وغالباً المقالات الطويلة لا تحظى بقراءات كثيرة، وبعد أن ناقشت بعض من علقوا عليها تأكدت أن كثيرين ممن علقوا واتهموا وأخذوا مواقف حدية، لم يقرؤوها حتى، وحكموا عليها من العنوان أو من السطور الأولى، أحدهم قالها لي صراحة، فبعد أن ناقشني لنصف ساعة لم يترك فيها اتهاماً إلا ونثره في وجهي، ولما واجهته بحقيقة أن بعض الأفكار التي يتهمني بها لم أقلها حتى في مقالتي، عاد وقاد لي (بالحقيقة لم أقرأ المادة… لكنني قرأت ردّ الدكتور وائل حبنكة وانتقاداته لها، وهو رجل عالم وابن عالم، وأنا أثق برأيه)

إن طبيعة هذا الرد تشير إلى أمر هام، وهو استصغار المسلم التقليدي لعقله أمام من يسميهم (العلماء)، فهو لا يجرؤ على نقاش أمور الدين، ويعتبر نفسه أدنى من أن يفعل، فيتبنّى رأي رجال الدين الذين يثق بهم، ويعتبر رأيه رأيهم.

هذا الأمر يعيدنا إلى ما شرحته حين تحدثت عن الظروف التي شكّلت عقل المسلم التقليدي، ويعيدنا إلى مسألة آليات الدفاع عنده.

3- تطرح مشكلة دون حل:

لم ادعّ يوماً أنني أملك حلاً للمشاكل والأفكار التي أطرحها، فأنا مثل أي شاب سوري ومسلم  وجد نفسه في أتون أزمة ومعركة كبيرة تتمحور حول دينه وهويته، وصار الأمر يمس حياته وأمنه الشخصي، وهو يحاول أن يبحث عن مخرج ولمّا يجد بعد، ناهيك عن أن هذه معضلة لم تستطع أمة كاملة أن تحلّها بعد، فكيف يطالب شخص واحد بذلك.

ثم إنني وبحكم كوني صحفياً، فإن مهمتي الأساسية هي طرح القضايا والمشاكل وليس حلّها، فالصحفي عندما يتحدث مثلاً عن وجود فساد في مؤسسة ما، ليس مطلوباً منه أن يحقق مع الجناة ويحاسبهم ويقتادهم للسجن، فهو يملك صوته ومنبره فقط، وهو ليس مؤسسة قائمة لها آليات تنفيذية ومحاكم وسجون وجهاز شرطة.

ورغم ذلك أعتقد أن مثل هذا الرد، ومثل هذه النقاشات التي نفتحها الآن هي نوع من الحلول، فتشخيص المرض يسبق العلاج ووصف الدواء.

 
4- إنه ليس الوقت المناسب، وأنت تساعد الأعداء بتكريس فكرة الارهاب عن المسلمين:

أصحاب هذا الرأي يقولون إنه ليس الوقت المناسب لفتح موضوع فكري كعلاقة العنف بالدين، وأن نقاشه على الملأ ونشر الشبهات و الانتقادات حوله (سيما عنما يأتي على يد مسلمين أمثالي ويتواجدون في الغرب)  هو أشبه بطعن الضحية، ومساعدة  الجاني وتبرير جرائمه، فالمتربصون كثر، والذين يقتلون ويظلمون الناس بحجة مكافحة الارهاب يستخدمون هذه التصريحات لتبرير الاستمرار بجرائمهم.

 
هذا الرد رغم أنه شكلاً يدخل تحت بند (نظرية المؤامرة) إلا أنه جدير بالاهتمام والملاحظة، وفيه بعض المنطق. سأرد عليه على مستويين:

أ- إذا نظرنا للموضوع بشكل راهني، سنجد بالفعل أن بشار الأسد والسيسي والحشد الشيعي في العراق يستخدمون حجة مكافحة الارهاب لقتل وقمع المسلمين وترويعهم وكسر إرادتهم، وتكريس حكم قهري ظالم فوق رؤوسهم، ونجد على الطرف المقابل أن دول العالم تغضّ النظر عن انتهاكاتهم في سبيل هذا الهدف.

لكن رغم قسوة المشهد، هل يعني ذلك أن نصمت عن أخطاء ترتكب باسمنا، وتحملنا المسؤولية، ويكلفنا استمرارها الكثير؟

هنا نعود بالذاكرة إلى بدايات ظهور النصرة عام 2012 وإعلانها تبعيتها للقاعدة ودخولها كطرف إلى جانب الثورة، عندما غضّ معظم السوريين -بمن فيهم قيادات المعارضة- النظر عن مشروع النصرة الجهادي، وتجاهلوا  انتهاكاتها التي بدأت تظهر، ومنها حادثة قتل طفل في حلب بحجة سبّه للنبي، ثم رجم امرأة زانية، وقطع يد سارق، وغيرها من الحوادث، حينها كان معظم السوريين يقولون في قرارة أنفسهم  (إنها الحرب، الأخطاء تحصل… المهم أنهم يقاتلون الأسد الآن، وسنناقش الموضوع لاحقاً) وعليه سامح السوريون المجاهدين (الذين تركوا أموالهم وديارهم وجاؤوا نصرة لنا) وقبلوا بمبدأ دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، دون أن يعوا حقيقة أيهما هو الأكبر وأيهما الأصغر،وهكذا وفّروا  لهذا التنظيم الإرهابي حاضنة شعبية وشرعية ثورية، وقدموا ذلك كهدية على طبق من ذهب  للأسد ليثبت نظرية محاربته للإرهاب، وليستجلب كل القوى الشريرة في العالم لتقاتل معه، ولتحميه روسيا في مجلس الأمن وترفع الفيتو ثلاث مرات بحجة أنه من الخطأ إسقاط نظام شرعي يحارب الإرهاب، ثم لينضم المجتمع الدولي بغالبيته إلى قافلة الروس بعد أن ظهرت داعش (الابنة الشرعية للنصرة) وتعلن الجهاد العالمي، وتقوم بالفعل بتنفيذ تهديداتها في العمق الأوروبي.

هل يحتاج الأمر لعملية حسابية معقدة لإدراك كم خسرنا منذ العام 2012 من ضحايا ودمار وعذابات وآلام بسبب ذلك، وهل كان يجب أن ندفع كل هذا الثمن طيلة 4 سنين قبل أن تخرج المظاهرات في معرة النعمان، وتكشف النصرة عن مشروعها التدميري للثورة السورية؟ وهل لو أننا عرينا التنظيم من حينه ولم نوفر له المأوى والمبرر، كان لكل ما حصل -أو لجزء منه- أن يحصل؟ جواب هذا السؤال هو تماماً الردّ على حجة (هذا ليس وقته).!!

 
ب- أما إذا نظرنا إلى الموضوع من الناحية الاستراتيجية بعيدة المدى، فإن طرح هذه المكاشفات على قسوتها هو استحقاق قادم لا محالة، بل لقد تأخّر كثيراً حتى استفحل ووصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من التأزّم، والتي حدثت وتفاقمت  تحديداً بسبب عدم نقاش المسألة بجدية طيلة عقود وقرون، وتركها تتفاعل وتترسخ على يد الساسة كنصوص أصبحت جزءاً من الدين يدافع المسلمون عنها اليوم.

على مدى التاريخ الإسلامي تم قمع وإسكات معظم الحركات التنويرية والتجديدية في الإسلام بشكل مبكّر ومنذ مهد الدعوة، وهنا لا بدّ من المرور بسرعة على المعتزلة الذين ظهروا في القرن الثاني الهجري  في البصرة كحركة اصلاحية دينية وسط أمة انقسمت على نفسها بين سنة وشيعة، وقد نادى المعتزلة بتقديم العقل على النقل، وأحدثوا ثورة فكرية حقيقية،  كانت لتغيّر واقع المسلمين اليوم.

 
يقول أحمد أمين عنهم في كتابه (ظهر الإسلام):

“كان للمعتزلة منهج خاصّ أشبه ما يكون بمنهج من يسمّيهم الإفرنج العقليين، عمادهم الشكّ أوّلاً والتجربة ثانياً، والحكم أخيراً. وللجاحظ فى كتابه «الحيوان» مبحث طريف عن الشكّ، وكانوا وفق هذا المنهج لا يقبلون الحديث إلاّ إذا أقرّه العقل، ويؤوّلون الآيات حسب ما يتّفق والعقل كما فعل الزمخشري في الكشّاف، ولا يؤمنون برؤية الإنسان للجنّ لأنّ الله تعالى يقول: (إنّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) ويهزأون بمن يخاف من الجنّ، ولا يؤمنون بالخرافات والأوهام، و يؤسّسون دعوتهم إلى الإسلام حسب مقتضيات العقل و فلسفة اليونان”

إلا أن ما حدث أن المعتزلة  تعرضوا للقمع لأسباب سياسية بحتة على يد الخليفة العباسي المتوكل، وتمت ملاحقتهم وأحرقت كتبهم، وتم تكفيرهم، وكان الثمن الأقسى لقمعهم خلّو الجوّ لظهور كتبة الحديث الذين أضاعوا المسلمين فوق ضياعهم، ولو لم يتم قمعهم وأخذوا فرصتهم لعشنا إسلاماً آخر اليوم. الغريب في الموضوع أن  معظم المجامع الدينية اليوم وبعد مرور 1200 سنة على قتل آخر معتزل، لا تذكر منهم سوى قصية (خلق القرآن) وهي قضية فلسفية عميقة، و تعتبرهم فرقة ضالة، بل اتهمهم (شيخ الإسلام) ابن تيمية بالإلحاد:

“لكن معنى التوحيد عندهم يتضمن نفى الصفات… وهذا إنما هو إلحاد في أسماء الله وآياته، ومعنى العدل عندهم يتضمن التكذيب بالقدر، وهو خلق أفعال العباد، وإرادة الكائنات والقدرة على شيء”

والأغرب أن مثل هذه التهم هي ذاتها التي ما زال يرطنها المسلمون اليوم ضد كل من يخرج عن المألوف ويحاول إصلاح المنظومة الدينية.

(للاستزادة حول حكم المعتزلة لدى الفقهاء اليوم – اضغط)

5- الظلم سبب الإرهاب

أحد الأساتذة  المعلقين كتب رداً يقول فيه أن سبب الارهاب هو الظلم، وذكر مجموعة من المظالم التي تطال المسلمين اليوم، رغم انني كنت ذكرتها بنفسي في متن المادة الأولى.

بالتأكيد إن أحد وجوه الإرهاب هو قضية المظلومية، وكما سبق و ذكرت، لا ينكر عاقل الظلم الذي يتعرض له المسلمون، لكن عودة لهذا التبرير، أي ظلم يبرر أن يقوم مظلوم بقتل مظلومين ؟

ثم من قال أن  فكر العنف في الإسلام هو قضية القرن العشرين، هل نظرنا نظرة عادلة ومحايدة لتاريخ المسلمين؟

هنا أعيد السائل إلى ما كتبته أعلاه في (الظروف التي ساهمت في صناعة المسلم التقليدي)

6- الارهاب يقتل من المسلمين أكثر من غيرهم:

صحيح وغير صحيح؛

صحيح إذا اعتبرنا أن من تقتلهم داعش في سورية والعراق مسلمون، لكن التنظيم يملك من الأدلة ما يكفي ليقول أن من قتلهم مرتدين وكفرة، وتبرير ذلك بسيط للغاية، كثير من كتائب الجيش الحر تتبع لقوى سياسية في الائتلاف والمعارضة، وهذه القوى تأخذ الدعم والتمويل من دول أجنبية يعتبرها المسلمون دولاً صليبية وكافرة، هنا ببساطة ندخل تحت بند الموالاة، و تستخدم داعش النص القرآني ، وهي لن تجد واحداً، بل خمساً:
– (يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)المائدة: 51
– (يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة)  الممتحنة: 1
– (يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ الكفار أوْلِيَاءَ واتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) المائدة: 57
– (يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) آل عمران: 118
– (لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ)  المجادلة: 22

بل أكثر من ذلك، سيعتقد الداعشيون أنهم يحسنون صنعاً، ولديهم ما يفهمونه أيضاً ويفاخرون به.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}

وكي نخرج من إطار التفسير الكيفي للنصوص، وتبرأة النص القرآني من الفهم الداعشي له، سأتوسّع أكثر في موضوعة التفسير في فقرة خاصة تحت عنوان (التأصيل)، لتروا بأنفسكم كيف أنه من السهل -بل من السهل جداً- تبرير ما تفعله داعش، ليس لأنه عز وجل قصد ذلك، بل لأن المفسرين اتفقوا عليه..!!

7- عدم الالتزام بالدين هو السبب
يميل البعض إلى جلد الذات لتفسير مصاب المسلمين وانكسارهم، وهنا يصبح الضحية هو السبب، وتسمع أقولاً من قبيل، (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)، وهكذا يصبح الأمر أنه نستحق ما يحلّ بنا، سيما أن لا أحد ينكر أننا مفككون ومهزمون، وإن كان تبرير الأمر بالنص القرآني يجعله قدراً محتوماً على المسلمين، لنعود مجدداً إلى السؤال الأزلي (هل الإنسان مسيّر أم مخيّر)
اجمالاً يكرر رجال الدين هذا الاتهام كثيراً على المنابر، ويوبخون المسلمين ويحملونهم المسؤولية دائماً فيما وصل إليه حالهم، دون أن يأخذوا بالاعتبار أن واقع المسلمين ناتج عن عوامل كثيرة متداخلة، و أولها هو التأثير السلبي لطبقة رجال الدين أنفسهم طيلة هذه القرون، وهو ما بينته أعلاه. 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

وجدي صالح في حوار لـ”مداميك”:

Share this on WhatsAppوجدي صالح في حوار لـ”مداميك”: ليست هناك تسوية.. ما يجري هو محاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.