أين المفر فالبحر خلفكم والعدو أمامكم ؟

أين المفر فالبحر خلفكم والعدو أمامكم ؟
    إنطبقت هذه المقولة وتشابهت في التعبير والمعني , فالبحر الابيض يبتلع في كل زمن جزءاً من شبابنا الفار بجسده من نيران الظلم والقهر , يهربون الي دول الفرنجة , حاملين آمالهم وأمانيهم الفخيمة يُمنون أنفسهم بمستقبل مشرق وأحلام سعيدة , تاركين ورائهم بقايا من أهليهم , الذين تخطت اعمارهم سن الآمال , ووهنت عظامهم لعذاب الترحال , ففضلوا تخفيف سنين السيئات في تحمل العدو ليكسبهم هالة من الحسنات .
شباب أفكاره موبوءة , ومستقبله مرهون , وطريقه مغلق ,وشراعه مكسور , لم يحظَ بتعليم , ولم يستمتع بحياة , ولم يستنشق لأدب , ولم يُدرك لتواصل , حُكم عليه بالفناء قبل الحياة ,والفراق قبل اللقاء , إستوطتنه المعاناة , زمام أمره عند الجبارين  الطغاة الذين دمروا التعليم , وغيروا مناهجه  , ومزقوه بنوازع لا أخلاقية , وحطموا الترابط الاجتماعي , فأضحوا شباباً مشوشي التفكير مسئ التقدير , ولائهم لانفسهم , استثاقوا حب الذات , والبحث عن الملاذات .
      فارين بلا هدف ولا هوية , همهم الخروج من عذاب السلطان الي بر الامان , باحثين عن النقود , وعزاءهم تحطيم القيود , باعوا ماتبقي لهم من حصيلة الحياة مقابل العبور والنجاة , حاملي معهم ما تبقي من شهامة ونخوة ومروءة وإقدام وفراسة وأمانة , فسنين الطغيان قد أضاعت منهم الكثير وغرست فيهم مساؤي التغيير , ولكن ( الطبيعة جبل ), خرجوا من رحم الفرسان , وشهامة السودان , وحب الأهل والجيران , غيرتهم وبدلتهم السنين العجاف , ولكن الذهب لا يصدأ , فهم ابناء الوطن الأبرار الثوار .
    وها هو الصيف يطل بوجهه المستظل , وتبدا الجموع تترابط لركوب البحر من جديد بين مصر وليبيا آلاف القصص للعبور المُر , والسماسرة يتطايرون يمنة ويسرى , ويعرضون الوصول المريح لشواطئ ايطاليا العتية بوابة الفرنجة , الوصول المؤمن الي بر الامان .
    والجميع بين مُقدم ومٌتردد وخائف , فسُنة الإختيار هي قلب القرار , والتوفيق في نزاهة السمسار هي أصعب إختيار , وهنالك العشرات الذين خُدعوا واصبحوا فريسة السماسرة المحتالين , الذين عصفوا بآمالهم في العبور , وصاروا مشردين في نصف الطريق لا يملكون الإقدام الي بر الامان , ولا العودة الي نيران الطغيان , بين تقبل الواقع المرير وعذاب الضياع الكبير .
أسئلة ليست للاجابة :
يا تري هل كل هذا العذاب والمعاناة وليد الصدفة ؟؟.
أليس هنالك سبب جعل هولاء الشباب يقدمون علي هذا الطريق ؟؟.
لماذا يضحي الشباب بكل ما يملكون للذهاب لاوروبا ؟
هل السودان دولة تخلو من الأمن والطمأنينة لدرجة أن شبابها يضحي بحياته  فراراً لعالم آخر ؟
ألا يوجد مسار بديل يعصم الشباب عن الهجرة والمخاطر المرعبة ؟
أليست هنالك فرص عمل للجميع , وعدالة اجتماعية في توزيع الثروة والسلطة ؟
(2500) دولار للفرد , ناهيك عن مصاريف الطريق , وكثرة المخاطر , هذا المبلغ الضخم أليس بكافٍ لقيام مشروع يقيك مخاطر الهجرة ؟
اذا لم يكن من الموت بد” فمن العجز ان تموت جبانا ….
تمهلوا في الابحار , وتريثوا في السباحة عكس التيار , فالموت في البحار أو علي سفوح الجبال أو بيد الطاغية الجبار , يبقي في النهاية موتاً , ولا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها .
      الخلاص يبقي بيد جميع , والإختيار مرتبط بالإيمان , والقضية ليست محكومة بوطن وظلم وقهر وعنصرية , أنها قضية خيارات بين أضعف الإيمان , الذي اخترناه , وأفضل الإيمان الذي تجاهلناه , القضية قضية جيل آخر يسطر لتاريخنا ويكتب في هناتنا وأناتنا , وسنظل ندور علي نفس المنوال .
    خير الخروج خروج علي السلطان الظالم الذي يعبث بمكتسبات وطنه وموروثاته , وخير الإبحار إبحار البحث عن الحق , وازالة الظلم , وخير السفر سفر الي الله سبحان وتعالي  بالنوايا الصادقة والقلوب المطمئنة والنفوس الراضية .
أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا
GHALIB TAYFOUR

.