السبت , مايو 11 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *من المهمُوسِ به الي المجهُورِ به …* *هل حان الوقت للحديث عن تقسيم السودان …*

*من المهمُوسِ به الي المجهُورِ به …* *هل حان الوقت للحديث عن تقسيم السودان …*

*حيدر التوم خليفة*

لا احد يستطيع أن ينكر أن هناك *واقعا جديدا* يتشكل في رحم الدولة الام ، وان الزمن *البيولوجي الداخلي للسودان يُعاد ضبطه* ، وفقا *لمعطيات جديدة ، ومفاهيم مفارقة لواقع الامس* ، وان البلاد في طريقها الي *التقسيم* مهما تعامينا عن رؤية هذا الواقع أو إدراك أبعاده المتعاظمة يوميا ، ومن الواضح أن إتفاقية جوبا بدأت *تطرح ثمارها* ، وفقا لما اراده لها زارعوها ..

في فبراير 2020 نشرت مقالا بعنوان .. رسالة الي وفود المتفاوضين في جوبا .. حذرت فيها من ان سير المفاوضات آنذاك ، ينبئ بأنها ستتمخض عن اتفاق *شائه معيب* ، سيكون ضرره عظيماََ علي السودان اجمع ، *وسيؤصل لكراهية متبادلة بين مكون دارفور والاخرين* ، آي بين مواطنه المُرحب به في كل السودان ، بما فيها الشريط النيلي حتي أقصي الشمال ، وبين بقية مكونات الوطن ، وقد يؤدي ذلك إلي خلق *تعقيدات تفرز واقعا جديدا ربما تقود إلي حرب عبثية* تحرق الجميع .. وقد صدق ما توقعناه ..

فقد قُوبلت اتفاقية جوبا الدارفورية الدارفورية ، أو اتفاقية الزغاوة وعرب الماهرية ،  *(اتفاقية البقط الجديدة)* ، قوبلت برفض عارم من جميع مناطق السودان الأخري ، بما فيها الكثير *من مكونات دارفور* نفسها ، بعد أن استبان لهم أن الاتفاقية عمدت الي حل مشكلة دارفور علي حساب المناطق الأخري ، بعد أن *جرٌمت الجميع وحمٌلتهم مسئولية الحرب فيها* ، مستثنية *المكون الدارفوري الشريك الاصيل والفاعل الحقيقي في أحداث دارفور* ، وبرأت *المجرمين الحقيقين* وهم الذين كانوا يجلسون علي مائدة التفاوض في جوبا ، من الجانبين ..

وقد بدأت آثارها السلبية في التداعي ، فقد اشتعل *الشرق رافضا لها  ولِما تمخض عنها من مسارات صورية ضعيفة مختلقة* ، وهو الآن يقف فوق برميل بارود قابل للانفجار ، وتململ الشمال والوسط وباشرا *حراكا كثيفا ، صحبته دعوات بضرورة التسلح وتكوين قوات درع الشمال* ، وتعالت *دعوات الانفصال* ، ومبادرات وتنظيمات متنامية يوميا ، رافعة لمطلب *الحكم الذاتي* في الحد الأدنى ، والذي هو الخطوة الأولي للانفصال ، وفي جنوب كردفان بدأ الحلو في *التمكين لدولة الجبال* وجعلها واقعا ملموسا ، وهو أمر لا تخطئه العين الفاحصة ، أو البصيرة الثاقبة ..

وبدأ الناس في الشمال ، وهم الذين عُرِفوا علي مر التاريخ بتسامحهم وقبولهم للآخر ، مجاورا ومصاهرا ، *يتخلون عن سلبيتهم وحسن نيتهم في كل وافد* ، فقد استشعروا *خطر الهجرة المنظمة والمقصودة للعنصر الغرب افريقي* ، واستيطانهم لأرض الشمال في عملية إحلال ديمغرافي متعمد ومخطط له ، وتكرار تجربته في أرضهم ، بعد أن نجحت مساعيهم في الانزراع في وسط الجزيرة سابقا ، والذي قاد اخيرا الي بروز ما *سُمي  بمشكلة الكنابي* ، والتي خلٌفت واقعا معقدا ، ادي الي بروز ما يمكن تسميته *بالهامش الحضري* ، وهو أعمق أثرا من *الهامش الطرفي الحدودي* ، بعد أن تنامت  مطالبهم وشملت *قسمة الارض* ، وهو أمر عبٌر عنه الجنرال مني اركو مناوي عند مخاطبته سكان الجزيرة ، طالبا منهم التنازل لهم ومشاركتهم أرضهم ، من غير إدراك لحساسية وعمق المشكلة ، وما يمكن أن تحدثه مثل هذه الأقوال من ردود أفعال قوية عندما يتعلق الأمر بالارض وحيازتها ، فهو عندهم ، أمر دونه *خرط القتاد* ، فهل يستطيع أي شمالي اليوم الذهاب الي ارض الزغاوة أو دار مساليت أو الفور أو غيرهم ، *مطالبا إياهم بالتنازل* له عن قطعة أرض له ولو فدان واحد …؟

وهل لا يعلم مناوي أن حروب دارفور هي في *الأصل حروب ارض وحيازات وحواكير* ، وليست *حروب هامش ومركز كما يشاع* ، لأن السودان *كله هامش* ، إذا استثنينا الخرطوم ، وهي *مدينة مبذولة للجميع* ، وهو أمر وعي له سكانها الأصليون اليوم فبدأوا حراكا قويا *لاسترجاع حقوقهم المهدرة باسم عاصمة البلاد* ، وهو وضع يشابه وضع عرقية الارومو في إثيوبيا ، إذ تقع العاصمة أديس في قلب اقليمهم ولا يطالهم منها شي غير *بيوت الصفيح* ، فقاموا بثورتهم حفظا علي ارضهم وميراث جدودهم ، ومستقبل أبنائهم …

وهذا الأمر أدركه القائد *عبد الواحد محمد نور* مبكرا ، إذ علِم أن الصراع في دارفور يتمحور *حول الارض وحدودها* ، وارتباط ذلك وجوديا ببقاء القبيلة *أو تشتتها في المنافي والمهَاجِر*، لهذا فهو يُصر في كل مفاوضاته على أن *حل مشكلة دارفور لا يتم إلا بعودة الأرض والحواكير*  إلي أهلها ، مع ضرورة إجلاء العنصر الوافد عن ارض الفور ..

*ولكن كيف تطور الأمر من صراع علي الأرض الي صراع سياسي مطالبي ؟*

مع دخول *عنصر جديد ، ناتج عن الهجرات والتدافع السكاني عبر الحدود* ، بدأ صراع الأرض يُعبِر عن نفسه *سياسيا* ، وذلك بعد أن تخفي وراء ألبسة جديدة ، ولبس رداءََ جديدا ، هو لباس *صراع المركز والهامش* ، وهو أمر أفرز مصطلحات جديدة ، *هزت العلاقات الجدلية القائمة على المقبولية والاحترام المتبادل بين مكونات السودان* من أدناه الي أقصاه ، ونقلت الصراع الي مرحلة جديدة *تتباين عن سابقتها شكلا ومضمونا* ، وذلك من *تدافع* علي الارض ، الي *صراع إثنيات* بكل موروثاته ، وإبعاده الثقافية والحضارية ..

وتطور الأمر بعد أن تلقفته بقايا  الجيل الاول وأبناء الجيل الثاني الناشئ من *مُهاجري غرب أفريقيا* ، من دول تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطي ونيجيريا وغيرهم ، ممن استوطنوا السودان منذ جريمة الأحزاب في الستينات ، *وتجنيسهم للأجانب* بغرض الفوز الانتخابي ، مرورا *بهجرات الجفاف* الذي ضرب المنطقة عام 1984، *وامتدادا لموجات النزوح الناتجة عن الحروب الأهلية* التي شهدتها هذه الدول ..
إذ  تحول *الصراع من صراع محلي محصور حول الارض وحق المرور والرعي ، الي صراع سياسي مطالبي بين المركز وما يسمونه بالهامش* ، يتحرك في *فضاء تاريخي* لظلومات بعضها حقيقي وأغلبها مُتوهم..

ومن الملاحظ *أن العنصر الفاعل في ذلك ، كان أبناء المهاجرين الجدد* ، اذ أن العديد من الذين تصدوا لقيادة هذا الصراع ليسوا من *ملاك الارض* ، لأنه لا *جذور ممتدة* لهم في هذه المنطقة ، وبالتالي لا *اراضي للقبيلة* يُدافع عنها داخل الإقليم ، وان حاول بعضهم أن *يستظل بالقبيلة الممتدة المهاجرة* عبر الحدود ، اي *بالهوية القبلية* ، وهي عندهم اقوي من الهوية الوطنية ، التي يُعبر عنها بالجنسية .. أو عبر اكتسابها *مصاهرة من القبائل الأصيلة* في الاقليم ..

لهذا نجد أن فاعل الصراع السياسي في الأغلب هو إما *أحد أبناء جائلي الأرض* ممن لا ارض لهم في دارفور ، أو ممن *شرعوا السلاح* لتأكيد هويتهم بالاستيلاء علي اراضي قبائل أخري بالقوة المسلحة ، مستغلين في الغالب حالات *التداخل القبلي* للاقليم مع الدول المجاورة ، *وضعف الدولة* أحياناً أخري ..

وقديما كان الصراع ، *صراع مسارات* ، واحتكاكات يمكن السيطرة عليها ضمن إطار *الإدارة الأهلية العشائرية* ، احتكاكات متفرقة ، تدور غالبا بين *العرب الابالة الرٌُحل ، وبين المزارعين* المستقرين ، ولكن الأمر بدأ في التغير والتبدل بحدة نتيجة لاثار *وافرازات الجفاف* الذي ضرب السودان في العام 1984 ، وظهور *قبائل جائلة* من عرب تشاد والنيجر ، إضافة إلي *فقراء غرب أفريقيا* من الزرقة ( وهو مصطلح اجترحه بعض مثقفي دارفور) الباحثين عن المأوي والكساء والغذاء وفرص العمل ، فتدفق الملايين منهم في هجرات متوالية الي دارفور ومنها الي باقي السودان ، وجلهم ونتيجة للفساد المستشري ، والمحاباة القبلية ، تحصل على *الجنسية السودانية ، وصاروا الاعلي صوتا* في العداء لسكان *السودان الأصليين* ..

وهذا الأمر استمر طيلة فترة الديمقراطية الثالثة ، وتقنن خلال فترة الإنقاذ ، فالعديد *ممن يتصدرون المشهد السياسي اليوم ، وممن ينشطون إعلاميا في أجهزة الإعلام المختلفة ،  وممن يبثون سمومهم بين أهل دارفور واهل النيل ، كما ذكرت آنفا ، هم من أبناء مهاجري تبدلات البيئة والغفلة والضياع* ..

إن المتتبع للأحداث الماضية وسرعة جريانها ، وتقلباتها المتعددة ، يجد أن القاسم المشترك بينها ، *هو تصاعد العداء والكراهية بين مكون الغرب ، وبين مكون النيل* ، خاصة بعد حالة التوهان العسكري والسيولة الأمنية التي تلت الثورة ، والتي تبدت في دخول الحركات المسلحة بعتادها العسكري الثقيل الي داخل الخرطوم ، في خطوة تنافي اتفاقية جوبا المعطوبة ، وتشير إلي صدق ما كان متداولا *عن اتفاق سري تم توقيعه بين حميدتي الماهري ، وبين حركات الزغاوة المسلحة* ، فرع كوبي ، برعاية الرئيس التشادي السابق ادريس دبي ، والذي رمي وهدف الي إنهاء حكم الجلابة (كما يزعمون ) للسودان .. وهو زعم نفترض صحته ، إذ لم اي من الطرفين .

وهذا أمر له شواهد علي الارض ، فما زلنا نسترجع تصريح حميدتي الشهير بُعيد انتصار الثورة ، وقد اسكرته نشوة السلطة الزائفة بأن عمارات *(الخرطوم دي لو دور فيها السلاح إلا يسكننها الكدسة)* ، ومن ثم تصريح أخيه عبد الرحيم عن الخرطوم ، والذي تطاول فيه علي أهل مروي والخرطوم ، وادعائه بأن ، *(الخرطوم دي ما بلد زول )* ، في تعدِِ وتحدِِ لكل الحقائق والتاريخ ، وهو الأمر الذي دفع بأبناء العاصمة وقبائلها المتعددة أن يهبوا لعقد الاجتماعات وتكثيف اللقاءات ، لتوحيد جهودهم ، وتنظيم أنفسهم للدفاع عن العرض والأرض ، بعد أن أحسوا بأن سوءا يُكاد لهم بليل .. فكان مؤتمر الفتيحاب ولقاء الكلاكلة ، واكيد سوف يتبع ذلك لقاءات ومؤتمرات أخري ..

كما أن التسيب الأمني ، وانتشار عصابات النقرز ، ومعظمهم اجانب ، *والضعف الشرطي ، وغياب الأمن ، وتكدس العاصمة بجيوش الحركات المسلحة* ، وتنامي الخطاب العدائي *الاقصائي العنصري من جانب منسوبيها ، والتجييش الممنهج النفسي والعسكري ضد أبناء الوسط والشمال ، وتسميتهم بالجلابة* ، وإسقاط كل فشل النخبة الدارفورية ، وإخفاقاتها ، *وتحميل ذلك لأبناء سودان كوش ، بما فيها اوزار الحرب* ، التي اغتني منها قادتهم ، واستفاد منها نخبتهم ، بل وتحميل *انسان الشمال الذي استضافهم ورحب بهم واحسن استقبالهم ، كل جريرة سيئة ، مع تبرئة من شردهم وقتل اهلهم ، بل وضع أيديهم في يده ، من أجل الاقتصاص من انسان كوش المضياف ، كل هذا ترك جرحا غائرا في قلب هذا الإنسان* لن يندمل بسهولة ، وهو أمر دفعه إلي أن يعيد حساباته وتقديراته ، بعد *أن احس بالخطر الوجودي عليه ، في ظل حكومة خائرة عاجزة ، واستقطاب قبلي حاد ، ودولة منهارة* مستباحة من الخارج الإقليمي والدولي ، *وأجهزة استخبارات أجنبية* دقت بيارقها علي مبني *رئاسة الحكومة* احتلالا للقرار ، وسلباََ للإرادة الوطنية ، لأنها من *يدفع* الرواتب والحوافز والمنح ورشاوي العمالة والارتزاق ، ( راجع تصريحات الرئيس البرهان الأخيرة حول هذا الأمر) ووجود *مجموعات إثنية* سودانية واجنبية غير منضبطة ، مترافقة مع خطاب سياسي عدائي وخطاب اجتماعي اقصائي .. كل هذا جعل السودان يقف علي برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة ..

وكلنا نذكر ذلك *التسجيل* الذي ظهر فيه الراحل خليل أو جبريل ( لم استبنه جيدا ، واظنه الراحل د. خليل) ، وهو يخاطب قوات الحلو ، ويدعوهم للالتقاء بهم في الخرطوم ، وعندها قام أحد الجنود بالرقص وهو يصيح ( عمارات خرطوم نكسروا) فرد عليه د. خليل بالقول ( *عمارات خرطوم ما تكسروها شيلوها انتو*) ..!!!

*الأمر الذي يدعونا للتساؤل* …
هل هذا منطق قائد وطني *ينشد العدل والمساواة*، والتي جعلها عنوانا لحركته ؟ ام شخص تدفعه أسباب أخري *يستبطنها* ، وتحفها الكراهية للاخر ؟!!!

ألم  يكن من الواجب عليه ، إذا كان *قائدا حقيقيا* يؤمن بما يرفعه من شعارات ، أن يقول لهم أن هذه *بيوت أناس  شقوا فيها ، بعضهم قصد المنافي وبلاد الغربة لعشرات السنين ، مهملا الزوجة والابناء ، مفارقا للام والاب والاخ والعشيرة ، مفقودا عند الفرح والكره* ، وذلك حتي يبني مسكنا يأويه واهله ، وبكل بساطة يأتي من يدعي العدل والمساواة محرضا إياهم بالاستيلاء عليها بكل بساطة ..!!!
بأي قانون ..؟ وبأي عدالة *يطلق حكمه* هذا ..؟  علما بأنه تربي وسط هؤلاء القوم وعاشرهم وناسبهم ..

أي *إشارة* يريد أن يوصلها هذا الشخص إلي مستمعيه ؟

وأي *رسالة* تلقاها أبناء السودان الآخرين خاصة أبناء الخرطوم ومُكوِن الوسط والشمال ؟

ولكن هل يظن هؤلاء أن الجلابة هم *طيور نعام ، تحفهم الرخاوة والخنوع* ..؟

ألم يخبروهم في ساحات الوغي صائلين جائلين في أحراش الجنوب ، بعيدا عن الدار والمسقط والمنبت ..؟

فما بالك إذ  كان الأمر ، أمر دفاع عن الحق والأرض والعرض ، وإذ كان *ميدان المعركة هو أرضهم التي ألفوها وخبروها وعاشوا فيها منذ الاف السنين ، والتي تحوي أجدادهم واسلافهم* ، فما بال هؤلاء القوم لا يدركون ذلك ، خاصة وأن الكل مسلح ، بل السلاح على قفا من يشيل  …؟

هل يريدون حربا لا تُبقي ولا تذر ، هم أول الخاسرين فيها إن شبت ؟

*أليس المفارقة بالمعروف* أكرم وانفع للجميع ، حفظا للنفوس وما تملك ، إذا استعصت *المعاشرة بالحسني* داخل الوطن الواحد ؟

واذا كان هذا حديث قائد أكبر حركة متمردة ، *فما بالك بمن هو دونه* من جنود واتباع ..؟!!

إن مثل هذا الحديث هو الذي أطر لخطاب الكراهية الذي يعلو اليوم ويسود بين بعض *أبناء دارفور* وبين غيرهم ..

والعجيب أن ذات الخطاب ما زال سائدا ، بل ومن قادة دارفوريين كبار .. ولكن من الإنصاف أن نذكر أن هناك *أصواتا دارفورية عاقلة حكيمة* ، أدركت خطورة الوضع وابعاده فتنادت *لنبذ خطاب العنصرية* ، وعابت علي النشطاء الإعلاميين والقادة السياسيين الدارفوريين هذ المسلك الشائن .. حتي وان كان رفضهم نابع من *معارضتهم لاتفاقية جوبا* ، والتي هم أول من إستشعر خطرها عليهم ، بعد إدراكهم أنها تجعل من كل دارفور *غنيمة لدي مُكون قبلي واحد* .. وهو أمر سوف يكون له نتائج كارثية عليهم في حال انفصلت دارفور مستقبلا ..

من الواضح أن *خطاب الكراهية قد بلغ مداه بين الطرفين* ، وان الأمور تذهب الي الأسوأ ، وان *التعبئة والتجييش* قد بلغ حدا.    لا يمكن تصوره ، وأحدث شرخا وكسرا يصعب بل ويستحيل جبره ، وان ما كان *مهموسا* به ومن *المحظورات والمحرمات ، صار يُقال بالصوت العالي الجهير وعلي المنابر* ، بل وصار *مطلبا ورأياََ جمعيا يكتسب زخما وأنصارا* كل يوم .. خاصة بعد أن اتضح أن الأمور لو تركت الي ما هي عليه اليوم سوف تقود الي *حرب أهلية إثنية* تنتظم السودان كله ، من أقصاه إلي أدناه ، حرب لا تبقي ولا تذر ..

وكل هذا ترافق مع *اضمحلال خطاب الوحدة والوطن الواحد* ، وتعالت النقاشات والتحليلات والغوص في التاريخ واستنطاق أحداثه ، فعندها  أدرك أهل السودان أن دولتهم دولة *صنعها البريطانيون ، وعلموا ان دارفور كانت دولة قائمة بذاتها ، دولة أسقطها البريطانيون وضموها للسودان عام 1916* ، وأدركوا ان *انشودة جدودنا زمان وصونا علي الوطن ، ما هي إلا تهويمات شاعر* ، لأن لا احد من جدودنا كان له باع في صناعة دولة السودان ، أو وضع حدودها ، وترافق ذلك مع *ثورة الوعي التي انتظمت قراءةََ ومراجعةََ لتاريخ السودان خاصة فترة المهدية* ، قد أزالت *القداسة الزائفة* عنها ، وعرتها وجعلتها مادة للدراسة والنقد والمراجعة .. وبالتالي لا احد لديه الرغبة في *الدفاع عن دولة مصطنعة ، وبلدِِ مُخلق* ، وان *عوامل تفتته أكثر من عوامل وحدته* ، وهنا أعني *الوحدة الثقافية وما تحويه من عادات وتقاليد وقيم* ..

أن الاصرار علي الاحتفاظ بالسودان بحالته الراهنة كالاصرار علي الجمع بين *الشحم والنار* ، مع توقع أن لا يصيب الشحم شئ ..

إن أمر وحدة السودان أو تقسيمه ، هو شئ يهم السودانيين جميعا ، لهذا يجب *مناقشته في الهواء الطلق ، ومن حق الجميع أن يشارك فيه بالراي والمقترح* .. فنحن بلد متعدد الاعراق والاثنيات والثقافات ، وللاسف كلها *عوامل فرقة ، وليست عوامل تنوع في وحدة* .. ليس لفشلنا في إدارة التنوع المثمر ، *ولكن لعمق الاختلافات الداخلية والتباينات الثقافية ، والاسقاطات النفسية المتبادلة ، والايادي الخارجية الطامعة* ..

ولننظر الي الجارة إثيوبيا وما يدور فيها من أحداث مؤسفة… وكنت قبل حوالي خمس سنوات قد تنبأت بحرب أهلية دامية فيها ، وبان التقسيم العرقي هو مصيرها ، وحالها مشابه لحال السودان ، واليوم معظم أجزائها يشتعل بالحروب الدامية ، وهي حروب *استئصالية* بمعني الكلمة ، وتتخذ في بعضها طابع *الإبادة الجماعية* ، هذا رغما عن أن الدستور الاثيوبي قنن للوضع الفيدرالي بدرجة تقترب من *الوضع الكونفدرالي ذو الدول المتعددة في اتحاد واحد* ، ولكن *عبث أبي أحمد بالدستور* ، وإصراره علي عودة مركزية الدولة ، عجل بعودة الحرب الأهلية إليها ..

وهنا ما تذكرت أفعال وقرارات السيد اركو مناوي حاكم دارفور ( الذي أحييه عليها) إلا وتدافعت امامي *صورُُ لصراع متوقع بينه وبين المركز* ، وقد يتطور الي صراع عسكري إذا لم يتم تأطيره ضمن *خيار الدولتين* ..

واري أن مناوي أكثرهم صدقا مع نفسه ، إذ  يري *استحالة ارتهان السودان الكبير وحكمه لقبيلة واحدة* ، وان ظروف السودان السياسية والجعرافية والديمغرافية هى أكثر *تعقيداً* مما يظن الكثيرون ، لهذا فهو يعمل علي خدمة خطه وأهدافه من منطلق *واقعي بحت ، إذ يري أن الاستقلال بدارفور هو اقصي ما يمكن تحقيقه* ، وان الطريق إلي ذلك وتجاوز عقبة الرافضين له من أهل الشمال ، لا يتأتي إلا بأحداث *تهديد حقيقي للشمال بنقل الحرب إليه ، في داخل المركز* ،، في حال إصرار الشمال على استمرار دارفور جزءا من السودان الكبير ، مما يجعل الشمال *يزعن لمبدأ التقسيم* واستقلال دارفور ، وهو تخطيط ذكي ، ولكن فاته أن أهل الشمال لا *اطماع* لهم في الاحتفاظ بدارفور عنوة ، وان *الرأي الجمعي يذهب الي مباركة  اختيارها ، إذا قررت الانفصال* ، فقد سئموا الحروب وويلاتها ، وهم علي وعي تام بما يحدث وما يمكن أن تؤول إليه الأحداث ..

وأري أن اتفاقية جوبا *صُممت لخدمة خط الانفصال* خلال عشر سنوات ، وان *المكاسب التي تحصل عليها أبناء دارفور ومضمنة في الاتفاقية* ، إن هي الا خطة لإعداد *دولة دار السلام* المستقبلية ..

مثلا ، إن الإصرار علي أن تنال دارفور ٤٠ % من الخدمة المدنية ما هو إلا تخطيط مُسبق *لإعداد الكادر الإداري الذي سيقود الخدمة المدنية* فيها ، حتي لا يحدث فراغ اداري يؤدي إلى انهيار الدولة الوليدة ، مع تأكيدي علي أن *جيوش الحركات* لن يتم تذويبها في داخل الجيش الوطني ، لأنها *الحارسة لخطوات الانفصال* …

أما الدعم السنوي والبالغ 750 مليون دولار  فيهدف إلي تشييد البني *التحتية ومرتكزات الدولة المستقبلية* ، حتي إذا انفصلت الدولة تجد بنيََ وأرضية صلبة تنطلق منها ..

ولكن نقول أن لا احد في الشمال يريد تكرار التجربة الإثيوبية ، والتي يتيح دستورها لكل إقليم *حق الانفصال* عن الدولة الام ، ولكن المركز *يقاتل* من يفعل ذلك ..

اذ أن فشل الفيدرالية الإثيوبية في إدارة *التنوع العرقي* فيها ، قاد إلي الحرب الأهلية التي تحتاجها اليوم ، وهو ذات *المتوقع للسودان* حتي ولو إنتظمت أقاليم السودان في *اتحاد دولي كونفدرالي* ، فالمطالب المناطقية اليوم *متصاعدة* ، وثقافة *عدم الترحيب بالآخر وقبوله في نمو مضطرد* ، والارتداد إلي *القبيلة* هو السمة الغالبة في الفعل السياسي ..

لهذا ، *حقنا للدماء ، وحفظا لمكتسبات المواطن* في أي جزء من السودان ، وحمايةََ للممتلكات العامة والخاصة ، اري ان ينتظم السودان *حوارُُ مفتوح عن مستقبله* ، وان يشارك فيه الجميع ، وان لا يُترك *للنخبة ، والمُنظٌرِين ، والحالمين ، والعاطفيين ، اي أن تكون الغلبة فيه للواقعيين* ، أهل الرأي الفاحص ، من *منطلقات الربح والخسارة* التي تعود على المواطن ، عزة وكرامة وامنا وسلاما ، وحياة رغدة رخية في كل أجزائه .. وان لا تقود *هلاويس الماضي ، أو عشق التاريخ المزور المصنوع ، أو امال المستقبل الهش* .. أجندتها أو تؤثر علي خياراتها ..

يجب علي *المهموس به أن يُجهر به* ، لأننا أمام خيارات صعبة ، واختيارات *موجعة مؤلمة للبعض* ، فبالنظر  الي واقعنا اليوم ، استطيع ان اقول وعلي درجة عالية من الموثوقية أن التقسيم *واقع واقع ، إن لم يكن سِلما ، فحربا* .. آي إن لم يكن *بأيدينا سِلما ، فبأيدي الآخرين حرباً* ، تخطيطاََ ورعاية وتمويلا .. *فثروات السودان اليوم تقام عليها المزادات* جهاراً نهارا ، وللأسف أن من يمسك الجرس ويقرعه هم *بعض أبنائه* ..

لهذا أمامنا *تجربتان متضادتان* انجبتا نفس *المولود* ..

اولهما تجربة الاتحاد السوفيتي *في التقسيم السلمي* ، وفك الارتباط بدوله ، اي مكونات الدولة الاتحادية ، وما تمخض عنه ذلك من دول مستقلة سِلما ، أرتادت اليوم آفاق التنمية البشرية والاقتصادية ، وبعضها يؤسس لاقتصاديات مستقبلية عملاقة  ..

وثانيهما تجربة يوغسلافيا في *التقسيم المر المكلف* ، المدمر للإنسان والمكان ، مترافقا ذلك مع  إقتتال كارثي ، والذي تمخض بعد سنوات من الاحتراب والتصفيات العرقية ، عن مجموعة دول تعيش اليوم في سلام وجوار ، ولكن بعد إقتتال إعادهم اعوام الي الوراء ، *وحرب عرقيات عبثية* كان يمكن تفاديها ..

لهذا علينا أن نختار بين *الخيارات الثلاثة* الآتية ..

… *العيش في وطن واحد ، بلا أحقاد* ، فيه يُحترم الإنسان وتصان كرامته ، ويُعلي من إنسانيته ، في سلام وأمن واطمئنان ، وهو شئ يكذبه الواقع والمثال ، فهو *رابع المستحيلات* ، كالغول والعنقاء والخل الوفي .. لأن الصراع انتقل من صراع علي *مسارات الأرض* ، الي *صراع سياسي* حول أنصبة  الإقليم في السلطة والثروة ، الي *متلازمة ثقافية قيمية* ، اي *صراع ثقافي مدمر للهوية ، متجاوز للحدود ، قاطن في النفوس* ومتمكن منها تماما ، وهي حالة *مركوزة في الدواخل* لا يمكن الفكاك منها إلا *بالبتر الكامل ..*

… التقسيم *بالحسني أو الإيجابي* اي وفقا للمثال السوفيتي ، وهنا *الكل رابح* ..

… *التقسيم المر أو السلبي* ، وما يصحبه من دمار وتقتيل وفقا للأنموذج اليوغسلافي ، وهنا *الكل خاسر* ..

انا لا اخفي تأييدي لفكرة التقسيم ، *ليس حبا فيه ، أو كراهية لمكون عرقي ، ولكن انطلاقا من موقع عقلاني يُعظِم الإنسان ، ويدعو  لصون كرامته ، ويري حرمة دمه سواء في دارفور أو الوسط أو الشمال* ، أو أي جهة كانت ، فإن *دماء انسان دارفور ليست بارخص* من دماء غيره ، فهو عندي كالاخرين *يستحق العيش الرغيد والحياة الكريمة ، وان تصان حقوقه في الاختيار* ، في كيف يُحكم ، ومن يحكمه  ..
وثانيا لأنني اري *ان الفتق اكبر من الراتق* ، وان الصراع انتقل من الأرض الي الإنسان ، وهو شئ يؤسف له ، لان الحياة *أقيمُ من اهدارها فيما لا يفيد ، وأقصرُ من تبديدها في حروب عبثية* ، وأعظمُ من أن تُترك لاصحاب الاحلام الوردية ، وأصحاب الفرضيات المفارقة للواقع ، الغير قابلة للتطبيق ، *وأصحاب الغرض ، ومعدومي الضمير* من السذج والعملاء المأجورين ..

ولهم اقول ، كفاكم تحكما في رقاب الناس ، فأنتم لستم *بأوصياء عليهم ، ولستم بأفضل من الآخرين ولا اعقل* ، حتي تقرروا لهم مصائرهم .. وجلكم تجار حروب ، وسماسرة دماء ..
فمن يري سعادته في *قتل الآخرين* فهو ليس *بإنسان* ، بل *حيوان* مكانه الغاب وقانونه..
ومن يظن *أهميته وازدياد اعداد النجوم الزائفة* على كتفه تأتي من سحق البسطاء فهو *مخدوع* ..
ومن يريد بناء مجده الزائل علي أشلاء الابرياء ، فهو *مجرم* لا يستحق الحياة ، فإن *الخراب* لا يصنع حاضرا ، *والدمار لا يؤسس لمستقبل زاهي واعد* …

أيها المرضي المتبطلون ، *عملاء الخارج ، كُناس الداخل* ، أعطوا الناس *حرياتهم ، دعوهم يتنفسون ..*

ولنا عودة ..

*حيدر التوم خليفة*
6 سبتمبر 2021
..

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.