الخميس , مايو 2 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / هل أتاك حديث المزرعة؟ بقلم : علاء الدين محمود

هل أتاك حديث المزرعة؟ بقلم : علاء الدين محمود

أحزاب تحالف قوى الحرية والتغيير هي الحاضنة الأساسية للحكومة الانتقالية التي تشكّلت عقب توقيع الوثيقة بين العسكر والمدنيين، أي حديث بخلاف ذلك يُعد نوعاً من العبث بعقول الجماهير، وأي حديث يتجاوز تلك الحقيقة إنما يحاول أن ينشيء موقفاً متخيلاً زائفاً مُوازياً لما هو حقيقي ويفرضه على المشهد ليصبح العبث هو سيد الموقف، لقد ظلّ الصحفيون والناشطون الموالون لـ”قحت”، يرددون دون كلل ولا ملل، جملة رنّانة، خاطئة، لكنها أسيرة لديهم، وهي “الإتلاف الحاكم”، وذلك توصيفاً للحكومة الانتقالية، وهو وصف يريد أن يظهر تماهي الحكومة في الحاضنة، وقوة الشراكة مع العسكر، وهو بالطبع توصيف غير حقيقي، لأن الحكومة مشكلة من اختيارين، الأول هو اختيار “قحت”، للعناصر المدنية بما في ذلك رئيس الوزراء والوزراء والمدنيين في المجلس السيادي، بل وكذلك المدنيين في كل وظائف الدولة التي فتحت أمامهم بعيداً عن طرق التوظيف المعتادة والتي من المفترض أن تفتح للجميع، ولكن السادة الصحفيين وإعلام “قحت” وناشطوه، أرادوا أن يظهروا قوة الحاضنة في بدايات عمل الحكومة الانتقالية، لذلك كانوا يرددون أيضاً عبارة “شكراً حمدوك”.

الشاهد أنّ الحُرية والتّغيير هي المسؤولة تماماً من تشكيل الشق المدني واختياره في الحكومة المدنية، ويبدو من العبث تلك المُحاولات من قِبل البعض في تحميل مجموعة متخيلة، وزر الإخفاقات الحكومية، وهي إخفاقات وصلت حد الأزمة، ومنذ موكب الثلاثين من يونيو الماضي، نشطت مجموعة الناشطين التابعين لـ”قحت”، أو بعض من “قحت”، في الطرق بقوة، بعد أن كان الطرق خفيفاً على قصة “المزرعة”، وإظهارها كمتحكم في الوضع السياسي، ومسيّر لتفاصيل الوقائع اليومية في مجلس الوزراء.

والغريب أن مصلطح المزرعة هذا قد صك في مناسبة مختلفة، فهي تعود إلى لحظة المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني، وكذلك ما سبق المؤتمر السادس، وما تم قبل وخلال المؤتمر من تكتلات، كان من أبرزها ذلك الذي قاده د. الشفيع خضر مع مجموعة من الزملاء الشيوعيين، وهو الذي عجّل فيما بعد برحيل الشفيع عن الحزب، رغم التكتلات الأخرى العديدة، لكن المهم في الموضوع أن مصطلح “المزرعة”، ظهر في تلك الأجواء، وهو يُشير إلى مجموعة معينة، وتصادف أن ذات المجموعة ظهرت مرة أخرى في الواجهة السياسية أثناء وعقب تشكيل الحكومة الانتقالية، من خلال شخصيات مُعيّنة مثل الشيخ خضر والشفيع خضر وغيرهما، ليس من خلال العمل مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وحده، بل وقبل اختيار حمدوك، وفي ساعة التفاوض وما قبلها، وهو عمل وتحركات تعلمها “قحت” جيداً وليست غريبة عنها، بالتالي لا صحة في أن تلك المجموعة تتولى أمر كل شيء يتعلق برئيس الوزراء بعيداً عن “قحت”، ورغم رحيل تلك المجموعة عن الحزب الشيوعي، لكن الدعاية القحتاوية تريد أن تنسبها “عنوة كدا واقتداراً”، للحزب، وذلك بتمرير حيلة أنّ هذه المجموعة حتى وإن صارت لا تنتمي إلى الحزب، لكن التكتيك هو تكتيك الحزب؛ أي أن الضرب هو ضرب أبي محجن!

والواقع أنّ “قحت” لجأت إلى قصة وشمّاعة المزرعة السعيدة بعد أن فشلت في كثير من الملفات، بسبب انشغالها بالصراعات الحزبية داخل التحالف، وانصراف كل حزب نحو توطيد مكانته ومكانة عضويته داخل الحكومة، وهنا يحضرني مصطلح آخر أكثر زيفاً وهو “حكومة التكنوقراط”؛ أي أن الحكومة الانتقالية مشكلة في الأصل من خبراء، وهذا غير حقيقي، بل هي مشكلة من محاصصة حزبية كاملة، وكل شخص في مجلس الوزراء والمجلس السيادي هو في الأصل كادر حزبي، أو شخصية وفاقية سياسية، والمضحك أن بعضهم يُطالب بأن تشكل حكومة جديدة خالية من التكنوقراط، وهذا موقف ساخرٌ جداً، ومثيرٌ للشفقة، وطبعاً يخبئ خلفه حيلة ماكرة، وهي أن تشكل حكومة جديدة من ذات التحالف بذات كوادر التحالف، المهم أن “قحت” احسّت بالخطر، خاصة في ظل عودة المواكب، أو بالأحرى موكب الثلاثين من يونيو 2020، ودخول عدد من المناطق بالولايات في اعتصام سياسي جماهيري، وما رشح من أن لجان المقاومة تعد العدة من جديد لنشر جداول المواكب الجماهيرية، مما يعني إعلان التصعيد الجماهيري، وأمام هذا الواقع حرّكت “قحت”، كوادرها للطرق مجدداً على قصة “المزرعة”، وإظهار قيادات المزرعة كحاضنة أساسية وفعلية؛ أي أن “قحت” طوال تلك الفترة لم تكن الحاضنة السياسية، وهذا بالطبع يعتبر نوعا من الهرب من المسؤوليات والتحديات.

لقد قامت “قحت” بتحريك ماكينة إعلامية من عددٍ من الصحفيين والناشطين من أجل إخراجها من الحرج العظيم، لكن جاء هذا الإخراج سيئاً جداً، وبسيناريو فقير الخيال لا يحترم عقول الجماهير، لقد نسبوا إلى المزرعة المتخيلة إمكانات تفوق مقدرة أعتى المخابرات الدولية، ووصفوا المزرعة بأنها فصيلٌ يسعى نحو التسوية!! وذلك أمر عجاب، فما هي التسوية ومع مَن ومَن الذي يسعى إليها حقيقة؟! وضمن فرضياتهم الفقيرة أن التسوية المقصودة هي مع الإسلاميين المعتدلين في النظام السابق، ولئن كان الأمر كذلك حقاً، فإن الدائرة واسعة جداً، وتشمل قوى وأحزاباً داخل “قحت” نفسها، فالمعروف أن هنالك تيارات متباينة في الموقف السياسي قبيل الثورة، فمنهم من دعا مُباشرةً إلى مفاوضة النظام ومنازلته انتخابياً، في سياق البحث عن تسوية سياسية بعد يأس ألمّ بهم من مقدرة الجماهير في صنع انتفاضة وثورة شعبية، بل كان منهم من يسخر من مفردات قديمة مثل انتفاضة وجماهير وثورة، فهذه المفردات تنتمي إلى لغة قديمة، هي اللغة التي ظلت سائدة أيام الحرب الباردة بين معسكرين، رأسمالي واشتراكي، بالتالي إمكانية التحرك على هامش التناقضات بين المعسكرين، أما وقد صار أمر العالم للمعسكر الرأسمالي وحده عبر العولمة، فمن المستحيل عودة مثل تلك المفردات والجمل الثورية، بالتالي يصبح من الضرورة اللعب السياسي وفق المعادلة الموجودة في النظام العالمي الجديد، الذي لا يعترف بغير التفاوض والهبوط الناعم، بل بعضهم قال بلسان مبين “أتحدى قيام انتفاضة أخرى في السودان”، وكل ذلك من أجل السير في طريق المنازلة الناعمة، وهو سير لا يعرف “العودة من منتصف الطريق”، لكن تلك القوى عادت من منتصف الطريق بأمر الشارع، وبأمر ثورته المجيدة التي تفجّرت في ديسمبر 2018، فكانت بمثابة جهيزة التي قطعت قول كل خطيب يختبيء وراء المنابر والخطب الرنانة، وما زال الناس يذكرون انخراط تحالف نداء السودان في أمر التسوية مع النظام، بأمر من الرافعة الدولية، وقرار الاتحاد الأفريقي رقم (456)، فالتسوية لم تكن فقط مع النظام السابق، بل ومع النظام الدولي الجديد ومشروعه الليبرالي والقبول بأدواته في التغيير السياسي التي ليس من ضمن مفرداته “ثورة”، “انتفاضة”، “جماهير”، “شارع”، فتلك هي القوى الحقيقية التي سعت ومازالت تسعى نحو التسوية، ذلك لأن تلك القوى انخرطت ببساطة في عملية التسوية مع النظام السابق عبر “خارطة الطريق” الأمريكية، بتوافق تام بينها، بل إن بعض الذين يتهمونهم بأنهم قد انفردوا بحمدوك، كانوا شركاء لهم، بل كانوا يحذرون الناس من أن أي عمل جماهيري يؤدي لذات المصائر التي حدثت في بعض دول المحيط العربي، بالتالي أقاموا فزاعات في وجه العمل الثوري، ومازالوا يفعلون، حيث إن النظام العالمي الجديد بالفعل لا يقبل بالطريق الثوري ولا الحلول الثورية، لذلك وبدلاً من الاستمرار في الفعل الثوري الجماهيري اليومي الدؤوب، فإنهم قد لجأوا للحل الأسهل وهو التوقيع على شراكة مع العسكر، وهم لجأوا لذلك الحل لأنه يناسبهم ويناسب طرقهم اللا ثورية، وهو بالفعل في حقيقة الأمر يغالط مسار الجماهير ورغبتها في ثورة كاملة.

إن الجماهير لا تعرف الشيخ خضر، ولا الشفيع خضر، هي تعرف قوى الحرية والتغيير التي تصدّت لقيادة المرحلة الانتقالية، بالتالي فإن الحساب لن يقع على الشيخ خضر ورفاقه، بل على قوى الحرية والتغيير التي وجب عليها أن تتصدّى لمهامها ومسؤولياتها وأخطائها بما يحترم عقول الجماهير، بعيدا عن توظيف الأسطورة والغرائبيات المُستلفة من عوالم السرد الروائي في العمل السياسي.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.