الخميس , مايو 16 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة

البحيرة.
.........
عند الثانية صباحا تحركت من إحدى المدن الحدودية للسودان صوب دولة مجاورة وبصحبتي ثلاثة من الشباب هم محمد وعبدالكريم وخضر (الاسماء حقيقية).. مهمتنا تنحصر في مقابلة 39 شخصا وحماية بعض الفتيات والعبور بهم لدولة ثالثة...الثانية صباحا زمن تم تحديده بناء على حيثيات عديدة أهمها (العين)

البحيرة

البحيرة.
………
عند الثانية صباحا تحركت من إحدى المدن الحدودية للسودان صوب دولة مجاورة وبصحبتي ثلاثة من الشباب هم محمد وعبدالكريم وخضر (الاسماء حقيقية).. مهمتنا تنحصر في مقابلة 39 شخصا وحماية بعض الفتيات والعبور بهم لدولة ثالثة…الثانية صباحا زمن تم تحديده بناء على حيثيات عديدة أهمها (العين)

… وكلما تقدمنا جهة الحدود يزداد المجهول وتزداد معه متعة الرحلة ونتيقن مع ذلك بقدسية المهمة… في مساء اليوم الثاني بلغنا قرية تبعد عن هدفنا بحوالي عشرين كيلومترا او يزيد…افادنا مرافقنا خضر (ود الزغاوة) باننا يجب ان نبيت في هذه القرية…فتقدمنا منها خطوة يعني هلاكنا.. كان عبدالكريم قد بلغ مرحلة من الجهد درجة الإعياء…يرتدي جلابية سودانية وعمامة يتلثم بها وكلاهما قد فقدا ملامحهما..بينما محمد يعيش متعة الرحلة كما لو كان في نزهة…أما خضر فكانت السعادة تغمره بوجودنا معه رغم المخاطر التي تحيط بنا من كل اتجاه…ولا احد غيره يعرف مداخل ومخارج المنطقة..اما عن شخصي فقد كنت اعاني من صداع رهيب وارهاق تام سببهما التفكير المتواصل في المجهول…ان حياة 39 آدميا تتوقف على نجاحنا…وها نحن في منطقة يقول عنها مرشدنا ان التقدم منها خطوة للامام يعني ان يمزقنا الرصاص…كنا نعتمد على الليل ستارا فإذا بالمعادلات تنقلب في آخر نصف ساعة من المرحلة الاولى للرحلة.
………
دخلنا القرية التي لا تكاد تحس فيها بالحياة…وذلك بعد ان سرنا في طرق جانبية متعرجة وملتوية في اكثر من محل…الطريق اقرب للمتاهة…توقفنا في محل يعج ببعض الرواكيب والقطاطي عرفنا انه السوق…طلبنا وجبة العشاء (الوجبة الوحيدة لنا في يوم كامل)… كانت عبارة عن عصيدة تغوص في (ملاح شرموط)…تناولنا بعدها الشاي والقهوة.. طلبت بنادول ولم اجده الا بعد بحث مضني…ثم قصدنا بيتا جانبيا في القرية يحيط به (صريف من القش) وتتوسطه قطية وحيدة ويفصله عن البيوت الاخرى صريف آخر من (الشرقانيات)… للقطية باب من لوح حديدي لبرميل مفرود…لا يفتح ولا يقفل وهو اقرب للزينة…على اطرافها (عناقريب) تتخذها بعض الدواجن مبيتا لها…هشها خضر وهو يضحك ثم اخرجها لنا…لا يوجد فرش نفترشه الا حبال العناقريب وهي غير جيدة التنجيد… بتهذيب طلبت (الحمام) … ضحك خضر (لا يتوقف عن الضحك والابتسامة مطلقا) وجاءني بطست وماء ووضعها في منتصف القطية..واشار لي للتبرد بالماء…لا يوجد صابون…وبالمنزل فانوس زيتي واحد يتنقل به خضر…بعد ان دلقت الماء على راسي اشار لي نحو طرف الدار ان اردت قضاء حاجتي…شكرته وتوجهت للعنقريب الذي حدده لمنامي…كل شي هنا ينبئ بعالم عجيب…كنت احمل حقيبة سفرية تحتوي على بعض الملابس ومبلغ مالي للرحلة…وضعتها وسادة تحت رأسي ونمت.
……..
انتهت مهمتنا بنجاح بعد ثلاثة ايام كان ايسرها اليوم الاول.
……..
تلك كانت احدى الرحلات التي ستكشف عنها الايام.
……..
رحلة اخرى لوجهة اخرى ابتدأت من قلب الخرطوم وكان هدفها قرى المناصير التي تم تهجيرهم لها… مهمتنا فيها كانت واضحة وهدفها كشف زيف ادارة السدود وادعاءاتها واكاذيبها وهي تصف القرى التي انشأتها بانها جنة الله الموعودة… كان بصحبتي بعض الشباب الصحافيين… وبتنسيق مع احدى الصحافيات المرموقات والتي لا يمكن ان تكون معنا في هكذا مهمة…تحركنا من الخرطوم منتصف النهار في الطريق للقرى الجديدة…وصلنا مفترق الطرق من طريق عطبرة الدامر بعد صلاة المغرب لنقطع حوالي ثلاثين كيلومترا متجهين نحو (القرية اتنين) كما يسمونها…هدفنا مقابلة الاهالي وتصوير المنازل ونقل المأساة اذ لا مستشفيات ولا مدارس ولا غير ذلك بينما البيوت النموذجية ليست سوى جدران من الطين تسند سقفا بلديا متداعيا وحمامات منهارة مع انعدام وسائل النقل ما بين القرى والمدن المجاورة وانعدام مصادر المياه الصالحة للشرب وكذلك ما يعانيه المرضى خصيصا الحالات الحرجة كالولادة ولدغات العقارب والحشرات السامة والافاعي… اما عن التعويضات فذاك عالم آخر من النهب وكذلك ما سماه النظام مزارع…
اخذنا وبالوثائق والشهود كافة المعلومات ثم تسللنا من الامن ومحسوبي النظام تسللا ودخلنا ميدان الاعتصام متخفين (كان الاعتصام في الدامر) والتقينا باللجنة…
في اليوم التالي نشرنا في اكثر من صحيفة صفحات كاملة عن المهزلة… وجعلنا ادارة السدود في مواجهة الرأي العام…ونجح المناصير في نقل معركتهم لقلب الخرطوم…والنظام لا يستمع الا لصوت الخرطوم الصاخب..او البنادق.
……….
بحيرة ناصر…
ان الوقوف على اطلال حلفا ليس كالوقوف على ديار ليلى…فتحت مياه بحيرة السد يرقد التاريخ محتضنا الحاضر.. ما من غواص الا سليماني يستطيع ان يفك طلاسم اطلانتس السودان وحضارته الغارقة…ان حلفا تحمل ملامح النشوء لوطن (صرته) مجد بعانخي وتاريخ النوبة العريق… بحلفا الغريقة لا زالت الاسماك تنصب سرادق العزاء وتمارس طقوس (كسر القبور)… ففتنة هاهنا تغيب.. وعالم من هوى تكسر..أانت عوفيت يا جيوب..وذاك قبر الحبيب يكسر؟؟.


………
أيها النوبة العظماء ….
دافعوا معنا عن مجد الامة وتاريخها… واصمدوا…فليس بعد ضياع الحاضر والمستقبل الا الثبات دفاعا عن التاريخ… وهل تبقى لنا سوى التاريخ؟.
…….
ثم لا تنسوا ان الحل في شوارع الخرطوم.

علاء الدين الدفينة.

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.