الجمعة , أبريل 26 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / كتب دكتور أحمد عثمان عمر : ما العمل ؟

كتب دكتور أحمد عثمان عمر : ما العمل ؟

بعد اتضاح طبيعة الصراع الطبقي و السياسي الذي أفرز خارطة سياسية جديدة، مايزت بين قوى الهبوط الناعم بشقيها العسكري التمكيني و التسووي في قوى الحرية و التغيير الشريك له و بين قوى الثورة، تجمعت قوى الهبوط الناعم في مجلس الشركاء المقيض له القيام بدور الحاضنة لتصفية الثورة عبر رفع شعاراتها و افراغها من مضمونها، و لم تتمكن قوى الثورة من إعادة تنظيم نفسها حتى الآن بالمستوى المطلوب لإدارة الصراع و استكمال مهام الثورة بالاستفادة من تقدم الشارع القادر حتى هذه اللحظة على فرض ارادته، المطلوب تحويلها إلى عمل منظم مستدام لا لحظي أو موسمي. و في مثل هذه الظروف التي تبدو فيها قوى الردة أكثر تنظيماً من حيث المظهر، و تبدأ هجومها المضاد متوهمة القدرة على تصفية الثورة بالرغم من أنها كمشروع مهزومة من حيث الجوهر، تتعالى الاصوات متساءلة ما العمل؟ والاجابات على هذا السؤال الكبير ، تأتي متباينة تباين الاستجابات النفسية لا التحليلية العلمية و العملية، فتتراوح ما بين الإحباط و الياس و الدعوة للاستسلام، و بين الحزن و التفاؤل العاطفي و المبالغة في إطلاق الشعارات و استعجال النتائج. و حتى لا نظلم الجميع أو البعض، علينا أن نؤكد بأن هذا جميعه يأتي من مواقع الحرص على الثورة و الرغبة في استكمال مهامها، و لكنه لا يقدم الرؤية و لا يضع الخط السياسي الواضح لهذا الاستكمال.
و دون أي ادعاء بإحاطة كاملة أو إطلاق صحة، نتقدم بهذه المساهمة المتواضعة في سبيل صياغة خط عملي يواكب تطور الصراع، و يفتح الطريق أمام تفكيك دولة التمكين و الانتقال الى دولة جميع المواطنين،  ونلخص ذلك فيما يلي:
1- لا بد من بناء خط سياسي يرمي لتجاوز الوثيقة الدستورية بطرح وثيقة جديدة تبنى على أساس  إعلان الحرية و التغيير و تكرس لدولة مدنية خالصة. ترفض هذه الوثيقة البديلة الشراكة مع اللجنة الأمنية و تؤسس لانتقال ديمقراطي حقيقي. و  يجب أن يبنى رفض الوثيقة الدستورية الحالية، على أساس أنها لا تمثل الثورة من حيث أنها تستمد مشروعيتها من انقلاب القصر، بوصفها موقعة من برهان بصفته رئيس مجلس الإنقلاب الانتقالي، و من حيث أنها تكرس هيمنة لجنة نظام البشير الأمنية و تمنع من قيام سلطة مدنية انتقالية خالصة. وهذا يحتم إسقاط المشروعية عن كل المؤسسات التي بنيت على أساسها، بما في ذلك حكومة شبه المدنية برئاسة حمدوك، لأنها تستمد شرعيتها من هذه الوثيقة غير الشرعية المكرسة لهيمنة القوى المضادة للثورة ممثلة في أنشط قطاعاتها المتمثل في اللجنة الأمنية للنظام. و هذا يستلزم بالطبع صياغة وثيقة دستورية بديلة أو إعلان دستوري، تتبناه قوى الثورة ممثلة في لجان المقاومة و تجمع المهنيين و كونفيدرالية منظمات المجتمع المدني و الأحزاب والقوى السياسية التي ترتضي مثل  هذه الوثيقة أو الاعلان.
2- الدعوة الصريحة لإسقاط السلطة الحالية بمجلس سيادتها و حكومتها بإعتبارها فاقدة للمشروعية، لأنها تستمد مشروعيتها من الوثيقة الدستورية المضروبة التي تستمد مشروعيتها من انقلاب القصر الذي نفذته اللجنة الأمنية لقطع الطريق أمام الثورة كشق ثاني من استراتيجية النظام بعد فشل الشق الأمني القائم على القمع العنيف المباشر، و إزالة أي التباس أو مزاعم حول أنها سلطة ثورية أو مدنية ، و تاكيد أنها سلطة تحمي التمكين الذي هو جوهر نظام الرأسمالية الطفيلية، بتمكينها لجنته الأمنية التي منعت حتى عملية الإصلاح ناهيك عن تصفية اثار نظام الحركة الإسلامية. و الدعوة لقيام مجلس سيادة تشريفي مدني ، يمثل فيه العسكريين الوطنيين لا جنرالات نظام التمكين للطفيلية، و حكومة مدنية خالصة قائمة على الكفاءة لا المحاصصة، تؤسسها القوى الثورية المنظمة وفقا لما سيرد أدناه.
3- بناء جبهة من القاعدة للقمة من القوى الثورية و دعوة كل القوى الوطنية للمشاركة فيها، وقبول منسوبي قوى الحرية والتغيير فيها على أساس فردي. كل عضوية الأحزاب السياسية الوطنية بما فيها الحزب الشيوعي، تدخل هذه الجبهة على أساس فردي. هذه الجبهة أساسها في مواقع السكن لجان المقاومة التي يجب أن تتسع مواعينها لتنظيم جماهير الاحياء بالشكل المناسب،  الذي يستوعب الجميع ما عدا منسوبي الحركة الإسلامية، بإعتبار أن جميع الشرائح الاجتماعية و الطبقات من عمال و فلاحين و طبقة وسطى ، أصحاب مصلحة في التحالف ضد راس المال الطفيلي، و أن القوى المنظمة في تيارها التسووي بقواه المكونة من شبه الإقطاع و البرجوازية الصغيرة المتهافته من أجل الصعود و الالتحاق بركب الرأسمال الطفيلي الذي فت من عضدها و زلزل قواعدها عبر خلق سيولة طبقية أضعفت أركانها و الحقتها به من مواقع التبعية ، فشلت فشلا ذريعا في الالتحام  مع حركة الجماهير التي تجاوزتها بالفعل من حيث صناعة الحدث السياسي، و إن بقيت قطاعات منها في إطار تنظيمي موحد معها. أما في مواقع العمل، فالتنظيم يتم بتنشيط تجمع المهنيين و توسعة نشاطه وتكريسه كرافد للتنظيم السياسي، مع عدم إهمال العمل على بناء النقابات الفئوية المستقلة. و يشكل التجمع مع لجان المقاومة، الأساس لخلق جسم الجبهة التي تنتخب قيادتها ديمقراطيا. و هي جبهة ليست بديلا عن القوى السياسية الموجودة في الخارطة السياسية، و لكنها تنظيم وثيق الصلة بالثورة و القوى التي أنجزتها بالفعل، يؤطر الشارع الذي أنجزها تنظيميا، و يرفعه لمقام الفعل السياسي فوق الأحزاب التي انحازت لهذا الشارع كل حزب من مواقعه، و ذلك لتجاوز معضلة التحالفات الفوقية الهشة بين الأحزاب السياسية المنهكة و ذات المصالح الطبقية المتباينة، التي قادت لتصفية ثورات شعبنا المتتالية و انتكاساتها.
و هذا بالطبع لا يمنع من أن تواصل هذه الأحزاب نشاطها المنفرد و انجاز تحالفاتها الفوقية المعتادة، سواء أكان هذا تحالفا تسوويا داعما للهبوط الناعم ام ثوريا داعم للجبهة المطلوبة.
4- وضع برنامج للحكومة يقوم على سيطرتها على اقتصاد البلاد، و رفض روشتة الصندوق مع التعامل معه من مواقع السيادة.
و هذا يستلزم استعادة شركات المؤسسة العسكرية و الأمنية و ضمها للقطاع العام لا خصخصتها تحت دعاوى تحويلها لشركات مساهمة عامة، و وضع برنامج اقتصادي تأهيلي و تنموي يقوم على استرداد الأموال المنهوبة وإعادة تأهيل المشاريع الإنتاجية مع إعادة صياغة علاقات الإنتاج لمصلحة المنتج، و السعي لالغاء الديون الخارجية، مع تحديد آليات و شروط الاستثمار الأجنبي ، و التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية وفقا لاحتياحات واقعنا الاقتصادي دون تفريط في سيادتنا الوطنية. فضرب الرأسمالية الطفيلية و تفكيك سيطرتها الاقتصادية، سيسمح حتما بالحصول على شروط افضل عند التفاوض مع المقرضين، لانه يرفع من قدرة البلاد التفاوضية.
5- إعادة هيكلة القوات المسلحة و النظامية و إعادة مفصوليها جميعا بقرار سياسي مع حل جهاز الأمن. و هذا يستلزم رفض اعتبار مليشيا قوات الدعم السريع جزءا من المؤسسة العسكرية، و التعامل معها كمليشيا يجب حلها و تسريحها و تجنيد من يصلح من أفرادها على أساس فردي بالقوات المسلحة، و إعادة الآخرين للحياة المدنية.
و بكل تاكيد لا بد من حل جهاز أمن النظام الفاشي الذي مازال موجودا، بوصفه جهاز مؤدلج صنع لحماية دولة الحركة الإسلامية ، و من المستحيل أن يتحول الى جهاز لحماية أمن دولة كل المواطنين بحكم عقيدته و تكوين أفراده، و من ثم بناء جهاز أمن جديد من أبناء الوطن الشرفاء الذين انجزوا التغيير وثاروا ضد هذا الجهاز المجرم  الذي اشتط في التنكيل بأبناء شعبنا .
6- إصلاح المنظومة العدلية ووضع تصور شامل للعدالة الانتقالية. و هذا لا يقتصر على فصل المعينين سياسيا بالأجهزة العدلية، بل يجب أن يبدأ اولا بالقوانين و السياسات و اللوائح و النظم ، و من ثم إعادة الهيكلة على مستوى الكادر و التأهيل المستمر لمرافق العدالة.
7- وضع تصور و خطة واضحة لسلام عادل وشامل بإشراك المتضررين (المستغلين بفتح العين) ، الذين عانوا من ويلات الحرب و تداعياتها.
سلام لا يقوم على الاقتسام للسلطة و الثروة ، بل على التوزيع العادل للثروة لأصحابها الحقيقيين من المنتجين، و ذلك عبر الاهتمام بعودة المهجرين والنازحين إلى قراهم وتعويضهم، و توفير شروط إعادة إنتاج حياتهم، و تكريس علاقات انتاج تمكنهم من السيطرة على حصيلة منتجاتهم، و بناء سلطتهم التي تزاوج من بين خصوصيتها واقليميتها و قوميتها. هذا السلام و ثيق الصلة بالعدالة و الحرية، والذي لا فكاك له من مقومات الحياة الكريمة و جذرها الإنتاجي.
٧- التحضير لقيام مؤتمر دستوري لإعداد مسودة لدستور دائم ، تسبقه مشاورات و ورش و ندوات تثقيفية و اتصال مع كل قوى المجتمع الحية دونما فرز أو تمييز، مع الاهتمام بطبيعة قانون الانتخابات الذي سوف يؤسس للديمقراطية القادمة.
قد يبدو الإيجاز الوارد أعلاه كثيفاً، و قد يراه البعض مكلفا لقوى الثورة بما لا تطيق أو أنه يخلط بين الحلم و الواقع و يتجاوز حقائق لا يمكن إغفالها، و لكنه على العكس ينطلق من حقيقة أساسية هي قدرة شعبنا على الفعل و صناعة الحدث السياسي، و على تجاوزه لقواه السياسية المنظمة الذي أكده في كل انتفاضاته، و على وعي قواه الحية التي عرفت عدوها و مازالت تنادي بدولتها المدنية. فالقول بضرورة تجاوز الوثيقة الدستورية لا ينبني على نقدنا السابق لها منذ أن كانت مسودة، بل تعززه الممارسة التي أكدت استحالة استكمال مهام الانتقال في ظلها و بالشراكة مع العسكريين الانقلابيين، و الدعوة لوثيقة دستورية تكرس المدنية وإقصاء العسكريين، مبنية على الثقة في قدرة شعبنا المنظم على اسقاطهم كما أسقط رئيسهم المخلوع، و الرغبة في بناء جبهة من القاعدة للقمة مبنية على تجربة شعبنا في بناء تجمع مهنييه و لجان مقاومته كأساس لعمل تحالفي جبهوي ديمقراطي واسع قاعدي بديلا للتحالف الفوقي الهش الذي ثبتت عدم فاعليته و قدرته على الاستمرار في تنفيذ مهام الثورة مرارا و تكراراً، خصوصا و هو يواجه عدوا شرسا و منظما مثل الرأسمال الطفيلي، الذي جسر علاقته مع الإمبريالية و يسعى حثيثا للدخول معها في تحالف معاد لشعبنا يتوهم في أنه سيكون مستداما.
و في تقديرنا أن الخارطة أعلاه ، ترسم طريقا سياسيا صعبا و معقدا بالفعل، لكنه الطريق الوحيد الذي يقود شعبنا إلى انتصاره الحتمي و يقيض له كسر الحلقة الشريرة و يخرجه من دائرة المساومة التي تبنتها القوى التسووية كطريق لخلاصها بالصعود في رفقة الرأسمالية الطفيلية، و بالمواجهة و الضد لمصالح شعبنا، في سلطة يهيمن عليها الرأسمال الطفيلي و يتبعه من مواقع متخلفة شبه الإقطاع و البرجوازية الصغيرة المتهافتة على السلطة و الفاقدة للثقة في الشعب و حركة الجماهير، و التي كانت تعمل بجد لخوض انتخابات ٢٠٢٠ قبل أن تفاجئها ثورة ديسمبر المجيدة.
يقيننا أن شعبنا منتصر، و أن طريقه للانتصار شديد الوضوح،
فقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.