الجمعة , أبريل 26 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / إستقالة رئيس القضاء

إستقالة رئيس القضاء

 
    (دراسة..وتأملات)
السادة/
رئيس وأعضاء مجلس السيادة ،،،
           الموقر
تحية واحتراما،،
                وبعد ،،،
(يسرنى أن أخطركم بموجب هذا أننى قد قررت التخلى عن منصبى  كرئيس للقضاء ،وأرجو أن تعتبروا هذا اخطارا منى بالتقاعد وفقا لأحكام المادة (31)/2 من قانون المعاشات لسنة  1962.
إنه ليؤلمنى أن يكون الدافع الوحيد لهذه الخطوة من جانبى هو موقف مجلسكم الموقر من القضية الدستورية التى ما زالت أمام القضاء ، وما ينطوى عليه ذلك الموقف من هدم لكل الأسس  الدستورية التى يقوم عليها  استقلال القضاء ،وقدسيته وكرامته…)
بهذه الكلمات الرصينة ابتدر سعادة القاضى /بابكر عوض الله (رئيس القضاء)استقالته المقدمة لمجلس السيادة بتاريخ 17/5/1967،،وتعود خلفيات الاستقالة الى موقف مجلس السيادة آنذاك من تنفيذ حكم القضاء بشأن قضية حل الحزب الشيوعى السودانى،،(القضية رقم م ع/ ق م/93/1965-
جوزيف قرنق  وآخرين /ضد/مجلس السيادة..الجمعية التأسيسية ..النائب العام) وتتلخص وقائعها الموجزة فى:
ان المدعين اعضاء فى الحزب الشيوعى السودانى وترشحوا فى الانتخابات بهذه الصفة وفازوا بعضوية الجمعية التأسيسية(البرلمان)سنة 1965،قامت الاغلبية البرلمانية باجراء تعديل على دستور 64 وبموجب تلك التعديلات التى ادخلت على وثيقة الدستور بموجبه تم حل الحزب الشيوعى وطرد عضويته المنتخبة من البرلمان وحظر نشاط الحزب فقام الاعضاء المذكورين بتقديم طعن بالرقم 92/1965  لدى المحكمة العليا فصدر الحكم لصالحهم فى 20/2/1965 وقضى ببطلان قرار حل الحزب وإعتباره كأن لم يكن لأنه يتعارض مع الحقوق الاساسية المكفولة بالدستور،وابطلت المحكمة التعديل الذى اجرى على وثيقة الدستور..
ثم طلب المدعون فى طعن آخر بالرقم 93/1965 ان تصدر المحكمة العليا اعلانا بعدم دستورية المادة الجديدة التى ادخلتها الاغلبية البرلمانية واصدار حكم باستمرار اعضاء الحزب المنتخبين فى عضوية الجمعية ،،وكان لهم مرامهم واعلن القضاء بطلان (اسقاط العضوية).
  احدث هذا الحكم هزة وازمة بين القضائية ومجلس السيادة والحكومة(اى مجلس الوزراء)   ،فقد عقد مجلس الوزراء اجتماعا طارئا واصدر بيانا مناهضا لحكم القضاء جاء فيه:
(ان الجمعية التأسيسية هة الهيئة العليا فى البلاد  ومصدر السلطات فوق كل سيادة، وحقها فى تعديل الدستور المؤقت حق لا يسلب،وحرية لا يتعدى عليها،وأى اعتداء عليها اعتداء على هذا الشعب، وتعد على حقوق هذا الشعب وإرادته…اننا نحترم القضاء  واستقلال القضاء ،فى حدود صلاحياته ،وحقوقه الدستورية ،وفق نظمه الدستورية واجراءاته الصحيحة…)
ومن جانبها عقدت الجمعية التأسيسية (اجتماعا طارئا) فى اليوم التالى للحكم القضائى..وقررت منع اعضاء الحزب الشيوعى من حضور جلساتها حتى ظهور نتيجة الاستئناف…)
من جانب آخر فان قلعة العدل وحصنه (الهيئة القضائية) عقدت اجتماعا برئاسة رئيس القضاء(بابكر عوض الله)وقرروا ارسال مذكرة لمجلس السيادة،بصورة لمجلس الوزراء ،و طلبت ان يسحب مجلس الوزراء بيانه وتلغى الجمعية قرارها المانع لأعضاء الحزب الشيوعى من دخولها حتى يتهيأ الجو لنظر الاستئناف الذى تقدمت به الحكومة،
واشترطت القضائية ان يعتذر لها مجلس الوزراء اعتذار كافيا برد الكرامة ويليق باحترامها الواجب عليه.
فيما اصدر مجلس السيادة ومجلس الوزراء..بيانات  اعتذروا فيها للقضا،
واخيرا كان حكم القضاء واجب التنفيذ،و وعاد النواب المفصولين الى مقاعدهم ،
جاء فى ذلك الحكم القضائى الرصين والذى ظل عنوانا لاستقلال القضاء..مايلى..
(..فى الحقيقة كل الدساتير تحوى بين طياتها نص لتعديلها كيما تتمشى مع تحولات المجتمع الذى تقيده من زمن الى آخر،وطريقة تعديل الدساتير تختلف من بلد الى آخر، من حيث المرونة والصعوبة.
ففى بعضها تكون سهلة بمعنى ءنها يمكن تعديلها بواسطة السلطة التشريعية  دون قيد أو شرط وبنفس الطريقة والسهولة التى تتم بها التشريعات العادية،وهذه سميت بالدساتير المرنة…..النوع الثانى هو الدساتير الجامدة وهى من النوع الذى تعتبر فيه اجراءات التعديل أكثر..صعوبة مما يتطلبه تعديل القانون العادة..
ان جميع الدساتير المكتوبة هى عادة من النوع الجامد،اذ يعتبر الدستور قاعدة اساسية بمعنى أنه يرسى المبادئ الأساسية ذات القيم الدائمة، …وأن طريقة تعديله يجب أن تكون على نحو يضمن عدم التغيير فيها الا بعد فحص عميق وتصميم دقيق تجنبا للتعديلات المتسرعة أو غير المدروسة ….)
ثم يقول الحكم فى هذا السياق فصلا فى الدعوى الماثلة :
(..اذا قبلنا دعوى المدعى عليهم بأن هذا الدستور المؤقت ممكن تعديله بنفس الطريقة التى تتم بها التشريعات الأخرى،فهذه الدعوة تتعارض مع النظرية الأساسية  التى تبنى عليها جميع الدساتير المكتوبة،وهى أن للدستور السيادة المطلقة على باقى القوانين …
واذا صح ذلك فانه يمكن للمشرع ان يجتاز الحدود دون مبالاة وبالتالى نكون قيدناه وصرحنا له بعدم الالتزام بالقيد فى آن واحد…ومن واجب المحكمة فى هذا المجال أن تفسر الدستور المؤقت وتقرر القصد الذى كان يرمى إليه المشرع بسكوته عن النص على تعديله..الخ
     نعود الى استقالة رئيس القضاء ،فهى جاءت نتيجة للبيانات المذكورة ومحاولة التأثير على القضاء واستقلاله..وما تبدى من عدم احترامه بما يليق به وهو الجهة ذات القدسية التى خصها القانون بسلطة الرقابة على الدستور والحقوق والحريات الاساسية(حراسة وثيقة الدستور..)،،وبعد ان ضمن الاعتذار للقضاء وتنفيذ حكمه..تقدم باستقالته من منصب رئيس القضاء وقد حوت عبارات رصينة محكمة الصياغة قوية الدلالة شجاعة الفحوى..لتكون نبراسا للاجيال القضائية..،،
ومن بين تلك العبارات فى الاستقالة :
(…ان مسؤولية القضاء لمجلس السيادة بموجب الدستور انما هى مسؤولية تنظيمية  هدفها تأكيد فصل القضاء عن الاجهزة الدستورية الاخرى ،وليست مسؤولية قضائية تخول لكم صلاحية نقد احكام المحاكم بالطريقة التى اتبعتموها فى بيانكم المذكور-ليس هذا فحسب بل ان معالجتكم للموضوع عن طريق البيانات ونشر بيانكم للصحف وأجهزة الاعلام  الأخرى قبل وصوله للهيئة القضائية بيوم كامل قد كان مجافيا للتقدير اللا ئق لحساسية العلاقات بين السلطات الدستورية فى أعلى مستوياتها ولست أرى فى اتخاذكم طريق البيانات الا القصد المسبق بالتشهير بالهيئة القضائية  والامعان فى التحقير بها أمام الرأى العام  لدرجة سوف تجعل أداء مهمتها المقدسة فى تحقيق العدالة بين المواطنين مستحيلا فى المستقبل …)ثم قال..
(..ولقد حاولتم فى بيانكم أخيرا أن تصفوا رأيكم فى الحكم بأنه رأى مجرد ،ليس رأيا قضائيا، وأن للمرء أن يتساءل ما هى المصلحة فى ان تبدى هيئة لها خطرها الدستورى كهيئتكم رأيا مجردا فى حكم وهى تعلم أن الرأى لا يخدم غرضا من الناحية القضائية …
ثم يقول رئيس القضاء فى ثنايا استقالته..
(..و مع علمنا بطبيعة تكوين مجلسكم الا أننا كنا نأمل أنكم فى هذا  الموضع سوف تعالجون المسألة بموضوعية ولكنكم قد اخترتم نفس الطريق الذى سارت فيه الجمعية وبطريقة أكثر امعانا فى امتهان كرامة القضاء..)
ويختم نقاط الاستقالة فى سادسا  :-
( اننى لا أرضى الاساءة الى القضاء ولا يخفف من وقع تجريح القضاء أن يأتى التجريح فى بيان محشو بعبارات احترام الجهاز القضائى  واستقلاله -ان احترام القضا انما يكون باحترام قراراته واحكامه والامتثال لها وان القضاء لا يرضى ان يكون احترامه تلطفا او تفضلا من مجلس السيادة او الحكومة ، اذ ان كيان القضاء مكفول فى الدستور الذى استعاده الشعب بقوة ايمانه فى سيادة القانون)
ثم يختم استقالته بعبارات:
(وارجو ان تسمحوا لى أن أقرر بهذه المناسبة اننى خدمت القضاء قرابة ربع قرن كان أغلبها فى ظروف حالكة عانيت فيها الكثير من محاولات الحكومات المختلفة لفرض سلطاتها لتحقيق المآرب السياسية ولكننى أحمد الله على أننى أترك القضاء وأنا مرتاح النفس الى أننى لم أقدم يوما على عمل لم يرض عنه ضميرى..)
(..اننى ارى أنه من واجبى أن أوجه النصح لمن لا يؤمنون بحكم القانون أن نظم الحكم السليمة والتى تعرف وضعها الصحيح حسب الدستور لا تخشى القضاء ولا تستعديه لأم القضاء السليم انما هو أقوى سن لكل حكومة تستشعر واجبها…
وبما أننى أعلم أن القضاة يدركون مهامهم الجسيمة كل الادراك وأنهم لا يفرقون بين حزب وحزب أو طائفة وطائفة ،فاننى انذر كل من تسول له نفسه العبث باستقلال القضاء بأن القضاة سيقفون بكل قوة لحماية ذلك الاستقلال..
ثم يختم استقالته:
(..ليشرفنى اننى عملت ما فى وسعى لصيانة استقلال القضاء ولا أريد أن أبقى على رأس الجهاز القضائى لأشهد عملية تصفيته وتقطيع أوصاله وكتابة الفصل المحزن الأخير من فصول تاريخه..)
      تبقى استقالة رئيس القضاء (بابكر عوض الله) نبراسا ودرسا ، لحماية وصون استقلال القضاء واحترام قدسيته ،،لعل الاجيال تتأمل هذه المعانى وتقتبس  من ضياء هذه المعانى لتحافظ على هذا الموروث من القيم القضائية وأدب القاضى،،
    والتزام النزاهة والحياد فى جميع الأحوال تطبيقا لمبدأ سيادة القانون والمساواة امام القضاء..للفصل فى الخصومات دون ميل أو هوى أو ميول ، الا للعدالة وميزان الحق،،
  وبالله التوفيق،،

         د. محمد خليفة

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.