الأربعاء , مايو 1 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / مكتبة غالب طيفور / أشواك لا تضر …

أشواك لا تضر …

أشواك لا تضر …

كان صباحا مشرقا” ، بعدما قضينا الأمسية السابقة في سهرة حافلة بالمخاطبات السياسية ، والجدال المتواصل ، والجميع يدلو بدلوه اسماء رنانة في عالم السياسة داخل منزلنا (بحي الضباط) وشباب أشاوس ينحتون الصخر لينقشوا عليه كلمة صغيرة الا وهي حرية ، وجميعهم يصمتون عند ما يتحدث المتمرسون ، وتجد والدنا الصامت الا عند السؤال المستدل بالوقائع والتفاصيل ، وكلما اختلفوا في أمر سحب كتابا من مكتبته والجمهم بالحجة والدليل ؛ فقد كان حريصا علي التوثيق ، ويؤرخ لكل الأحداث بدقة ،حتى صارا مرجعا لكل باحث عن معلومة في شتى المجالات ، والكل يسمع ويعي ويدرك حتي امسي الامر شغفا للتعلم والإستنارة ، عله يعينهم في أيامهم المقبلات ، وانا دائما مشغول بخدمة القادمين جيئة وذهابا ، والجميع بين مداخل ومعلق وصاحب الراي ، حتي يتملكني بهم الفخر فوجودهم في منزلنا وخروجهم منه يعد مخاطرة تستحق الأشادة ، ولكنهم معباءون بنور الحق فتجدهم يدخلون وهم رافعي روؤسهم ، ويخرجون وعيونهم يتطاير منها الشرر ، فالطاغية في نظرهم جبانا رعديد هو وحاشيته وزبانيته طالما انهم يتوشحون بعباءة الحق  فيخرجون من منزلنا أشاوس صناديد ، ويودعهم والدنا حتي نحس  بأنهم ابناءه يتقاسمون معنا عطفه ، ورعايته ، ويوزع عليهم  ابتسامته البشوشة ، مستودعا ، آملا في لقاء جديد وعهد قادم .
وهم راحلون يشاهدون سيارات الأمن التي تطوق المنزل جيئة وذهاب ولا تفارق شوارعنا ،  يتوجسون خيفة وهم يتابعون خروج آخر زأئر .
ولا أزال أذكر جيدا ذاك اليوم ، وأنا أساله بعد ذهاب الجميع  عن هؤلاء (الأمنجية) المتربصين امام منزلنا بانهم كلاب يجب ان نعطيهم درسا ، نظر لي بضحكته التي لا تفارق وجهه ، وقال لي : ( انهم مأمورون يا ابني ، ليست كل الاشواك تطعن فهناك اشواك تخرج بها الاشواك ) لم افهم ماذا يقصد ورفضت ان اسال حتي لايحس باني ضعيف الفهم فأنا ابنه ، وكنت احسب ان السؤال نوع من ضعف الإستيعاب ، ومضي والدي يجهز سريره بنفسه كما تعودنا منه ، ويشد الملاءة بعد نفضها لثلاثة مرات ونضع له ذاك الأبريق جوار حافة السرير ، استعدادا لصلاة الصبح  ، فيتجه نحو شجرة الليمونة ليخرج مسدسه (الوليزر) الايطالي الصنع ويتاكد من صمام أمانه ويضعه تحت مخدته ، ويجلس ليقرا القرآن بصوت خافت وكل يآوي الي مخدعه بسرعة حتي يطفئ الأضاءة . 
لم استيقظ الا علي صوته وهو ينادي علي ومعه اصوات ضيوف حضروا باكرا” في ذاك الصباح الجميل وبدأنا في اعداد المجلس بسرعة والضيوف يجلسون في الباحة الخارجية جوار شجرة الليمونة ، فشعرنا بانه كان يريد ان يعيد المسدس لمكانه تحت شجرة الليمون ولكن الضيوف حالوا دون ذلك فأضطر ان يدخله الي الصالون ، ويضعه في درج المكتب الداخلي ، ويعود لبرنامج الشاي والقهوة والمسامرة ، حتي بدأ الضيوف في وداع الوالد وانا أتحرك نحو تكملة واجباتي من طقوس الصباح من صلاة ، وسجارة صباحية ، تعيد لي تراسيم الاستيعاب فاختبئت في الغرف الداخلية وقبل أن أكبر شعرت بصوته يناديني فخرجت اليه مسرعا” ، ووجدت ما لم أحسب له حساب انهم المطاميس ستة افراد من جهاز امن الطاغية ، يحمل احدهم ورقة في يده : نعم أعرفها من لونها الأصفر انه امر تفتيش فقد تعودنا علي هذه الاوراق الباهته التي يكتبونها بأنفسهم أمام مقبوضيهم ، وطلبوا منا عدم التحرك لديهم امر تفتيش ووقفنا ننظر اليهم وهم يمزقون ، ويسقطون الاشياء وكلما حاولت ان اتحدث معهم انا واخوتي الموجودين كان والدي ينظر الينا بنظرته الحادة فنستمع لصوت عقله صاغرين ، وكلما تحركوا أمام المكتب الذي يحوي في داخله مسدس الوالد الذي يعلم الجميع انه غير مصدق من قبل الحكومة ولا يمكن ان تصدق وزارة الداخلية لمعارض بحمل سلاح حتي ولو كان عدم وجوده يعرضه للخطر من قبل الحرامية والمتفلتين ، ولو وجدوه ستكون قضية كبيرة يبحث عنها جهاز الامن منذ فترة طويلة لزج بالوالد في سجن حتي يرتاحوا منه ، علي العموم فتشوا جميع مقتنيات المنزل عدا المكتب الذي يقف بجواره عسكري أمن مشغول بقراءة القصاصات التي كان يحب ان يجمعها والدنا حتي انتهوا ، وخرج الضابط المسئول وخرج معه بقية العساكر ، عدا ذاك العسكري ، فصرخوا عليه وهم خارج المنزل حتي انتبه لصراخهم باللحاق بهم وتحرك خطوة ونحن جميعا ننظر اليه ، وهو متحرك سحب الدرج الذي يقبع فيه المسدس حتي شاهدته انا الواقف في باب الغرفة ونظر للمسدس نظرة استغراب حتي شعرنا بانه سيصرخ لضابطه في الخارج ، ورفع راسه ببطء ونظر لوالدي ، وكان والدي ينظر اليه داخل عينيه وكأنه لا يهتم ، فأغلق الدرج بسرعة وقال لوالدي كلمة لا انساها ابدا” : (يا حاج الناس ديل معفنيين الحاجات الذي ديه لمها بعيد ) وانطلق يعدوا بجواري وهو خارج ليلحق جماعته ، حتي لم يعطيني زمنا” لشكره ، وسمعنا صوت سيارتهم من خلال صراخ موتورها تغادر ، وذهبت لأكمل صلاتي المتاخرة ، وفي عقلي تلك الأشواك التي تفيد ولا تضر ، لقد فهمت الدرس يا أبي .
له الرحمة والدنا جميعا (طيفور الشائب محمد) المولود في مثل هذه الأيام (1931/1/5)م ولا تزاك ذكراه باقية مابقي في الروح من نفس . فلا تزال بسمتك المضيئة ،وصوتك الخفيض الهادئ ،تملأ دروبنا بعبق  النضال ، ولانزال نفتخر بك ، فانت مثلما كنت دوما ، عدت لا تحمل معك الا قلبا” ابيضا” كثوبك الذي تتدثر به . وتحلم برضاء من الله ،وتنشد حرية للوطن ،وعدالة ينعم بظلها الجميع.
اللهم اجعلنا من الأبناءالصالحين الأبرار الذين يستجاب دعاءهم ، واسكنه مع الصديقين والشهداء في جناتك العلي يا أرحم الراحمين …

Ghalib Tayfour

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.