الأحد , مايو 19 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *وداعا الامير الحاج نقدالله* “لم يبقى عندى مايبتزه الالم”

*وداعا الامير الحاج نقدالله* “لم يبقى عندى مايبتزه الالم”

                               محمد مهدى الجواهرى
خالد رحمة الله المحامى
كنت كغيرى من المتفائلين بعودة الامير الحاج الى الحياة الطبيعية وفقا لما توقعه الاطباء الالمان بامكانية عودته الى الحياة الطبيعية  فى اى لحظة وافاقته من الغيبوبة التى دخل فيها لما يقارب العشرين سنة بسبب التعذيب الرهيب الذى مارسه  باسم الله عليه  مخاليق الانقاذ وخصوصا نافع على نافع.
فى انتظار لحظة عودته للحياة الطبيعية  لم ازره حتى يظل كما هو الذى رأيته وعرفته  حتى التقيه مرة اخرى ,مخالفا بذلك وصية الاستاذ الصحفى  محجوب عثمان , بوجوب اتباع العرف والواجب بزيارة كل من يتم اطلاق سراحه , ومع اننى زرت بعض من كنا معه بالسجن وندمت ندم الكسعى لزيارة البعض .
وكنت اسأل باستمرار عن الامير الحاج  كل من التقيه , وكانت الاجابة واحدة انه فى غيبوبة تامة.
كان لقاءنا فى سجن كوبر بقسم الكرنتينة (ج) فى عام 1989, وكانت المراكز القانونية آنذاك متساوية تماما لكلينا, وتعرفت عليه معرفة لصيقة وبدون اى رتوش او مجاملة وفى مواقف قل ان يقفها الشخص السياسى,  فكان فيما بعدثانى اثنين جعلا لى من  السجن روضة من رياض الجنة  ,خالد الكد والامير الحاج نقدالله والاثنين الآن بجوار ربهما .
اذكر انه فى يوم من الايام سألنى خالد الكد  ,الم تلاحظ بان بقية المعتقلين يتجنبونك ويبتعدوا عنك, فاجبته بكل صدق بانى لم الاحظ ذلك ,هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فالامر “ما فارق معاى ونحنا فى سجن اقتربوا ام ابتعدوا   فالامر واحد” فقال لى ان هنالك عددا من المعتقلين قد اشاع بانك “غواصة” – تعبير غواصة  اطلقه  ورسخه بعض اخوتنا الشوعيون ويطلق على كل شخص غير معروف لديهم بالسجن باعتباره مغروس من الامن– فقلت لهم “يغوصوا  ليهم لى شنو فالانقلاب كان مكشوفا ومنشورا  فى مجلة الدستور وتم تحذير كل مكونات حكومة الديمقراطية الثالثة منه, هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان معظم من اشاعوا الاشاعة كانوا على صلة مباشرة  وطيبة بدكتور الترابى واحمد عبدالرحمن وغيرهما من رموز مخاليق الانقاذ اللذين كانوا بكوبر آنذاك, لكن صراحة هذا الاتهام  اغضبنى جدا فتحينت الفرصة حتى يجتمع  اكبر عدد من نزلاء سجن كوبر انذاك مع بعضهم البعض  واطلقت اتهامى للجميع بالمسؤولية لما آلت اليه بلادنا بسبب انقلاب مخاليق الانقاذ واستخدمت كل ذخيرتى من الالفاظ النابية فى وصفهم ووصف ما صارت اليه بلادنا وبصوت عالى  سمعه الجميع – كان انذاك معظم افراد الحكومة المطاح بها داخل سجن كوبر  ومن ضمنهم الامير الحاج نقدالله – بعد كلامى  ذاك  , تناولت من العقيد صلاح ابراهيم احمد عليه رحمة الله  بعض الكتب – كانت لديه مجموعة  من الكتب فى شتى مناحى الحياة وباللغتين العربية والانجليزية ,فقد كان واسع الاطلاع ومن ارقى الاشخاص اللذين التقيتهم فى حياتى -, وشرعت فى مطالعتها – كانت فترة خصبة للقراءة والاطلاع ليس كمثل مابعدها وماقبلها – ولم اهتم بعدها بمن راح وجاء من النزلاء , وانا اقرأ فى أحد الكتب  وكانت الكرنينة “ج” خاوية جاءنى الامير الحاج نقدالله وجلس بجانبى مسلما فنهضت وسلمت عليه – وكانت المرة الاولى الذى نتحدث  فيها وجها لوجه – قال لى:” كل الكلام القولتو  قبيل فى حوش الشرقيات صحيح وواقع , لكن يا اخى نحنا مابنعرفك ولا فى زول شافك قبلى كدا ,فعندنا حق نحرص منك ” فقلت له انا ايضا مابعرفكم واول مرة اشوفكم – مع ان معظم المعتقلين كانوا معرفون للكافة بسبب وضعيتهم السابقة كوزراء وزعماء احزاب ومجتمع وظهورهم المتواصل فى كافة اجهزة الاعلام ,فمثلا كان بالكرينتينة “ج” دكتور بشير عمر وزير المالية ودكتور تادرس سمعان مدير مستشفى الراهبات والاستاذ الصحفى محجوب عثمان واستاذى مصطفى عبد القادر المحامى والعقيد صلاح ابراهيم احمد ودكتور سعيد نصرالدين وبقية الوزراء واعضاء مجلس رأس الدولة ببقية الاقسام – , وبعدين ليه خالد الكد ما حرص منى مع اننى اول مرة التقى واياه”.
      من هذه اللحظة ايقنت  بان الامير الحاج انسان مختلف تماما , ويتمتع بصفات عظيمة منها الصدق والوضوح وغيرها من الصفات التى  قل ان تجدها فى شخص عادى ناهيك ان يكون ذلك الشخص  سياسى من سياسيى بلادنا, ومن هنا توطت صلتى به وتقلصت المسافة بيننا كثيرا – مع اننا آنذاك كنا ندرس بان تحتفظ بمسافة بينك وبين اى معتقل آخر –  ومن هنا بدأ يتضح لى هذا الامير.
كان الامير الحاج شعلة من النشاط  والثورة والغضب داخل سجن كوبر , بدأ ثورته بالاطاحة بدكتور الترابى ومنعه من امامة المصلين بالشرقيات – الشرقيات هى الاقسام الشرقية بسجن كوبر- ” – كان هنالك مصلى للاوقات الخمسة يصلى به بعض قاطنى الشرقيات من المسلمين وحقيقة لم اكن ارتاده وعلمت من البعض بان الامير قد منع الامام والمأمون من قيادة الصلاة وتم تكليف الاستاذ ميرغنى النصرى نقيب المحامين السابق بالامامة و اصبحت انا المؤذن والمأمون لاربعة اوقات وصلاة الصبح يتولى امرها الدكتور سعيد نصرالدين الاستاذ الآن بكلية الطب بجامعة الاحفاد واحد اقطاب  حزب الامة وكيان الانصار- ومع ذلك كان الدكتور الترابى ومخاليق الانقاذ يؤدوا صلاة الجماعة معنا ,ان منع دكتور الترابى من الامامة  وما كان يوجهه له الامير الحاج من كلام قاسى لم يسمعه من احد حتى مماته ,حسب وجهة نظرى كان احد اسباب  ما حل بالامير الحاج فيما بعد من تعذيب .
من وجهة نظرى ومن خلال مشاهداتى ,كان الامير الحاج يشكل تيارا لوحده داخل حزب الامة  فهنالك التيار العلمانى  وكان من ضمن رموزه انذاك صلاح عبد السلام الخليفة وبكرى عديل وعلى حسن تاج الدين والاستاذ عبد المحمود الحاج صالح المحامى آخر نائب عام بالديمقراطية الثالثة, وتيار خليط بين الدينى والسمع والطاعة للسيد الصادق المهدى , كان هنالك احترام حقيقى متبادل كبير بينه وبين السيد الصادق دون  اى اندلاق او تملق او دهنسة,مع علمانية ومدنية الامير الحاج فلقد كان هو من يقود جموع الانصار فى قراءة راتب الامام المهدى  , وطيلة فترة تواجدى بالشرقيات لم ارى السيد الصادق فى حلقة الراتب التى تنعقد فى اليوم مرتين.
كان اليوم يبدأ فى الكرنتينة (ج) بصياح وقهقهات خالد الكد بصوت عالى داعيا للاستعداد لتمرين كرة القدم اليومى , ومن ثم سماع صوت مفتاح الباب الشمالى الغربى  للكرنتينة المؤدى لساحة المقصلة  لعسكرى السجون معلنا عن فتح  الباب وجهوزية الملعب.
كانت هنالك مبارة تجرى يوميا بين فريقين الاول بقيادة السيد الصادق المهدى والثانى بقيادة الاستاذمحمد ابراهيم  نقد, وكان الحكم الاستاذ التجانى الطيب, والجمهور شخصان هما مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى وادريس البنا بالاضافة الى بعض عساكر السجن.
الامير الحاج وشخصى كنا بفريق السيد الصادق المهدى ,وكان من ضمن فريقنا الدكتور بشير عمر ودكتور سعيد نصرالدين  ونصر الدين الهادى ودكتور اسماعيل وزير الثروة الحيوانية انذاك والعميد عبد العزيز خالد , ومن ضمن فريق استاذ نقد خالد الكد ودكتور عشارى وصلاح القدسى والمقدم عمر الامين .خلال المبارة كانت هنالك احتجاجات متواصلة من خالد الكد واعتراض على تلك الاحتجاجات من الامير الحاج وتنتهى بتدخل الحكم.
كان الاحتفال بالمولد النبوى الشريف  وكان يأم الحلقة مولانا السيد محمد عثمان ومعه لفيف من الختمية اذكر منهم الاستاذ التوم اخر وزير اعلام بالديمقراطية الثالثة واظن ايضا السيد سرالختم الميرغنى كان حاضرا وغيرهم, الامير الحاج كان احد افراد الحلقة , وكذلك خالد الكد ,وقرأنا جميعا المولد البرزنجى وامنا على دعاء مولانا السيد محمد عثمان.
كان الامير الحاج صادقا وواضحا  فى مناهضة مخاليق الانقاذ وبوتيرة واحدة بل متصاعدة فى عدائه لمخاليق الانقاذ ونهجهم ولاحظت مرارا ان الدكتور الترابى كان يتفادى ان يلتقى به داخل السجن.
من الطرائف التى اذكرها للامير الحاج ,اننى بحكم اننا مؤذن السجن كان يتوجب على ان ادعو بعيد كل صلاة , وكان الدعاء على الانقاذ واهلا يشكل حيزا كبيرا من مساحة الدعاء  ويؤمن من بعدى المصلين, ففى مرة من المر ات لم اتناول الانقاذ واهلها فى الدعاء فصاح الامير الحاج وهوجالس بالمصلى  ورافع يديه: ( الجماعة وعدوك بى حاجة ياخالد, وين الدعاء على ناس الانقاذ) فضج المصلى بالضحك.
اذكر ايضا انه فى مرة من المرات وكنا ننام على اسرتنا فى الحوش الشمالى للكرنتينة وكان هنالك عسكرى يبدو انه جديد يمشى على اعلى حائط السجن وبندقينه موجهة للاسفل – وهذا يخالف نظام حمل البندقية – قال لى الوليد دا اكان شالتو نعسة البندقية دى بتضرب فى الاسمنت والرصاص بجى علينا ,فما كان من الامير الحاج الا ان خاطبه :ياولدى البندقية دى لو رفعتها لى فوق ما احسن ليك,فما كان من العسكرى الا ان غير طريقة حمله للبندقية.
كنا نتسامر – بحكم قرب الاسرة – احيانا حتى قرب الفجر ونطوف السودان وخارجه فى حديثنا العام والخاص وكان يستمع بانصات تام لما اقوله, انتقدت له فترة الديمقراطية الثالثة وأمن على ذلك ووافقنى بانها كانت تحتاج لحكم – REFREE – ومازالت ديمقراطيتنا القائمة الآن  تحتاج لذلك.فى احاديثى معه اكتشفت ان الخالة  نور الشام زوجة ابراهيم النيل  والتى كان بيتها مفتوح لنا ونحن طلاب ,هى شقيقته وانه وهبها احب ابنائه اليه  هبة ناجزة.  تحدثنا فى كل شئ وتوقعنا كل شئ , الا اننى لم اتوقع  ان يقع عليه تعذيب رهيب يدخله فى غيبوبة لزهاء العقدين من الزمان ويغادر دنيانا الفانية دون ان يفيق من تلك الحال ويرى بعينه بعض ما سعى الى تحقيقه وناضل من اجله ودفع مقابل ذلك ثمنا باهظا .
     غادر دنيانيا الفانية من يقول فيما يفكر فيه ويفعل مايقول , كانت افكاره ومبادئه مجسدة على الارض, وواضحا وصادقا كحد السيف .
عليك رحمة الله ورضوانه , والى جنات الخلد الامير الحاج, ووداعا.

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.