الجمعة , مايو 3 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / مؤتمرات باريس وواشنطن وطوكيو : شرطا يكون لبيس من هيئة التدريس (بقلم: حسام الدين إسماعيل – اقتصادي قياسي واستراتيجي)

مؤتمرات باريس وواشنطن وطوكيو : شرطا يكون لبيس من هيئة التدريس (بقلم: حسام الدين إسماعيل – اقتصادي قياسي واستراتيجي)

ما التكلفة؟ ومن سيدفعها؟
أدناه إجابة ببعض التفصيل:
——–

أولا: مفاهيم نظرية إطارية.

• مستفاد مؤتمر باريس هو قدوم شركات عالمية حكومية أو خاصة أو هجين – بمنظور مدرسة البنك الدولي و صندوق النقد و الكابينة الاقتصادية الحاكمة – تعين السودان على تحسين المتغيرات التجميعية Aggregate Variables  شاكلة ميزان المدفوعات الحاوي على الميزان التجاري و تدفقات رأس المال ، و تقليل عجز الموازنة ، و تقليل التضخم ، ذلكم على المدى المتوسط و الطويل .

• الذي سيعاون هذه الشركات القادمة من الخارج على إحداث هذا التحسن المرتقب هو القطاع الخاص السوداني كواسطة بين أصحاب المال الأجانب و من لهم الدراية بمكامن فرص الاستثمار في السودان و لكن يعوزهم المال.  يفترض بحسب تشكيلة وفد باريس أن يقوم القطاع الحكومي على ضعف تمثيله بستة أشخاص في المؤتمر، أن يقوم بدوره المضعَف سلفا بحسب زجرة صندوق النقد للحكومة الانتقالية في استجلاب بعض الاستثمارات في البنى التحتية و الصحة و التعليم و الطاقة كونها قطاعات يتخشاها القطاع الخاص عادة لما لها من طويل فترة سداد و علو مخاطر في بيئة استثمارية خطرة كالبيئة السودانية ؛ كون القطاع الخاص السوداني هو المستفيد الأول من هذا المؤتمر  يفسر لنا حماسه الكبير  في شكل دفوعاته عن أهمية المؤتمر ، و هذا من قبيل “لنفسه بغى الخير” كما قال صاحب كليلة و دمنة .

• على مدى تجارب البلدان الفقيرة منذ السبعينات ؛ لا تهتم النيولبرالية بإحداث نقلة في توزيع الدخل في المجتمعات التي تستهدفها بوصفاتها ، بل تهتم دائما بتعزيز أي سياسات تضمن تدفق موارد خام رخيصة من البلدان الضحايا إلى أجسام اقتصادات الدول المشاركة بحصص كبيرة في البنك الدولي ، و هو شكل من الاستعمار لا يخفى على مبتدئ في الحياة ، الذي يكبح جماح هذه التكنيك هو قوة تفاوض الحكومات المحتاجة للدعم المادي الخارجي، و إيمان قادة  دفاف هاتيك الحكومات  بأهمية حيازة أكبر قدر من الاستقلالية عن قوة جذب الاقتصادات الضخمة ، يسمي البعض هذه الاستقلالية ب ” السيادة الوطنية ” ، السيادة الوطنية مفهوم مرتبط بكرامة الإنسان ، و حريته ، و رغبته في أن يكون له كلمة في بيته و هو مفهوم حميد سامي عن الاستهزاء إلا من فدم يرى أن الاستعباد بربطة عنق أفضل من الاستعباد بقيد حديد ، السيادة الوطنية هي أن يكون للمرء كلمة حرة في داره ، و ليس أن تكون  الكلمة للجار الغني الذي يًسخر أهل دار الفقير لخدمة أفراد بيت الجار الغني جراء حفر بئر في بيت الفقير.

• الاستقلالية الاقتصادية بين الدول الكبيرة و الصغيرة أو “السيادة الوطنية” تشبه حالة دوران الأرض حول الشمس ؛ فكتلة الشمس تجذب الأرض نحوهها بموجب قوانين فيزياء نيوتن المفسرة لمكانيكا الكون المرصود لدينا ، لكن سرعة دوران الأرض حول نفسها و حول الشمس و كتلة الأرض يخلقون  نوعا من “المقاومة”  تمنع الأرض من التهاوي نحو الشمس لكن أيضا تضمن ان الأرض تظل في “فلك” الشمس و ” تابعة ” لها و لا تستطيع أن تنعتق في فضاء نظام المجموعة الشمسية ثم فضاء المجرة كما تنطلق الشمس عائمة في الملكوت.  في هذا النسق “فائدة متبادلة ” للجميع إن شخصّنا الأرض و الشمس كنظامين اقتصاديين ، إن أرادت الأرض أن تجعل الشمس تدور حولها بنفس طريقة دورانها حول الشمس ، فعليها أن تزيد كتلتها و سرعة دورانها حول نفسها لكي تكتسب زخما momentum  يمكنها من تعديل قانون حركة نيوتن لصالح “الدوران المتبادل” ، هذا لكي يحصل المراد و هو أن تكون الأرض و الشمس تتبادلان ” المنافع ” و لا تستطيعان أن تستغنيا عن بعضهما البعض و تدوران حول بعضهما بنفس السرعة . إكساب الأرض مزيدا لكتلتها و زيادة سرعة دورانها مع ضمان المسافة الثابتة بينها و بين الشمس هو المعني بالحلول الداخلية التي طرحها الاقتصاديون و مازالوا يطرحنوها ، نلاحظ أنه لا استغناء عن العلاقة التجاذبية مع الشمس ، لكن هناك تقنين لهذه العلاقة .

• مفهوم ال DFI = Direct Foreign Investments  أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة هو مفهوم يعني تدفق كموم الدولارات الداخلة عبر الشركات الأجنبية لاقتصاد ما بغية الاستفادة من فرص استثمارية فيه ، بميزات تفضيلية لا تجدها هذه الدولارات في بلدان رؤوس الأموال أو بلدان أخرى : أراضي رخيصة ، مياه مجانية ، إعفاءات ضريبية ، عمالة رخيصة،  شروط BOOT  سهلة ، كأن يكون سعر جرام الذهب ب 19$ في وقت أن يكون سعره العالمي 42$ ، أو أن تكون أجور العمالة المؤهلة في هذه الاستثمارات نحو 1000$ شهريا في حين أنها 15000 $ في بلدان رؤوس الأموال . الذي يحدد استفادة مواطني الاقتصاد المعني هو قوة تفاوض الحكومة مع الجهات المستثمرة لضمان تعاقب و تتالي فوائد Income cascading   هذه الاستثمارات للطبقات الدنيا  poor strata من المنظومة العاملة كوسيط و هي منظومة رجال الأعمال و أصحاب العمل و المستفيدين الأول من هذه الاستثمارات ، رغم أن هذا الأمر ليس من صميم اهتمام ال DFI . تعديد خيارات حكومات العالم الفقير مع أقطاب استثمارية غير قطب الغرب يزيد من قوة الحكومات التفاوضية .

ثانيا : ما الذي يحدث عادة ؟

• هناك ثمن لأي صفقة في عالم اليوم ، لا يوجد تعاون مجاني أو مبادرات إبتغاء وجه الله . ثمن قبول مخاطر الاستثمار الأجنبي مع حكومة مدنية ضعيفة و اقتصاد مليشوي أشبه بالثقب الأسود هو التبعية  . مفهوم التبعية يعني أن يوافق السودان على شروط استثمارية ترهن موارد السودان و قرار شعبه للخارج لفترة طويلة و بكيفية تصعب الخلاص من هذه الشروط ، بل قد لا تسمح هذه الشروط للسودان بأن يكون له أي قرار سياسي داخلي أو خارجي مستقل يضاد توجهات جنسيات الشركات المستثمرة في السودان . هناك من السودانيين – و معظمهم من المستفيدين المباشرين من الاستثمارات الأجنبية و من الساسة – من لا تهمه هذه الاستقلالية و لو كانت نسبية ( كحالة دول الخليج و مصر ) طالما تنتفخ حساباته البنكية الدولارية كل يوم ، و ليذهب الوطن و القيم النبيلة و كل العبطاء إلى الجحيم .

• التبعية ترهن الموراد كحالة الخليج ، فروؤس أموالهم كلها في الغرب ، أو المواقف لمن ليس له موراد كحالة مصر.

• تطور تكنولجيا القرن الواحد و عشرين قد يعيق تحقيق أحلام شريحة المستفيدين و يجهض أحلام الفقراء ، فالشركات القادمة ستستخدم آخر صيحات التقنية في التعدين و الزراعة كي تقلل كلفة استخدام البشر و تزيد من سرعة و كفاءة استغلال الموارد المعدنية و الزراعية و الحيوانية المستهدفة ، مما يعني أن احتمال توظيف العاطلين عن العمل هو احتمال ضئيل الشيئ الذي سيؤثر على توزيع الدخل بين الشريحة الضيقة من رجال الأعمال و التي هي في أعلى الهرم و الشريحة الفقيرة الضخمة أسف الهرم و المرتقبة أن ينالها اليسير من موارد السودان العملاقة ، الشيئ الذ سيهدد استقرار الاستثمار المرجو لفترة طويلة ما لم تنتبه الحكومة لإقامة مشاريع أقل استخداما للتقانة less technology intensive , but labour intensive  تعين المواطن على متبقي الاجراءات الإصلاحية التي لن تتوقف : تعويم الدولار الجمركي ، مزيد من التعويم للجنيه ، الخصخصة ، تقليل الإنفاق على الصحة و التعليم و الخدمات . مثال لهذه العلاقة غير المتكافئة : يمكن زراعة مشروع الجزيرة بعدد 20 آلية ضخمة smart agricultural machines  تعمل بال GPS  و تعدين حقل قبقبة شمال أبي حمد بأربعة آليات تعدين فقط ، انظر كم العمالة الذي سيتعطل بسبب التقانة ، مع العلم بان حصائل هذه المشروعات ستذهب لصالح المستثمرين لوقت طويل قبل أن تؤول لصالح حكومة السودان ، ما لم تحدث طفرة في قوة التفاوض . 

• في أرجنتين التسعينات ، سحقت الشركات متعددة الجنسيات كل الشركات الوطنية المصنعة بعد أن وافقت الأرجنتين على شروط المانحين ، فحدثت اضطرابات عمالية نتاج الاستغناء عن العمالة و تعطيل المصانع المنهزمة ، و دامت الاضطرابات المجتمعية فترة طويلة ، أدت إلى مزيد من الاقتراض من البنك الدولي ، و إلى تعاقب الحكومات و إلى طفو فضائح فساد رجال الأعمال و السياسيين . كانت الشركات الأرجنتينية المصنعة الصغيرة قبلا تكفل فرص توظيف معقولة ، و تدفع الضرائب ، و تساهم في الناتج المحلي قدر استطاعتها ، و تنمو باضطراد ، لكن حينما انتاش التخفيض الجمركي العملة الأرجنتينية انهزمت صادرات الأرجنتين أمام جودة الواردات الرخيصة الجيدة ، و أدى ذلك لمزيد من الاقتراض ،  و هذا هو المتوقع في السودان .

• حينما تأتي الشركات متعددة الجنسيات في بلد منهار كالسودان ، تبحث دائما عن طبقة من المستثمرين المحليين tiers  لتوفير خدمات لا تضر المستثمر الأجنبي كثيرا و لا تكلفه نفقات تشغيلية ، بل هذه الشركات المحلية تكون أرخص مما لو استجلب من الخارج متعهدين محترفين بجودة أعلى ، و في نفس الوقت تدر هذه الخدمات ربحا معقولا نسبيا لطبقة صغار رجال الأعمال الطامحة و المشرئبة : خدمات اللوجستكس و النقل ، التدريب و التنمية البشرية ، توفير الأطعمة catering ، توفير الوقود ، الاستشارات ، الاسبيرات و بعض الخدمات الفنية  منخفضة التقنية و غيرها من الخدمات التي لا تضيف للناتج القومي الإجمالي كثيرا و لا تحسن من شكل الموازنة . هذه الخدمات تفيد شريحة ضيقة من المجتمع هي أصلا لا تعاني كثيرا من شواء الإصلاح و تكون عادة منبتة عن الشرائح الدنيا و توظف أقل عدد ممكن من العمالة ، لكن هذه الشريحة تمثل خط الدفاع الأول للشركات المستثمرة بحيازتها لمنافذ الإعلام و التعليم و كراسي الحكم . هذه الشريحة هي التي تروج لمؤتمرات باريس و واشنجطن و طوكيو منذ الان .

• كرد فعل لهذه التوجهات و تحت هذه الظروف  و من قبيل تطبيق قوانين الفيزياء الاقتصادومجتمعية ، تقوى النقابات و أجسام المعارضة بكل أشكالها المدني و التآمري و العسكري و النقابي  ، لمقاومة استفادة طبقات صغيرة من خيرات البلاد على حسابهم ، و هذا ما شهدت به تجارب فنزويلا و بيرو و المكسيك و البرازيل و الأرجنين في تسعينات القرن الماضي ، الشيئ الذي أدى لانهيار الحكومات الصديقة للغرب و قدوم أشكال أخرى من الحكم استطاعت أن تغير من الحمض النووي لوصفات صندوق النقد و البنك الدولي و المانحين .

ثالثا : ما هو المطلوب ؟

• لا استغناء عن الاقتراض ، لكن الاقتراض وحده لن يكفل تحقيق أهداف الثورة – إن كان هناك من يتذكر الثورة من الطبقة الحاكمة – بل لا بد من التفكير بالتوازي في حلول تكفل توظيف العاطلين و تقلل التضخم و تزيد من قدرتنا التفاوضية بتعديد محاور الاستثمار ، و هذا ما تحدثنا عنه منذ تكوين الحكومة الانتقالية الأولى في سبتمر 2019 و تحدثنا عنه في المؤتمر الاقتصادي.

• النظر بعين الاعتبار لتجارب الدول التي تماهت مع ضغط البنك الدولي و لتجارب الدول التي استطاعت أن تزيد من كتلتها الاقتصادية و من سرعة دورانها حول نفسها : ماليزيا ، سنغافورا ، الصين ، الهند ، البرازيل ، فيتام ، تايلاند ، و غيرها .

• لضمان استقرار مشاريع البنك الدولي و الشركات متعددة الجنسيات و لضمان عدالة توزيع الدخل الناجم من استغلال موارد السودان ، لا بد من  مشاريع موازية يتدخل فيها القطاع الحكومي لكي يعين نفسه و يقوم بدوره الأصيل : ضمان الحياة الكريمة للقطاعات الفقيرة unfortunate strata  إلى حين أن تستيطع أن تقف على رجليها . شركات القطاع الحكومي المحترفة بالمعايير الجيدة هي اللاعب الأصيل الذي يمكن أن يوازن العسف الذي سيحدث في نهب موارد البلاد لصالح الشركات متعددة الجنسيات أو الشركات العابرة للقارات .

• كان ظننا حسن في أن ال BOOT  يمكن أن يحل مشاكل المتغيرات الكلية ، لكن مع أداء حكومة حمدوك المؤدلج ، تكشف لنا تماما أن البووت بهذه المنهجية لن يكون لصالح السودان ، ما لم تحقق الشروط المذكورة .

• لابد من النظر باستراتيجية نحو قضية القروض الجديدة ، فتوجه الحكومة الحالي هو توجه آيدلوجي محض و لا صلة له بالتخطيط الاقتصادي و لا بالاستراتيجيات الاقتصادية ، بل هو توجه نيولبرالي يهدف لتعزيز ربقة السودان و إخضاعه لفلك ثقب أسود ضخم قد يبتلعه ما لم تقوم ثورة مضادة أو تصحيح لمسار هذا التوجه .

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.