الجمعة , مايو 3 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / النبش في صناديق قمامة العالم! كمال الجزولي

النبش في صناديق قمامة العالم! كمال الجزولي

كاذب من يزعم أننا فقراء! فأبسط ما ينهض دليلاً على ذلك أن مدينة الأبيِّض وحدها، ظلت، منذ القرن السَّابع عشر الميلادي، سوقاً مهمَّة للمحاصيل والسِّلع الواردة من كلِّ أنحاء السُّودان، كالسِّمسم، والدُّخن، والتَّبلدي، والعرديب، والسَّنمكَّة، والقرض، والعاج، والجُّلود، والماشية، والفول السُّوداني، والأعشاب الطِّبِّيَّة، وريش النِّعام، وشمع العسل، وغيرها، وغيرها؛ كما ظلت، طوال تلك القرون، مقرَّاً، بصفة خاصَّة، لأكبر بورصة عالميَّة للصَّمغ العربي، دَعْ الخيرات التي لا أوَّل لها ولا آخر، والتي تزخر بها بلادنا، بما في ذلك الإمكانات السِّياحيَّة الهائلة، من جبل مرَّة، إلى سواحل البحر الأحمر، إلى آثار الحضارات العريقة التي تنطق بها الجُّغرافيا الممتدَّة، طولاً وعرضاً، من تخوم الخرطوم إلى أقصى شمال السُّودان، والتي تعتمد على أقلِّ منها بكثير اقتصاديَّات بلدان بأكملها، دَعْ القطن طويل التِّيلة، في أرض الجزيرة الخضراء، والذي تسلَّط عليه النِّظام البائد، فدمَّر أضخم مشروع لزراعته في الشَّرق الأوسط وأفريقيا، وما إلى ذلك من المنتجات التي تتميَّز بها شتَّى أقاليم الوطن.
نعم، كاذب من يزعم فقرنا! على أن مشكلتنا الحقيقيَّة هي أن جُلَّ الأنظمة التي تعاقبت على التَّحكُّم في هذه الثَّروات لم تحسن استثمارها، بل أهملتها، ومضت تنبش في صناديق قمامة العالم!
جالت بخاطري هذه الخاطرات عندما جلست أشاهد الفضائيَّة السُّودانيَّة، مساء الجُّمعة قبل الماضية. فعلى حين كان شريطها الأخباري يعرض خبراً بهيجاً عن جهود تُبذل لتصنيع الصَّمغ العربي بولاية شمال كردفان، وآخر عن إبداء شركات أمريكيَّة رغبتها في الاستثمار في مجال المنتجات البحريَّة في السُّودان، كان صديقنا الصَّحفي البارع شوقي عبد العظيم يستضيف، على نفس الشَّاشة، الخواجة فولكر بيرتَس، الممثِّل الخاص للأمين العام للأمم المتَّحدة، ورئيس بعثتها المتكاملة لدعم المرحلة الانتقاليَّة في السُّودان «يوناتامس»، حيث طرح، بالمصادفة، وبالعربي الفصيح، ملاحظة بسيطة، لكنها ثاقبة الأهمِّيَّة، قائلاً: «وجدت في أسواق الخرطوم أنواعاً من المنقة السُّودانيَّة، مع أنني ظللت أفتقد في بقالات بلدي ألمانيا أيَّ عصير منقة سوداني»، فأحسست بوخزة في قلبي!
مشكلتنا، ببساطة، أننا نصدِّر خيراتنا خاماً، لتعود إلينا مصنَّعة، فنشتريها بأضعاف ما بعناها به! وتذكَّرت، على الفور، ما أخبرني به صديق مهاجر في كندا، من أن طبيبه الذي يعالجه، هناك، من ارتفاع الكوليسترول، ظلَّ يكتب له أدوية لا حصر لها، حتَّى فاجأه، يوماً، بأن نصحه بترك كلِّ تلك العقاقير، واستخدام علاج جديد اسمه «تبلدي TABALDI»، يُستخرج من ثمرة تنمو في غرب السُّودان وغرب أفريقيا! وأكَّد صديقي أنه، بعد أشهر قلائل من تناوله للعلاج «الجَّديد»، بدأ يشعر بالتَّحسُّن لأوَّل مرَّة! وذكَّرتني تلك الحكاية، أيضاً، بالوصفة التي كان بذلها لي، مطالع ثمانينات القرن المنصرم، أستاذنا وصديقنا «الحكيم» المرحوم عبد الكريم ميرغني، لتفادي اضطرابات القلب، بابتلاع بضع فصوص متوسِّطة من الثُّوم الصَّاحي، كلَّ صباح، على الرِّيق! ويقيني أن تلك «الرُّوشتَّة» هي التي أخَّرت لديَّ تلك الاضطِّرابات لأكثر من ثلاثين عاماً، ولو لم أتوقَّف عن اتِّباعها، نتيجة وسوسة من أحد الأبالسة، مع بدايات العقد المنصرم، لما احتجت لعمليَّة القلب المفتوح التي أجريت لي قبل بضع سنوات، لأكتشف، بعدها، أن ألمانيا ودول غربيَّة أخرى تصنِّع، الآن، من «الثُّوم» عقاراً طبِّيَّاً! وتذكَّرت، كذلك، خالي المرحوم بشرى الأنصاري الذي عالجه عبد الكريم ميرغني، أيضاً، من نوبات ملاريا لعينة غلبت الطِّبَّ والطَّبَّاب، وذلك بوصفة مشروب من منقوع لحاء النيم أو اللبخ على شاطئ أبروف! دَعْ «القرض» الذي كان يعجُّ به دولاب المرحوم والدي، يستخدمه كعلاج لنا من نزلات البرد، رغم أن عمله بالسِّلاح الطِّبي كان يتيح لنا كلَّ ما قد نحتاجه من علاج! وقال لي مستثمر إيطالي من زبائني، مرَّة، ونحن مسافران بالطائرة إلى بورتسودان، نحلق فوق بعض السُّهول الفساح على مدِّ البصر: «لو كانت لي سلطة على هذه الجُّغرافيا الهائلة لنثرت عليها، قبيل كلِّ خريف، بذور السَّنمكة، ولحصدتُّها وصدَّرتها بعد الخريف، وملأت خزائن هذه البلاد بأموال مصانع الأدوية»!
تلك نماذج، فقط، من المجال الطِّبِّي، فما بالك بالمجالات الأخرى كافَّة، كالتَّوقف، فوراً، عن تصدير خام «الصَّمغ العربي» الذي يدخل في ألف منتج ومنتج، من المواد اللاصقة إلى الحلويَّات والعقاقير، والبدء في تصنيعه كما سيفعلون، الآن، في شمال كردفان؟! أتساءل، وفي ذاكرتي، إن لم تخُنِّي، آن ديستان، زوجة الرَّئيس الفرنسي الأسبق، والتي عرضت رغبتها، قبل عقود طوال، في إنشاء مشروع كهذا في بورتسودان، فما الذي حالَ دون ذلك؟!

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.