نبي…إسمه الأبوابي

نبي…إسمه الأبوابي :
…….
كنت بالصحيفة تقريبا في خواتيم 2010  حينما وردني خبرا مفاده تعيين مامون حميده وزيرا لصحة الخرطوم.
حرصت على السبق الصحفي وانا اتصل على مدراء مستشفيات الخرطوم الرئيسية ومنهم دكتور يوسف الامين وبروفسير مروان ودكتورة هالة ابوزيد والدكتور محمد احمد…وآخرين.
استطلعتهم هاتفيا وتفاوتت ردود الافعال والتصريحات والتحفظات… لم يقنعني اي رد وعلمت ان جدارا من الزمالة الطبية يربط بينهم والوزير الجديد ويفصل بيننا والخبر الذي نبحث…كنا نستنطق الغيب ونسبر الغور بحثا عن (رأي) ولكن دواعي عدة حالت دون الوصول للحقيقة كاملة…اهمها تحفظ الاطباء…
تناولت هاتفي وتوكلت على الله وانا اتصل بالدكتور احمد الابوابي محاولا التواصل مع (عمقه الانساني) و(مواقفه الاخلاقية) مع الاحتفاظ بمساحة تفصل ما بين عملي الصحفي وموقفي العام وعلاقتي الشخصية بالرجل…
……
جاوبني باريحيته المعهودة وضحكته العميقة وحديثه التساؤلي القلق وهو كمن يحاول القفز على مدخل المهاتفة نحو متنها…سألته عن رأيه وتوقعاته بخصوص قرار تعيين مامون حميدة وزيرا للصحة…ضحك وهو يجيبني بشي من المزاح (مالك علينا يا الدفينة…الراجل استاذي) وبعد مجاملات متبادلة اجابني وهو يعلم ان حديثه مسجل كوثيقة تاريخية…قال الابوابي :
(يحتاج مامون حميدة لمعجزة اخلاقية للتوفيق ما بين مهامه كوزير للصحة عليه الالتزام بفقراء الشعب واحتياجاتهم وما بين مصالحه كمستثمر في المجال الصحي…هي مهمة تحتاج فعليا لمعجزة اخلاقية).
في اليوم التالي صدرت الصحيفة بعنوانها التاريخي وخبرها الحصري :
الابوابي…حميدة يحتاج لمعجزة اخلاقية.
…….
يومها اتصل بي الابوابي ضاحكا وممازحا بعد ان تلقى مئات الاتصالات حول تصريحه السابق لكل الاحداث…كانت نبوءة بحق وحقيقة.
…….
وما ان تقلد حميدة مهامه إلا وبدأت ملاحقاتنا لتلافي نبوءة الابوابي ومحاولة لملمة الفوضى التي اثارها حميدة…كان اخطر قرار هو أيلولة مستشفيات الخرطوم وامدرمان وبحري والولاة وغيرها لوزارة الصحة بولاية الخرطوم بعد ان فك ارتباطها بالصحة الاتحادية…يومها صرح لي عدد من مدراء المستشفيات بأن مامون حميدة يطلق في رصاص الرحمة على هذه المستشفيات لما ستعانيه من ازمات جراء هذا القرار.
…….
وقد كان…نفذ حميدة ما يريد وهو يتوسع في اتجاهين :
تصفية مؤسسات الصحة العامة…
مركزة الخدمات ونقلها للمرافق الصحية الخاصة…
……..
ظلت…وستظل عموم مستشفيات ومرافق الصحة بولاية الخرطوم تحديدا في عهد مامون حميدة تمضي في اتجاه ما تنبأ به الابوابي…
الابوابي كان رئيسا للجنة نواب الاخصائيين عام 2010 وهي اللجنة التي ابتدرت المقاومة القوية جدا ضد انظمة النظام التفكيكية للصحة ومنسوبيها والتي انتجت جملة من الكوارث ستعاني منها البلاد سنوات عدة…وقد استقر في عطبرة بعد تخصصه ولم ينقطع عن التفرد بنشر آرائه الجريئة والمناداة بضرورة الاصلاح مع انحيازه المطلق للبسطاء من هذا الشعب المكلوم…وله موقف مشرق ومشرف إبان الاحداث الاخيرة التي اعقبت اعلان الاطباء لاضرابهم الاخير والمستمر بتصعيد مدروس وبرمجة معلنة بعد ان وضعت اللجنة شروطها وحددت مطالبها في مذكرة منشورة واجتماعان معلنة مع نائب البشير.
……..
اليوم هو اليوم الرابع لاعتقال الابوابي…
واليوم تم نقله من عطبرة للخرطوم…
……..
كغيره من الاطباء :
لا نطالب باطلاق سراحهم فقط…
بل نوجه الدعوة لشعبنا العظيم بالنزول للشوارع والاعتصام داخل المستشفيات حماية للاطباء ومطالبهم التي هي مطالب الشعب…
يجب ان يتمدد الشعب نحو عموم مستشفيات السودان والاعتصام بداخلها حتى يتم اطلاق سراح كل الاطباء مع التمسك الكامل بكل مطالبهم وعدم رفع الاعتصام الا بعد تنفيذ كل مطالب الاطباء وتحقيق كل ما ورد في مذكرتهم.
تلك هي قضيتنا نحن كشعب في المقام الاول.

علاء الدين الدفينة.