لماذا قاطع الرئيس البشير ولم يشارك في تشييع جنازة الشيخ الترابي ؟ ( شاهد الفيديو )

لماذا قاطع الرئيس البشير ولم يشارك في تشييع جنازة الشيخ الترابي ؟ 

الحلقة الاولى ( 1- 2 )
كل المكابرين يتفقون ، وعلى قلب رجل واحد ، على إن الشيخ حسن الترابي كان كاتب سيناريو ومنتج ومخرج فيلم ( إنقلاب فجر الجمعة 30 يونيو 1989 ) . دفع الشيخ الترابي بالعميد وقتها عمر حسن احمد البشير ( رباعي للتعريف لأنه كان نكرة وقتها ) إلى الواجهة ، حسب مبدأ التقية ، وللتمويه والخديعة والتدليس ، لان المجتمع الدولي وقتها كان سوف يحارب ويدمر النظام الجديد ، لو فاحت منه اي روائح اسلامية … سيان لو كان إسلاماً سياسياً كجماعة الاخوان في مصر او إسلاماً جهادياً كداعش اليوم .
وإنطلت الخدعة على الجميع ، حتى ان الرئيس المصري مبارك ، ملك الملوص والثلاثة ورقات ، اكد مبتسماً :
( دول بتوعنا ) ؟؟ .
نجح الشيخ الترابي في هزيمة المصريين في لعبتهم المفضلة ، وفي مرجعياتهم الأساسية !
نعم … نجحت متلازمة ( إلى القصر رئيساً ، وإلى السجن حبيساً ) . ولكن وكما في التراجيديا الإغريقية ، تنكر بروتس الذي تم ارساله إلى القصر ، للقيصر الذي ارسل بروتس للقصر ، وذهب هو للسجن . وبلغت الوقاحة واللؤم ببروتس تنكره لابسط قواعد ومرجعيات الثقافة السودانية المتجذرة ، بمقاطعته ورفضه المشاركة في تشييع جنازة القيصر ( القيصر الذي كان ) صباح الاحد 6 مارس 2016 .
صارت اللامبدئية واللا اخلاقية هي القاعدة الأساسية في علاقات نظام بروتس مع الاشخاص والحكومات على حد سواء . صديق الامس ( إيران مثالاً ) عدو اليوم ، وعدو الامس ( السعودية مثالاً ) صديق اليوم ، ولا تستغرب إذا إنقلبت ، بعد غد ، هذه العلاقات راساً على عقب ! فلا غرابة، إذن ، في كل هذه التناقضات المدويّة، إنْ على مستوى شخصية بروتس او نظام حكمه ، أو وسائل إعلامه… فالشئ جائز وعكسه تماماً جائز ايضاً ، ولا ينبئك مثل خبير .
الا تذكرك مقاطعة بروتس ورفضه المشاركة في تشييع جنازة القيصر صبيحة الأحد 6 مارس 2016 بمقولة :
( اتَّقِ شر مَنْ أحسنتَ إليه ) ؟
وبالطبع ليس على إطلاق كل من احسنت إليه ، بل هو محمول على اللئام دون الكرام!
لماذا؟
لأن اللئيم ، كما صاحبنا بروتس ، الذي احسن القيصر إليه واجلسه على كرسي السلطة ، حين يرى القيصر يتذكر ما له من يَد عليه ٬ وما له من فضل ٬ فيخزي ويشعر بالذلة ؛ لأن وجود القيصر يدكُّ كبرياءه ؛ لذلك يكره وجود القيصر ٬ ويكره أنْ يراه ، يل يسعى لزواله ! ويحدثنا التاريخ البشري بآلاف القياصرة وبروتساتهم !
هل نسيت ، يا هذا ، بروتس سوبا الذي جمع الرجرجة والغوغاء في يوم الاربعاء 10 يوليو 2002 ، وقال لهم:
هل انتم مجتمعون ؟ لقد جئت لأدفن القيصر ، ولم أجي لامدحه .
وبفضل جماهيره الواعية الهادرة ، لا يزال القيصر حياً ، ويخرج من قوة ليدخل في قوة اقوى بفضل العزيز الكريم ، وجهده واخلاصه ووطنيته ، بينما لف النسيان بروتس ، وتفرق عنه الرجرجة والغوغاء ، وصار وحيداً يلتمس العفو والفتات من باب القيصر الرحيم !
ثم … الم يخلع السيسي الرئيس مرسي ويسجنه ويحكم عليه بالاعدام ، والرئيس مرسي هو الذي عين السيسي وزيراً للدفاع متخطياً كثيراً من زملائه ؟
الم يخلع هواري بومدين الرئيس احمد بن بلا ويسجنه وينفيه ، والرئيس احمد بن بلا هو الذي عين هواري بومدين وزيراً للدفاع متخطياً كثيراً من زملائه ؟
وتترى المُثلات ، حتى نصل إلى بروتس الذي نحن بصدده الآن ، والذي قاطع ولم يشارك في جنازة صانعه صبيحة يوم الاحد 6 مارس 2016 .
فالحق سبحانه يقول: احذروا أنْ تُبطلوا المعروف بالرياء ٬ أو بالأغراض الدنيئة ؛ لأن معروفك هذا سيُنَكر ٬ وسينقلب ما قدمتَ ٬ من خير شراً عليك.
نحاول في النقاط التالية ، إستعراض خلفيات وملابسات ، واسباب مقاطعة الرئيس البشير وعدم مشاركته في تشييع جنازة الشيخ الترابي ، رغم إن الأول صنيعة الثاني وبإمتياز :
اولاً :
حوالي الساعة السادسة مساء السبت 5 مارس 2016 ، توفى في مستشفى رويال كير في الخرطوم الشيخ حسن الترابي بعد حوالي اربعة ساعات من نقله للمستشفى بعد ازمة قلبية مفاجئة ادخلته في غيبوبة في مكتبه حوالي الساعة الثانية ظهراً ، ونُقل على اثرها للمستشفى حيث توفاه الاجل .
عرف الرئيس البشير بخبر وفاة الشيخ الترابي وهو في الخرطوم ؛ ولم يغير من برنامج سفره ، إذ كانت طائرة ملكية سعودية خاصة تنتظره في مطار الخرطوم لتقله صباح الاحد 6مارس 2016 إلى جاكارتا عاصمة اندونسيا .
في نفس يوم الاحد 6 مارس 2016 ، وصل الرئيس البشير إلى جاكارتا عاصمة اندونسيا للمشاركة في الإجتماع الإستثنائي الخامس لمنظمة التعاون الإسلامي حول فلسطين والقدس . وكان الرئيس البشير الرئيس الوحيد الذي شارك في هذا الإجتماع ، حتى رئيس اندونسيا المتواجد في جاكارتا وقتها لم يشارك في الإجتماع ، وإنتدب وزير خارجيته ليقوم بالمهمة ، نيابة عنه . وكانت المغرب قد إعتذرت عن إستضافة هذا الإجتماع الإستثنائي ،لانه وحسب ادبياتها المغربية ( جعجعة بدون طحين ) !
يمثل إجتماع جاكرتا الإستثنائي رافدًا من عدة روافد اخرى ، للقمة الإسلامية بدورتها العادية ، الثالثة عشر، والتي سوف تعقد في إسطنبول في أبريل 2016 .
عاد الرئيس البشير إلى الخرطوم ، يوم الثلاثاء 8 مارس ، وكان إنجازه الحصري إنه تغيب ، بسبب تافه ، لتفاهة إجتماع جاكارتا حسب ما وضحنا أعلاه ، عن المشاركة في تشييع جنازة الشيخ الترابي ، وربما لانه نجح ، بمساعدة السعودية ، في تحدي محكمة الجنايات الدولية .
اما الفريق بكري حسن صالح ، النائب الأول ، فقد كان مساء السبت 5 مارس في مسقط راسه ، حفير مشو ، للمشاركة في مناسبة عائلية ، وبقي في حفير مشو طيلة يوم الأحد 6 مارس ، وهو يوم عمل ، ليتجنب الحضور للخرطوم والمشاركة في تشييع جنازة الشيخ الترابي ، في تنسيق بينه وبين الرئيس البشير .
في المقابل ، نجد السيد خالد مشعل ، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ، يصل الخرطوم من الدوحة فجر الأحد 6 مارس خصيصاً للمشاركة في جنازة الشيخ الترابي .
بكى وإنتحب السيد خالد مشعل عندما كان يخاطب الآلاف من أنصار الشيخ الترابي في منزله بالخرطوم، وهو يعدد مآثره قائلا :
الوجع الذي تملكني لم أشعر به من قبل … فقدت الأمة العقل الفسيح الذي يعرف الهدف ولا تحنّطه الجوامد .
شاهد الفيديو على الرابط ادناه :
http://mubasher.aljazeera.net/…/2…/03/201636222117342592.htm
كما وصل الخرطوم من تونس خصيصاً للمشاركة في العزاء ، الشيخ راشد الغنوشي .
يحضر الغرباء من الدوحة وتونس للمشاركة في الوجع السوداني ، بينما يهرب الأهل إلى جاكارتا وحفير مشو لتجنب المشاركة في تشييع من وضعهم على كراسي السلطة ، في إعادة لمتلازمة ( جزاء سنمار ) .
ثانياً :
لا يجادل مكابر ان الشيخ الترابي مكروه ، لاسباب مختلفة ، في السعودية والامارات ومصر ، وبالأخص من إسرائيل ، وبالتالي من امريكا والغرب ، لدعمه الفعلي للقضية الفلسطينية ، ولكل حركات التحرير في العالم الإسلامي ، كما يؤكد حضور السادة خالد مشعل وراشد الغنوشي للمشاركة في العزاء .
في عام 1991 ، أسس الشيخ الترابي تنظيم المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي ، الذي يضم ممثلين من 45 دولة عربية وإسلامية ، كما تم إنتخابه الأمين العام لهذا المؤتمر . كنت ترى جورج حبش ، ونايف حواتمة وفاروق القدومي وراشد الغنوشي وغيرهم من اهرامات المقاومات الشعبية يحفون من حول الشيخ الترابي . حول الشيخ الترابي الخرطوم إلى مركز إشعاع للنضالات الوطنية التحررية .
كانت تلك ايام نضرات !
ووضعت إسرائيل ومن ورائها الغرب الشيخ الترابي في قائمتها السوداء ، وبدأت شيطنة الشيخ ، التي توجها الرئيس البشير ومثله معه نائبه الاول بالفرار من تشييع جنازته ، ارضاءً لإسرائيل ، التي تطلع في الكفر هذه الأيام مع شيطنة ايران .
بمقاطعته وعدم مشاركته في تشييع جنازة الشيخ الترابي ، اراد الرئيس البشير ان يؤكد لكل هذه القوى انه قد فارق الشيخ مفارقة الطريفي لجمله ، خصوصاً وطائرة سعودية ملكية خاصة سوف تقله يوم الأحد 6 مارس إلى جاكارتا ، ويوم الاربعاء 9 مارس إلى حفر الباطن .
اراد الرئيس البشير ان يبرهن لكل هذه القوى إنه قد صار ( زولهم ) ، يشارك بالدم السوداني في عاصفة الحزم ورعد الشمال ، وبالتالي يتوقع دعمهم المتواصل والفاعل لشخصه ( وليس لوطنه ) ليستمر على كرسي السلطة ، حتى لا يقع عند مغادرته السلطة في الفك المفترس لمحكمة الجنايات الدولية .
كل منسوبي الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني ، بل والحكومة ، قد حزنوا حزناً عميقاً وحقيقياً لوفاة الشيخ الترابي الفجائية . كنت ترى الدموع والوجع في عيون قادة وكوادر وقواعد المؤتمر الوطني وهم يشيعون الشيخ الجليل إلى مثواه الأخير .
ولكن ضرب الرئيس البشير ونائبه الاول عرض الحائط بهذه المشاعر الانسانية الحقيقية من ناسهم ومصدر سلطتهم وشرعيتها ، وقاطعوا ولم يشاركوا في تشييع جثمان الشيخ ، إرضاء للقوى التي تكره الشيخ لدعمه الفاعل والحقيقي للقضية الفلسطينية ، ولأنه كان الراكوبة التي إستظل بها قادة وكوادر حركة النهضة التونسية خلال سنوات الرصاص تحت الطاغية زين العابدين بن على ، كما أكد بصوت مرتجف الشيخ راشد الغنوشي في عزاء الشيخ الراحل .
نواصل في الحلقة الثانية وتداعيات الرحيل على الحوار الوطني …